صافرات الإنذار تدوي في ''إيلات'' .. جيش الاحتلال يعلن تعرضه لهجوم من البحر الأحمر    مسلح يقدم على قتل شقيقه .. إعلان لأمن المخا بشأن الجريمة المروعة    خبير آثار: ثور يمني يباع في لندن مطلع الشهر القادم    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    محلات الصرافة في صنعاء تفاجئ المواطنين بقرار صادم بشأن الحوالات .. عقب قرارات البنك المركزي في عدن    إعلان قطري عن دعم كبير لليمن    جماعة الحوثي تفرض اشتراط واحد لنقل المقرات الرئيسية للبنوك إلى عدن !    خمسة ابراج لديهم الحظ الاروع خلال الأيام القادمة ماليا واجتماعيا    حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس    قرارات البنك المركزي لإجبار الحوثي على السماح بتصدير النفط    تعرف على قائمة قادة منتخب المانيا في يورو 2024    7000 ريال فقط مهر العروس في قرية يمنية: خطوة نحو تيسير الزواج أم تحدي للتقاليد؟    أرواح بريئة تُزهق.. القتلة في قبضة الأمن بشبوة وتعز وعدن    فيديو صادم يهز اليمن.. تعذيب 7 شباب يمنيين من قبل الجيش العماني بطريقة وحشية ورميهم في الصحراء    فضيحة: شركات أمريكية وإسرائيلية تعمل بدعم حوثي في مناطق الصراع اليمنية!    انتقالي حضرموت يرفض استقدام قوات أخرى لا تخضع لسيطرة النخبة    صحفي يكشف المستور: كيف حول الحوثيون الاقتصاد اليمني إلى لعبة في أيديهم؟    إنجاز عالمي تاريخي يمني : شاب يفوز ببطولة في السويد    المجلس الانتقالي يبذل جهود مكثفة لرفع المعاناة عن شعب الجنوب    عن ماهي الدولة وإستعادة الدولة الجنوبية    الوضع متوتر وتوقعات بثورة غضب ...مليشيا الحوثي تقتحم قرى في البيضاء وتختطف زعيم قبلي    مسلحو الحوثي يقتحمون مرفقًا حكوميًا في إب ويختطفون موظفًا    الدبابات الغربية تتحول إلى "دمى حديدية" بحديقة النصر الروسية    حرب وشيكة في الجوف..استنفار قبلي ينذر بانفجار الوضع عسكرياً ضد الحوثيين    حرب غزة.. المالديف تحظر دخول الإسرائيليين أراضيها    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    - الصحفي السقلدي يكشف عن قرارات التعيين والغائها لمناصب في عدن حسب المزاج واستغرب ان القرارات تصدر من جهة وتلغى من جهة اخرى    بحضور نائب الوزير افتتاح الدورة التدريبية لتدريب المدربين حول المخاطر والمشاركة المجتمعية ومرض الكوليرا    شرح كيف يتم افشال المخطط    بدء دورة تدريبية في مجال التربية الحيوانية بمنطقة بور    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و439 منذ 7 أكتوبر    "أوبك+" تتفق على تمديد خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط    ولي العهد الكويتي الجديد يؤدي اليمين الدستورية    رصد تدين أوامر الإعدام الحوثية وتطالب الأمم المتحدة بالتدخل لإيقاف المحاكمات الجماعية    الملايين بالعملة الصعبة دخل القنصليات يلتهمها أحمد بن مبارك لأربع سنوات ماضية    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    الوجه الأسود للعولمة    الطوفان يسطر مواقف الشرف    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن تحت حكم الإمام أحمد 1948-1962م الحلق14
نشر في الجمهورية يوم 14 - 09 - 2008

انتهى عهد الإمام أحمد بموته ، وإن كان الموت لم يوقف تداعيات فترة حكمه البائسة والتي بدأت في الظهور بمجرد غيابه ، وبعد أسبوع سقطت الإمامة الزيدية السياسية في اليمن ، ومع سقوطها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر.
كان غياب الإمامة كطريقة في الحكم ، وشكل من أشكال السلطة حدثاً مهماً بكل ما تعنيه الكلمة من مدلول سياسي وديني ، فخلال أحد عشر قرناً كان دور الأئمة حاضراً ، صاحب هذا الحضور نفوذ ديني يمتد ليشمل اليمن الطبيعي كله ، أو ينحصر ويتراجع شمالاً حتى جبال صعدة.
