بعد استهداف سفينتين.. حادث غامض جنوب المخا    "هلت بشائر" صدق الكلمة وروعة اللحن.. معلومة عن الشاعر والمؤدي    هكذا يستقبل ابطال القوات المسلحة الجنوبية اعيادهم    يوم عرفة:    عزوف كبير عن شراء الأضاحي في صنعاء بسبب الأزمة الاقتصادية    سجن واعتقال ومحاكمة الصحفي يعد انتكاسة كبيرة لحرية الصحافة والتعبير    استعدادا لحرب مع تايوان.. الصين تراقب حرب أوكرانيا    حقيقة انشقاق قائد حراسة الشيخ "سلطان العرادة" وانضمامه للحوثيين    إسبانيا تُسحق كرواتيا بثلاثية في افتتاح يورو 2024، وإيطاليا تُعاني لتعود بالفوز أمام ألبانيا    يورو2024 : ايطاليا تتخطى البانيا بصعوبة    لامين يامال: جاهز لأي دور يطلبه منّي المدرب    ياسين و الاشتراكي الحبل السري للاحتلال اليمني للجنوب    وصلت لأسعار خيالية..ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأضاحي يثير قلق المواطنين في تعز    جريمة مروعة تهز صنعاء.. مسلحون حوثيون ينكلون بقيادي بارز منهم ويقتلونه أمام زوجته!    جماعة الحوثي تقدم "عرض" لكل من "روسيا والصين" بعد مزاعم القبض على شبكة تجسس أمريكية    صحافي يناشد بإطلاق سراح شاب عدني بعد سجن ظالم لتسع سنوات    خطيب عرفة الشيخ ماهر المعيقلي يدعو للتضامن مع فلسطين في يوم عرفة    مدير أمن عدن يُصدر قرارا جديدا    تعز تستعيد شريانها الحيوي: طريق الحوبان بلا زحمة بعد افتتاحه رسمياً بعد إغلاقه لأكثر من عقد!    ثلاثية سويسرية تُطيح بالمجر في يورو 2024.    - ناقد يمني ينتقد ما يكتبه اليوتوبي جوحطاب عن اليمن ويسرد العيوب منها الهوس    الإصلاح يهنئ بذكرى عيد الأضحى ويحث أعضاءه على مواصلة دورهم الوطني    بينهم نساء وأطفال.. وفاة وإصابة 13 مسافرا إثر حريق "باص" في سمارة إب    كبش العيد والغلاء وجحيم الانقلاب ينغصون حياة اليمنيين في عيد الأضحى    - 9مسالخ لذبح الاضاحي خوفا من الغش فلماذا لايجبر الجزارين للذبح فيها بعد 14عاماتوقف    سلطة تعز: طريق عصيفرة-الستين مفتوحة من جانبنا وندعو المليشيا لفتحها    بينها نسخة من القرآن الكريم من عهد عثمان بن عفان كانت في صنعاء.. بيع آثار يمنية في الخارج    السعودية تستضيف ذوي الشهداء والمصابين من القوات المسلحة اليمنية لأداء فريضة الحج    مأساة ''أم معتز'' في نقطة الحوبان بتعز    انقطاع الكهرباء عن مخيمات الحجاج اليمنيين في المشاعر المقدسة.. وشكوى عاجلة للديوان الملكي السعودي    وضع كارثي مع حلول العيد    أكثر من مليوني حاج على صعيد عرفات لأداء الركن الأعظم    لماذا سكتت الشرعية في عدن عن بقاء كل المؤسسات الإيرادية في صنعاء لمصلحة الحوثي    أربعة أسباب رئيسية لإنهيار الريال اليمني    ألمانيا تُعلن عن نواياها مبكراً بفوز ساحق على اسكتلندا 5-1    دعاء النبي يوم عرفة..تعرف عليه    شبوة تستقبل شحنة طبية صينية لدعم القطاع الصحي في المحافظة    حتمية إنهيار أي وحدة لم تقم على العدل عاجلا أم آجلا هارون    يورو 2024: المانيا تضرب أسكتلندا بخماسية    هل تُساهم الأمم المتحدة في تقسيم اليمن من خلال موقفها المتخاذل تجاه الحوثيين؟    صورة نادرة: أديب عربي كبير في خنادق اليمن!    اتفاق وانجاز تاريخي: الوية العمالقة تصدر قرارا هاما (وثيقة)    المنتخب الوطني للناشئين في مجموعة سهلة بنهائيات كأس آسيا 2025م    فتاوى الحج .. ما حكم استخدام العطر ومزيل العرق للمحرم خلال الحج؟    