أول تعليق للناطق العسكري لكتائب القسام "أبو عبيدة" بشأن تخليص 4 أسرى اسرائيليين من غزة    وديا: تعادل ل سلوفينيا امام بلغاريا    نقابة المحامين اليمنيين تعلن دعمها لفتح الطرق الرئيسية ورفع الحصار عن تعز    «كاك بنك» يتولى النسخة الثانية من فعالية العروض (DEMODAY)    خارجية الانتقالي تندد بالاعتقالات الحوثية بصفوف الموظفين الأمميين    السلطة المحلية بتعز تعلن إصلاح طريق الكمب تمهيداً لاستقبال المواطنين    أطباء بلا حدود: 63 ألف حالة إصابة بالكوليرا والاسهالات المائية في اليمن منذ مطلع العام الجاري    قرار حكومي بنقل مقار شركات الاتصالات الرئيسة إلى العاصمة المؤقتة عدن    منتخب الشباب ينهي معسكره الداخلي ويعلن القائمة النهائية للمشاركة ببطولة غرب آسيا    تركيا تفرض رسوما إضافية بنسبة 40%على واردات السيارات من الصين    زيدان: البرنابيو يحمل لي ذكريات خاصة جداً    ألفاريز سيبقى في مانشستر سيتي    تحديث بقائمة أسماء موظفي المنظمات الدولية التي اختطفهم الحوثيون من منازلهم ومقار أعمالهم بصنعاء    قبائل حضرموت ترفض وجود أي مكونات عسكرية بساحل حضرموت    هل لا يزال التطبيع بين السعودية وإسرائيل ممكناً؟    اتحاد النويدرة بطلا لبطولة أبطال الوادي للمحترفين للكرة الطائرة النسخة الثالثة.    أطلق النار على نفسه.. مقتل مغترب يمني في أمريكا في ظروف غامضة (الاسم)    حاول التقاط ''سيلفي'' .. الفنان المصري ''عمرو دياب'' يصفع معجبًا على وجهه خلال حفل زفاف ابنه (فيديو)    محلات الصرافة تعلن تسعيرة جديدة للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    الرئيس الإقليمي للأولمبياد الخاص الدولي : مصر من أوائل دول المنطقة التي أقامت ألعابا وطنية    الحوثيون يمنحون أول باحثة من الجنسية الروسية درجة الماجستير من جامعة صنعاء    تحرك أمريكي صارم لخنق ''الحوثيين'' .. والحكومة الشرعية توجه الضربة القاضية للمليشيات    البعداني: البرواني استعاد جاهزيته .. ولا يمكن تجاهل أي لاعب يبلي بلاءً حسنا    قرارات قوية للشرعية ستجبر الحوثيين على فتح جميع الطرقات.. وخبير: قريبا تعلن جماعة الحوثي الاستسلام بالكامل    تعرف على شروط الأضحية ومشروعيتها في الشريعة الإسلامية    المطالبون بإعادة احتلال ارضهم    صورة مع قيادي حوثي تزج بفنان يمني كبير داخل سجون الانتقالي في عدن    "ركوه يعبث حتى صدق أنه يملك أوراق اللعبة"...الانتقالي يحذر من التراجع عن قرارات الحكومة بحق الحوثيين    ضربة قاصمة للحوثيين... الشرعية تُغير قواعد اللعبة واليمن على موعد مع تغيرات كبيرة    وقفة جماهيرية بمحافظة مأرب تندد باستمرار مجازر الاحتلال الاسرائيلي في غزة    شاهد لحظة متابعة الرئيس العليمي بنفسه فتح فتح الطرقات في تعز "فيديو"    - مواطن سعودي يتناول أفخر وجبات الغذاء مجانا بشكل يومي في أفخر مطاعم العاصمة صنعاء    ناشط يعلق على نية الحكومة الشرعية طلب الحكومة الشرعية رفع العقوبات على الرئيس الراحل علي صالح ونجله احمد علي    الوزير البكري يعزي في وفاة الكابتن علي بن علي شمسان    البنك المركزي يؤكد سريان قراراته ويحذر من تداول الشائعات    انفجار قرب سفينة في البحر الأحمر قبالة ساحل اليمن    بينها دول عربية.. تسع دول خالفت السعودية في الإعلان عن موعد عيد الأضحى    الحوثيون يعتقلون عشرات الموظفين الأمميين والإغاثيين في اليمن مميز    تصعيد جديد.. الحكومة تدعو وكالات السفر بمناطق الحوثيين للانتقال للمحافظات المحررة    عن ''المغفلة'' التي أحببتها!    