في الصيف يكون لدينا متسع من الوقت للرجوع إلى هواياتنا وتتبعها، على غير أيام الدراسة والعمل, حيث نبتعد كثيراً عن هواياتنا بسبب ضغط الانشغال المستمر، ومن المفيد، بل من الصحي أن تكون لأحدنا هواية يمارسها بين الفينة والأخرى، يجد فيها متعته وسلوته، وينسي فيها هموم ومشاغل الأعمال والواجبات.. فكثيراً ما يذكر علماء النفس بأن المتعة التي يجنيها الشخص من وراء هواياته تدفعه للإنتاج والإنجاز أكثر فأكثر في العمل، بل حتى أنها تساعده على صفاء الذهن والتركيز أثناء التنفيذ.. ما هي الهواية؟ الهواية هي أي عمل يقوم به الطفل برغبة ذاتية من دون أية ضغوطات اجتماعية أو أسرية أو مهنية ، أو بمعنى آخر هي أي عمل حر يقوم به بعيدا عن الضغوطات المتنوعة.ومن الصعب التمييز أو الفصل بين ما هو مكتسب وما هو فطري، فلا يوجد ما هو فطري بالمطلق، لأن الظروف الاجتماعية والبيئة دائما تؤثر عليه، أما فطرية الهوايات فتكمن في الاستعدادات لدى الطفل، بحيث تكون موجودة بشكل عفوي كتقاطع Intersection بين الموروث (غير المحدد بجيل واحد) و البيئة الاجتماعية بجوانبها كافة (الاقتصادية، الثقافية، الدينية...) و التي تتمظهر أولاً داخل الأسرة. أنواع الهوايات هناك أنواع عديدة من الهوايات يصعب حصرها، لأنها وبناء على التعريف - أي عمل حر و مرغوب يقوم به الفرد ، و يمكن ممارسة العمل المهني أيضاً (كهواية) إذا مارسه الفرد بحب و رغبة، أما إذا أردنا تحديد هوايات ممكنة في فترة الطفولة ، إضافة إلى النشاطات المدرسية المفروضة فيمكننا الحديث عن هوايات رياضية ومسرحية وموسيقية وأشغال يدوية و رسم ...الخ، علما أن المناهج اللبنانية الجديدة كما المناهج الحديثة في العالم، صارت تدرج الهوايات كنشاطات مدرسية لازمة لتنمية شخصية الطفل، ولم تعد مجرد هوايات اختيارية ، وبالتالي فإن الحديث عن هذه النشاطات كهوايات يهدف إلى تشجيع الأسر على تنميتها ومتابعتها خارج المدرسة. الأطفال والهواية الهواية بالمعنى الذي نتحدث عنه تتميز بأنها تساعد على تنمية جوانب إبداعية وابتكارية في شخصية الطفل، بالاضافة إلى أنها تمنحه إحساساً بالنضج والتعبير الذاتي عن نفسه وعن الطاقات الكامنة لديه بشكل خلاق، كما تشعره بالتميز والاختلاف ، في جانب من الجوانب، عن سائر أترابه في هذا النوع من العمل ، فعلى سبيل المثال قد يتفوق على طفل آخر بالرسم، لكنه قد يكون أقل منه حظا بلا رقص. هوايات للفتيان وأخرى للفتيات شخصياً لا أرى فرقاً فطرياً بين الهوايات لدى الفتيان و الفتيات، ولكن يتم التمييز اجتماعيا بين الصبي والفتاة، بحيث يتم توزيع أدوار محددة لكل منهما، وبالتالي فإن المجتمع والأسرة هما من يوجه الأطفال نحو هوايات خاصة ذكوراً أو إناثاً، وقبل أن تولد هذه الهوايات يصار إلى توجيهها، وبالتالي تحديد ما هو مسموح للفتيات وما هو محظور عليهن، والأمر نفسه ينطبق على الفتيان فعلى سبيل المثال ترفض بعض الأسر ممارسة "السباحة" للفتيات، وفي المقابل هناك من يعتبر أن "الرقص" محظور على الفتيان. اجعل لنفسك وقتاً من الضروري أن يخصص كل منا وقتاً لتنمية هواياته، لكن قبل ذلك يجب علينا أن نختار هواياتنا بدقة.. هذا ما أكده الأستاذ منير الصباحي عضو هيئة التدريب بمركز الرائد للتدريب والتأهيل بعدن، ومقدم الدورة التدريبية المختتمة الأسبوع الماضي والتي نظمها المركز حول استغلال