من الأولويات الواجب وضعها نصب أعيننا وترجمتها إلى خطوة عملية حقيقية.. بذل كل ما بالوسع لحماية فلذات الأكباد من أمراض الطفولة القاتلة التي تكمن الوقاية منها بالتحصين، ولعل أبرز هذه الأمراض المستهدفة بالتحصين، بل وأشدها فتكاً.. مرض الحصبة. فنصف مليون شخص في العالم حسب التقديرات هم حصيلة ضحايا هذا الداء الوخيم، وإن لم نقل جميع هذه الوفيات أو بالأحرى «99%» منها تتركز في البلدان النامية، واليمن بطبيعة الأمر إحدى هذه البلدان، فعلى المستوى المحلي يعد هذا الداء المسؤول عن وفاة نحو «12%» من وفيات الأطفال دون الخمسة أعوام، ومن هنا جاء تصنيفه في المرتبة الرابعة بين الأمراض الأكثر فتكاً التي تصيب الأطفال. مع استشرافنا لحملة التحصين التكميلية نحو القضاء على مرض الحصبة الواقع تنفيذها في الفترة من «24-29يناير 2009م» والتي نأمل نجاحها لبلوغ كافة المستهدفين بالتحصين في الفئة العمرية من «9أشهر-5أعوام»، كان لنا وقفات مع الدكتور خالد غيلان سعيد استشاري طب الأطفال، لإطلاعنا على الحقائق والمعلومات الأساسية حول مرض الحصبة وما يشكله من خطورة على الصحة وما تقدمه الحملات من تدخلات فاعلة للتخلص من الداء ووقف انتشاره. فإلى ما جاء وورد في هذا اللقاء.. مرض معدي حبذا أن تضعنا على حقيقة مرض الحصبة وأسبابه وكيفية سريانه وانتشاره؟ الحصبة مرض فيروسي معدي يتمتع بسرعة عدوى فائقة وبسهولة كبيرة على الانتشار والانتقال.. يمكن وصفه بالأكثر إحداثاً للوفاة بين أمراض الطفولة التي يتم التحصين ضدها لدى الأطفال دون الخامسة من العمر، وبالأخص الذين يعانون سؤ تغذية والمصابين بالتهاب رئوي.. يتميز هذا المرض بقدرة كبيرة على الانتشار والإنتقال عبر استنشاق الرذاذ المتطاير في الهواء المنبعث من فم أو أنف المصاب بهذا المرض بفعل العطاس أو السعال.. وعلى إثر تلقي العدوى لا تظهر أعراض الحصبة مباشرة، فهناك فترة حضانة للمرض، ونعني بها الفترة الواقعة بين تلقي الإصابة وظهور الأعراض، وتتراوح بين «8-12يوماً» وفي المتوسط «10أيام». وليس لفيروسات الحصبة أي مضيف سو ى الإنسان وهو المصدر الوحيد المسبب للعدوى، خاصة في الطور الرشحي الذي يعتبر أخطر الأطوار وأهمها في نشر العدوى. طبيعة الأعراض الأعراض والعلامات للحصبة.. ألا تحمل من البداية دلالات على الإصابة بهذا المرض؟ وماذا عن تطور هذه الأعراض وصولاً إلى مرحلة الطفح الجلدي وتبعاتها على الصحة؟ الأعراض والعلامات المرضية للحصبة واضحة، ولكن قد يظن البعض في البداية أنها نتيجة إصابة بنزلة برد أو زكام، وبالتالي يمكن تقسيمها إلى مرحلتين: ? المرحلة الأولى: تسمى الأعراض المبكرة؛ فبمجرد دخول وسريان فيروس الحصبة في الدم بعد فترة الحضانة تظهر أولى علامات الإصابة على المريض، وهي أشبه بعلامات الرشح والزكام، ومن هذه الأعراض: ارتفاع درجة حرارة الجسم «الحمى». زكام وعطاس. احمرار العينين الناجم عن التهاب ملتحمة العين. سعال. فقدان الشهية للطعام. حيث تدوم هذه الأعراض يومين إلى أربعة