ضغط أوروبي على المجلس الانتقالي لتوريد إيرادات الدولة في عدن إلى البنك المركزي    ميليشيا الحوثي تهدد بإزالة صنعاء من قائمة التراث العالمي وجهود حكومية لإدراج عدن    وداعاً لكأس العالم 2026: تعادل مخيب للآمال مع البحرين يُنهي مشوار منتخبنا الوطني    اشتراكي المقاطرة يدين الاعتداء على رئيس نقابة المهن الفنية الطبية بمحافظة تعز    عدن.. الورشة الخاصة باستراتيجية كبار السن توصي بإصدار قانون وصندوق لرعاية كبار السن    خبراء صحة: لا تتناول هذه الأطعمة مع بعض الأدوية    الوحدة التنفيذية للاستيطان اليمني    في وداع محارب شجاع أسمه شرف قاسم مميز    مدير منفذ الوديعة يعلن استكمال تفويج الحجاج براً بكل يسر وسهولة    العشر الأوائل من ذي الحجة: أفضل أيام العبادة والعمل الصالح    ارتفاع حالات الكوليرا في اليمن إلى 59 ألف إصابة هذا العام: اليونيسيف تحذر    يكتبها عميد المصورين اليمنيين الاغبري    من جرائم الجبهة القومية ومحسن الشرجبي.. قتل الأديب العدني "فؤاد حاتم"    سلام الله على زمن تمنح فيه الأسماك إجازة عيد من قبل أبناء عدن    أغلبها بمناطق المليشيا.. الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن    وكالة المسافر للحج والعمرة والسياحة بحضرموت تفوج 141 حاجاً إلى بيت الله    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    خراب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بول كلي... مطور الفن العربي
نشر في الجمهورية يوم 22 - 11 - 2011

توقف الفن الاسلامي والعربي منذ قرون بسبب الاستعمار والتخلف الذي تركه وراءه وكانت التقاليد الفنية مدفونة تحت طيات النسيان والاهمال , وكان بول كلي اسبق من الفنانين العرب للاستفادة من هذه التجربة التي تمتد جذورها الى عمق التاريخ البشري, وكانت مذكراته التي كتبها بعد زيارته الى شمال افريقيا تكشف لنا مدى ارتباطه الوثيق بحضارة وسحر الشرق وقصص الف ليلة وليلة..
وقد كتب احد النقاد وهو بيزومب قائلا:(في كل مرة يشعر فيها الغرب بالفراغ يتجه الى الشرق ).
بول كلي يعتبر احد رواد الفن الحديث الاوربي وهو فنان سويسري الاصل ولد سنة 1879 في قرية قرب مدينة برن في سويسرا ومات سنة 1940. وهو اكثر الفنانين تميزا وسماتا للعقل والحساسية, كما اكثرهم تفردا وتنوعا, فهو يملك فن غريزي وخيالي لا يمت بصلة الى ماهو ضاحك او ساخر او فارغ , انه عالم السحر والفكر والفنتزة .
في 3/4/1914 نزل بول كلي في ارض الفينيقيين تونس الخظراء وكان معه رفيقين من الفنانين هما ماكة وموالية وجاء في مذكراته : (لقد وصلنا من شاطئ قريبا من العرب الاوائل وهناك قابلتنا الشمس الساطعة ذات القوة العاتمة, وكان الجو الصافي الالوان يثير في النفس اجمل الوعود .. ) ويقول الناقد والكاتب غروهمان عن كلي: ( لقد كانت زيارة بول كلي الى تونس نتيجة رغبة قديمة تحدوه الى زيارة مدن آسيا الصغرى والاطلاع على الحضارة الاسلامية.