الوقت بتنمية المهارات والهوايات. ويضيف: قبل ممارسة أية هواية يجب علينا التفكير بمدى ملاءمتها لميولنا الشخصي ورغباتنا من خلال اختيارها بذكاء. اخترها بذكاء وينصح الأستاذ والمدرب المعتمد الشاب أو الشخص المقبل على الاستمتاع بهواياته بأن عليه ألا يتسرع في اختيار الهواية التي تناسبه، مخاطباً: اخترها بعد تفكير مسبق في أنواع الهوايات وأقربها إلى ذوقك وأنفعها لك وأكثرها ترويحاً لك عن مشاكلك وأتعابك، ولا مانع هنا من تغيير الهواية، فقيمة الهواية أن نمارسها برغبة وشوق وليس كواجب. ويضيف: وحاول أن تجمع كافة المعلومات الضرورية التي تفيدك في تنمية هواياتك ، كأن تتعرف على أنواع الخيول وطرق العناية الصحيحة بها، إذا ما كان خيارك قد وقع على الفروسية مثلا. وحاول جاهداً أن توظف هوايتك لخدمة حياتك العملية، لا أن تجعلها تطغى عليها، فكثير من قصص النجاح في الحياة العملية بدأت كهواية، وتنامت مع الوقت إلى أن أصبحت سببا من أسباب النجاح والتفوق. لتكن لك هوايتان بدلاً عن واحدة، الأولى عملية والثانية فكرية، فلربما تمر بحالة يتعب فيها عقلك فتحتاج إلى ممارسة هواية ترتبط بالنشاط الجسماني، وربما يكون العكس فتتعب من عمل جسماني فتحتاج إلى ممارسة هواية عقلية، وبهذا نحافظ على التوازن المطلوب بين العقل والجسد. تلك النصائح والتوجيهات كانت محور الدورة التأهيلية التي قدمها المدرب الصباحي لأكثر من ثلاثين شاباً وشابة استفادوا من الدورة في تنمية واختيار هواياتهم، وأن الهواية ما هي إلا بداية الطريق للنجاح وخلق التميز إن هي استثمرت بشكل صحيح. الشباب المشاركون كان لنا معهم بعض اللقاءات حول هواياتهم والفائدة التي خرجوا بها من الدورة.. جمع الطوابع ذو يزن سعيد حسين طالب جامعي مشارك في الدورة قال: هواياتي هي جمع الطوابع و جمع البطاقات الهاتفية وكذلك العملات ولكن غير متخصص في العملات والتصوير، وبالنسبة لجمع الطوابع في فتره الصيف يكون لي وقت كبير بترتيب الطوابع الكثيرة التي لم أرتبها في الألبومات وكذلك مراجعة الألبومات وتقسيمها على حسب القارات ليسهل لي الوصول إلى الدولة صاحبة الطابع، كما أقوم بمتابعة كل جديد عن هواية الطوابع بالبحث عن الكتب المتخصصة في هذا المجال والبحث المستمر في الانترنت عن تاريخ الطوابع وأخبار الطوابع. ويضيف ذو يزن: وكذا التواصل مع الهيئات العامة للبريد في كل الدول المجاورة ومنها دول الخليج لتعزيز رصيدي لديهم والسؤال عن الجديد، كما أن الكثير من الأهل والأصدقاء يسافرون للخارج في وقت الصيف فأوصيهم بجمع مجموعات طوابع من الدول التي يذهبون إليها، بالإضافة إلى أن المراسلة بين الأصدقاء لتبادل الطوابع المتكررة من أسباب تنمية الهواية. البطاقات الهاتفية والعملات ليست الطوابع البريدية هي هواية ذو يزن الوحيد، فإلى جانبها هناك هواية جمع البطاقات الهاتفية التي توقف عنها كما يقول بسبب كان اعتمادي القديم على التبادل بين الهواة ولكن الآن بعد أن أوقفت الاتصالات إصدار البطاقات الهاتفية إلا القليل توقفت عن المراسلة وأعتمد كليا على أصدقائي الذين يسافرون للخارج لجلب مجموعات متنوعة من الدول، كذلك متابعة المواقع المتخصصة في هذه الهواية وكذلك الكتب. هناك أيضاً هواية جمع العملات الورقية والمعدنية وفيها يعتمد ذو يزن كما يقول على أصدقائه المتخصصين في هذه الهواية أكثر منه