أيام، ووقتها يكون المريض معدي جداً لغيرة. ومما يميز هذه المرحلة ظهور بقع صغيرة بيضاء في الفم أشبه بحبات الملح، يأتي ظهورها قبل الطفح الجلدي بيومين، لكنها عادة تختفي عند ظهور الطفح الجلدي. أضف إلى أنه قد يحدث في هذه المرحلة التهاب للقصبات الهوائية بداء الرئة الفيروسي. ? المرحلة الثانية: ومن مسمياتها مرحلة الطفح الجلدي؛ وأول ما يظهر هذا الطفح في الصدغين وخلف الأذنين، ثم في الوجه، وبعدها يمتد للأسفل إلى جذع الجسم والأطراف بما في ذلك راحة اليدين وباطن القدمين وسائر أجزاء الجسم الخارجية. بعض المرضى يحدث لهم اصطباغ بني للجلد بعد الطفح الجلدي لفترة زمنية قد تمتد لأسبوع أو أكثر، ثم يختفي الطفح الجلدي نهائياً. «وأنوه هنا إلى أن المريض يكون معدياً للغير في الأيام الأربعة التي تسبق ظهور الطفح الجلدي، وكذلك بعد ظهوره بيومين. مضاعفات الحصبة تردي الأوضاع الصحية لدى مرضى الحصبة لاشك فيه خطورة.. فهلا أطلعتنا عن تلك الاعتلالات الشديدة للحصبة ومساؤها وما تشكله من تهديد للصحة؟ المريض بالحصبة في الحالات الشديدة قد يصاب بالتهابات بكتيرية ثانوية في الجهاز التنفسي، كالتهاب الرئة البكتيري والتهاب الأذن الوسطى، وكذا التهاب أنسجة المخ أو أنسجة الحبل الشوكي، وهذا بحد ذاته خطير يفضي إلى إعاقات وعاهات، كالصمم أو العمى أو الإعاقة الحركية. ومن شأن الالتهابات التنفسية الخطيرة التي ذكرتها أن تؤدي إلى توقف التنفس ومن ثم وفاة المريض.. كذلك يمكن للحصبة التسبب بالتهاب الجهاز الهضمي والإسهال الشديد وسوء التغذية، وأحياناً تقود هذه المضاعفات إلى الوفاة.. قد تسبب الحصبة في أحوال معينة كسؤ التغذية والإسهال المتواصل بنفاذ مخزون فيتامين «أ» من الجسم، وهذا بدوره يساعد على ظهور بعض المضاعفات السابق ذكرها، وإذا كان الطفل يعاني أصلاً من نقص مسبق لهذا الفيتامين وأصيب بالحصبة، فذلك يجعله عرضة للإصابة بالعمى. وبالنسبة للأطفال الذين يعانون من سوء تغذية فبالإمكان إصابتهم بحصبة شديدة والتهاب بفيروس «هيربس سيمبلكس» الذي يسبب تقرحات في الفم أو الأنف، لذا يتعين بالضرورة إعطاء المريض بالحصبة فيتامين «أ» لتعويض ما فقده الجسم منه، كي يساعد على زيادة الكفاءة المناعية للجسد لمقاومة المرض والحد من مضاعفاته الخطيرة. رعاية المرضى حدة الأعراض ووطأتها على المريض.. ماذا يقابلها من تدابير ورعاية منزلية؟ تقترن الوقاية من الحصبة باتخاذ بعض التدابير، أهمها إعطاء لقاح الحصبة في الشهر التاسع من عمره كجرعة أولى وإعطائه أيضاً الجرعة الثانية عند بلوغه من العمر عام ونصف بالإلتزام بالتحصين الروتيني واتباع مواعيده الصحيحة المدونة في كرت التحصين. هذا إلى جانب تفاعل الآباء والأمهات وأولياء الأمور بتطعيم أطفالهم خلال الحملة التكميلية نحو القضاء على مرض الحصبة على النحو الذي ذكرناه سابقاً. علاوة على أهمية منع الأطفال غير المصابين من الاختلاط بالأطفال المرضى، ووجوب العزوف عن العادات السيئة المتبعة عند إصابة الطفل بالحصبة، كوضع