ومع كل تراجع كانت هناك فرصة جديدة للتمدد جنوباً ، لأن في الزيدية كمذهب ديني روحاً ثورية متمردة ،ترفض الظلم والاستبداد ، وتدعو إلى الخروج على الحاكم الظالم مهما كانت ادعاءاته السياسية والدينية.
يقول أحمد عبدالوهاب الوريث، في نقده لحال العرب والمسلمين، مشيراً إلى حال اليمن:«والآن لنذكر خلائق كثيرة من المسلمين في دور الانحطاط، بادئين بالطبقة الحاكمة، فبينما كان الأمراء في عصور الاسلام الذهبية يتحلون بتلك الصفات والفضائل العالية، إذ أصبحوا على الضد منها إلا من رحم ربك فقدوا الاخلاص من قلوبهم، وصاروا لايفهمون للولاية من معنى غير كونها وسيلة لإرواء الشهوة، وتنمية الثروة ففقدوا الشعور بالمسئولية وضربوا بينهم وبين الناس حجاباً كثيفاً، آثروا الجور على العدل والباطل على الحق.. أفسدوا الأمة بنكوصهم عن الشريعة المحمدية، وبعدهم للخضوع لقوانينها، حاربوا العلم والحكمة، وضايقوا المصلحين توهماً أنهم خطر على السلطة».
وقد يبدو الأمر وكأن ماقاله الوريث خطاباً سياسياً ديني الطابع نعم ولكنه كان خطاباً ثقافياً جديداً، لأنه حينها ماكان هناك أحد قادراً على القول والجهر بالمعارضة تصريحاً أوتلميحاً، وإلا كان في عداد الأعداء، أما إذا بلغ حدود السلطة والإمام رمزها فإن ذلك تخطى حدود الجريمة السياسية إلى الجريمة الدينية، حيث الإمام ظل الله في الأرض، والاساءة إليه اساءة للدين، والعقوبة هنا أشد وأقسى كانت ثقافة هذا الرعيل ثقافة نقدية، طموحة، راغبة ومؤمنة بالاصلاح، انطلاقاً من الموقع الثقافي التقليدي ولكن التنويري، ووصولاً إلى الموقع السياسي لقد بذر هؤلاء الاصلاحيون الأول بذور التغيير في العقول، وكان ذلك ايذاناً بفجر جديد في يمن الظلمات حينها.
ولاشك أن هذا الخطاب الثقافي المغاير، قد تطور فيما بعد على يد المعارضة في مراحل المقاومة ضد الإمامة، وهي على الأقل مرحلتان«81918491م و84912691م» وتحديداً بعدما تمكن هؤلاء المثقفون من تكوين منظماتهم السرية وتقدم الخطاب عندما أصبح بالامكان أن تتحول المعارضة الفكرية الثقافة إلى معارضة حزبية سياسية في 4491م ولكن في عدن بعد أن هرب قادة المعارضة خوفاً من سلطة الثقافة القديمة، ورغبة في مواجهة أعلى درجة وأقوى أثراً مع ثقافة السلطة.
في الاربعينات كان بعض هؤلاء المثقفين، شعراء وأدباء بارزين، توجهوا بخطابهم الثقافي الجديد إلى الإمام يحيى كما ألمحنا فواجههم بالملاحقة سجناً وتعذيباً واهانة.. فهرعوا إلى بلاط ولي عهد الأمير أحمد في تعز الإمام فيما بعد فأبدى هذا قدراً من الاهتمام بهم فكانوا جلساءه وندماءه، وكان بلاطه ندوة للسجال والمناظرة والمثاقفة، ولم يكن أحمد هذا يريد مواجهة والده العجوز المنغلق على نفسه، ولكن كان ذلك سعياً منه لامتصاص بعض ماكان قد اختمر في المجتمع من رفض ومعارضة للإمامة، أراد الأمير احتواءها، وكان والده الإمام يوافقه على ماذهب إليه، لمعرفة الوالد بالولد أكثر من معرفة المعارضة بولي العهد الأمير.
