تغير في الموقف الدولي من جماعة الحوثي.. وزير الخارجية يتحدث عن تغيير الموازين على الأرض قريبًا    بدون تقطيع.. بث مباشر مشاهدة مباراة الاتحاد والأهلي اليوم في دوري روشن    المبدأ أولاً ثم النجاح والإنجاز    وزير الإعلام يكرم الفائزين بمسابقة أجمل صورة للعلم اليمني للعام 1446 فمن هم الفائزون؟    مليشيا الحوثي تقتحم مستشفى الجبلي للعيون في مدينة إب وتنهب محتوياته    قوانين الأرض ومعجزات السماء    الله تعالى لم يبعث رسوله محمد غازياً بل بعثه مبلغاً وشاهداً ومبشراً ونذيرا وسراجاً منيرا    تناوله باستمرار.. نوع من الخضروات يخفض نسبة السكر في الدم إلى النصف    بدون تقطيع.. بث مباشر مباراة السد والريان بجودة عالية اليوم في الدوري القطري    استشهاد 57 فلسطينيًّا في القصف الإسرائيلي اليوم على قطاع غزة    وفاة 11 شخصاً وإصابة آخرين بحادث مروع في المهرة    البكري يتفقد سير العمل في ملاعب "الميناء، والروضة، والجزيرة" بعدن    مبادرة "انسجام عالمي".. السعودية تحتفي بالتراث اليمني لتعزيز التعايش والتفاهم الثقافي المشترك ضمن رؤية 2030    الرئيس العليمي يبحث مع السفير الأمريكي تعزيز التعاون ودعم الاستقرار وسط تداعيات الهجمات الحوثية    بث مباشر تويتر مشاهدة مباراة الشباب والوحدة اليوم بدون تقطيع في دوري روشن    نجاح مبهر لجولة كرة السلة العالمية FIBA 3x3 في أبوظبي    اليمن يطالب بفرض إجراءات رادعة ضد الاحتلال تضمن توفير الحماية للشعب الفلسطيني    5 قتلى في المطلة جراء سقوط صاروخ أطلق من لبنان    نهاية القلق الغامض!    ريال مدريد يضع رودري على طاولة مفاوضاته في الموسم المقبل    العرادة يوجه بتنفيذ وسائل حماية المواقع الأثرية ويدعو لتضافر الجهود للحفاظ على الآثار    لماذا تجري أمريكا انتخاباتها يوم الثلاثاء؟    وفاة عامل في حفرة للصرف الصحي جوار البنك المركزي بعدن    شجاعة السنوار بين فلسفتين    إغلاق ثمان مدارس يمنية في مصر.. ومناشدات بتدخل عاجل    ما لا تعرفه عن الفنان المصري الراحل ''حسن يوسف'' ومشاركته في ''ثورة اليمن''    هجوم حوثي مباغت على مواقع عسكرية جنوب غربي اليمن.. وخسائر بشرية ومادية    ما الحكمة من دعوة النبي للطهارة مرة كل سبعة أيام؟    الدكتور عبدالله العليمي وبن مبارك يقدمان واجب العزاء للاستاذ عبدالحكيم القباطي بوفاة والدته    مضرابة المرق    فساد الشرعية أصبح يمارس بكل وقاحة وقبح أمام الكل    المسلمون الحقيقيون لا يمكن أن يُهزموا أبدا إلا هزيمة عابرة    نصيحة يافعية لأبناء يافع السلفيين    قصف جوي أمريكي بريطاني على محافظة الحديدة    تباين حاد في أسعار المشتقات النفطية بين المحافظات اليمنية.. صنعاء الأعلى، ومأرب الأقل    خطوة نحو تحسين صورة شرطة المرور الحوثي.. قرار بمنع صعود رجالها على السيارات    شرطة عدن تضبط متهمًا برمي قنبلة صوتية في الممدارة    الانتقالي يحذر من كارثة اقتصادية.. اجتماع طارئ لبحث أزمة عدن    أحزاب تعز تطالب الرئاسة والحكومة بتحمل مسؤوليتهما في انقاذ الاقتصاد الوطني    خدعة الكنز تودي بحياة 13 شخصاً.. حوثي يرتكب مجزرة مروعة في بني حشيش(تفاصيل جديدة)    الحوثي يستغل الشعارات الأخلاقية لابتزاز المجتمع.. صحفي يكشف عن علاقة "مصلحية مؤقتة" مع أمريكا    مشروب القرفة المطحونة مع الماء المغلي على الريق.. كنز رباني يجهله الكثيرون    (أميَّة محمد في القرآن)    عبد القادر رئيسا للاتحاد العربي للدارتس ... والمنتصر عضواً في المكتب التنفيذي    هل يرحل كريستيانو رونالدو عن النصر السعودي؟    