يرتفع صمتك،تتبعثر ككائن هلامي على كرسيك المتأرجح،ترقب بين قدميك وجوها انتفخت لعهود اللحوم السادية،التي تسربت إليك،ومن بقاياك أشعلت الصورة الهلامية المنتفخة عبثاً. يالموتك. ياللقشة التي تتمرغ في لفتها حتى يستمر ومض عينيك. يالفتاتك. يوم آخر،لايتخلف في هلاميته عنك،يرتفع فيه كسابقة صمتك. يرتفع ويرتفع ويرتفع. تمتطي صهوة قدميك معتمداً على صدى مخيلتك معانقاً السقف المترهل، وعبثاً لا إشفاقاً على تلك المومياوات التي تذاب روحها قربك. إنها ليست الحرب الأولى التي تبني فيها الأضرحة المنتفخة في شوارع المدينة المرعوبة دائماً،ليست المرة الأولى التي تنهش الكلاب تلك الانتفاخات،يناير مازال في أعوامه الكثيرة التي خلت،يولد بكره وبين تلافيف الشاطئ المنقرض،تلد الذاكرة ألعاب الموت. إنه من تبنيت وهو ولدي. لكن هذه المومياوات، ألا تستحق منك القليل،عدت في الليلة الخامسة،والحزن لايعرف سواك،تشتعل عيناك بلا دمع،تردد:التهموه،التهموه،عادت ذاكرتي إلى الليلة الثالثة،عندما دخلت تتبختر بما عمله وليد عندما أنزل الطائرة بجناح واحد بعد المهمة. تدفقت النبضات ومعها الألم،عرفت أن مكروهاً أصابه. فهذه القساوة لايهزها إلا صوت نحيب يجتر ألماً مصفوفاً بفوضوية فوق عتبتك. سألتك ماذا حدث؟ بل قولي ما الذي لم يحدث. كيف؟ استوطنت روحه دموعه المحرمة وهو يواصل. لقد جاء ليخبرني «أن زوجته في حالة مخاض،واحتمال نجاتها ضئيل» لكني، لم أكترث،بل بالسلطة التي أملكها.. أمرته أن يحضر لأداء واجبه الذي لا أعرف لمصلحة من نقاتل دائماً،قلت له «ليس هذا بوقت عواطف، الحرب لاترحم، مؤكد أن هناك من سيرعاها». خرج من الحجرة ودمعه يغطي قسمات ألمه. من؟! التفت أجاب بصاعقة ما زالت تحرقني، اشتعلت الغمامة فوق قلبي أنا أيضاً فلم يكن سوى إحدى أولادي الذي لم أنجب. إنه ولدي. أكلتني تلك الصاعقة تحجرت دموعي التصقت كل ذكرياته الجميلة والحزينة بدمعه وضحكته و.. فجأة دفعني من جانبه بقوة وأكمل. لقد مات،تعلمين كيف؟ جاء يحمل طفلته «متخشبة» في كيس وقال: زوجتي يهتم بها أهلها،«وضع الكيس على الطاولة وأكمل» لعلها تجد الأرض التي سترقد فيها بعيداً عن أزيز الطائرات وصوت قصف المدافع والقنابل.. بعيداً عن العطش والجوع والخوف،وهذه هي قطعتي الأولى والأخيرة،افعلوا بها ماشئتم. حاولت التحدث إليه لكنه أشاح ببصره وصعد طائرته المحملة بالموت. صدقيني كنت أحاول منعه لكنه أتجه نحو الهدف دون أن يكترث لتعليمات الموجهين بعدم الاقتراب اللحظة،ففجر الهدف ومعه تفجر. إنها الحرب،إنه الموت. وبعدها انتهى كل الكلام،انتهت الحرب،ولكن حرب الصمت في بيتي ظلت حتى ساعتي مستمرة،تجمد ذاك القائد،كل شيء توقف عن الحياة،وبقيت معي،مع حلول كل رحمة أرتجي ذاك الصمت أن لا يرتفع.