مسح جدران قفصه بعينين ذابلتين ، مودعا صوراً ظلت تحدق فيه بأسى ، أطفال يقذفون المهانة بالحجارة ، ثائر أسطوري بقبعة سوداء ، خريطة العالم غارقة في بحر الدماء والجوع والمهانة ، وذئاب خلف الإطار ظلت تعوي وحيدة. علت انكسارا ته فجأة مصحوبة بطلقات عمقت ندوباً ًغائرة على سواري الروح ، تهدهدها جراح تاريخ طريح ، أحسه خائفا من خيوط شمس كالمشانق تتدلى نحو الأسفل ، نحو الأعلى نحو كل مكان ...تسحبه نحو سماء لن تغسل أمطارها قط يوما أفكاره بدا له في الممر بقايا أجساد تنبعث من بين الشقوق وتصطف في طوابير المهانة متجهة نحو فضاءات مكتضة بالأشباح ، والحانات ، والعاهرات ، وهي داخل أقفاص أخرى ، نظر في كل الأنحاء لم يتبق من معالم الثورة ، سوى بحر فسيح للغرق.. ندف من الحزن ندفا، ندفا، كان الثلج يتساقط حزينا يدثر المدينة ، يدخلها زمن السبات ، لحظة ، لحظة، كانت سيدة تبدد زمنها بالنظر من نافذة ، عبر منظار، إلى شقة مقابلة..مقابلة مرة ،مرة .. كانت سيدة ، تتلصص على رجل حزين ، سرعان ما تزحزح قليلاً ، سعل كثيراً ، ثم استدار ساحبا وراءه يوماً ثقيلاً، وغط في نوم عميق. لما أوت السيدة إلى فراشها ، نظرت إلى ساعة معصمها ، فبدا لها الرجل الذي ظل متمنعا على قبضتها طوال يوم كسيح ، يسرع الخطى بثبات في معطفه الشتوي مسابقا زمنه في شوارع المدينة ، لحظة جلس على كرسي وثير، بأعصاب متوترة وهو يخط جملا حانقة ، مطرزة بتوبيخ مرير ، وقلبه يخفق ، دقات |، دقات ، دقات....ينظر إلى صورة سيدة بدت له تبتلع عشقها ، تسابق ريحها ، تقاوم المطر والأوحال ، وهي تصرخ في وجه المدينة توبخها ، تلعنها ، فمزقت ثيابها وصرخت ..هبت نحو النافذة ، نظرت إلى الشارع كان الليل لا يزال يكبس أنفاس المدينة ، وندف الثلج قد حجبت الرؤية تماما عن الشقة المجاورة. زوايا هي تحدق في المعطف البني ، وهو يحدق في صاحبته الشقراء ، هي تتملى في أزاره الجميلة، وهو في صدر صاحبته الناتئ. ارتشفت المرأة من فنجان قهوتها ، ففرحت الزوجة لرؤية كم المعطف الآسر ، بينما كان هو يمج شفتي الأخرى مع قطعة سكر . رن هاتف الحسناء ، فانتصبت في رشاقة واستدارت ، فأمسكت هي بيد زوجها في فرح طفولي ، وقد راقتها كثيرا فصالته، في حين أغمض هو عيناه فارا بلحظته نحو الأعماق ، مستحضرا صورة دميته الفاتنة ، يتمنى لو أماطته عنها ، لتتخلص من ملاحقة نظرات زوجته اللعينة.. والمرأة تغادر المقهى في حبور ، تساءلت الزوجة ،عن المتجر الذي اشترت منه المعطف ، بينما كان هو يتحرق شوقا لمعرفة المكان الذي هي ذاهبة إليه ، والرجل السعيد الذي ستلتقي به.