قبل أيام سنحت لنا الفرصة لزيارة مدينة صعدة وذلك بتكليف من رئيس التحرير لإجراء بعض الحوارات مع القيادات الحوثية والسلطة المحلية، هذه المدينة التي ظُلمت بشكل كبير من قبل الدولة ودُمرت بشكل هستيري من قبل الطيران اليمني والسعودي بتهمة التمرد الحوثي ..وفي ختام زيارتنا الى مدينة صعدة هذه المدينة الخضراء بأشجار الرمان والعنب والتفاح وهوائها العذب، ظلت الكثير من المشاهد حاضرة في اذهاننا حاولنا خلال الأسطر القادمة أن ننقلها بتجرد بعيدا عن أية اعتبارات أخرى أو النيل من طرف لصالح طرف آخر. فكانت البداية من الطريق إلى صعدة والذي بالطبع لا يخلو من المخاطر جراء انتشار التفطعات القبلية على طول الطريق الممتد من صنعاء وحتى منطقة حرف سفيان التي يسيطر عليها الحوثيون بالغم من وجود النقاط العسكرية على بعد امتار من القطعات القبلية، فوجدنا مسلحين قبليين يقطعون الطريق ويتفحصون هوية كل سائق سيارة تمر من أمامهم .وتكثر تلك التقطعات عند مدخل ومخرج مدينة خمر موطن الشيخ الأحمر وفي نقيل الغولة وبعد مدينة ريدة وقبل الجبل الاسود قبل الوصول إلى منطقة حرف سفيان. فعندما مررنا من مدينة خمر بالطبع كان هناك تقطع أيضا إذ استوقفنا احد المسلحين وطلب من سائق التاكسي الذي يقلنا أن يعطيه أصل البطاقة الشخصية وليس صورة منها ، فيما علق احدنا بالقول هل نحن في مكتب توظيف أو في طريق عام. لكن البعض كان يقلل من مخاطر تلك التقطعات معللا ان الغرض منها هو رد الحق لأصحابه من خلال حجز سيارة كل سائق ممن ينتمي لقبيلة المعتدي او الظالم حتى يضغط عليه لرد حقوق الآخرين المسلوبة، ولا تستهدف تلك التقطعات المسافرين على الطرقات ،إلا ان آخرين تحدثوا عن وجود عصابات تقطعات ونهب للمسافرين خاصة في الليل على تلك الطرقات. نفوذ على الطريق وما ان تصل منطقة حرف سفيان هذه المنطقة التي دمرت تماما في الحرب السادسة ما أن تصل إليها حتى يطمئنك سائق التاكسي بخلو الطريق المتبقي إلى صعدة من كل أشكال التقطعات فالأجواء المحيطة تشعرك وكأنك قد دخلت حدود دولة أخرى، خاصة عندما يقابلك مسلح من أنصار الله كما يسمي الحوثيون أنفسهم يقف وسط الطريق مرحبا بالزوار لمحافظة صعدة وبجانبه لوحة مكتوب عليها بخط بارز (الإجراءات الأمنية لكم وليست عليكم) ومثل هذه اللوحة تجدها تكرر كلما اقتربت من نقطة أمنية للحوثيين. لكنا عندما تجولنا في المدينة لعدة أيام وجدنا العكس فكل الإجراءات كانت علينا ولم تكن لنا البتة، وسنتطرق الى ذلك بالتفصيل لاحقا ..المهم تجد أنصار الله في النقاط الأمنية للحوثيين يتكلمون بكل أدب واحترام ولا تشعر أبدا بمضايقتهم لك وللأمانة نتمنى أن يكون كذلك كافة الجنود خاصة في النقاط وعلى الخطوط الطويلة ، فهؤلاء المسلحون على طول الطريق هم من يقومون بالتفتيش للداخل والخارج من محافظة صعدة وكما يبدو ان الحوثيين لا يثقون برجال الأمن فعادة ما تجد الفاصل بين نقطة امنبة تابعة لرجال الأمن ونقطة تابعة للحوثيين مسافة بسيطة لا تتعدى بضعة مترات .