انتهت في عموم مدارس الجمهورية مؤخرا امتحانات الفصل الدراسي الأول للمرحلتين الأساسية والثانوية للعام الدراسي 2008- 2009م بمشاركة نحو خمسة ملايين طالب وطالبة من كافة المدارس في عموم محافظات الجمهورية. وقد أعلنت وزارة التربية والتعليم أن عملية الامتحانات سارت في أجواء هادئة وبصورة طبيعية وناجحة ووفقا للتقويم المدرسي للعام الدراسي الحالي وبمعايير تجعل من الامتحانات مقياساً حقيقياً لأداء الطلاب والطالبات في النصف الأول من العام الدراسي الحالي .. مشيرة إلى أن انتهاج أسلوب الفصلين الدراسيين, هدفه إيجاد تقييم حقيقي مستمر لأداء الطلاب.. متمنية للجميع التوفيق والنجاح في الامتحانات ورفع تحصيلهم العلمي بما يؤهلهم للصفوف المتقدمة في الدراسة خلال العام المقبل . تساؤلات وتزامنا مع انتهاء هذا الحدث التعليمي والتربوي الهام في حياة أبنائنا الطلاب، تبرز مجموعة من التساؤلات حول ماهية المحفزات والدوافع التي تؤدي الى ارتفاع مستوى الطالب وتحصيله العلمي وخصوصا في المرحلة الأساسية من دراسته وأدائه في ايام الامتحانات أو العكس، وما هو الدور المفروض على الأسرة ازاء هذا الظرف الامتحاني الذي يمر به الطالب والصعب في تقديره، وكيف ينعكس مستوى الأبوين ( الأب والأم) التعليمي والثقافي على أولادهما، سواء من حيث المساهمة بالرفع من مستوى الطالب الذهني والدراسي ومساعدته في اجتياز هذه المرحلة بكل ثقة ونجاح أو العكس من ذلك ؟ مذكرين بالاعتبار الذي يصف مرحلة التعليم الأساسي والتمهيدي بأنها واحدة من أهم المراحل العلمية التي يمر بها الطالب، وأثرها في تكوين شخصيته، وازدهار مواهبه، وأكثرها تأثيراً من حيث القدرة على الاستقرار النفسي والتوافق الاجتماعي، وضرورة اجتيازه لهذه المرحلة الامتحانية بكل نجاح . الاستطلاع التالي يرصد من خلال النزول الميداني آراء مجموعة متباينة من أولياء أمور الطلاب والمعلمين والمعلمات في عدد من المدارس الحكومية والأهلية، باحثا عن إجابات شافية لتلك التساؤلات، وكان له الحصيلة التالية: أطروحات أولياء الأمور تقول أم اسماعيل “: إنها تحرص طوال العام الدراسي على متابعة ابنائها الأربعة ومساندتهم في القيام بواجباتهم المدرسية أولا بأول ، كما تحرص حسب قولها على معرفة أدائهم ومستواهم التحصيلي من خلال متابعة كراريسهم والتقديرات والعلامات التي يرسمها معلموهم ومعلماتهم على تلك الكراريس وتؤكد ام إسماعيل بقولها:” يجب على الآباء أن يعوا بأن مهمة تعليم ابنائنا أصبحت في الوقت الراهن مهمة مشتركة بين المدرسة والأسرة وليست مهمة المعلم أو المدرسة فقط .. مشددة على ضرورة التغاضي عما أسمتها بالظروف المتباينة التي يمر بها المعلم والأسرة والتي قد تؤثر سلباً على اداء المدرسين والطلاب على حد سواء وفي مقدمتها الظروف الاقتصادية حسب تعبيرها. بدورها قالت أم فؤاد “ربة منزل” إن المستوى التعليمي الذي تتمتع به “امية” يحول دون معرفة مستوى وأداء أبنائها في المدرسة مشيرة إلى إلحاحها المستمر على زوجها “الأب” بضرورة متابعته لاداء الابناء خلال الفصل الدراسي وقبل واثناء امتحانات الفصل الدراسي الاول أو الثاني رغم انشغالاته بعمله في وظيفته الحكومية. عنف المدرسين وبحسب ام فؤاد فإن