قضية الشيكات المختفية.. من يضع يده على الحقيقة ومن يهرب بها في سيارة رسمية؟    وفاة 11 شخصًا في حادث مروري مروع بالمهرة    سُنن نبوية قبل النوم: طريقك إلى نوم هانئ وقلب مطمئن    قيادي في الانتقالي يتهم المعبقي ونائبه بانهيار العملة    الهلال الإماراتي يواصل دعم القطاع الصحي بحضرموت    تعز.. 44 جريحاً يتوجهون للعلاج في مصر    -    وفاة فتاة عشرينية عقب حقن جسمها بمادة غريبة في عيادة بصنعاء    عودة تفشي الكوليرا في تعز والسلطة المحلية تشكل فرقا ميدانية لمواجهة الوباء    تنويعات في أساطير الآخرين    البنك المركزي يبيع 18.4 مليون دولار في مزاد علني بسعر 2007 ريالا للدولار    سلفية اليمن يزرعون الفتنة بالجنوب.. إيقاف بناء مركز في يافع (وثيقة)    الأوقاف تعلن فتح باب التسجيل للراغبين في أداء فريضة الحج للموسم القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصنع إسمنت عمران.. انهيار وشيك في أهم مؤسسة صناعية في اليمن
نشر في الجمهورية يوم 31 - 05 - 2012

خلال السنوات الأخيرة ظهرت الكثير من العوامل والمتغيرات التي دفعت إلى تراجع صناعة الاسمنت الوطنية هذا القطاع الهام والحيوي بل دخلت منعطف حساس حتى أوصلها إلى مشارف الانهيار, حول التداعيات المصاحبة لمؤشرات الانهيار الوشيك في أهم مؤسسة صناعية في اليمن والأخطاء الفادحة التي تمارس في حق مصانعها الثلاثة تحدث المهندس علي عبد الوهاب جباري نائب مدير عام مصنع اسمنت عمران، والذي أكد وجود كثير من القضايا الشائكة والعالقة في صناعة الاسمنت وعن واقع الحال بحكم علاقته الوطيدة بهذه الصناعة منذ أن بدأت الدولة في إنشاء مصنع أسمنت عمران وذلك خلال اللقاء التالي:
..في البداية نود أن تحدثنا عن واقع حال المؤسسة اليمنية العامة لصناعة وتسويق الاسمنت؟
واقع المؤسسة اليوم متصل بالأمس فالأمس أسس لما هي عليه المؤسسة ومصانعها الثلاثة اليوم وكل مشروع ناجح قابل للاستدامة يعطي مؤشرا قوياً لبراعة القائمين على التأسيس، بل يكشف القدرات الإدارية والذهنية وملكات الإبداع والابتكار؛ لأن من يمتلك القدرات المميزة يمتلك القدرة على تخيل المستقبل وتصور وافتراض النجاح بعيداً عن الفشل ومن تنقصه هذه القدرات الخلاقة فإنه لا يرى أبعد من أنفه، ولك أن تتصور النتائج الكارثية لأداء مثل هؤلاء للتخطيط والتغيير لمؤسسات مقدر لها البقاء والاستمرار لمدد أطول واقع المؤسسة الراهن لا يبعث على التفاؤل وتترنح في منطقة وسط ساحة رمادية يقف على جانبها طريق الخلاص أو الإخفاق التام, أتذكر عبارة أوردها الأخ وزير الصناعة في حوار مع إحدى الصحف الأهلية والذي قال فيه (صناعة الاسمنت تعبت) وهذا القول صحيح وفيه الكثير من الدقة والتكثيف الشديد للمعنى بعبارة مختصرة.
وليس مايقال عن واقع الحال بالمؤسسة سراً فأنت لا تستطيع إخفاء مشاكل مؤسسة بهذا الحجم فهذا مجانب للحقيقة بكل معنى الكلمة والتي يدركها الكثير غيرك, كما أن قولك غير ذلك ليس في ميزان الحكمة في قول الراشدين من الرجال, كما أنه ليس من السهل تشخيص مشاكلها وحلها لغير العارفين بدقائق أسرارها وتاريخها.