والفرق هنا ان نقطة الحوثيين يقف فيها مسلح واحد بزيه القبلي حاملا سلاحه الذي عليه شعار (الله أكبر الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام) بينما نقطة الأمن يتجمع حولها أكثر من عنصر وطقم عسكري لكنهم لا يتخلون في أي شيء ولا يسألون ولا يفتشون أحداً ليس في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وأنما على طول الخط صنعاء صعدة وكأن وجودهم مجرد إسقاط واجب ليس إلا. أثار صدمة عند وصولنا مدينة صعدة كانت تبدو على ساكنيها آثار الصدمة والذهول من تطورات الأحداث التي جرت في المحافظة فحالة السكون تميل إلى الاستسلام والرضوخ لواقع بدت ملامحه تسيطر بقوة على كافة مناحي الحياة لا علاقة لها بالماضي القريب الذي تعود وألف عليه. وهو ما يذكرنا بنفس الصدمة التي انتابت الناس عدن بصفة خاصة والمحافظات الجنوبية والشرقية بصفة عامة يوم 7 يوليو 94م. إذ في عدن كان هناك نظام وقانون سائد وأمن وأمان ومجتمع مدني وثقافة وبين عشية وضحاها وجد المواطن نفسه أمام نظام عسكري تعمد طمس كل معالم التطور والحداثة والتقدم وساد الجهل والفوضى والفساد والفيد كبديل لما كان قائما ، لكن في صعدة كان العكس تماما فالحوثيون حاولوا أن يقدموا أنفسهم كبديل أفضل لسلطة ونظام كان قائما على الفساد وعلى الظلم ونهب حقوق المواطنين مما أكسبهم بالطبع شعبية ربما تكون مؤقتة وفي هذا السياق فقد تمكن الحوثيون من ضبط الأمن فخلال وجودنا لم نسمع طلقة رصاص واحدة في المدينة حتى في الأعراس يمنع استخدام السلاح والاكتفاء بإطلاق الألعاب النارية رغم ظاهرة حمل السلاح إلا أن السلاح هنا للزينة فقط حيث تمكن الحوثيون من حل قضايا الثأر والتي ظلت عالقة لعشرات السنيين وتحقيق العدل بسهولة ويسر بعيدا عن الروتين والمماطلة فالمواطن هنا يحصل على حقه دونما ابتزاز أو دفع الرشوة أو دفع إيجار طقم ولا يجد حقا كما كان حاصلا ويحصل عادةٌ في أقسام الشرطة حتى اليوم والاهم من ذلك القضاء على سلطة المشايخ والحد من دورهم وتعسفهم في المجتمع .وهو ما أثلج صدور الناس البسطاء، ومن المفارقات العجبية أننا وجدنا رجلاً في الستين من عمره تقريبا سألناه عن الوضع في صعدة وكيف الحوثيون معهم فقال كلاما عكس ماسمعناه قال ياأولادي الدولة حيا بها فوق رأسي فقلنا له لماذا ياحاج فأجاب الدولة عندما تحبسك على اي قضية ممكن تتخارج بسرعة أدي طالع نازل أو إذا معك وساطة وخرجت لكن هؤولا.... والله ما يفلتوك فقلنا له ياحاج الانسان يمشي صح ولن يكلمه أحد فقال احنا بشر مش ملائكة وهي تقع على الإنسان بعض الأحيان.. محظورات فنية لكن هناك محظورات تقيد حرية المرء فخلال تجوالنا في المدينة لم نسمع اصوات الموسيقى الطرب والغناء فلا وجود لمحلات بيع الاشرطة في المدينة حتى في الأعراس والاكتفاء بسماع الأناشيد وقيل لنا بأنها ممنوعة. حتى إذاعة صعدة لا تذيع اي نوع من الغناء او الموسيقى فقط الأناشيد الدينية المسموح بإذاعتها والمنسجمة مع الخط الحوثي ويقول احمد المختقي مدير إذاعة صعدة في أحسن الأحوال نذيع أنشودة فيروز (يا قدس) بينما البقية أناشيد ويعلل ذلك بان المجتمع هنا متدين ولا يحب الاستماع إلى الأغاني والموسيقى. الغريب ان حظر الغناء شمل أيضا سائقي كل السيارات خاصة الأجرة منها فالبعض منهم خلع جهاز المسجل من سياراته حتى لا يستمع