فرحة عارمة تجتاح جميع أفراد ألوية العمالقة    الحوثيون يتلقون صفعة قوية من موني جرام: اعتراف دولي جديد بشرعية عدن!    رسائل الرئيس الزبيدي وقرارات البنك المركزي    أبرز النقاط في المؤتمر الصحفي لمحافظ البنك المركزي عدن    خبير اقتصادي: ردة فعل مركزي صنعاء تجاه بنوك عدن استعراض زائف    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    مع اقتراب عيد الأضحى..حيوانات مفترسة تهاجم قطيع أغنام في محافظة إب وتفترس العشرات    هل تُسقِط السعودية قرار مركزي عدن أم هي الحرب قادمة؟    "الحوثيون يبيعون صحة الشعب اليمني... من يوقف هذه الجريمة؟!"    "من يملك السويفت كود يملك السيطرة": صحفي يمني يُفسر مفتاح الصراع المالي في اليمن    تحت انظار بن سلمان..الهلال يُتوج بطل كأس خادم الحرمين بعد انتصار دراماتيكي على النصر في ركلات الترجيح!    الهلال بطلا لكأس خادم الحرمين الشريفين    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    تعز تشهد مراسم العزاء للشهيد السناوي وشهادات تروي بطولته ورفاقه    مصادر دولية تفجر مفاجأة مدوية: مقتل عشرات الخبراء الإيرانيين في ضربة مباغتة باليمن    المبادرة الوطنية الفلسطينية ترحب باعتراف سلوفينيا بفلسطين مميز    شاب عشريني يغرق في ساحل الخوخة جنوبي الحديدة    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    عاجل: البنك المركزي الحوثي بصنعاء يعلن حظر التعامل مع هذه البنوك ردا على قرارات مركزي عدن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و284 منذ 7 أكتوبر    الحوثي يتسلح بصواريخ لها اعين تبحث عن هدفها لمسافة 2000 كيلومتر تصل البحر المتوسط    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    لكمات وشجار عنيف داخل طيران اليمنية.. وإنزال عدد من الركاب قبيل انطلاق الرحلة    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    حكم بالحبس على لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    النائب العليمي يؤكد على دعم إجراءات البنك المركزي لمواجهة الصلف الحوثي وإنقاذ الاقتصاد    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الإخوان في اليمن يسابقون جهود السلام لاستكمال تأسيس دُويلتهم في مأرب    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    جماهير اولمبياكوس تشعل الأجواء في أثينا بعد الفوز بلقب دوري المؤتمر    مليشيا الحوثي تنهب منزل مواطن في صعدة وتُطلق النار عشوائيًا    قيادي في تنظيم داعش يبشر بقيام مكون جنوبي جديد ضد المجلس الانتقالي    بسبب قرارات بنك عدن ويضعان السيناريو القادم    تقرير حقوقي يرصد نحو 6500 انتهاك حوثي في محافظة إب خلال العام 2023    لجنة من وزارة الشباب والرياضة تزور نادي الصمود ب "الحبيلين"    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    رسميا.. فليك مدربا جديدا لبرشلونة خلفا للمقال تشافي    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    حكاية 3 فتيات يختطفهن الموت من أحضان سد في بني مطر    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    وزارة الأوقاف تدشن النظام الرقمي لبيانات الحجاج (يلملم)    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    اعرف تاريخك ايها اليمني!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    رسالة غامضة تكشف ماذا فعل الله مع الشيخ الزنداني بعد وفاته    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صعده.. وحرب الثماني سنوات 1962م 1969م
نشر في الجمهورية يوم 26 - 09 - 2009

«صعدة» الجرح النازف وخزان الوقود لحروب الأئمة في مسلسل تمردهم ،فبنفس العقلية الماضوية والنزعة العنصرية ومبدأ «الخروج» على «الإجماع» باسم الدين الذي استخدمته ولم تخدمه وتلبسته عباءة وبشكل دائم للاستيلاء على السلطة تنبعث اليوم قوى الهدم الإمامية «الحوثيين» في محاولة يائسة للعودة بالإمامة وإعادة الوطن إلى ما قبل عام 1962م..