وواقع الحال نتاج سلسلة من المؤثرات متصلة متتابعة في ماضيها وحتى حاضرها وحاضرها مؤلم, فمصنع بأجل متوقف منذ فترة طويلة بمعايير القدرة المالية على البقاء بسبب تكلفة الإنتاج العالية التي لا تسمح بتحقيق عوائد من عمليات الإنتاج والبيع ومصروفاته الجارية الضرورية تم تغطيتها خلال جزء كبير من العام الماضي من توريد الكلنكر من مصنع أسمنت عمران بغرض طحنه وبيعه إسمنتا, ومصنع البرح يعاني صعوبات وخللا خطيرا ومحاولات تشغيله المتكررة لم تدم سوى أيام ويعود بعدها للتوقف, ومصنع عمران يعاني تراكم الأخطاء التي أثقلت بها السنون على كاهل نجاحه, والمؤسسة تائهة كمن يبحث عن قشة في محيط مضطرب هائج, فالمشاكل تحاصرها من كل حدب وصوب ومن تحاصره المشاكل من كل الجهات يندر أن يتمكن من الإفلات إلا إذا امتلك الرؤية الواضحة والهدف الجلي وتسلح مسبقا بالكفاءة ولو كان هذا هو الأصل لما حصل ونشاهده ونعيشه اليوم من واقع يبعث على الألم.
^^.. أفهم أن ما يقال عن مشاكل المؤسسة هو واقع وصحيح؟
هذا صحيح، ولكن ليس بالشكل والحجم الذي ينقل إلى الجمهور والأمر غير متصل بالقائمين على المؤسسة فقط، بل يتجاوز ذلك إلى السياسات القائمة آنذاك وطرق اختيار المدراء التنفيذيين والغايات والأهداف المتوقعة والمطلوبة من أدائهم, فنحن نعلم أن اتخاذ القرار لتعيين مدير تنفيذي يكون صاحب القرار بهذه الخطوة قد قرر مصير المنشأة التي عين بها في الغالب نظرا لحجم المهام والنفوذ والصلاحيات الممنوحة لهذا المنصب والذي تحدد اتجاهي النجاح والفشل؛ لأنه يشكل مفتاح أحدهما، وغالبا لايدرك صاحب القرار أهمية مايقدم عليه لأسباب تتعلق بمنظور آخر أو غياب الفهم بأهمية هذه المناصب أو الواقع الثقافي غالبا ما تكون هذه المفاهيم المتقدمة في الإدارة غائبة عن أذهان الكثيرين ممن ينتمون إلى واقع كهذا.
^^..جذور المشكلة في هذه الحالة إذاً أين تكمن؟
تقع جذورها في البدايات الأولى, فقد نشأت صناعة الاسمنت في ظروف بالغة التعقيد حث بدأت بإنشاء مصنع بأجل في 1967م وبقرض روسي وخلال تلك الفترة لم يكن هناك من الخبرة والدراية ما يكفي للتأسيس على أسس معاصرة لافتقارنا مفهوم الإدارة الحديثة في الواقع الاجتماعي آنذاك.
ونتيجة للتطورات اللاحقة وتزايد الطلب على الإسمنت، الذي يلعب الدور الأساسي في أعمال المنشآت الخاصة والعامة ومشاريع البنى التحتية أنشأت الدولة مصنع عمران الذي بدأ تشغيله عام 1982م وتبعه إنشاء المؤسسة العامة لصناعة وتسويق الاسمنت عام 1983م بقرار جمهوري.
هذه المرحلة من تطور صناعة الإسمنت في اليمن كونت واقعاً جديداً بسبب حداثة التجربة وتوفر القدرات الكافية من التخصصات الهندسية والفنية المتنوعة، والتي تتطلبها صناعة الاسمنت، وقد تميزت هذه المرحلة بخصوصية بالغة الروعة، وباهتمام غير عادي من قبل الدولة لرعاية هذه التجربة, وأظن أن الحماس كان وراء هذه الدوافع أكثر منه منهج تنمية بعد أن تكشف التراجع في مراحل لاحقة بالصناعة. كما تميزت هذه التجربة بتطبيق أفضل النظم الموجودة في العالم آنذاك والتي أوجدها اليابانيون بعد توقيعهم لعقد التنفيذ, ومما يؤسف له آنذاك هو إلغاء النظام الإداري والمالي والذي كان واردا مع اليابانيين مع النظم الفنية كجزء من العقد الإداري بحجة وجود نظام محاسبي وكادر عام ونظم إدارية معممة.
ومصنع عمران عاش تجربة لو كانت تحظى برعاية واهتمام لشكلت أسسا قوية لإدارة عجلة النمو فالكثير يعتقد أن صناعة الاسمنت آلات ومعدات إنتاج ولا يدركون أن العمليات الصناعية هي حالة تنظيمية قبل أن تكون عملية إنتاجية, وأظن أن هذه التجربة كان لها أن تحقق أساسا متينا لتطور مفاهيم الإدارة الصناعية في بلادنا فيما لو أحيطت بالرعاية والاهتمام, أعتقد جازما أنها كانت أهم شيء في هذه التجربة؛ لأنها ستدعم التطور والنمو والاستدامة لإنتاج متزايد يحقق المعايير التي وصلت إليها الصناعة في مفاهيم التكلفة والتشغيل. وخلاصة القول استطاع المصنع أن يسدد القرض الذي شكل 40 % من تكلفته في مواعيده المحددة وأذكر أنه تم سداد آخر قسط مع فوائده عام 88م وقد وقعت على شيك الاستحقاق شخصيا وبهذا سدد المصنع 40 مليون دولار، بالإضافة إلى ما كان يحققه من أرباح سنوية.