يقول الزبيري في مقدمة ديوانه الشعري: «كانت طليعة الأحرار اليمنيين قبل الحرب العالمية«الثانية» وأثناءها يقتحمون بأفكارهم الشابة المتفتحة عالماً ضخماً معقداً جديداً عليهم، مليئاً بالألغاز، والاحتمالات والمتاهات هم ينتمون ببيئتهم وأسرهم ومجتمعهم ودولتهم إلى ماقبل خمسمائة عام أوتزيد، لكن كتب عليهم أن يفتحوا عصراً آخر غير العصر الذي ينتمون إليه، وأن يكونوا جسراً يعبر الشعب عليه، ويقطع مسافة قرون طويلة.. ويضيف: «كان ولي العهد «الإمام أحمد فيما بعد» رمز الأمل ومناط الرجاء في القضاء على أسباب الفساد المعروف عن حاشية الإمام«يحيى» وكان رجال هذه الحاشية يرتعدون من المستقبل كلما ذكروا«أحمد» ومن جهة أخرى فهو البطل الأسطوري فيما كانت تزعم له البلاد كلها من مواقف بطولية خيالية من حروب عديدة.. « وفي هذا الجو بالذات، انتقلت بعد خيبة الأمل من صنعاء الإمام يحيى إلى تعز ابنه أحمد ولي العهد» ويؤكد العمري أن بلاط ولي العهد كان يزدهر باسماء لامعة في مجال الشعر خاصة وفي مجال الأدب عامة، كان من بينهم محمد محمود الزبيري وأحمد محمد نعمان، وزيد الموشكي، والارياني، والحضراني، وآخرين.
حينها لم تكن الحياة الثقافية بعيدة عما يجري من ارهاصات في المجتمع تنبئ بحدوث تغيير حتمي، وأحداث جسام كان النظام الذي حقق الاستقلال وخاض حروباً محلية بهدف السيطرة على مقاليد الأمور أبرزها حربه المشهورة مع الزرانيق قد تلقى ضربة موجعة أضعفت من قدراته ، وقللت من مكانته في نظر العامة والخاصة من الناس، فقد خسر النظام حربين في سنة واحدة، الأولى مع الانجليز في الجنوب، وانتهت بتنازل الإمام عن أراضٍ في المناطق الجنوبية، أهمها الضالع عندما وقع الإمام على اتفاقية صنعاء 4391م لأن ذلك أدى إلى كسر حدة اندفاع الإمام وعطلت مشاريعه جنوباً والثانية تمثلت في حربه مع الملك عبدالعزيز بن سعود، حين تمكنت قوات الأخير من اجتياح مناطق تهامة، وتوجيه ضربة عسكرية ساحقة لقوات الإمام المحاربة، اضطر على إثرها الإمام إلى قبول التفاوض فوقع الإمام مع ابن سعود ماعرف باتفاقية الطائف عام 4391م، تنازل خلالها اليمن ولو مؤقتاً عن أي ادعاء بحقوق في الشمال هذا بالاضافة إلى موقف الإمام البائس، المحايد أثناء الحرب العالمية الثانية، خصوصاً أن بعض معاركها قد دارت في مياه اليمن الاقليمية وزاد من ذلك أن اليمن قد أصيبت بمجاعة أتت على الأخضر واليابس، وقضت على كثير من الأحياء، دون أن يحرك ضمير الإمام«وخليفة الله على الأرض» حيث اكتفى بالدعاء، وتخزين المزيد من المؤن الغذائية في مخازنه.
هذه الأحداث كانت قد ألهبت حماس المعارضة، فانبرى شعراء العصر وأدباؤه يسوقون نتائجها حججاً على موضوعية ومعقولية مطالبهم في الاصلاح، وفيما بعد استخدموها دلائل على فساد الحكم، وضعفه وأفول نجمه، كما استخدموها أداة في التحريض لتغيير النظام، وابعاد الإمام وحتى قتله وهو ماحدث في فبراير 8491م وكانت نتاجهم الأدبي النثري منه والشعري يقرأ حينها وخصوصاً القصيدة فأدى ذلك إلى نتائج كان أكثرها أهمية تحطيم صنمية المجتمع المتمثلة في الإمامة والإمام ذاته.