أروع وأعظم قصيدة.. "يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتموا يوم الرحيل فؤادي    مستحقات أعضاء لجنة التشاور والمصالحة تصل إلى 200 مليون ريال شهريا    وزير الأوقاف يطلع رئاسة الجمهورية على كافة وسائل الرعاية للحجاج اليمنيين    نقابة الصحفيين الجنوبيين تدين إعتقال جريح الحرب المصور الصحفي صالح العبيدي    اختطاف الاعلامي صالح العبيدي وتعرضه للضرب المبرح بالعاصمة عدن    منتخب الناشئين في المجموعة التاسعة بجانب فيتنام وقرغيزستان وميانمار    الكوليرا تجتاح محافظة حجة وخمس محافظات أخرى والمليشيا الحوثية تلتزم الصمت    هل صيام يوم عرفة فرض؟ ومتى يكون مكروهًا؟    إصلاح صعدة يعزي رئيس تنفيذي الإصلاح بمحافظة عمران بوفاة والده    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    بكر غبش... !!!    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القرآن طريق الخروج من الظلمات
نشر في الجمهورية يوم 29 - 08 - 2012

قد يقول قائل كيف يمكن ان يكون القرآن طريقا للخروج من الظلمات لعالمين و في الواقع فان المسلمين انفسهم في الظلمات. فاذا لم يفد القرآن المسلمين فكيف تثبت انه مفيد لغير المسلمين؟
اقول صحيح ان القرآن نزل على النبي العربي محمد صلى الله عليه و سلم و باللغة العربية لكن الصحيح ايضا ان القرآن قد تضمن تاريخ البشرية منذ ان خلق الله آدم حتى مبعث النبي محمد صلى الله عليه و سلم. و كذلك فاني اقول بأن القرآن قد اوضح و بما لا يدع اي مجال للشك انه هدى للعالمين. و الاكثر اهمية من ذلك ان القرآن اكد انه آخر الكتب السماوية و بالتالي فانه لا كتاب بعده و لا نبي بعده و بالتالي فان على البشرية ان ارادت الهداية فما عليها الا ان تبحث عنها في القرآن.
هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان القرآن قد وضع لنفسه هدفين: الهدف الاول هو انذار البشر جميعا. اما الهدف الثاني فهو بشير للمؤمنين. و على هذا الاساس فان استفادة غير المؤمنين من القرآن لا تعني فقدان القرآن كونه كتابا دينيا قياسا بالكتب الدينية الاخرى التي تميز بين بعض البشر و بعضهم البعض على اساس عرقي او جغرافي او تاريخي او اجتماعي او حتى ثقافي.
ان كون القرآن كتاباً منزلاً من رب العالمين لا بد و ان يكون موجها و مفيدا للعالمين و الا حدث تناقض بين هذين القولين. و مما يؤكد ذلك هو ان القرآن تعامل حقيقة مع البشرية كلها بطريقة واحدة و بنفس المعاير. فالواجبات على الجميع واحدة و الحقوق للجميع واحدة. و من وجهة نظري ان ذلك هو اكبر دليل على ان القرآن يحتوي على الدين الحق النافع للناس جميعا.
و قد لخص الله ذلك في آيات قصيرة و قليلة في سورة سماها سورة العصر. اذ يقول وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3). فقد اقسم الله تعالى بالعصر لشمل كل الزمن منذ انزل الله القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم و حتى يرث الله الارض و ما عليها. و استخدم الله لفظ الانسان ليعني كل البشر على اختلاف تنوعهم العرقي و الجغرافي و الثقافي و حتى السياسي و الاجتماعي. و الاكثر اهمية من ذلك ان الله في هذه السورة استخدم لفظ خسر ليدل على الخسارة في الحياة الدنيا و في الاخرة و هو ما عبرت عنه بالظلمات.
ان القرآن بذلك هو الكتاب الوحيد على وجه الارض في الوقت الحاضر الذي يتضمن هذه النظرة الشمولية. صحيح ان الكتب المقدسة الاخرى اي التورات و الانجيل يتشابهان مع القرآن في بعض الامور لكن الصحيح ايضا انهما تتناقضان في ذلك ايما تناقض. فمن ناحية فإن فيها نصوصا تدل على وحدانية الله و واحدية خلقها و من ناحية أخرى فإن فيهما نصوصا تميز بين خلق الله بشكل غير مقبول.