لم تلفت هذه التجربة النظر بأهميتها لتخلق مفاهيم الإدارة آنذاك ولم يكن يدعمها غير حماسنا نحن المهندسين مع الفنيين والذي أوجد لنا مناخا رائعا للعمل بعد التخرج من الجامعات والمعاهد, وكما نعلم أن الحماس لا يكفي وحده، خصوصا عندما لا يتمكن الحماس من الوصول إلى رؤوس المدراء التنفيذيين المملوءة بمفاهيم أخرى والذين تقع على كواهلهم وبأدائهم تنجح أو تفشل أي تجربة وهذا منطقي, فكيف لنا أن نتوقع دراية إدارية وفنية ناضجة تنسجم ومتطلبات العمل الفاعل في صناعة الاسمنت والحظ يتحكم في نوعية المعينين لإدارة هذه المنشآت وغالبا ما تكون نسبة النجاح متدنية, و الأمر سهل فصناعة الاسمنت تحتاج إلى ما لايقل عن اثني عشر تخصصا هندسيا وعلميا، وتعقيداتها كبيرة ومشاكلها بالتالي كبيرة والمسئول الأول مطلوب منه أن يحل كل المشاكل المعروضة عليه ويتعاطى معها بكثير من الفهم, وعند تعيين مدير تنفيذي مؤهله جامعي أو كلية عسكرية ليس له أدنى صلة ولم يكن قد قرأ أي شيء عن صناعة الاسمنت أو عمل بها يجد نفسه غريبا عن كل شيء حوله, ومطلوب منه معرفة كل التفاصيل التي تحتاج إلى سنوات من المثابرة والذكاء فيحتار من أين يبدأ متخبطا بين ما هو صح وما هو خطأ في الوقت الذي لا يستطيع أن يعرف الاثنان معاً, فتلقاه ينقاد إلى سجيته في اختيار ما يخفف مصابه ويبسط له أمور العمل احتماء من الحيرة واستدراكا للفشل وغالبا ما ينجح معه المتزلفون والطامعون في النتائج لما يمتلكونه من مهارات التغرير والتقرب والاستلطاف وتسير عليه الأمور ليتعلم هوامش العمل و بعد فترة يكون خلالها قد تسبب في خسائر لا يدركها هو نفسه, ويستهلك من رصيد نجاح المنشأة.
^^.. إذاً وكيف تفسر النجاحات التي تحققت خلال الفترة الماضية؟
الأمر سهل جداً, ازدهر النشاط الاقتصادي وبالتالي العمراني بدأ من مطلع الثمانينيات وتزايد الطلب على الاسمنت وفجأة أصبحت المؤسسة في وضع المطالب بتغطية احتياجات الأسواق الناشئة ولم يكن في مقدورها ذلك الأمر الذي تسبب في اختلال ميزان العرض والطلب مما أدى إلى ازدهار الأسعار ونشاط البيع، دعم هذه الحالة أسعار الوقود المنخفضة آنذاك.
هذا الازدهار قد جلب معه وضعا إداريا مريحا؛ لأنه مول تخطي الإخفاقات الإدارية والتصرفات التي جرحت المسؤولية والالتزام بقوانين الدولة وضوابطها مما رحل مواجهة المشاكل التي برزت لاحقا لتواجهها المؤسسة الآن.
^^.. ولكن هناك من يختلف معك فيما تطرحه؟
كلا له ما يقول والأمر يتعلق بالرؤيا الشخصية والفهم لطبيعة العمل والمهم أعتقد أن الإنسان المستقيم لا يستطيع أن يتجاوز خطاب الضمير فهذه مصالح أمة وإذا تداخل الشخصي مع العام فسدت الفكرة، وواقعنا الراهن لا يفيد معه التغني بأمجاد الماضي والإنجازات التي اعتبرها البعض مغرية والوقوف على مشارف الأطلال لا يفيد في محاولة إعادة بنائها ولو كان الأمر كما يعتقد البعض لما وصلنا إلى الواقع الراهن الذي يبعث على الأسى وبدلاً من ذلك تتطلب فضيلة الشجاعة الاعتراف بالواقع لحفز الجهود وحشد الطاقات لاستئناف إعادة البناء وخلاف ذلك سيفوت الوقت الذي مازال فيه متسع, ونحن نعلم أن الوقت هو المال الحقيقي وعندما يتناقص رأس مالك منه تكون قد ضيعت قدرك المحتوم بالفشل وبكلتا يديك.