لقد كشف هؤلاء النخبة عن تناقضات المجتمع من داخله، وعروا على وجه الخصوص ثقافته الهشة المحافظة، وطالبوا بالتحول وبصوت أعلى، وكان ذلك مما ترفضه ثقافة السلطة وسلطة الثقافة التقليدية، وتعتبره خروجاً على القيم، ومروقاً على الثوابت، وفي أساسها الثوابت الدينية، وما كان ذلك ليحدث دفعة واحدة، لقد استغرقت العملية عقدين من الزمان تقريباً حتى سقوط الإمامة في 2691م عبر سلسلة من التطورات شملت مناحٍ مختلفة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وعبر سلسلة من المتغيرات مست جذور السلطة وفروعها في نهاية عهد الإمام يحيى، وطول فترة عهد الإمام أحمد، الذي كرهه معارضوه وأدانوه وندد به أنصاره، واعتبروه سبباً مباشراً من أسباب زوال الحكم، وسقوط الإمامة التي دامت أكثر من ألف عام.
وكان هناك شعراء كثيرون منهم: الزبيري والموشكي والحضراني، والارياني والشامي، ولاحقاً البردوني، والمقالح، والمروني، وهؤلاء لم يكونوا رواداً في الشعر فقط، ولكن أيضاً في العمل الوطني، وفي مواجهة التخلف، ولعب الأدب دوراً هاماً في اثارة الحماس الوطني للتعبير، كما ساهم في اعادة الوعي لدى العامة والخاصة على حد سواء كان الشعر في تلك المرحلة أداة تغيير قوية في وجه إمام ظالم، ونظام جائر، يتستر بالدين ويختبئ خلف ركام من التخلف ويحميه.. كانت القصيدة المتمردة الثائرة تنتقل من يد إلى يد، ومن بيت إلى بيت وكان الناس يتناولونها في المقايل«مقايل القات» التي هي حالة خاصة باليمن دون غيرها من أقطار شبه الجزيرة العربية.
وكان عليهم أن يتحملوا في سبيل قضيتهم، وأن يعانوا على المستوى الشخصي وعلى المستوى الوطني لكن معاناتهم الخاصة لم تخفف من وقع احساسهم بوطنهم المنكوب وهذا ماعبر عنه الموشكي في أبيات شعره التالية:
بني اليمن الميمون إن عليكم
فرائض لم تنفك منكم الكنف
وأحسنتموا بالمستبدين ظنكم
وهم داؤكم لويعلمون الذي يشفي
أقمتم إماماً للتقدم في الدنى
فكان إماماً للتقدم في النسف
وأخرجتموه ينظر الكون مشرقاً
فراح بكم مستحسناً ظلمة الكهف
على أمتي من عدله الدهر يائس
وفي أهله من عيرة الدهر مايكفي
وبيت حميدالدين بيت معطل
من الخير والاسلام والوطن العرف
له أسرة مابين لاه وعاثر
وذي أحنة فظ على شعبه جلف
وندرك من أبيات القصيدة معاناة الشاعر بعد أن قام الإمام بهدم بيوت كل زعماء المعارضة وأفرادها، غيرأن التصرف الهمجي لم يوهن من عزيمة الشاعر، ولامن عزيمة بقية زملائه فهموم الوطن عندهم جميعاً أكبر دائماً من الهموم الشخصية.. لذلك فهم قد تجاوزوا همومهم الخاصة إلى الهم الكبير، الهم العام، فخاطب الناس مشيراً إلى معاناتهم من ظلم الإمام،وسجون الإمام، وقالها بوضوح إن الأسرة الحميدية لم تعد سوى بضعة أفراد ينقصهم الخير للناس والوطن فاسدون جائرون في حكمهم وكان ذلك من أكثر المواقف النقدية وضوحاً حينها تجاه الإمامة، وتجاه الإمام وأسرته.