ومع تزامن احتفال الوطن بالعيد ال47للثورة السبتمبرية الظافرة تعيش صعدة فصلاً جديداً من التمرد يدعون لاستحضار ذاكرة الثورة وتحديداً حرب«الثماني» سنوات التي أعقبت ثورة سبتمبر 26م وكان ثمن دخول الثورة إلى صعدة مكلفاً ومرتفعاً إذ شهدت عدة مواجهات وحملات عسكرية بقيادة عسكريين ومشائخ ومصريين وظلت كما أراد لها الأئمة بعيدة عن التعليم والتيارات الحداثية معزولة عن محيطها اليمني وعن التطورات العامة في اليمن كلها حتى العام 1970م.. فلماذا استعصت صعدة على الثورة والجمهورية طوال الثمان سنوات؟ ولماذا لجأ إليها بقايا الأئمة لقيادة التمرد ضد حكومة الثورة؟ هذه التساؤلات وغيرها يجيب عليها سياسيون ومؤرخون ومناضلون عايشوا تفاصيل تلك الحقبة الزمنية وسبروا أغوارها وخاضوا غمار حروبها وتتبعوا تداخلات أحداثها.
انتهى عهد الإمام أحمد يحيى حميد الدين بموته ولكنه لم يوقف الفترة البائسة لحكم الأئمة فبعد وفاة الإمام أحمد خلفه ابنه الأمير محمد البدر والذي كان أبوه يستخدمه دائماً في البعثات التي يوفدها إلى الخارج وبالرغم من أن الضباط الأحرار أملوا فيه خيراً وشارك بعضهم في تعليمه إلا أنه خيب أملهم وكشف القناع عن نفسيته المشدودة للماضي في أول خطبة ألقاها بعد تنصيب نفسه إماماً خلفاً لوالده.. ويروي عنه الكاتب/محمد حسنين هيكل في واحدةٍ من مذكراته بالقول«احتار عبدالناصر في أمر البدر وكان يتساءل ماإذا كان في وسع البدر أن ينقل اليمن إلى العالم الحديث وظل يتعجب ويتساءل إلى أن طلب الأمير البدر ذات يوم أن يزور حديقة الحيوان في القاهرة وذهب البدر يرافقه وفد رسمي إلى حديقة الحيوان حيث سار كل شيء على مايرام إلى أن اكتشف البدر شجرة قات لم يتبينها أحد غيره فهرع وصعد إليها وجلس على غصن منها وأخذ يمضغ أوراق القات وبعد أن سمع عبدالناصر بهذه الواقعة لم يعد يتساءل عن طاقات البدر أو قدراته.. حكم البدر لمدة اسبوع انتهى ظهيرة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م وبالرغم من أن السلال قد أمر بمحاصرة «دار البشائر» ولكنه عندما حان وقت الغداء ترك الجميع مراكزهم ليأكلوا ويمضغوا القات فانتهز البدر الفرصة ليتخفى في زي النساء ويخرج من باب خلفي راكباً حماراً.
تمركز البدر في مناطق«حزة» تحت جبل رازح بمحافظة صعدة فيما الأمير عبدالله بن الحسن كان والياً على صعدة حينها وكان مقر حكمه«قلعة السنارة» المطلة على وادي العبدين خارج مدينة صعدة انضم إليهم لقيادة جبهات التمرد الأمراء علي بن ابراهيم حميد الدين ومحمد بن ابراهيم وعلي بن علي ومحمد بن اسماعيل والأمير الحسن الذي كان يشغل منصب رئيس وفد اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة جميعهم احتشدوا في صعدة وأخذوا يوزعون السلاح والذخيرة والمؤن على القبائل ويشترون ولاءهم بالأموال.
أما بالنسبة للجيش الجمهوري الذي قدم من صنعاء فكان يتقدمه المناضل الجسور مجاهد أبوشوارب «رحمه الله» وإلى جانبه الشيخ/عبدالله ناجي دارس وعلي عبدالله أبولحوم قائد لواء العاصمة وعبدالجبار نعمان قائد لواء المظلات وأحمد حسين ضبعان ويحيى زمام ومشلي القايضي والعميد/أحمد علي فاضل قائد منطقة حرف سفيان والشيخ/أمين أبوراس وسرية صاعقة من الجيش المصري بقيادة المقدم أحمد حلمي.
كان مقر القوات الجمهورية الرئيسي في«المدرج» بحرف سفيان وقوى التمرد من فلول الملكية في«المسحاط» ويروي العميد أحمد علي فاضل أحداث المواجهات مع فلول الملكية حيث يقول«كنت قائداً لمنطقة حرف سفيان وهذه المنطقة مهمة جداً من الناحية العسكرية باعتبارها الخط الأول باتجاه صنعاء وكان العدو يركز عليها في كل خططه الهجومية التي كان منطلقها محافظة صعدة مركز تجمع هذه القوى.