الى إذاعة صنعاء او عدن ويفاجأ بصوت أغنية لم يأخذ باله منها ثم يجد نفسه تحت طائلة العقاب الحوثي أو المجتمعي، وحتى على مستوى الموبايل لا أحد يجرؤ الاستماع إلى الطرب والموسيقى في الشارع او الأماكن العامة. قبضة حديدية ينتشر مسلحون (أنصار الله) ليس فقط في الشوارع والأزقة وإنما في كل المواقع حتى عند مداخل مدينة صعدة القديمة ، فالإجراءات الأمنية الشديدة تشعر الزائر بأن هناك حالة طوارئ غير معلنة ، فالحوثيون يتوجسون خيفة من كل زائر خاصة إذا كان صحفيا او حقوقيا جاء دون إشعار مسبق، فإن الشكوك تحوم حوله لربما يعمل لجهات أجنبية معادية خاصة أنهم خاضوا ستة حروب متواصلة ،ومع أنه كان معنا أحد كوادر أنصار الله إلا أنه لم يسمح لنا بالتصوير إلا بعد أخذ الإذن بذلك. ولا نعرف ما طبيعة الخطر الذي قد يشكله التقاط صور لمنازل أصبحت أطلالا بعد ما أصابها الدمار والخراب إبان الحرب السادسة؟ ثم إننا في عصر التكنولوجيا والأقمار الاصطناعية التي يكمن لها أن تصول وتجول في أي مكان وزمان من العالم دونما احم ولا دستور كما يقول إخواننا المصريون. فكلما شكونا لأحد من تلك المضايقات يرجع ذلك لمجرد اخذ الحيطة والحذر من قبل الحوثيين ويقول لنا ببرودة أعصاب (الجماعة معذورين فقد تعرضوا لكثير من العدوان من الداخل والخارج) وهم الآن مستهدفون أكثر من أي وقت مضى وقد يكون ذلك صحيحاً لكن مثل هذه الإجراءات ستعكس انطباعات سيئة عنهم.. يقول الأخ محمد ضيف الله سكرتير منظمة الحزب الاشتراكي: الحوثيون لم ينتقموا من احد ولم يقصوا أحدا من منصبه وعملوا على نشر ثقافة التسامح وحاربوا الفساد بكل إشكاله. ويضيف قائلا: بالطبع الحوثيون أشركوا كوادر الحزب الاشتراكي في صعدة في السلطة المحلية فتم تعيين مدراء مديريات منهم مثل مديرية مجز ومديرية باقم تقريبا وكذا مدير مكتب التربية بالمحافظة من الحزب الاشتراكي. في كل مكتب من مكاتب السلطة المحلية يوجد مندوب عن الحوثيين فلا تتم المعاملات والإجراءات الإدارية إلا بعد عرضها على المندوب من الحوثيين حرصا على المال العام كما يقولون. التواضع والعقاب الشيء الجميل في صعدة أنه لم يحدث نهب او سلب للممتلكات العامة بل تم الحفاظ عليها فالحوثيون يعملون في سبيل الله كما يقولون دون مقابل فتجد المسئولين منهم يسيرون على سيارات متواضعة كما هي صفاتهم فلم نلمس منهم ما يوحي بالتعالي او التكبر على من حولهم، لكن الوضع الاستثنائي في صعدة يقابله جفاء السلطة المركزية والتي لم تتفاعل بإيجابية مع متطلبات السلطة المحلية خاصة فيما يتعلق بالخدمات الصحية والتعليم والمشاريع الخدمية الأخرى والتي تفوق قدرة الحوثيين على حلها وتتطلب بالضرورة تدخل السلطات المركزية فالمواطن هو الضحية الأول في هذه المعادلة. لا شافعي ولا زيدي كنا نسمع سابقا أنه يتم مضايقة الشوافع أو اهل السنة خاصة في المساجد لكن العكس هو ما وجدناه الشافعي يصلي خلف الزيدي والزيدي يصلي خلف الشافعي، يصلي وهو مضمم ليديه أو مرسل كما هو موجود في مختلف مساجد اليمن ، كما أن الحوثيين يرضون على أم المؤمنين عائشة وعلى الصحابة رضوان الله عليهم جميعا عكس ما يروج له البعض لأهداف سياسية.