كان كلي يشعر انه في موطنه فلم يكن يحتاج الى كثير من الوقت لدراسة هذه البلاد ) ثم يتسائل غروهمان..( اكان ثمة أواصر قربى ودم تربط كلي بالشرق؟ )
وكانت زيارة كلي الى الدول العربية اشبه شيء بالقصص إلخيالية فقد كان مبهورا ومسحورا وشعر بانه قد عثر على مبتغاه و انه قد وجد نفسه هنا.. فيقول: ( .... ومع ذلك فقد كانت جد واضحة انها قصة ليلة وليلة انها ليلة تقبع في اعماقي الى الابد... ) ويقول بونته: ( لم يذهب بول الى تونس ومصر بحثا عن صيغة جمالية او رومانتية فلقد مضى عهد ذلك منذ ديلاكروا بل ذهب يبحث عن نفسه. )
وقد وجد كلي بأن الفن الاسلامي قادر على التنوع في الاساليب موزعة بين الحقيقة والخيال بين التجريد والرمز.
فكان يبحث عن الماهيات , عن ماوراء الاشياء وانه لن يصل الى ذلك مالم يقم بتعرية الشكل او احالته الى خطوط وسطوح ونقاط فيقول: ( ان فن الرسم هو فن تعرية ).. وقد اثرت الاجواء الروحية في تونس على كلي , فكانت هذه المنطقة ولا زالت تعج بالفرق الصوفية والتي من مبادئها التقشف في العيش من ملبس ومأكل وذلك للوصول الى ساحة الروح العليا التي تمثل الطريق الى الكمال والجمال .
وكان كلي وزميليه - ماكة و مواليه- يتجولون في الاحياء القديمة من مدينة القيروان ويرسمون الازقة والمشربيات والابواب والاسواق و الناس بملابسهم الفضفاضة المزركشة بانواع الزخارف الجميلة... ويعلق كلي على ذلك ويقول: ( سأتوقف عن التصوير الآن, لقد نفذت هذه الاشياء الى اعماق روحي بكل وداعة... ان الالوان تتهافت علي, ولم يعد لي من حاجة للبحث عنها و ستبقى في اعماقي الى الابد . هذا هو معنى هذه اللحظات المباركة . انا واللون لا نشكل الا واحدا. انني مصور).. ويعترف كلي بصراحة ان هذه التقاليد الفنية و المعمارية والفكرية الاسلامية التي عاشها هنا في تونس جعلت منه مصورا وان الالوان الشرقية دخلت في اعماق نفسه الى الابد وشعر ان النفس مكانها الاصلي هو الشرق لا غيره..
وفي يوم من الايام حضر بول كلي و زميليه احد الاعراس في القيروان فلم يستطع امتلاك نفسه من شدة السرور والانبهار والاعجاب بتلك التقاليد التي لم يألفها في الغرب على اطلاق . فيقول في مذكراته: ( ان هذا العرس هو صورة خالصة من الف ليلة وليلة , اي شذى' واي نسيم تمتزج فيه نشوة الوعي والوضوح في وقت معا. )
لم يكن كلي فنانا عاديا بل كان استاذا و مفكرا ومبدعا و قد نهج منهج الفن الاوربي بالتقنية والتجديد والشرقي بالفنتزة والشكل والروح او ما يعبر عنه بعض النقاد العرب بانه منهج الصوفية - مثل الاستاذ والدكتور عفيف بهنسي -... وقد وصف بول الفنان بانه يسلك مسلك التخيل الحر وان المحتوى عنده ليس ثانويا بالنسبة لأي شيء آخر. ويذكر هربرت ريد في كتابه - حاضر الفن - ان عالم بول كلي عالم سحري, عالم فكري ,انه في رأيي عالم مختلف عن اي عالم تصورته مخيلة لاتينية, عالم اشباح وجن, اقزام رياضية وعفاريت, موسيقى, زهور جنية, وحوش خرافية.... )
في سنة 1928 زار بول كلي مصر وعمل فيها دراسات فنية كثيرة . وقد كتب كلي عن تجربته في مصر في مجلة الباوهاوس تحت عنوان - تجارب دقيقة في مجال الفن - حيث تحدث عن الضوء والالوان والاحياء القديمة واثر ذلك على اعماله الفنية .
وكتب غروهمان عن هذه الزيارة :( ان هذه الزيارة سجلت بصورة حاسمة نضج كلي , هذا النضج الذي رافقه حتى موته..)