على أن الزبيري كان أكثر شعراء اليمن في النصف الأول من القرن العشرين عطاءً، حيث كان صوته الأعلى بين شعراء المعارضة، واليمن عموماً، كان بمفرده كفرقة مدرعة تقاتل في وجه سلطة ظالمة غاشمة، وقد تطور شعره كشعر غيره من رفاقه مع كل مرحلة من مراحل التطور في اليمن، ومع كل منعطف تاريخي هام، كما حدث في 8491م فمن الشعور بأزمة المجتمع المكبل في عزلته وتخلفه وعبوديه نظامه، إلى التروع إلى المقاومة، ثم الرغبة الواعية والصادقة نحو التغيير الجذري والثورة، ومن إبداعاته وعطاءاته التي ملئت كل ركن من أركان اليمن، ودخلت كل بيت وزاوية منها، تختار قصيدته التي عبر فيها عن حزنه على ما آل إليه الحال بعد فشل انقلاب 8491م، وجاء بإمام آخر «الإمام أحمد» لايقل خطراً وجبروتاً وتخلفاً عن والده، فنراه يقول:
ياشعبنا نصف قرن في عبادتهم
لم يقبلوا منك قرباناً تؤديه
رضيتهم أنت أرباباً وعشت لهم
تنيلهم كل تقديس وتأليه
لم ترتفع من حضيض الرق مرتبة
ولم تذق راحة مما تقاسيه
ولا استطاعت دموع منك طائلة
تطهير طاغية من سكرة التيه
حتى يقول:
نبني لك الشرف العالي فتهدمه
ونسحق الصنم الطاغي فتبنيه
نقضي على خصمك الأفعى فتبعثه
حياً ونشعل مصباحاً فتطفيه
قضيت عمرك ملدوغاً، وهانذا
أرى بخصمك ثعباناً تربيه
تشكو له ماتلاقي وهو مبعث
الشكوى وأصل البلاء فيما تعانيه
وبرغم النقد الشديد الذي وجه به رواد العمل الوطني، ومعظمهم مبدعون نثراً وشعراً، حول موقفهم من الأمير أحمد، أمير تعز وولي العهد، قبل هروبهم إلى عدن.. والزبيري أكثر من وجهت إليه سهام النقد، فهو الأكثر بروزاً بين رفاقه، فإن مكانة هؤلاء لم تتأثر، ولايضير هؤلاء أنهم قد امتدحوا الأمير«الإمام فيما بعد» أحمد، في مرحلة كانوا يرجون فيها أن يأخذ هذا موقعاً متقدماً عن والده، لكنهم سرعان ما اكتشفوا خداع الأمير، وسرعان ماضاق هو بهم، وانتهت هذه المرحلة برحيل المعارضة إلى عدن.. وتأسيس حزب الأحرار في 4491م.
ونلمس أفقاً وطنياً قومياً في ابداعات شعراء ماقبل الثورة عبر عنه الكثير من شعراء اليمن في الشمال وفي الجنوب.. لقد استقبل حدث الوحدة المصرية السورية بفرحة غامرة في أقطار الوطن العربي وهز الحدث الوجدان القومي في الأمة ووجد«البردوني» الشاعر المخضرم نفسه منساقاً لتصوير الحدث بأحاسيس الشاعر الوطني القومي، خصوصاً وقد أصبحت اليمن عضواً في هذا الاتحاد، فيقول:
إناتوحدنا هوى ومصائر
وتلاقت الأحباب بالأحباب
أترى ديار العرب كيف تضافرت
فكأن صنعاء في دمشق روابي
اليوم ألقى في«دمشق» بني أبي
وأبث أهلي في الكنانة مابي
ويمكن النظر اليوم باعجاب إلى نتاجات أدباء وشعراء يمنيين بعضهم عاصر مراحل الإمامة المتأخرة، وبرز بعضهم كأديب أو شاعر في المرحلة اللاحقة بعد زوالها، وبين هؤلاء يبرز عبدالعزيز المقالح كنموذج خاص، جمع بين صفات المناضل والمبدع في وقت واحد، كما كان عليه الرعيل الأول فقد تألق في سماء الأدب حتى فرض نفسه كواحد من رموز الأدب العربي المعاصر وكان محل تقدير واعجاب وتكريم شعبي ورسمي، مثله في ذلك مثل زميله أديب اليمن عبدالله البردوني.
لكن هذا الصراع الثقافي الفكري الذي يدور رحاه في الشمال، لم يكن بمعزل عما يجري في الجنوب المحتل وقد أثبت الشعب اليمني أنه دائماً شعب واحد في الخطوب والملمات وكانت أنات الشمال يسمع صداها في الجنوب وكذا العكس، فطالما كان هناك احساس مشترك بمصير واحد، وكان هذا الاحساس يترجم في مواقف مختلفة، وفي مجالات عديدة، كان الأدب أحدها لذلك نجد مبدعي الجنوب وقد تفاعلوا مع تيار الاصلاح في الشمال، وساندوا القوى الجديدة، في كل المنعطفات وكان اليمن كله ساحة للنضال الإمامة والاستعمار معاً، وإن اختلفت وتفاوتت الأساليب، أو علت أو خفت الأصوات هنا وهناك، تضامناً ودعماً ومساندة.