كما أن الطريق الوحيدة التي كانت تربط صنعاء بصعدة حينها كانت عبر مدينة حرف سفيان والجبل الأسود وكانت القوى القبلية قد تجسدت إثر دعوة أولاد بيت حميد الدين وعلى رأسهم المحرك الرئيسي لهم عبدالله بن الحسن الذي قال «تأكدوا إذا استطعنا اجتياز مدينة الحرف والجبل الأسود فإن النصر حليفنا» ليتحرك ومن معه نحونا وبدأنا الاستعداد لهذه المواجهة وأعددنا ومن معي من القوات المرابطة والجيش الشعبي وقمنا بتوزيع قواتنا على المواقع المهمة وهي:
- القشلة مركز القيادة.
- التبة الحمراء شرق القشلة.
- نوبة الصفراء.
- نوبة البركة«بكسر الراء».
ليستمرالحصار علينا في مدينة الحرف والمواقع الأخرى وكذا الجبل الأسود وبدأ العدو يضرب بكل قواته على القشلة والمواقع الأخرى وكنا نرد عليهم بكل مالدينا وبحماس واستماتة حتى استطاع العدو بقذيفة طائشة تدمير «الفرن» الوحيد في القشلة والذي كان يسد حاجة قواتنا في المواقع من الأكل وبعد نفاد الماء زادت معاناتنا فكنا نرسل بعض الأفراد إلى الجبل الأسود الذي يسيطر سيطرة تامة على مدينة الحرف وماحولها فيجلبون لنا الماء والطحين ليلاً وكنا نسمي هؤلاء الأفراد بالفدائيين لما يواجهونه من المخاطر حيث كان الرصاص ينهال عليهم من كل مكان أثناء سيرهم.
كان معنا في القشلة حينها شخص اسمه محمد مدبنة قام بترميم جزء من الفرن وكان يقوم بخبز ماكان يصلنا من طحين ويضيف إليه بقايا الكدم الموجودة في زوايا القشلة وعلى سطحها والتي مضى عليها أسابيع وبعضها أكثر، المهم كان لهذا العمل دور في توفير الحد الأدنى من حاجتنا وقد مرت أيام عصيبة على هذه الحال.
بعد ذلك لاحظنا تركيز العدو على التبة الحمراء وكانت تدور معارك ضارية وأمرنا بسحب الأفراد منها حتى لاتكون الخسائر كبيرة وسقط هناك شهيدان وجريح.
احتل العدو التبة الحمراء واشتد الحصار علينا في القشلة ومن سطح القشلة تصدى أفرادنا الأبطال وأفشلوا الهجوم الكبير علينا وكنا نشاهد إسناد مواقع الجبل الأسود لنا من خلال الضرب بالقوة الثقيلة على العدو والذي كان له دور في تراجع العدو عن حصارنا مخلفاً وراءه قتلاه وجرحاه، بعدها بدأ الوضع يهدأ وتقدمت إلينا مجموعة كبيرة من رجال الحداء والمقادشة وآنس يطلبون السماح لهم بالعبور من الحرف والجبل الأسود إلى بلادهم ويريدون تصريحاً وفعلاً تم لهم ذلك وحررنا لهم رسالة إلى المرابطين في الجبل الأسود بالسماح لهم بالمرور وقد بلغت الأخ رئيس الجمهورية آنذاك القاضي/عبدالرحمن الإرياني ببرقية وضحت فيها هذا الموقف ورد علي ببرقية يقول فيها«السيد قائد الحرف مقدم أحمد فاضل.. حياكم الله.. أحسنتم بما أوضحتم ونشكركم ونشكر المشاعر الجميلة وأهلاً وسهلاً بكل قادم إلى بلاده.. عبدالرحمن الإرياني».
لقد ظل الأئمة يتوارثون الحكم على صعدة أحد عشر قرناً من الزمان بدءًا من القرن الثالث الهجري طوال هذه الحقب الزمنية الطويلة غرسوا معتقدات وأوجدوا سلوكيات في حياة ونفوس العامة فكان من الصعب جداً على الثورة والجمهورية أن تحكم السيطرة على مديريات صعدة بسهولة.. ويصف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته طبيعة القتال مع فلول الملكية بالقول«كان قتالهم لنا عن عقيدة وتشيع وكان بقية الأمراء من بيت حميد الدين يوجهون لنا رسائل ترغيب وترهيب يشيرون فيها إلى أعمال المستعمرين الفراعنة وأذنابهم على حد تعبيرهم ودور المقاومة الملكية ضد الكفرة ويدعوننا إلى مناصرتهم والقتال في سبيل الله ثم يشترطون علينا فتح البلاد أمام الجيوش المنصورة وتسليم رهائن الجهاد ويتوعدون بأنهم رجال قتال وحرب إذا أردنا البقاء على الباطل.
