تعد الثقافة إحدى الركائز المهمة في تكوين الهوية وعدم الاهتمام بها يعد عبثا مباشرا وغير محمود العواقب ولعلنا في الفترة الأخيرة أدركنا أهمية التنوع الثقافي والفكري والذي يستطيع أن يؤثر إيجابيا على عقولنا الشابة لدحر مخاطر الجهل الذي يصل بظلمته حد دفع عقل الفرد الشاب للسعي للموت على حساب الحياة وهذا ما شهدناه مؤخرا جراء الأحداث الدموية التي شلّت يد الأمن والمحبة في الوطن.. تتمثل هذه الأحداث الرهيبة كتأثير للجهل والانسلاخ الثقافي عن هوية الإنسان اليمني الذي عرف بارعا في إبراز هويته الثقافية في حال حظي بالفرصة المناسبة لذلك، لكن التأثير السلبي للإبهام الثقافي أدى للأسف إلى اضطراب الهوية الأم بحيث اتجه الناس لهويات فرعية وتكتلوا خلفها، و كانت نتائجها سيطرة حمى الثقافة الطائفية والمناطقية المتطرفة الداعية للموت والدمار عليهم بحيث أصبحت هي المعلم الأوضح لهوية اليمن الآن. تقدم التطرف ويتقدم بشكل مخيف في مجتمعنا اليمني حيث أن هذه الثقافة المقيتة مستمرة في غزو بيوتنا ، حاراتنا ،مدارسنا وجامعاتنا جارّةً أبناءنا وشبابنا إلى الموت والظلام ، الإسلام كان واضحاً وقوياً بتنوعه حيث أنه بهذا التنوع تشكلت أغنى وأقوى مراحل الدولة الإسلامية مؤكدة ب «أن التنوع ليس ضد الهوية فالهوية يمكن أن تجمع تنوع فريدا من نوعه» وقد برز ذلك العقد الفريد والجميل في الإطار الفقهي الذي هو محور ما يتاجر به سدنة الحرب باسم الدين والله وهو بريء منهم، على مدى تطور الدولة الإسلامية كان التنوع مصدر قوة لا ضعف، مصدر غنى لا فقر و كان هذا الاتجاه هو المفتاح الذي جعل هذا الدين جامعا لقلوب الناس حتى ممن لم يتبعوا ملّته، فالفترة الذهبية للدولة الإسلامية تمثلت في ذلك العصر الذي تشكل به التنوع الفقهي الكبير والقوي الذي بث روح حضارتها وقيمها القادرة على تقبل الآخر أيا كان، و التفاعل مع كل المتغيرات والتأثير بقوة الحكمة والتسامح المنبعثة من هذا الدين وتلك القيادة التي أدركت المعنى الحقيقي للقيم التي جاء بها الدين. في الشام عرفت الدولة الإسلامية تنوعا في الديانات حيث كان المسيحي أخا للمسلم في الأرض والإنسانية حماه الدين الإسلامي وكفل له حقوقه كاملة في ظلال من المحبة ،الاحترام والتفهم وفي الأندلس شهدنا تنوعا فكريا خلاقا ساهم في تطور الثقافة وتنوعها وازدهارها حيث شهدت إبان الدولة الإسلامية عصرها الذهبي في الآداب والعلوم ،الهندسة والمعمار .. الدين الإسلامي لم يرفض أبدا ولم ينكر حق الإنسان في الحياة أو المعرفة وما يحدث الآن في مجتمعاتنا لا يمت للإسلام بصله، فالتعتيم الفكري والتطرف ضد الآخر لن يترك أخضر ولا يابساً إن لم يُواجَه بخطى واثقة ومؤثرة في دعم التنوع والتطور الثقافي وتحقيق تكافؤ بما يحقق لكل الأطراف بكل أطيافها الثقافية الدينية والمعرفية الحق في التعبير والتطوير غير المؤذي الخلاق بحيث يتاح المجال للنقاش و المناظرات العملية لهذه الأطراف وهذا لن يحدث إلا بالثقة في العقل اليمني و إثراء وعي المجتمع للحصول على دعمه. الإنسان اليمني كان دائما خلاقا و لم يكن أبدا تابعا أو مُقادا ضعيفا، و إنما لم يتح له المجال بعد لمعايشة المعنى الحقيقي للتنوع في ظل مساواة في الفرص أو الإمكانيات لذا لم يفهم بعد جمال هذه الإمكانية والسمة التي سيمتلكها المجتمع اليمني في حال تم قبول هذا التنوع والوقوف من أجل تكريسه وليس رفضه ومحاربته مما يؤدي ببعض الجماعات المتطرفة دينيا او فكريا الى السعي نحو دمار هذه السمة الخلاقة منتهزة عاطفية الإنسان اليمني و ارتباطه بالدين ليكرسوا مفهوم الموت و مناهضة الحياة . من الخطأ مواجهة قوى التطرف الديني والثقافي بالبنادق أو المدرعات العسكرية فالحرب ضد الإرهاب والتطرف كانت دائما وما تزال حرب ثقافة وهوية وما تفعله البنادق هو تكريس لثقافة الرفض والموت ولا تقل تطرفا عن هذه الجماعات، ما علينا نحن كمواطنين أولا وكمثقفين هو أن نسهم في تكريس أهمية الثقافة وقيم التسامح وتعزيز مفاهيم حوار الحضارات بما أننا نعيش على نفس الكوكب مع الآخر الإنسان مثلنا! علينا أن نقبل الآخر ونعمل في اتجاه موازٍ تماما ومكافئ لجماعات الموت هذه والتي تمتلك الإمكانات المادية وتستغل فقر الناس وفراغ الشباب وتقوم بغسل أدمغتهم بشعارات ومُثُل لا تمثل أبدا المجتمع أو الدين وإنما تمثل الحس التجاري والمظلم للتجار الحرب باسم الدين . أحبتي .. هل لنا أن نحب بعضنا أكثر؟ أن نتقبل بعضنا أكثر؟ أن نتفهم بعضنا أكثر ؟ هم يشعلون الوطن ويجعلون من شبابه حطبا ..هل لنا أن نترفع عن خلافاتنا كمواطنين ..كاتجاهات فكرية ودينية ..كأحزاب ونفكر ولو لمرة بمصير أبناء هذه الأرض ؟ بلادنا تحترق فلنساعد بعضنا في إطفاء اللهيب .. [email protected]