خلال فترة الازدهار كانت المؤسسة من كبار مشتري أذونات الخزانة والتي كانت تحقق لها عوائد إضافية كبيرة، بل حققت في بعض السنوات عوائد أكثر مما كانت تحققه المؤسسة من أرباح من نشاطها الأساسي, وقد استغل جزء كبير منه في أنشاء خط جديد في مصنع اسمنت عمران بطاقة مليون طن, فكان هذا النجاح الذي دعم آليات السوق شبه المغلقة مصدر زهو وإحساس بالفخر وبسببها وعلى غفلة من زمن المؤسسة نشط القطاع الخاص فبادر إلى إقامة مصانعه وقد شجعه على ذلك استمرار زيادة الطلب على العرض ولم يكن أحد من المدراء التنفيذيين للمؤسسة يتوقع النتائج المترتبة على ذلك, وانعكاسها على نشاط المؤسسة، أنها نشوة النجاح التي أعطبت ملكات التحليل والاستنتاج وقراءة حقائق الواقع الجديد.
^^.. نتحدث عن أرقام وحسابات كون المؤسسة تعمل بهذا الشكل؟
الأرقام جميلة والتلاعب بها سهل وتضليل القارئ بها الأسهل؛ لأنه لا يعرف مقادير ومعايير العمل بمنشأة كمصانع الاسمنت والحديث هنا لا يحتاج إلى أرقام وهي في واقعنا الراهن مدعاة للهو؛ لأن الحديث ينحصر في تحليل مسار عمل امتد عقودا من بداية حلم وازدهار صنعته ظروف غير صحية ليصل إلى مرحلة ما قبل الهاوية والأمر يتطلب منا التحليل والتأمل في الأسباب والعوامل وليس في تدبيج الأرقام.
وتصاعد الطلب على الاسمنت دفع الدولة إلى بناء مصنع اسمنت البرح الذي بدأ تشغيله في 1992م بطاقة نصف مليون طن وخلال هذه المرحلة تغير الشيء الكثير استبدل واقع التآخي والتفاهم بواقع الصراع بين مكونات الإدارة العليا بالمؤسسة فصرف التركيز عن المهام للتركيز على تحاشي تجربة جديدة لم يعر معها أحد اهتمامه بالنتائج المميزة والتي أنتجتها التجربة الأولى خلال إنشاء وتشغيل مصنع عمران رغم أن الشركة هي نفسها من أنشأت المصنعين، ولكن الاستشاري لم يكن حاذقا هذه المرة بنفس القدر الذي كان الأمر عليه مع استشاري مصنع عمران, فترتب على ذلك كثير من النقص والأخطاء وجلب معه بدايات تشغيل سيئة وكان حصيلته 240الف طن في السنة الأولى من تشغيل المصنع أي 48 % من الطاقة التصميمية فقط ولم يتم الاستفادة من هذه التجربة المرة كمؤشر خطر للأداء, وللأسف تغافل الجميع عنها الأمر الذي تسبب في سنوات طوال من الفشل لم يستطع معه المصنع سداد ما عليه من أقساط القرض وفوائده ولم يتمكن حتى في الحفاظ على رأس المال (المسترجع) وتدرك معي من هذا كله أن التجربة الناجحة الذي نشأت في عمران كانت وليدة ظروفها.
^^.. هل معنى هذا أن مؤشر انهيار المؤسسة بات وشيكا؟ وإذا كان الأمر كذلك كيف تنظر إلى الآثار الناجمة عن هذا الانهيار وضحاياه؟
آجل المؤشرات قوية وواضحة مالم تستدرك الدولة ذلك فلم تعد إدارتها الحالية قادرة على مواجهة مشاكلها التي تراكمت لسنوات وكانت هي سببا فيها. وإذا لم تتفهم سلطات القرار حساسية الوضع وخطورته فإن النتائج كارثية فهناك أكثر من 3 آلاف عامل سيفقدون أعمالهم وهم في الوقت ذاته يعولون أفراد أسرهم, وتعلم أن في الظروف الحالية لم يعد كل صاحب وظيفة يعول أفراد أسرته المقربين فقط، بل يتعدى ذلك تقديم الإعانات لمن هم من الأقرباء كنوع من التكافل الاجتماعي الذي فرضته الظروف الحالية.