كانت القوة أغلبها قبلية بحسب حديث الشيخ عبدالله الأحمر الذي أشار إلى أن عدد الجنود الرسميين كان قليلاً ومعظمهم على الأسلحة الثقيلة وقد أرسل لنا الرئيس السلال سرية صاعقة من الجيش المصري وكان قائدهم المقدم أحمد حلمي وقد مكثوا معنا أكثر من سنة ونصف وكانوا مقاتلين شرسين وشجعاناً ويستشهد على ذلك بمعركة وقعت بالقرب من القفلة حيث يقول«خرجت والمقدم أحمد حلمي لمطاردة الملكيين الذين هاجمونا إلى حصن القفلة وقد طاردناهم من وادٍ إلى آخر وكنا نتمترس بالمتاريس للرماية عليهم إلا المقدم أحمد حلمي فقد وقف بدون متراس يطلق النيران وكان بجانبي فشددته من ثيابه للجلوس في المتراس فرد عليّ “قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا” ولم يقتل من هذه السرية أثناء وجودهم معنا إلا بضعة جنود فقد كنا نعتبرهم ضيوفاً علينا ونتقدم أمامهم في كل المعارك.
استعصت صعدة على القوات اليمنية والجيش المصري لتستمر المواجهات مع جحافل ميليشيات القبائل المناصرة للإمام البدر المخلوع وعشرات من المرتزقة الأجانب الذين أورد أسماء بعض منهم الصحفي والكاتب المصري يوسف الشريف والذي كان حينها مراسلاً لمجلة«روز اليوسف» حيث قال«انضم إلى فلول الملكية مرتزقة أجانب بقيادة الضابط الأمريكي المغامر«كومر» ورفيقه«بروس كوندي» اليهودي الذي عاش في اليمن وارتدى الزي اليمني القبلي منذ حكم الإمام أحمد حميد الدين.. ويضيف «حين قدر لي الوقوع في الحصار الذي فرضه التحالف القبلي الرجعي مع المرتزقة الأجانب حول سرية من الجيش المصري بقيادة العميد أحمد حلمي في منطقة صعدة واستمر الحصار ثلاثة أيام خاصة أن الإمدادات العسكرية تصل بوفرة إلى القوات الرجعية تباعاً من وراء الحدود بينما كانت خطوط إمدادات القوات الجمهورية ممتدة مئات الأميال حتى صنعاء على أننا فوجئنا باشتداد الحصار علينا واكتشفنا أن الرائد محمد عبدالله الضابط المصري المختص بشؤون القبائل قد وصل صعدة وتوجه إلى ساحة المعركة على رأس قوة قبلية مسلحة وكانت لهذا الضابط شهرة واسعة في طول اليمن وعرضها كما لو أنه لورانس المصري فهو كان مضرب الأمثال في الشجاعة وحب اليمنيين له وخبراته الواسعة بتقاليدهم ولهجاتهم فكان مجرد وصول محمد عبدالله إلى صعدة محركاً تلقائياً لقبائل المنطقة حتى تداعى الحصار على السرية المصرية ولقنوا قوات الإمام البدر والمرتزقة درساً قاسياً وسقط منهم مئات القتلى.
مشاهد وأوضاع ماقبل الثورة إلى جانب أحداث الفترة الممتدة من العام 2691-9691م في محافظة صعدة لايزال الكثير يجهلها وتحديداً الشباب والأجيال الصاعدة ولكننا وبحثاً عن الحقيقة وكشفاً للتاريخ النضالي لأبناء صعدة وماألحقه الحكم الكهنوتي بهذه المحافظة أرضاً وإنساناً نوردها على لسان واحد من أبنائها ورمز من رموز نضالها كان حاضراً في قلب الأحداث وفي الخطوط الأمامية في ملاحقة فلول الملكية من قلاع وحصون «السنارة، العبلا، الصمع، كتاف، رازح، الظاهر، الصفراء، القشلة» وغيرها من جبهات القتال.. إنه المناضل حسين بن حسين الدولة والذي يصف الحياة المعيشية والاجتماعية في محافظة صعدة قبل الثورة بقوله«لايمكن اختزال صور الوضع المعيشي في صعدة قبل الثورة في لحظات فصعدة كانت ترزح تحت وطأة الحكم الإمامي الذي لم يجنِ منه أبناء صعدة سوى شظف في المعيشة وجوع وحرمان و والله أنني كنت أنا وإخوتي نتقاسم رغيف الخبز بالتساوي بمقدار قطعة لاتغني ولاتسمن من جوع فكان كل واحد منا ينظر إلى الآخر متى يتفضل عليه ببقية نصيبه من كسرة الخبز.. كان يكتسي الرجال بلحاف من أصواف الغنم والماعز والنساء قطعة تسمى «الدمس» الجميع يرتدون هذه القطعة حتى تتمزق على أجسادهم.