أسلوب العنف الذي يمارسه بعض المدرسين ضد الطلاب والذي يقع في ادنى صوره بضربهم بالعصا، يشكل احد الاسباب التي تدفع الطالب نحو التمرد عن الذهاب الى المدرسة والبقاء وراء أسوارها، وخاصة الطلاب ممن هم في الفصول الأولى من الدراسة والذين يرفضون الذهاب أو الانطلاق من البيت نحو المدرسة نتيجة خوفهم من عنف معلمهم أو معلمتهم . وتواصلا مع آراء وأطروحات أولياء أمور الطالب يؤكد الحاج صالح الزيدي “أب لخمسة ابناء في فصول دراسية مختلفة” ضرورة ايجاد وتفعيل الدور الحقيقي لمجلس الآباء سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة، لأنه حسب الحاج الزيدي يخلق نوعاً من الشراكة القوية بين المدرسة والأسرة وأفضل وسيلة للتنسيق والمتابعة لمستوى ابنائنا في تلك المدارس والبحث عن مصلحة الطالب وحل مشاكله . دفوعات معلمين ومعلمات : بالمقابل يتحدث عدد من كوادر العملية التعليمية والتربوية”معلمون ومعلمات” في المدارس الحكومية والأهلية عن مجموعة من الإشكاليات والمعوقات التي تحول دون أداء متميز للمعلم أو المعلمة أثناء العملية التعليمية يقابله ضمور وعدم تفاعل الطالب أو قدرته في الحصول على المعلومة واستيعابها. البداية كانت مع الأستاذة نبيلة حمود والتي قالت :” إن الازدحام الطلابي داخل الصفوف يعد اهم مشكلة تواجه المدرس أثناء تأديته لمهمته الرسولية، سواء في الصفوف الأساسية أو الثانوية . وتضيف : الازدحام داخل الصفوف الدراسية يحول دون سيطرة المعلم على الفصل، ويجعله أشبه بكرنفال جماهيري لايستطيع أحد أن يضبطه وفق أي اسس أو قواعد ولا يعد المدرس هنا قادرا على السيطرة في اغلب الاحيان... وحسب تعبيرها فإن هذا الأمر ينعس سلبيا على فهم الطالب وتركيزه وتدني مستوى تحصيله العلمي، ويزداد الأمر تعقيداً في المرحلة الابتدائية، كما تفشل هنا الأساليب التي يستخدمها معظم المدرسين لمواجهة هذا النوع من الفوضى والضجيج كالتهديد بالعصا والصراخ وتصبح كلها دون جدوى . فيما يرى زميلها الأستاذ التربوي محمد القاضي أن مجموعة من العوامل المشتركة والسياسات التربوية التي تعمل بنفس المستوى على دفع الطالب نحو مزيد من الاداء في التحصيل العلمي يقابله تفوق في الامتحانات أو العكس من ذلك .. ومن أبرزها حسب المعلم القاضي هو تلاشي سياسة منح المحفّزات للطلاب من قبل الإدارات المدرسية أو المدرسين ومن قبل الاسرة ايضا من خلال الاهتمام بإجراءات نظام العقاب و الثواب والجزاء والذي يحد من اجتهادات الطلاب، ويتسبب في وجود عراقيل نفسية لدى الطالب تضاف الى إحساسه بالتهميش وتجاهل مستواه وجهده من اسرته ومدرسته على حد سواء . المعلمة نجوى محمود” مدرسة الصف الثالث الابتدائي” شددت على أن الأثر الكبير على الطالب يأتي من البيت من والديه (الأب والأم) وتعريفه بأهمية الحرص على التحصيل العلمي والمذاكرة، وأن دور المدرسة يأتي مكملا و عاملا مساعداً لتلك الأولويات التي قد غرستها الاسرة في نفسية الطالب حسب تعبيرها. وترى المعلمة نجوى أن الأهم من ذلك الحرص التعليمي ويتمثل في الحرص التربوي من قبل الأسرة عبر تهذيب الأطفال في البيت ليتقبلوا تربيتهم في المدرسة بشكل جيد أما إذا كانت الأسرة مهملة للطفل وترمي به للمدرسة للتعليم فقط