كما سيتسبب في كارثة أوسع؛ لأن العاملين بشكل غير مباشر يعدون بالآلاف الكثيرة, الحمالين, السائقين ومن يقومون على خدماتهم من مطاعم وبقالات ومحطات وقود وتجار وموزعين,واسر تعتاش على هذا النشاط كما سيتأثر النشاط الاقتصادي في مواقع عمل المصانع لما لهذه المصانع من دور فعال في أدارة عجلة الاقتصاد المحلية في تلك الأماكن. أضف إلى ذلك أن إنتاج الاسمنت سيتوقف مما سيؤدي إلى أزمة خانقة لأعمال البناء ونشاطه الذي يشكل إحدى الركائز الأساسية للنشاط الاقتصادي في المدن ومنها العاصمة.
^^.. ألا ترى أن الأدوات والوسائل التي تسير عليها المصانع قديمة وغير مجدية في الوقت الراهن؟
تختلف الأدوات والوسائل من مصنع لآخر, فباجل أثر عليه الحقبة السوفيتية من نظم فنية وإنتاجية ومواصفات ونحن نعرف تأثيرهذه النظم على سير العملية الإنتاجية ومتطلبات السوق المفتوحة, وعمران ترك جانبا وبشكل جزئي المعايير التي تركها اليابانيون في بداية تأسيسه وسنوات تشغيله الأولى, ومصنع البرح سار منذ بداية تأسيسه على غير هدى.
^^.. بحكم ارتباطك بالمصنع ووقوفك على رأس هرم الإدارة بالمصنع ما هي الأشياء التي تحققت على أرض الواقع؟
لقد تحدثت عن آلية المؤسسة ومصانعها ولم أتطرق إلى مصنع بعينه, وللإجابة عن سؤالك عن عمران فإنه لم يمض على عملي هناك (للمرة الثانية) سوى سنتين وبضعه أشهر كان لي خلالها إسهامات لم أر أنها كافية منها ضبط جودة المنتج إلى مستوى أفضل رافقه تخفيض في معدل استهلاك الوقود بلغ 4 لترات للطن الواحد من المنتج ولمعرفة النتائج الإجمالية فإن هذا يعني 4 ملايين لتر سنويا بحسب طاقة الخط الثاني الإنتاجية وإذا احتسبناها بالأسعار الجارية للوقود البالغة 160 ريالا للتر فإن هذا يعني 640 مليون ريال سنويا، فيما إذا عمل الخط الجديد بكامل طاقته التصميمية , إضافة إلى إجراء تجارب إضافة البوزلانا والذي تم بتخطيط وإشراف مباشر مني حيث وصلنا إلى مستوى إضافة 10 % وهذا يؤدي إلى وفر صاف في التكلفة (بعد خصم التكلفة الكلية للبوزلانا) قدرها2.5 مليار ريال سنويا إذا ما عمل الخط الجديد بكامل طاقته الإنتاجية, إضافة إلى تخفيض بلغ مئات الملايين من الريالات من خلال ضبط متطلبات قطع الغيار عند حدود المتطلبات الفعلية, وفي أحيان أوقفنا مناقصات في مراحلها النهائية؛ نظرا لعدم الحاجة إليها.
أكثر من هذا جنبنا المصنع الانهيار الذي كان ممكنا العام 2011م فارتباطاتنا واسعة فما كان يحصل في طريق الحديدة صنعاء من تقطع لهذه الطرق يؤثر علينا بشكل ضاغط وقوي لإن إمدادات الوقود تمر عبر هذه الطرق وقطع الكهرباء يؤثر على مبيعاتنا وتوزيع منتجاتنا واستهلاكها فكل أعمال البناء قائمة على إمداد التيار الكهربائي وانعدام الوقود في الأسواق يؤثر على توصيل المنتج من المصنع إلى المستهلكين.
^^.. نتحدث عن روتين المصنع اليومي.. المعاملات.. العمل، هل يسير العمل بالشكل الأمثل في المصنع وما هو الذي ينبغي أن يكون؟
حقيقة وجدت نفسي منذ اللحظة الأولى أعمل في وضع أقرب إلى شئون قبائل منه إلى مصنع إنتاجي ينبغي له الانضباط بقواعد ولوائح فاعلة ترسم مسار العملية الإنتاجية بكل دقة, يتطلب تنظيم متطلبات واحتياجات العمل في مواعيدها وبما يتلاءم مع مسار السنة المالية، يحدد مستوى ومسؤوليات والتزامات وواجبات وحقوق كل عامل فيه ومن المؤسف أن الخط الإنتاجي الثاني بدأ عمله دون تحديد مجموعة الوظائف الجديدة لهيكلتها في هيكل يحدد تراتبية المسئوليات والذي على ضوئه تحدد الاحتياجات الفعلية في التخصصات المطلوبة ونوعيتها وإعدادها والذي على ضوء هذه المعايير يتم التوصيف, ولكن للأسف تم التوصيف بدون هذه القواعد مما أوجد وضعا مشوها وغريبا، تعداد العاملين الآن يفوق كثيرا العدد المطلوب في الوقت نفسه هناك نقص في بعض الوظائف النوعية؛ الأمر الذي أوجد وضعا إداريا مربكا بالغ التعقيد.