وعن التعليم والأوضاع الصحية يقول المناضل حسين الدولة كان الجهل مخيماً على صعدة بأكملها عدا ماكان يسمى بالمعلامة أو المدرسة العلمية بجامع الهادي وهي لاتحمل مقومات المدرسة وكان أولياء أمورنا يدفعون للسيد «المدرس» نصف ريال فرانصي أو مايقابلها من الحبوب شهرياً مالم فإن الطالب سيتعرض للطرد من المعلامة. أما الوضع الصحي فكان «التجبير» للكسور بوضع شرائح من قصب الحلال على الساق أو العظمة المكسورة يلفها بشدة خيط من «الزعل» صوف الغنم أو شعر الماعز.. فيما العديد من حالات الحمى والملاريا والانتفاخات كان علاجها «الكي بقطعة حديد ملتهبة».
ظل الجمهوريين وفلول الملكية بمحافظة صعدة في كر وفر طوال الفترة من العام 1962 وحتى 1969م فقد كان الأمير عبدالله بن الحسن ابن شقيق الإمام أحمد والياً على صعدة ويرتبط بعلاقة وثيقة مع عدد من مشائخ القبائل . يستذكر حسين الدولة أبرز مناضلي تلك المرحلة التي يشير إلى ان المقام لايتسع لذكرهم فربما تخونه الذاكرة ولكن أبرزهم - كما يقول - الشيخ قائد مجلي والشيخ قائد شويط والشيخ عبدالله مناع والشيخ فيصل الصربي والشيخ عبدالله بن سعد داجي والشيخ هندي دغسان وغيرهم الكثير واستسمح من لم أتذكر اسماءهم سواءً ممن توفاهم الله أو من لايزالون أحياء هؤلاء من أبناء صعدة أما بالنسبة للجيش الجمهوري الذي قدم من صنعاء فكان يتقدمه المناضل الجسور مجاهد أبو شوارب رحمه الله الذي كان قائداً لماكان يعرف بالشام وقد طارد فلول الملكية في مختلف جبهات صعدة حتى وصل إلى منطقة كتاف وهناك توقف لعدم إثارة العصبية حتى لايقال حاشد احتلت بداد حمدان.
وعن الأمير عبدالله بن الحسن يقول حسين الدولة كان أكثر تواجده في قلعة «السنارة» المطلة على «وادي العبدين» خارج مدينة صعدة والتي كانت مقر حكمه فيما قلعة «الصمع» التي تتربع على الجهة المقابلة «للسنارة» يوجد بها الرهائن من خولان بن عامر ورازح وساقين.
ولم يعد لدى الأمير عبدالله بن الحسن من المال إلا الشيء اليسير فكان يصرف لجيشه وأتباعه بندقاً كل ثلاثة شهور غير مرجوع أما المرتبات فكانت ديناً وظل ينافح عن الملكية حتى أواخر العام 1968م إلى ان اتفق الشيخ قائد مجلي وعثمان العلابي وبشيت أبوعبيد على قتله بداية العام 1969م فتم نصب ثلاثة كمائن الأول جوار بيت قائد شويط وضم حسين قائد مجلي ومجلي حمود مجلي ومسعد شويط ومجموعة.
والكمين الثاني بمسجد «فلينه» وبه قائد شويط ومجموعة.
