( الحلقة العاشرة ) تريم مدينة تاريخية عريقة. تقع في وادي حضرموت شمال شرق مدينة سيئون في محافظة حضرموت، وتعد مدينة تريم حالياً ثالث أهم وأشهر مدن وادي حضرموت بعد شبام حضرموت ومدينة سيئون. تتبع مدينة تريم إدارياً مديرية سيئون، وعن تاريخ إنشاء هذه المدينة تؤكد المصادر التاريخية بأن تريم شيدت في عصور ما قبل الإسلام، ويرجع أقدم ذكر لهذه المدينة في النقوش الكتابية المدونة باللغة اليمنية القديمة إلى بداية القرن الرابع الميلادي في النقش جام رقم 547 والنقش رقم 31IR. سُميت مدينة تريم بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها تريم بن حضرموت بن سبأ الأصغر. لعبت مدينة تريم في العصر الإسلامي دوراً علمياً وسياسياً هاماً، فقد أصبحت من مراكز العلم المشهورة في اليمن، وصارت في بعض الفترات أهم حاضرة في وادي حضرموت، وتبادلت هذا الدور كثيراً مع مدينة شبام حضرموت التاريخية. وصفها أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني في كتابه «صفة جزيرة العرب» بأنها مدينة عظيمة. في بداية القرن الثالث الهجري-التاسع الميلادي تمكنت قوات محمد بن عبدالله بن زياد مؤسس دولة بني زياد في زبيد من السيطرة على مدينة تريم وإخضاعها لسلطة ابن زياد وأصبحت واحدة من مدن الدولة الزيادية. وفي نهاية القرن الرابع الهجري-العاشر الميلادي قام آخر حكام بني زياد الأمير الحسين بن سلامة ببناء المسجد الجامع الذي لا يزال عامراً حتى اليوم ويتوسط مدينة تريم. يعرف هذا الجامع باسم الجامع الكبير. كان الجامع الكبير بمدينة تريم من أهم مراكز نشر العلم والمعارف ومن أشهرها في تريم بل وفي حضرموت واليمن كلها. وكان طلبة العلم من مناطق اليمن المختلفة ومن بلدان أخرى وخاصة من بلدان الشرق الأفريقي يقدمون إلى اليمن للدراسة في هذا الجامع، وفي مساجد ومدارس وأربطة العلم في مدينة تريم. من أشهر تلك المساجد الجامع الكبير الذي ينسب بناؤه إلى الأمير الحسين بن سلامة في القرن الثالث أو بداية الرابع الهجري-التاسع العاشر الميلادي ؛ ومسجد الوعل الذي أنشأه أحمد عباد بن بشر الأنصاري ؛ ومسجد أبي حاتم الذي يعرف حالياً بمسجد عاشق ؛ ومسجد الفتح الذي أنشأه الشيخ الغمام بن عبدالله الحداد، وجامع المحضار الذي أنشأه الشيخ عمر المحضار بن عبد الرحمن السقاف سنة 1823م، وتولى المعلم عوض سلمان بن عفيف التميمي تنفيذ جميع أعمال بناء وعمارة الجامع ومئذنته الأنيقة الشامخة وتنفيذ جميع الزخارف التي تزين الجامع ومئذنته العجيبة المبنية من الطين والتي يبلغ ارتفاعها عن مستوى الأرض أكثر من خمسين متراً . ومن المساجد التاريخية في مدينة تريم أيضاً مسجد بن علوم الذي ينسب بناؤه إلى الشيخ الفقيه علي بن علوي في القرن السادس الهجري-الثاني عشر الميلادي. ومن أشهر أربطة العلم في مدينة تريم رباط تريم الذي عرف باسم أزهر حضرموت الكبير ورباط مسجد الفتح الذي أطلق عليه البعض اسم الأزهر الصغير. أما مدارس العلم التي اشتهرت في مدينة تريم فنذكر منها هنا : مدرسة الشيخ محمد بن محمد بن أحمد المقدم (توفي 822ه- 1426م)، وكانت هذه المدرسة تعرف باسم مدرسة أبي مريم نسبة إلى مريم الابنة الوحيدة لمؤسس المدرسة ؛ ومدرسة الفقيه حسين بن عبدالله