^^.. تكاليف الإنتاج باهظة جدا مقارنة مع تكاليف الإنتاج في القطاع الخاص والذي ينافس بقوة، هل بالإمكان التعريف بواقع الإنتاج بصورة دقيقة؟
هذا أمر طبيعي وهي إحدى النتائج لنظام مترهل أكل الدهر عليه وشرب, ونتاج لمستوى المهارات القيادية في الصف الأول, فتكلفة الإنتاج كما يفهمها الكثير في المؤسسة تقتصر على إدارة تكاليف تقدم تقاريرها كل ثلاثة أشهر وتقارير لأروح فيها، ولكن الأمر ليس هكذا بهذه الإدارة يجب أن يتحلى العاملون بها بقدر كبير من الخبرة والمهارة؛ لأنها تلعب دورا رقابيا فاعلا لمستوى الأداء لكل الإدارات ومن خلالها يتم التحليل المقارن لعناصر التكلفة على مستوى المعايير المتعارف عليها في صناعة الاسمنت وعلى مستوى معايير البيانات التاريخية المتجمعة بالمصنع نفسه، وعلى مستوى المعايير التصميمية لخطوط الإنتاج وتعرف كل الانحرافات الممكنة على امتداد خطوط الإنتاج ومراكز التكلفة.
^^.. هل لارتفاع تكاليف المازوت والديزل أي علاقة، خصوصا أن هذا الارتفاع الكبير كان مصاحبا لإعلان إنشاء مصانع القطاع الخاص؟
المازوت كأحد مشتقات النفط الخام خاضع لأسعار النفط ونحن نعلم أن أسعار النفط مضطربة خصوصا في السنوا ت الأخيرة فهي حساسة جدا وتتأثر بالصراع ومناطقه وخطوط الملاحة والأزمات السياسية ومستوى مؤشر البورصة وتعلم أن معظم مناطق الصراع في وحول أهم منابعه, كما ظهر في العشرين السنة الأخيرة متغير جديد أثر بشكل حاد على ميزان العرض والطلب, هذا المتغير هو الاستهلاك المتصاعد بحده في الصين والهند وبالتالي تزايد الطلب يوما بعد يوم ولمعرفة حجم المتغير هذا فإننا نعرف أن الصين كانت قبل عشرين عاما سوقا مهملة لمصنعي السيارات لا يهتم بها أحد منهم, وفي الوقت الحالي تفوقت الصين على الولايات المتحدة خلال الأعوام الماضية القليلة كأكبر سوق في العالم للسيارات وهذا مؤشر واحد على الصعود اللاخطى للطلب على النفط في بلد بحجم الصين.
هنا في اليمن أصبحت أسعار الوقود المبيعة للمصانع خاضعة للسعر العالمي، ولكننا لانعلم متوسط شراء شركة النفط المزود لمصانع الاسمنت بالمازوت ونعلم فقط أن سعر البيع أكثر مما يجب مقارنة بالأسعار المعروضة عالميا.
^^.. ألا ترى أن ازدواجية المعايير والقرارات من الأمور التي أثرت على أداء المؤسسة وبالتالي انعكس على أداء المصانع الثلاثة؟
هذا صحيح لغياب ضوابط الوظيفة العامة، خصوصا معايير ومتطلبات الوظيفة العامة في شكلها القيادي، وبالتالي معرفة الشروط المتوجبة فيمن سيشغلها، لقد ألحقنا ضررا تاريخيا بالوظيفة العامة وهونا من شأنها وأضعفناها في مستواها القيادي الذي يلعب الدور المحوري في إدارة وقياده مرافق الدولة ومؤسساتها وبالتالي سقطت الهيبة ومعها هيبة الدولة وكما هو معروف أن الدولة لا تقوم بدباباتها وطائراتها؛ لأنها أدوات لدعم الهيبة ولكن برجالها الأكفاء الصالحين المقتدرين ضابطي النفس الأمارة بالسوء في مختلف المرافق؛ لأن الإدارة أولا هيبة والهيبة لا تأتي إلا في الرجال المؤهلين لما كلفوا به يحملون رؤية في حياتهم وخطا ملتزما من السلوك يتحلون بالصدق والملكات المميزة في إدارة الأعمال والأفراد ولهذا هوينا بهذه المناصب الرفيعة إلى القعر فهانت وتبسطت لكل طامح غير مقتدر أو مؤهل فزاد طابور المطالبين بهذه المناصب وامتد حتى وصل إلى الأميين والمؤسسة جزء من هذا الواقع.