فيما الكمين الثالث بباب اليمن بمدينة صعدة وفيه بشيت والمصرق وبن قرشه... نزل الأمير عبدالله بن الحسن من مقر حكمه في قلعة السنارة فاعترضه الكمين الأول جوار بيت قائد شويط وهناك تم قتله الذي كان ذريعة لنهب صعدة والسبب ان الشيخ عبدالله حامس العوجري كان قد طلب من المشائخ الذين ذكرناهم سابقاً ان يخبروا الأمير عبدالله بن الحسن بين ان يرحل من صعدة بالرضا وإلا قتلوه فما إن علم بمقتله حتى أخذ جثته ودفنها في «نشور» جوار بيته ثم «نكف» لقبائل همدان وأدهم و«النكف» عرف متوارث تستجيب لدعوته القبائل بغض النظر عن حق وباطل فاجتمعت القبائل وخرج بقية أسرة بيت حميد الدين منهم أحمد بن الحسين وعبدالله الحسين وشرف بن المطهر ومحمد بن المحسن وعلي بن ابراهيم بن يحيى حميد الدين والذين دخلوا صعدة من المنطقة الشرقية والغربية ونهبوا مدينة صعدة ورحبان والعبدين والطويلة.
بقايا بيت حميد الدين أباحوا نهب صعدة للقبائل الذين خربوا كل شيء وأخذوا مضخات المياه ومطاحن الحبوب. البقر. الغنم. المواشي نهبوا كل ماتحويه المدافن من حبوب حتى الفراش.. إلى درجة أنهم لفوا «فريقه» بساط يعمل من صوف الغنم أو الماعز فلفوا بداخلها طفلة رضيعة في الشهور الأولى من عمرها فما اكتشفوا وجود هذه الطفلة إلا في منطقة « القلات» والتي تبعد عن «نشور» خمسة كيلو مترات.
بعد خروج المصريين من اليمن وفشل الملكيين في إسقاط صنعاء وهزائمهم المتوالية في المناطق التي كانوا يسيطيرون عليها وآخرها صعدة بدأ الجميع يفكر في مشروع للمصالحة وفي هذا يقول الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أعلنت منظمة المؤتمر الإسلامي عقد مؤتمر لوزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة في 62/3/0791م قلنا جاءت منك ياالله.. توجه وفد رسمي برئاسة رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية محسن العيني وأنا رئيس المجلس الوطني عضو في الوفد والقاضي حسين مرفق لوزارة العدل والشيخ صلاح المصري وزيراً للدولة واثني عشر شيخاً لعضوية المجلس الوطني وسفارة روما للسيد أحمد محمد باشا وبيروت للسيد محمد عبدالقدوس الوزير ومحافظة صعدة للسيد يحيى الصعدي وقضاء المحابشة للسيد المداني وعدنا لليمن بهذه النتيجة الطيبة التي تمت تحت قبة المؤتمر الاسلامي والتي أخرجت البلد مماكانت فيه من المأساة.
أما البدر فقد سافر في اليوم الثاني وغادر المملكة إلى لندن التي عاش فيها حتى توفاه الله والآخرون كفلتهم المملكة بعوائلهم ومن يرتبط بهم حتى اليوم.. ويضيف الشيخ عبدالله الأحمر في مذكراته اعترفت السعودية بالجمهورية في 27/7/1970م.. وقال لنا الملك فيصل نحن قد ساهمنا في تخلف اليمن وخرابه.. أما الآن فنحن على استعداد أن نساهم في عمران اليمن حتى لو تقاسمنا الرغيف نصفين.
ووصلنا إلى جدة ونحن دولة غير معترف بها وليس معنا سفارة في المملكة فلا تزال سفارة الملكية في جدة هي المعتمدة وماوصلنا إلى المطار إلا وهم في استقبالنا مثل غيرنا من الوفود واعلامنا فوق السيارة التي ستنقلنا إلى قصر الضيافة الذي نزلت فيه جميع الوفود ووصلنا قصر الضيافة وعلم الجمهورية العربية اليمنية مرفوع هناك مثل غيره من الدول الإسلامية وعندما أنهى المؤتمر جلساته التقينا بالأمير سلطان ووزير الخارجية ومسؤولين آخرين أما الملك فأظن أننا لم نقابله واتفقنا على الاعتراف بالجمهورية ولم تعد هناك مقاطعة وعلى ان نعمل لهم مايحفظ ماء الوجه وهو قبول عدد من العناصر البارزة من الجانب الملكي في أجهزة ومؤسسات الدولة الجمهورية بدءاً من المجلس الجمهوري ومادونه من المؤسسات وتم التوصل إلى إشراك عضوين في المجلس الجمهوري هما الاستاذ أحمد محمد نعمان والسيد أحمد محمد الشامي وأربعة في الحكومة هم السيد يحيى المضواحي لوزارة الأشغال والسيد يحيى الضحياني لوزارة الأوقاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.