يذرع الشارع ببدلته الصفراء، وجسمه النحيل بخطوات مرهقة، يد تكنس التراب وتجمعه في كوم صغيرة يحتضنها الرصيف. يلمح واحدة من مخلفات المصانع، يتكئ على المكنسة، يلتقطها ويضعها في الكيس المعلق على ساعده.. يذرع الشارع ذهاباً، ويذرعه إياباً، وكلما اقترب من بدايته زادت المخلفات، ويصغر كوم التراب، وفي نهايته يجد رصيفاً لا يحتضن. رحلة مضنية من أجل تنظيف الشارع ومن أجل البقاء إلى آخر الشهر، ومرتبه الضئيل تكنسه موجة الغلاء. كنّاس يكنس الشارع، ويكنسه الغلاء، الغلاء ينتقم منه، يكنس مخلفات الغلاء، ومن صنعها هم أحد أسباب الغلاء. وناس لاترحم، ترمي المخلفات في الشارع، ومنهم من يكون احد أسباب الغلاء. صانعون، ومستهلكون، وكنّاس في صراع من أجل الثروة، ومن أجل البقاء، وهم يكنسونه لأنه يكنس مخلفاتهم. وريح لا ترحم تبدد ما جمعه، فيعود لتجميع مابددته الريح.. الجميع ضده.. ويريدون شارعاً نظيفاً. وقف من حيث أتى، نظر إلى الشارع حتى تنتهي عينه بنهايته.. أطلق تنهيدة خفيفة حملتها زفرة، هي كما جسمه النحيل وبشرته التي أكلها الغلاء، فعليه أن يعود من حيث بدأ.. تمرق من جانبه سيارة فارهة، يرمي صاحبها قارورة تضرب الشارع فتتطاير شظايا الزجاج.. فهل يجمع شظايا الزجاج، أم ينام على بقعة من الرصيف ظللتها شجرة زرعها صاحبها في حديقة منزله.. الحلم أن يعود إلى البقعة ليريح بها جثته، كم هو بسيط الحلم، ويظل الحلم أن يستريح، وفراشه الأرض وسقفه السماء، أو فراشه الحرير، وسقفه نجفة كريستال، والرابح من يغط في نوم عميق.. يختار الحلم فقد أنهكه الكنس، وأضناه جمع المخلفات.. سقط جثة هامدة، وذهب في نوم عميق.. أفزعه منادٍ: قم يامكنّس نظف الزجاج.. فرك عينه.. لمحه بطرف عينه، فوقعت على عينه كأنها الرصاصة، نظرة جائع ومظلوم، واصل (منفعلاً): قم قامت نفسك. ياراقصة بالغدراء ماحد يقلش ياسين. بالغدراء أيش، والشمس ملان الدنيا.. قم قامت روحك. وياراقصين علينا ونقل لهم ياسين.