فلا توجد فيهما اي نصوص قاطعة مانعة كما هي في القرآن. «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا». «ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا». «رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما». «الر كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور بإذن ربهم الى صراط العزيز الحمي»د. «يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير».
و كذلك فان القرآن قد تضمن نصوصا تؤكد وحدت مضمونه. «يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين». «قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل». «هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا انما هو اله واحد وليذكر اولوا الالباب. بالبينات والزبر وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون». «ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى اكثر الناس الا كفورا». «ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان اكثر شيء جدلا».« يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيمى.
الخاتم. «يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فامنوا خيرا لكم وان تكفروا فان لله ما في السماوات والارض وكان الله عليما حكيما». «يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدي القوم الكافرين». «قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السماوات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون. قل يا ايها الناس انما انا لكم نذير مبين». «وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون».
و اخيرا فان القرآن لفت الانتباه الى وحدة المصير للبشر جميعا. فالبشر بشكل او بآخر يعيشون على وجه الارض و بالتالي فانهم يشتركون في العديد من المجالات. و من ثم فان اي اختلال في هذه المجالات لا يقتصر اثره على اتباع دين دون دين اخر و المنتمين لعرقية دون عرقية اخرى و لا مواطني دول دون مواطنين دول اخرى.
يقول الله تعالى «وما كان الناس الا امة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون. واذا اذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم اذا لهم مكر في آياتنا قل الله اسرع مكرا ان رسلنا يكتبون ما تمكرون. و يا قوم اوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين. رب انهن اضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم. ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين. وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون. وما اتيتم من ربا ليربو في اموال الناس فلا يربو عند الله وما اتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون. ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين. الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فان الله هو الغني الحميد. ان الانسان خلق هلوعا.
و في نفس الوقت فان القرآن قد اوضح ان هناك مجالات لا يمكن للبشر ان يتفق عليها مهما بذلوا في سبيل ذلك من جهود. و يترتب على ذلك اما التميز باشر او التميز بالخير. وما من شك بان هناك فوارق بين هذين التميزين. ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. «واذا قيل لهم امنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما امن السفهاء الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون». «يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون». «فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين. أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون». «واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله وبالوالدين احسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا واقيموا الصلاة واتوا الزكاة ثم توليتم الا قليلا منكم وانتم معرضون». «ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون».
اما التميز بالخير فمن قبل واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين. «واذ جعلنا البيت مثابة للناس وامنا واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود». «وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم».
فما جاء في سورة العصر هو الحل الذي انزله الله في القرآن ليهدي البشر لكيفية التعامل مع كل هذه الموضوعات بحيث لا يخسر احد من البشر
لقد اوضح القرآن و بما لا يدع اي مجال للشك ان الانسانية كلها تسير في طريق الخسران و ذلك في الدنيا قبل الآخرة. و ان اصلاحها لا يمكن ان يتحقق الا من خلال الاتفاق و الالتزام بثلاث وسائل للإصلاح هو الايمان و العمل الصالح و التواصي بالحق و التواصي بالصبر.
و من اجل توضيح ذلك فانه لا بد من مناقشة سائل الاصلاح هذه لمعرفة هل كافية ام لا؟ و سيتم البدء بوسيلة الايمان. و قد استخدم القرآن الذين امنوا ليعبر عن ذلك. ولا شك ان هذا الاستخدام كان مقصود في حد ذاته. و يتضح ذلك من خلال مناقشة دلالته. فالإيمان عادة ما يستخدم في الخطاب الديني. و في الغالب فانه يعني تصديق ما لا يصدقه العقل.
ما من أمة من الآمم الا و هي تحث على الايمان بمعتقداتها سواء تلك التي تكون مقتنعة بها و تستطيع ان تدافع عنها او التي قلد فيها او تلك التي تجبر على اظهار الايمان بها. و لذلك فان القرآن لم يستخدم الايمان الا في النادر و عندما تكون هناك قرائن توضح معنى ذلك اي ان المقصود بذلك هو التصديق و ليس مجرد القبول او الاذعان. «ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين امنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب اليم». اي ان النبي يصدق من عرف عنهم الصدق.
و في هذا الاطار فانه لا بد من التفرقة بين الايمان الذي يعني الصدق و بين الايمان الذي يعني عكس ذلك. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33). فمن كذب على الله لا يجوز ان يسمى ذلك ايمانا لأن الكذب يتناقض مع الصدق و مع الايمان حتى لو نسب الى الله تعالى. فمن يكذب على الله يكذب على غيره و من يكذب لا بد و ان يتظاهر بتصديق الكذب. اما الذي جاء بالصدق فانه لا يكذب و لا يصدق الكذب و انما يصدق الصدق.