^^.. بقاء حال قوانين الدولة بهذا الشكل بالذات في صناعة الاسمنت التابعة للقطاع العام أمر غير جيد كيف يمكن أن تشخص لنا القوانين التي تحتاجها المؤسسة بحيث تصبح الأمور في نصابها الصحيح؟
الأمر بسيط.. الدولة لم تمنع أحداً في مؤسساتها عن إصلاح حاله وتعرف أن الدولة تسيرها نظم وقوانين فعندما احتاجت الدولة لإقامة مصانع الاسمنت لدوافع الحاجة لهذه المادة الهامة في إعمار البلد أنشأت المؤسسة وحددت مهامها بالقانون رقم 35 لسنة 1983م والذي نقل المسئولية القانونية لأداء ورعاية وتشغيل وصيانة هذه المؤسسة إلى المعنيين بموجب هذا القانون, بهذا حددت المسئوليات ومن ضمنها استمرار العمل دون عوائق وحل المشاكل أولاً فأولاً، ومواجهة المصاعب لاحقا تحررت الأسواق كسياسة معتمدة للدولة واستمر القطاع الخاص في صناعة الاسمنت لهذا يتطلب الأمر التكيف مع نظام الأسواق المفتوحة..هذا يتطلب إعادة النظر في جميع النظم والقوانين الناظمة لعمل المؤسسة وعمل هذا سهل فعلى المؤسسة بحكم المسؤوليات اقتراح القوانين المطلوبة لبنائها واستمرارها في الواقع الجديد بوصفها مؤسسة ذات نشاط قائم على الربح ورفعها إلى الوزارة المشرفة وبالآليات المعروفة لإصدار التشريعات في مجلس النواب لتتمكن من العمل بهذه الآليات الجديدة ولا أظن أن الدولة تمانع في ذلك، ولكن عليك أن تبدأ وتسرع الخطى في عملك بالشكل المطلوب.
^^.. بحسب خبرتك الصناعية ومرافقتك لصناعة الاسمنت ومشاركتك الفاعلة في إدارة أكثر من مصنع، هل بالإمكان تعريفنا بأهم نقاط القوة في العمل الصناعي ونقاط الضعف في هذا الجانب؟
نقاط القوة في صناعة الاسمنت المنشأة والاختيار الصحيح لموقع المنشاة, كذلك المنتج المميز بجودة عالية، التكلفة المنافسة, السوق, التسويق الجيد وجميعها خاضعة للتأسيس الجيد المبني على دراسة جيدة للجدوى الاقتصادية الخاضعة لاختيار المهارات المميزة؛ لأن على ضوئها ستنتج الحدود الدنيا الممكنة للتكلفة مع الاحتفاظ بالجودة العالية, الإدارة المميزة بمدير تنفيذي مؤهل بملكات إدارية مميزة, ومؤهل تعليمي مناسب لطبيعة العمل، وكذا خبرة مميزة في صناعة الاسمنت يعرف كل مرؤوسيه أن أي مشكلة مستعصية لديهم حل لديه.
^^.. ألا ترى أن ارتباط المصانع الثلاثة بالمؤسسة أمر معقد نوعاً ما بالذات في الجانب التسويقي وقراءة أفكار السوق ورفع الأسعار؟
للأسف المؤسسة هي الحاضر الغائب وقد جرى تعطيل دورها ومهامها الأساسية بالمصانع منذ فترة طويلة وهناك للأسف شعور عميق لدى كل العاملين بالمصانع أنه لا تقوم بأي دور في المصانع، بل يتخطى البعض هذا الفهم إلى القول بأنها تتسبب في كثير من المشاكل للمصانع, وفي الحقيقة يعلم الكثير أن دورها فيما إذا قامت به كتوفير لوازم التشغيل الكبيرة وضمن الحاجة وبالأسعار الأدنى والمواصفات المطلوبة وفي الزمن المطلوب وعليها مراقبة الأداء ورصد الانحرافات والمساعدة الواعية لمعالجتها وهي من يجب أن يعمل على تطوير المصانع ودراسة الأسواق وحلقة الوصل واللقاء بين المصانع لتوحيد النظم والمواصفات ومراقبة الإنتاج وتطوير المهارات القيادية لموظفي الصف الثاني من خلال رصد الأداء والتدريب المتصل مباشرة بجوهر نشاطها والكثير والكثير من المهام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.