بالنصح بشراء مجموعات معينة وترك مجموعات أخرى، وكذلك بالاعتماد على الكتب المتخصصة وسفر الأصدقاء للخارج وجلب مجموعات من العملات المتنوعة. التصوير الطالبة الجامعية في السنة الأولى اقتصاد رنا يحيى الفلاحي لها هواية التصوير في الصيف، والتي تصفها بالممتعة خاصة في أوقات الرحلات واللقاءات الجماعية، والصيف أرض خصبة لمثل هكذا هواية بحسب رنا، إلا أنها تقول: إن التصوير هواية متعبة جدا وخاصة في وقت الرطوبة والحرارة في عدن، لذلك تقوم في فترة الصيف بالاهتمام بتنمية هذه الهواية ليس بتطبيقها وإنما بالاطلاع على الدورات المتخصصة بالتصوير والتقنيات المرتبطة بها ودراستها. وتضيف: أحاول في الصيف توظيف التفرغ في تعلم تقنيات وأساليب التصوير باعتباره هواية تقودني للاحتراف بإذن الله في المستقبل القريب. برامج الحاسوب لطفي سالم عبدالله خريج ثانوية عامة أحد المشاركين في الدورة من هواياته التعرف على خبايا البرامج الإلكترونية الحديثة، يحدثنا عن هوايته قائلاً: مثلا لم أكن أعرف خبايا البوربوينت وطريقة دمج الفلاش فيه تعلمته وعملت سي دي يعلم الطالب جدول الضرب بشكل ذاتي ويفيد المعلم كذلك إذا تم استخدامه من قبل أي شخص يكون في غاية السهولة.. كما تعلمت أسرار الفوتوشوب الغائبة عن الكثيرين، باعتبار أن هذا البرنامج بحر واسع، لم نعرف منه إلا القليل، بالإضافة إلى تعلمي لبرنامج صانع الأفلام أو ال"موفي ميكر" واتقنته وعملت عليه لعرض الدروس وعملت منه رسوماً تتحرك وطبعا لخدمة بعض الدروس العلمية الخاصة. هوايات أخرى الدورة التي يقدمها المركز لأول مرة لاقت رواجاً كبيراً بين الشباب خاصة، ذلك فهم في أمس الحاجة لتنمية المواهب والهوايات، وهذه التنمية هي التي ستوصلهم إلى عالم الاحتراف والتخصص أكثر وأكثر، كما وجدنا الكثير من الهوايات التي يعتني بها الشباب كتعلم اللغات، والاهتمام بالأعمال اليدوية، الشعبية منها خاصة، هواية الرسم على الزجاج، وغيرها من الهوايات الممتعة. الأسرة والهواية الموهبة هبة من الله سبحانه وتعالى يمنحها لمن يشاء من خلقه، ولكنها تحتاج إلى من يرعاها ويحافظ عليها، حتى تجني للإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه الخير، وهو الدور الأساس المنوط بالأسرة عند اكتشاف الموهبة لدى أحد أبنائها، باعتبار الأسرة أحد العوامل المساعدة إما على التشجيع أو الاحباط.. وللأسرة دور مهم في هذا المجال، وعليها أولاً احترام ميول أفرادها و معاملتهم كأفراد يمتلكون طاقات متنوعة ومتعددة ، لا يمكن اكتشافها إلا إذا أتحنا لهم فرصة التعبير عن الذات، لذا عليها الإصغاء إلى حاجات أفرادها خاصة الأطفال منهم، واحترام ميوله ورغباته وليس رغباتهما (الأم والأب). وتتنوع الهوايات بين كتابة شعر أو قصة أو عمل فني أو أدبي أو علمي، والهوايات إما فردية خاصة مثل الكتابة والرسم، أو جماعية مثل الصناعات الصغيرة والألعاب الجماعية والهوايات المسرحية والفنية المختلفة، وتؤدي ممارسة الهوايات إلى إظهار المواهب فهي تسهم في إنماء ملكات الشخص كما تهيئه لإشباع ميوله ورغباته وإظهار طاقاته الإبداعية والفكرية والفنية.. وغالباً ما تكون الهوايات النواة الأولى للإبداع والتفوق، والعبقرية، وهي أولى المفاتيح نحو التخصص المحبوب، الذي يعطي الشخص من أجله كل قدراته ووقته وتفكيره وتركيزه لتحقيق ذاته من خلال ما يحب.