و قد فرق القرآن بين الايمان الصادق و بين الايمان الكاذب بشكل دقيق و في اول سورة البقرة. فالمؤمنون هم الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5).
اما المؤمنون الكاذبون فهم وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (16).
و قد استخدم الذين امنوا ليشير الى الايمان الصادق حتى لو كانوا يخطئون بعض الوقت. لانهم اذا عرفوا خطأهم تراجعوا عنه و صححوه. و على هذا الاساس فان الذين امنوا يعني اكثر من مجرد الادعاء و الذي قد لا يكون قائما على دليل وحجة و بالتالي يكون شكليا الى ان الذين امنوا يعني ان ذلك يعني في الاساس الحقوق التي يتمتع بها البشر و يعترف بها و يصدقها الاخرون.
فالإيمان الكاذب هو الذي لا يثبت و يتغير مع تغير المصالح. «وامنوا بما انزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا اول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا واياي فاتقون». «واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون». «أفتطمعون ان يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون». «واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلا بعضهم الى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم افلا تعقلون». «ثم انتم هؤلاء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان ياتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون. وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون». «واذا قيل لهم امنوا بما انزل الله قالوا نؤمن بما انزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون انبياء الله من قبل ان كنتم مؤمنين». «واذ اخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما اتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به ايمانكم ان كنتم مؤمنين». «او كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل اكثرهم لا يؤمنون». «ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى ياتي الله بأمره ان الله على كل شيء قدير. ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم قل ان الهدى هدى الله ان يؤتى احد مثل ما اوتيتم او يحاجوكم عند ربكم قل ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا. ألم تر الى الذين يزعمون انهم آمنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا. واذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله اعلم بما كانوا يكتمون».
ان الخسران من الايمان المدعى الكاذب واضح ولا يستطيع اي انسان عاقل ان يدافع عنه. انه يدنس كل المقدسات فلا يكون هناك احترام لأي شيء على وجه الارض. و اذا كان الامر على هذا النحو فعلى القارئ الكريم ان يتخيل نوعية الحياة. و كذلك فاذا كان غالبية الناس يستمرون الكذب و يطلقون عليه صفات الصدق و يمارسونه بدون حياء فلن تكون هناك اي ثقة على الاطلاق. فلا الزوج سيثق بزوجته و العكس صحيح و لا الأب سيثق بأبنائه و العكس صحيح و لا الاقارب سيثقون ببعض بعضهم البعض و لا المتعاملون في الحياة الاقتصادية سيثقون ببعضهم البعض و لا الطلاب سيثقون بأساتذتهم و العكس صحيح و الناس سيثقون بحكامهم و العكس صحيح. و ما من شك فان الحياة في هذه الحالة ستكون جحيم. و لا يمكن تصور خسران اكبر من ذلك.
لكن الايمان الصادق مفيد للمؤمنين و لغيرهم. «يا آيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين». «يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين». «لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم».« الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون». «يا ايها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيما». «يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلووا او تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا».« لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الاخر اولئك سنؤتيهم اجرا عظيما». «يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون. »يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. يا ايها الذين امنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون».
«واذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده واصلح فانه غفور رحيم. وان كان طائفة منكم امنوا بالذي ارسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين». «ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون».
و اي فلاح للبشرية المؤمنين و غير المؤمنين في ظل ممارسة الصدق؟
و ينبغي ان نوضح ان المؤمنين الصادقين هم بكل تاكيد المؤمنون من المسلمين و لكنهم ايضا المؤمنون من غير المسلمين بالمعنى الواسع للإسلام. فعلى الرغم من ان دين الله الحق هو الاسلام كما ينص على ذلك القرآن ان الدين عند الله الاسلام لكن القرآن نفسه سمى اتباع نبي الله موسى يهودا و سمى اتباع نبي الله عيسى نصارى. و في نفس الوقت فانه فرق بين المؤمنين الصادقين هؤلاء و من ادعوا الايمان و لكنهم غير صادقين. بل ان القرآن ذكر من لم يتبع دينا معروفا لكنهم كانوا صادقين بخير. وممن خلقنا امة يهدون بالحق وبه يعدلون. ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون.