وربما كان احساس أدباء الجنوب ومناضليه بمأساة الجزء المحتل، أكثر عمقاً وأشد وقعاً، إذ أنهم يعانون من ظلم مركب، فالجنوب واقع تحت الاحتلال البريطاني وفي نفس الوقت فهو ممزق إلى مشيخات وسلطنات يحكمها سلاطين وأمراء لايختلفون كثيراً عن إمام اليمن، بل إنهم أكثر سوءاً لارتباطهم المباشر بالمحتل الأجنبي إلا أن بعضهم كان منفتحاً على العالم الخارجي مستفيداً من انجازات العصر، وهو مالم يكن متاحاً للإمام يحيى ثم خلفه الإمام أحمد ليقبلوا به.
لقد وقف معظم أدباء الجنوب يساندون الاصلاح والتغيير والثورة في الشمال وكان أبرز هؤلاء الشاعر والمسرحي الكبير علي أحمد باكثير، والشاعر لطفي جعفر أمان، وجمال الدين ومحمد سالم البيحاني، ومحمد علي نعمان، وعبدالمجيد الأصنج، وادريس حنبله، ومحمد سعيد جراده وغيرهم، وفي المقابل كان هناك مؤيدون ومناصرون للإمام ولسياسة الإمام، وبعضهم كانوا من حضرموت.
والمسألة التي كانت دائماً محل حوار وجدل في الوسط الابداعي اليمني، هي موقف زعماء المعارضة من الاحتلال البريطاني للجنوب ففي أدبيات المعارضة، وفي أدبيات رموزها لانجد وضوحاً كافياً من الاحتلال البريطاني والوحدة اليمنية وربما كانت هناك مشاعر مكبوتة لظروف خاصة بالحركة إلا أنه من المؤكد أن هذه المشاعر لم تبرز بوضوح إلا في نهاية الخمسينات، مع تقدم اطروحات الحركة الوطنية، وتأثرها بالفكر القومي العربي بتياراته المتعددة الأكثر جذرية في خلافاتها مع القوى الرجعية، ومع الاستعمار بمختلف صوره وأشكاله.
وكان الشعر الشعبي بدوره يسهم في المعركة، وكان تأثيره لايقل عن تأثير الشعر الذي كتب بالفصحى، لقرب رواته من البسطاء من الناس، ولأن القليل من --الناس في اليمن حينها كانوا ممن يجيدون القراءة والكتابة وكان الشعر الشعبي في اليمن يلقى ويدون بلهجات عديدة فالانسان لايتوقع أن يجد في اليمن لهجة واحدة، فلأهل الهضبة لهجة، ولأهل الجنوب«تعز» لهجة، وهناك لهجة خاصة بأهل تهامة، ورابعة يتحدث بها سكان الصحارى البدو في المشرق، ولأهل صنعاء العاصمة لهجتهم، وكذلك الأمر في الجنوب المحتل عدن وحضرموت ولحج وغيرها، وتختلف كل لهجة عن الاخرى، وبعض هذه اللهجات جوهرية في تكوين الجمل وبعضها في طريقة نطق الكلمات، وابدالها حروفاً مثل ابدال اللام والميم والنون، كما تزداد الصعوبة في فهم هذه اللهجات باستخدام كلمات لايستخدمها غير اليمنيين من أبناء العالم العربي، وهناك كلمات ذات أصول تركية دخلت اللهجات المحلية، وأخرى انجليزية، وثالثة صومالية أو هندية إلا أنها قليلة، وهي تسمع في لهجات سكان صنعاء وعدن أكثر.
العادات والتقاليد الاجتماعية
العادة الاجتماعية: هي بصفة عامة كل سلوك متكرر، يُكتسب اجتماعياً.ويتعلم اجتماعياً،ويمارس اجتماعياً، ويتوارث اجتماعياً،وليس معنى ذلك أن كل سلوك متكرر يدخل في إطار العادات والتقاليد الاجتماعية،فهناك أنواع من السلوك المتكرر تعتبر عادات خاصة وفردية، وهي خارج إطار البحث، كما أن لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي يقوم عليها نظام الحياة، وعندما يتغير شكل الحياة، تتحول العادات والتقاليد من حالٍ إلى آخر، أي أنها تتطور في شكلها وأساليبها لتأخذ شكلاً حياتياً جديداً، وبهذا ينتقل المجتمع البشري من نمط للتقاليد الحياتية والاجتماعية إلى نمط آخر، وتصبح الأشكال الجديدة للحياة عادات وتقاليد اجتماعية، والفرق بين التقاليد في الماضي والحاضر، غالباً مايكون فرقاً بين الأنماط الملائمة لظروف الحياة في الماضي، وبين تلك التي تلائم ظروف الحياة الراهنة.