الكحل في عيني المريض، وابنائه في حجرة مظلمة تفتقر إلى التهوية الجيدة، فكل هذه المعتقدات خاطئة من شأنها أن تؤدي إلى ردود عكسية تزيد من خطورة المرض. كما أن إلباس المريض ملابس حمراء محض خرافة لا تفيده أو تضره على الإطلاق.. بالتالي يجب العناية بنظافة فم وأنف وعيني الطفل المصاب وذلك وقاية له من المضاعفات.. إلى ذلك تقديم الرعاية الطبية الداعمة، كخافضات الحرارة والكمادات الباردة والتغذية الجيدة لما لها مجتمعة من دور في خفض حدة المضاعفات، تلافياً لتدهور حالة المريض. وأشير أيضاً إلى ضرورة استبدال الأغطية والبطانيات الثقيلة وكذلك الملابس الثقيلة بأغطية وملابس خفيفة كي تساعد على خفض درجة حرارة جسم المريض ومن ثم الحفاظ عليها إلى حدٍ ما عند المستوى الطبيعي. كما أوكد على ضرورة إعطاء الطفل المريض مزيداً من السوائل، كالماء والحليب والعصائر الطبيعية الطازجة كي يعوض الجسم ما فقده من سوائل أثناء الحمى.. وفي حال بقاء حرارة الجسم مرتفعة بعد ظهور الطفح الجلدي واختفائه أو إذا ما شكى الطفل من وجع في أذنه أو عانى من صعوبة في التنفس، أو اظهرت لديه تشنجات لزم استشارة الطبيب تلافياً لوقوع انتكاسة أو أي ضرر لا قدر الله. دور التحصين الوقائي آلا يشكل التحصين مسألة حاسمة للحد من الإصابة بالحصبة؟ أم ثمة بدائل أخرى من شأنها شفاء المصابين بالمرض كالأدوية مثلاً؟ لايوجد علاج على الإطلاق يمكن اللجوء إليه لشفاء المصابين بالحصبة، إلا أنه مرض قابل للشفاء إذا تمكنت دفاعات الجسم من فرض السيطرة والقضاء على الفيروسات المسببة له، ولو عجز الجسم عن دحر وصد عنفوانها وتصعدت حدة الإصابة فمن الممكن أن يفضي المرض إلى تردي الأوضاع أكثر وأكثر بالشكل الذي ينجم عنه مضاعفات خطيرة تخلف مشاكل مرضية جسيمة أو عاهات مستديمة ومنها ما يودي بحياة المصاب على نحو ما ذكرته آنفاً. وأهم ما يمكن عمله لنجنب فلذات الأكباء الإصابة إعطاء الطفل لقاح الحصبة في الشهر التاسع من عمره كجرعة أولى، ثم إعطائه جرعة ثانية عند بلوغه من العمر عام ونصف من خلال الالتزام بالتحصين الروتيني المعتاد واتباع مواعيده الصحيحة المدونة في كرت التحصين، مع منع اختلاط الأطفال غير المصابين بالأطفال المرضى لمنع انتقال العدوى إليهم. دعوة من أجل الحملة هل من رسالة أخيرة توجهها إلى أولياء أمور الأطفال ازاء حملة التحصين التكميلية ضد الحصبة التي تقرر تنفيذها في الفترة من «242-29يناير 2009م»؟ أدعو الآباء والأمهات وأولياء الأمور إلى التفاعل الإيجابي والاستجابة لحملة التحصين التكميلية للقضاء على مرض الحصبة، فالكل مطالب بتطعيم أطفاله الذين تستهدفهم الحملة ممن تتراوح أعمارهم بين «9أشهر -5أعوام»، حتى المرضى ومن حُصنوا مسبقاً ضد هذا المرض والمصابون بسوء التغذية.2009م»، حيث ستتخذ المرافق الصحية المختلفة مقراً لها، وأيضاً مواقع أخرى مؤقتة يعلن عنها في مختلف المناطق المستهدفة لتأدية واجبها الإنساني والمهني من أجل حماية فلذات الأكباد.. أمل المستقبل الواعد.