فهذا غير صحيح وينتج عن ذلك أن بعض الطلاب تظهر فيه بعض الظواهر السيئة ،منها الغش ، شيوع الألفاظ البذيئة والكذب ، مظاهر التقليد للشخصيات المنحرفة ، مظاهر الانحراف الخلقي ، و ظاهرة التدخين التي أصبحت منتشرة بين طلاب التعليم الأساسي والهروب من المدرسة . خبراء ومختصون وفي سياق متصل بمشكلة الطالب ومستواه التحصيلي في مراحل التعليم الاساسي ، يؤكد خبراء ومختصون في علمي النفس والاجتماع أن مرحلة التعليم الأساسي تحتاج لتضافر مجموعة من العوامل النفسية والاقتصادية والاجتماعية ذات الصلة بالمدرس والطالب على حد سواء والتي لها الاثر البالغ في انجاح وتأهيل الطالب التأهيل العلمي الصحيح أو العكس.. مشيرين إلى خصوصية التدريس في المرحلة الابتدائية وما تتطلبه من ضرورة توافر خبرة علمية ونفسية في ذات الوقت أكبر بكثير من تلك التي يتطلبها تدريس المرحلتين الإعدادية والثانوية. وهنا يتحدث الخبير الاجتماعي الأستاذ فؤاد السريحي بقوله:” إن الظروف المادية الصعبة للأسر اليمنية والمدرسين على حد سواء ، تبقى محور المشكلة ، لما تعسكه تلك الظروف من اثر سلبي على اداء المدرسين تجاه الطلاب، وقبل ذلك على الأسرة في انشغالها عن ابنائها ومستواهم في التحصيل العلمي بالانشغال في توفير قوتهم . . ويضيف :” كما ان الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدني يقلل من مستوى أداء المدرسين مما يضطر بعض المدرسين لأن يلجأ للتدريس فترتين لمواجهة الظروف المادية الصعبة، وبهذا تنفذ طاقة المدرس يومياً ويفقد نشاطه وأداءه وهذا ينعكس سلباً عليه إلى جانب عوامل أخرى أسرية تعمل على اهمال المدرس الطرق الحيوية اللازم اتباعها اثناء القيام بمهمته . جدير بالذكر أن العديد من اللقاءات التي أجرتها “الجمهورية “ مع مجموعة كبيرة من المعلمين والمعلمات ممن يدرسون المرحلة التعليمية “الابتدائية والثانوية” أوضحت بأن مناهج المرحلة الابتدائية صعبة جداً بالمقارنة مع المستوى العمري للطلاب بالإضافة إلى أن إلغاء مرحلة التمهيدي التي كانت تسبق الصف الأول الابتدائي، قد كان له أثره في أن يشكل منهج الصف الأول صدمة للكثير من الطلاب الذين يميلون بفهمهم الى التقريب والتبسيط والتجسيد المرئي غير الممل بالإضافة إلى أن بعض المدرسين ليس لديهم الامكانيات والمواهب التي تؤهلهم لنقل هذه المناهج بالأساليب المتنوعة والجذابة الى عقول الطلاب حسب تعبيرهم . ويبقى التأكيد على أهمية وقدسية مهنة التربية والتعليم، والمكانة المرموقة التي يحتلها هذا القطاع في قائمة القطاعات التنموية والخدمية التي تقدمها الحكومات لشعوبها لما يلعبه هذا القطاع من دور رئيسي في تكوين اللبنة الأولى في بناء الأوطان “أبناؤنا” أمل المستقبل ..لتبقى بكل تأكيد مشاركة الأسرة ومساندتها للمدرسة مهمة بل وواجبة كونها المصدر الأول لهذه اللبنة والجهة المعنية ببذل أقصى الجهود من اجل جيل متفوق تضاهي كافة جهودها التي تبذلها من اجل ابنائها في الجوانب الحياتية الاخرى كالاقتصادية والصحية.. محذرين من كثير من المآسي والمخاطر التي قد تنجم في حال كانت هذه المساهمة دون المستوى المفروض، ويصبح مصير امة ومستقبلها مهدداً بخطر الجهل والبناء العلمي الهش والمصير المجهول .