ومن المؤكد أن عادات الناس في اليمن وتقاليدهم قد تغيرت مرات بتغير الأحوال، إلا أن المرجح إن هذا التغيير لم يحدث كثيراً؛ لأن المجتمع اليمني بقى على حاله عقوداً، وربما قروناً طويلة، وبقاء المجتمع على حالة من التخلف والركود لابد إنه قد أدى إلى بقاء العادات والتقاليد الاجتماعية على حالها من الثبات النسبي، وطال بالناس توارثها وممارستها لعدم وجود الحاجة للتغيير.
وعادات الناس في اليمن كثيرة، وبعضها مع يشمل فئات اجتماعية محددة، كتلك العادات والتقاليد التي يمارسها اتباع المذهب الإسماعيلي،مثلاً في جبال «حراز» أو تلك التي تخص طبقة اجتماعية بذاتها، دون غيرهم من الطبقات الاجتماعية،كماهي عادات «السادة» العلويين، إلى جانب ذلك هناك عادات وتقاليد عامة وشاملة تمارسها أغلبية الناس، وهي ملزمة ومرعية، أي أنها مع الزمن قد تحولت إلى عرف سائد وأصبح العرف مع الزمن قانوناً اجتماعياً، وفي المجتمعات التقليدية فإن الأعراف تتحكم في الجزء الأكبر من السلوك الاجتماعي، ومصدر هذه العادات العامة والشاملة، هو الثقافة السائدة العامة،فالثقافة في أي مجتمع هي مصدر الأعراف، والتقاليد الاجتماعية، إلا أن الأعراف والتقاليد بدورها تشكل مصدراً للثقافة ذاتها.
ولاشك أن المجتمع اليمني قد أخذ من ثقافته الإسلامية الجزء الأكبر في عاداته وتقاليده وأعرافه، وهذه العادات الاجتماعية قد نجد لها شبيهاً في بعض المجتمعات العربية أو الإسلامية الأخرى، بفعل المصدر الواحد للثقافة، ونعنى به الإسلام، وبعضها الآخر يعود إلى البيئة اليمنية الخاصة، فهو نتاج لها.
وغالباً فإن المجتمعات التقليدية تتمسك ببعض القيم والتقاليد تمسكاً شديداً، والمجتمع اليمني وهو مجتمع تقليدي،ليس استثناء، لذا نرى الناس يحرصون على التفاخر بالانتساب، والمحافظة على العرض والشرف، وسيطرة الرجل على المرأة، وخضوع المرأة للرجل، وطاعة الوالدين، والرغبة في الزواج المبكر، والزواج من أقارب، وإنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال،وتفضيل الذكور على الإناث، وأهل اليمن كرماء، وأصحاب نخوة، ويميلون إلى التعاون في السراء والضراء، والمبالغة في إظهار المشاعر، وهذه العادات والتقاليد يمكن ملاحظتها لدى مختلف طوائف المجتمع اليمني، لكن عادات أخرى ليست كذلك، فليست لها صفة العمومية، وهي عادة تخص فئات دون غيرها، كختان الإناث، فهي عادة لدى بعض الشوافع في منطقة بعينها، وليست كذلك لدى شوافع آخرين في منطقة أخرى.
وتكثر العادات الاجتماعية في اليمن لتشمل مختلف أنماط السلوك الاجتماعي،كعادة التحية، وآداب المائدة، وآداب المجاملة، وطرق الخطبة في الزواج، وعقدالقران والزواج في اليمن مكلف، والزوج هو الذي يتكفل بإعداد المنزل، وشراء مايلزم العروس من ملابس، وتظل حفلات الزواج ثلاثة أيام، وقد تستمر أكثر، ويبدأ الفرح عادة بقراءة سورة «يس» ثم سورة «تبارك» من القرآن الكريم، ثم تنشد الأناشيد، والمدائح الدينية، وينشد المنشد دون أن تصحبه آلاة طرب، ومجالس السمر للنساء فقط وحدهن، وقد حدث تغير كبير على هذا العادات، وإن ظلت بعض مناطق اليمن تتمسك بهذه العادات لسنوات.