لقد حاول كلي الاستفادة من الخط العربي واكتشف فيه جمالية شكلية فاتنة فقد اخذه ووظفه في اللوحة كعنصر تشكيلي وظهر ذلك في عدد كبير من لوحاته مثل -عالم هاربور - وهي اول محاولة لفنان اوربي لتطويع الحرف العربي وادخاله في اللوح باسلوب حديث سبق فيه الفنانين العرب, فجاءت لغة مشتركة بين تقنية ورؤيا اوربية حديثة وعناصر فنية جمالية شرقية ذات ابعاد روحية, وتمثل ذلك في احد لوحاته التي رسمها سنة 1938, وفيها نجد احرفاً واشكالاً عربية نفذت بطريقة حديثة رائعة اخذت طابعاً تجريدياً زخرفياً وقد رسمت على خلفية مسطحة وكأنها عائمة في الفضاء. هذه المعالجة والاسلوب تأثر به الفنان الاسباني المعروف اخوان ميرو وعدد آخر من الفنانين الاوربيين مثل بومايستر في لوحته - آثار ذكرى - 1944 . والفنان توملان في لوحته - العدد 20/1914 وغيرهم ...
وهناك لوحة ملفتة للنظر لكلي - منظر قرية افريقية 1929 - وقد رسمها بطريق بدائية حيث تظهر ملامح بساط واشكال وزخارف وملامح مأذنة, وقد لعب الخط فيها دورا رئيسيا.. وتذكرناهذه برسوم الانسان البدائي خاصة. الافريقي . ويذكر الدكتور عفيف بهنسي بانه في بعض موضوعاته تظهر بعض الاشارات الاثرية قادمة من الحضارة البابلية والآشورية تذكرنا بالرقم البابلي. وربما يقصد هنا بالكتابة المسمارية. وفي هذا الصدد يقول غروهمان: ( عندما نتصفح انتاجات كلي نقف مدهوشين ونحن نكتشف ارتباط بعض المعطيات الاثرية).
وبذلك فقد رسم كلي اسلوبا ومدرسة جديدة قائمة على دعائم وركائز شرقية , وحيث لفت نظر وانتباه الفنانين العرب الى الخزين الحضاري والقيم الفنية والجمالية التي تملكها حضارتهم . و اتذكر يوماً من الايام تحدث لنا الفنان التشكيلي العراقي اسماعيل الشيخلي 1924 - بانه التقى بيكاسو في احد شوارع باريس وعرفه على نفسه, فتعجب بيكاسو وثار قائلا: انت من الشرق وتأتي الى هنا لدراسة الفن؟ ...وهي اشارة الى ان الفنانين الاوربيين الحديثين هم الآن في توجه لدراسة الفن الشرقي والافريقي. وكما ذكرنا سابقا قول بيزومب: ( في كل مرة يشعر فيها الغرب بالفراغ يتجه الى الشرق ) .
ويقترب فن كلي من رسوم الاطفال من حيث بساطتها وعدم اهتمامها بالتفاصيل ومن حيث جمالها الفطري ولكنه يختلف عنها كونه يتمتع بالذكاء والثقافة وان اعماله موجهة الى جمهور مثقف قد تأثر بافكاره.. كما يختلف عن فن لانسان البدائي الذي يرتبط بالغيبيات والسحر والدين , بينما كلي بعيد عن هذه المعتقدات , بل هو واقعي .. ان كلي يذهب في اعماله الى عالم العقل الباطني, عالم الحقيقة الدفينة المخزونة, فهو يريد ان يكشفها ويبرزها الى عالم المدركات الحسية معتمدا على وعيه وخزينه الثقافي الذي يتمتع به وذلك العالم الميتافيزيقي الذي يعتقد به....
عرف كلي على جماعة الفارس الازرق خاصة الفنان كاندنسكي حيث عرض معهم سنة 1912 . كما قام بعدة معارض ان اولها سنة 1910 في ميونخ , ثم في برلين سنة 1923, وفي باريس سنة 1926 , وفي نيويورك سنة 1930 .
وعين استاذا في اكاديمية الفنون الجميلة في مدينة دسلدورف في المانيا عام 1931 . وكذلك عرض مع السرياليين التجريديين. وتعكس اعمل كلي التي نفذها بالوان المائيات والزيت وقلم الرصاص وغيرها من المود الاخرى تعكس ذلك الفكر الخيالي الواسع والالهام و البراعة والابداع في الاداء....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.