وعلى هذا الاساس فان وصف الايمان و الذين آمنوا في سورة العصر يشمل كل الصادقين. و الدليل على ذلك ان القرآن في هذه السورة عبر عن الاسان كانسان بغض النظر عن دينه او مذهبه. و مما لا شك فيه ان الواقع يشهد تعدد الاديان و المذاهب و سيتمر ذلك الى قيام الساعة بنص القرآن نفسه. و اذا كان يستحيل ان يتوحد الناس كلهم في دين او مذهب فان ذلك يعني انهم سيظلون كلهم خاسرين الى قيام الساعة. و في هذه الحالة فانه لا فائدة من وصايا الله في القرآن و الكتب الاخرى للناس في التخلص من الخسران وتحقيق النجاح او الفوز.
لكن الناس يحبون الصدق و يمكن ان يكونوا صادقين حتى لو اختلفت اديانهم و مذاهبهم. فما من دين او مذهب يجاهر بالعداء للصدق لكن الادعاء شيء و الممارسة شيء اخرى. فاذا الناس على اختلاف مذاهبهم طبقوا ما يدعون من حبهم للصدق و كراهيتهم للكذب فانهم سينجحون في حياتهم الدينا على الاقل.
«وقالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115).
«المؤمنون الصادقون هم الذين يتمسكون بكل مقتضيات الصدق مهما كانت الظروف و المغريات». «والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين احد منهم اولئك سوف يؤتيهم اجورهم وكان الله غفورا رحيما». «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (62). «وقالوا كونوا هودا او نصارى تهتدوا قل بل ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين». «فاما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم اليه صراطا مستقيما».
و هناك من اتباع الاديان من يدعي الايمان الصادق و لكن تصرفاته تدحض ذلك «ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون». «فان حاجوك فقل اسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أسلمتم فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد».
وفي هذه الحالة فان على المؤمنين الحق ان يرفض القبول بالكذب تحت اي ظرف من الظروف. يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين. الا اذا تركوا الكذب و مارسوا الصدق». «الا الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين اجرا عظيما». «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (74) مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86)
على الصدق يمكن ان تتحاور الانسانية فيما بينها و على الصدق يمكن ان تتفق و على الصدق يمكن ان تتعاش و في الصدق يمكن ان تربح و لا تخسر.
اذا سمح للكذب في الدين تحت اي مسمى و ان كان هذا المسمى هو الايمان ان ذلك سيؤدي ليس فقط الى العبث في الدين و اما ايضا الى العبث بكل مقومات الحياة. هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان الكذب في الدين يتناقض مع ابسط متطلبات الدين أيا كان نوعه.
و من اجل ذلك فقد كان من اهم ما ورد في القرآن الكريم هو التنديد بالكذب و خصوصا الكذب باسم الدين. و قد عمل القرآن على فضح العديد من المعتقدات الدينية. والاكثر اهمية ان القرآن رفع اي حصانة على الكذب مهما كان مصدره. «ام يقولون افترى على الله كذبا فان يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته انه عليم بذات الصدور».
«ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال أوحي الي ولم يوح اليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما انزل الله ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديهم اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن اياته تستكبرون». «فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بآياته اولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى اذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا اين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على انفسهم انهم كانوا كافرين». «فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بآياته انه لا يفلح المجرمون». «وان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم انتم بريئون مما اعمل وانا بريء مما تعملون».« ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين». «انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله واولئك هم الكاذبون». «ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا او كذب بالحق لما جاءه اليس في جهنم مثوى للكافرين». «فمن اظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق اذ جاءه اليس في جهنم مثوى للكافرين».
و قد اوضح القرآن ان من اهم طرق مكافحة الكذب عدم الاذعان له و القبول به حتى اي ظرف من الظروف. قد افترينا على الله كذبا ان عدنا في ملتكم بعد اذ نجانا الله منها وما يكون لنا ان نعود فيها الا ان يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين».
و من طرق محاربة الكذب التي أوصى بها القرآن الاستمرار في فضح الكذب من خلال التعليم.« بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين». «وقال رجل مؤمن من ال فرعون يكتم ايمانه اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ان الله لا يهدي من هو مسرف كذاب. ومن اظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى الى الاسلام والله لا يهدي القوم الظالمين. فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95).
و من اخطر انواع الكذب كما اوضح ذلك القرآن ان يتم التلاعب بالألفاظ بهدف الباس الحق بالباطل و تضليل الناس و خصوصا عامتهم القادرين على التميز بين الصدق و الكذب. وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون. يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44). وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50).
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.