الحاج وموقعها في الجهة الغربية من جبانة تريم، وهذه المدرسة تعرف في وقتنا الحاضر باسم مسجد شكر ؛ ومدرسة الشيخ سالم بافضل وتقع بجوار مسجد بافضل ؛ ومدرسة باغريب. وقد درس في هذه المدارس وتعلم فيها وتخرج منها عدد كبير من العلماء والفقهاء منهم الفقيه يحيى بن سالم بلح ( توفي سنة 577ه- 1181م) ، والفقيه احمد بن محمد بن صفح السبتي والفقيه محمد بن احمد الحب المتوفي سنة 612ه1215-م، وعدد آخر من الفقهاء والمشائخ الذين ذاع صيتهم في اليمن ومكة المكرمة ومناطق أخرى في الدولة الإسلامية. وفي الفترات التاريخية التالية لعصر الدولة الزيادية اهتم الأمراء والملوك والسلاطين بمدينة تريم وأنشأ غالبيتهم فيها العديد من المساجد، وتذكر بعض المصادر التاريخية بأن عدد مساجد مدينة تريم بلغ ثلاثمائة وستين مسجداً، وذهب بعض الرواة إلى القول بأن عدد هذه المساجد في مدينة تريم تجاوز الأربعمائة مسجد. ونعتقد بأن هذا الرقم مبالغ فيه بالنظر إلى مساحة هذه المدينة التاريخية وعدد منشآتها السكنية والمدنية. تزخر مدينة تريم حالياً بالعديد من القصور الجميلة وبعشرات المساجد والمعالم التاريخية. الجامع الكبير بمدينة تريم يقع هذا الجامع في قلب مدينة تريم، بناه الأمير الحسين بن سلامة في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس الهجريين،العاشر -الحادي عشر الميلاديين. تولى الحسين بن سلامة الحكم سنة 375ه- 985م واستمر على حكم اليمن حتى تاريخ وفاته سنة 412ه- 1022م. الوصف المعماري للجامع الكبير بمدينة تريم : عبارة عن بناء من الطين مستطيل الشكل، يتكون في تخطيطه العام من طابقين، الطابق الأرضي تم تحويله في بداية سبعينيات القرن العشرين إلى مكتبة لحفظ المخطوطات سميت مكتبة الأحقاف، وفيها تحفظ مئات المؤلفات المخطوطة الهامة في مختلف العلوم. وتحتل الطابق الثاني مرافق الجامع الكبير الذي يتكون من فناء مكشوف مستطيل الشكل تحيط به أربعة أروقة أعمقها وأكبرها الرواق الشمالي. يطل هذا الرواق ويفتح على الفناء بواسطة عقود مدببة الشكل ترتكز على أعمدة. يتكون الرواق الشمالي من أربع بلاطات تكونها ثلاث بوائك ( ثلاثة صفوف من الأعمدة والعقود). ويتكون كل من الرواقين الشرقي والغربي من بائكة واحدة. وتفتح بقية الأروقة على الصحن أو الفناء المكشوف بعقود مدببة الشكل تقوم على أعمدة إسطوانية، أستبدلت في الزوايا التي تربط بين ألأروقة بدعامات مستطيلة الشكل. سقوف الجامع خشبية مسطحة، تغطيها من الخارج طبقة من القضاض، وتغطي جدران الجامع الداخلية والخارجية طبقة من النورة الناصعة البياض. مداخل الجامع : يتم الدخول إلى هذا الجامع عبر ثمانية أبواب، أهمها الباب الرئيسي الذي يفتح في منتصف واجهته الغربية. وهذا المدخل عبارة عن كتلة معمارية بارزة عن جدار واجهة المسجد، يتم الدخول من باب يفتح في جدارها الشرقي إلى داخل الجامع. تشكل كتلة المدخل قاعدة مستطيلة تحمل مئذنة الجامع. أجريت على الجامع الكبير بمدينة تريم أعمال توسيع وإضافات وتجديدات، ونفذت فيه أعمال ترميم مرات عدة في عصور مختلفة، منها تجديد الجامع في العصر الأيوبي سنة 581ه- 1165م، وفي العصر الرسولي، كما رمم هذا الجامع كذلك في القرن العاشر الهجري-السادس عشر الميلادي.