وقد لاحظ أحد المؤرخين إن عادات الناس قد مالت مع الزمن حتى غدت أقرب إلى النصوص الشرعية، بل إنه كلما ازداد المجتمع معرفة بأحكام الشريعة الإسلامية ازداد بعده عن التقاليد المخالفة لها، أما العادات التي لم تجد فيها المذاهب الدينية ما يخالف الشرع، أو ما يخالف أحكامها الخاصة، فقد أقرتها وتحولت هذه إلى أعراف، وقواعد اجتماعية شبه ملزمة.
وقد يبدو مظهر اليمني من الوهلة الأولى غريباً للقادمين من حضارات أخرى، لكن هذا المظهر مألوف وتقليدي للإنسان الشرقي والعربي خصوصاً، والزي اليمني فيه روعة، لتعدد ألوانه، وقد حرص اليمني على أن يبدو مظهره العام مقبولاً، وفي الغالب فإن اليمنيين يتمنطقون «الخناجر والجنابي» والتي يلفون بها أجسامهم، ونوعية الملابس، والخناجر التي تبدو على صاحبها، تدل في الواقع على مكانته الاجتماعية وعلى طبقته.
فالأغنياء وحدهم هم الذين يلبسون الملابس الزاهية، ذات الألوان الثرية المدهشة، والأغنياء وحدهم هم الذين يستطيعون امتلاك الأنواع الثمينة من الخناجر والجنابي المطرزة بالذهب والفضة، والمصنوعة أحزمتها بعناية فائقة تدل على خبرة متوارثة قل أن تجد مثيلاً لها في العالم، أما ملابس الفقراء فتبدو أقل جاذبية، وكذلك الخناجر التي تلف أجسامهم النحيلة، فأنها في الأغلب من المنتجات الرخيصة الثمن، إلا أنه لا يوجد تقريباً في اليمن من لا يملك جنبية أو خنجراً، بالإضافة إلى سلاحه الناري، أو أسلحته النارية كما عند الشيوخ والأغنياء عموماً.
كما أن بعض أبناء قبائل الشمال يرسلون شعورهم، ويكتحل آخرون بالكحل، ويضع اليمني على رأسه عمامة، إلا أن السادة هم الأكثر حرصاً على لبسها؛ لأنها في نظر الكثيرين منهم تعبيراً عن الإحساس الداخلي بالتميز، أما الإمام وأنجاله، فهم وحدهم لهم حق ترك طرف الشال الكبير الذي يلفون به رؤوسهم أن يتدلى خلف ظهورهم.
ويشترك اليمانيون مع غيرهم من العرب المسلمين في بعض العادات والتقاليد، كالاحتفال بليلة «المعراج» والنصف الثاني من شعبان، وعيدي الفطر والأضحى، والحجاب مراعى في الريف والمدينة، وهم مازالوا كبعض المجتمعات العربية التقليدية يهتمون بالألقاب الفخمة التي كانت تستعمل في عصور قديمة، فعلي مثلاً يلقب «الجمالي» أي جمال الدين، وأحمد يلقب «بالصفي» صفي الدين، ومحمد «بالعزي» أي عز الدين.. الخ، فإذا قيل «الصفي» فالمقصود أحمد وهكذا.
وهناك عادات خاصة بأهل المدن، وأخرى بأهل الريف، وعادات أهل صنعاء جميلة، وهي في الأفراح والولائم والمشارب تنبىء عن ذوق رفيع وقيم رفيعة، انحدرت عبر الماضي، وتكونت عبر الأجيال، وكانت مشاربهم ومتنزهاتهم قد ازدهرت بمفارجها الجملية، وحدائقها الغناء، لاسيما مشارب الأغنياء ورجال الحكم، كالأمراء وكبار الموظفين والتجار، وفي الريف فإن العادات والتقاليد أثر القانون، ففي النظام القبلي تحوز العادات والتقاليد نفس الاحترام، وقد حرص النظام القبلي في اليمن على استمراريتها، ولكن هذه العادات والتقاليد تعرضت لمزيد من التحول في النصف الأول من القرن العشرين، بسبب التحول في البنية الاقتصادية والاجتماعية للقبيلة، وإن كان هذا التحول محدوداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.