على نافذة الذكرى، وتحت ظلال السعادة، بدت هبة تودع أيام شبابها وتلوح بذراعيها لحياة حلوة سترحل، وتفتح ذراعيها لحياة جديدة ستأتي، فقد تقدم أحمد لخطبتها، فرح الأب، والأم أبدت سعادتها، وأخفت ما في نفسها، استعدت ليوم العرس، لكن القلق ظل يرافقها، ويجري في شرايينها، ظلت توسوس وتسأل نفسها: لماذا لم يتزوج أحمد مها؟ لماذا خطب هبة؟ لماذا ستتزوج هبة قبل مها؟ هل لو عرف أحمد السر سيترك هبة؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ تتساءل ولا مجيب، دخل زوجها فجأة، شل تفكيرها، قال لها: “نريد عرس هبة من أحسن ما يكون” صمتت!! لم ترد!! تجاهلت والغيظ يغلي في داخلها، وألم الكرة قطب ملامحها، بدت عيناها غائرتين، وصوتها متعجرفاً لم يفهم منه شيء، صرخت فجأة “أحمد مفروض يتزوج مها” انبهر الزوج، وأغلق باب الغرفة لكي لا يسمعه أحد، وفي ذهول غريب سألها لماذا؟ قالت له وبوجه مسود: هل نسيت؟ ألم يكف هبة؟ أعطيتها كل شيء! صدمته بكلمة النسيان أعادت له ذكرى كان قد دفنها منذ أزمان، ذكرى ودعها بعد أن رأى هبة تكبر بين ذراعيه، بعد أن كانت هبة ابنته التي أحبته وتحبه، دمعت عيناه، صمت ولم يجب عليها، خرج من غرفته، ذهب وفي داخله أمل يشده نحو الباب، وسؤال يجرح شعوره، هل سينكشف السر؟ ثم يقول: لا لا... مستحيل؟ باتت هبة وأختها مها في حوار شيق حتى رحل الظلام وحلت الشمس بزينة الحب والوئام، استيقظت الأم باكرة وأسرعت نحو مها وهي تصرخ “ :لو كنتِ تعقلي ما تركت أحمد يروح منك” سمعت هبة كلام والدتها، انصدمت، فهو جديد عليها، ذبحها بل خنقها، أسرعت نحو أمها علها توضح لها، دخلت عليها تناديها “يا ماه مش أني بنتك مثل مها” صرخت في وجهها “الله يلعن اليوم الذي......” صمدت هبة وبحر الألم بدأ يدب في مفاصلها، وجبل السعادة ذاب في براكين الدموع، حاولت أن تفهم ما الذي حصل، تذكرت كيف عاشت مع أمها وكيف كانت تتضايق عندما تناديها!! لكن كل أيام الحزن كان والدها واقفاً بجانبها.. اضطربت وموعد العرس يقترب، انبهرت وأمها لم تعطها تفسيراً لما تقول! خرجت مسرعة تبحث عن والدها فلم تجده، رجعت تنادي أختها فوجدتها قد مُلأت غيظا وكرها لها، بعد أن أخبرتها أمها بالسر الخطير الذي تخفيه، حاولت أن تكلمها لم ترد عليها صمتت وانصرفت، وبنظرات احتقار بصقت في وجهها، ثم ذهبت لأمها تناديها لكنها قالت لها: “أني من وين أمك” ترجتها التوضيح لكنها صفعتها قائلة:”أيش عاد تشتي مننا” بكت بكاء حاداً، سمعها والدها، فخاف من هول بكائها، وارتعب من كشف السر! دخل مسرعاً وإذا بهبة ملقية على الأرض والدم يسفح من خدها، كسر قلبه ضعف ابنته، سقط بجوارها، أخذها في حضنه، لكن صوت مها كان عالياً وهي تصرخ: “فضلتها عليّ وهي.....؟ قطع كلامها لم يترك لها إكمال الحديث، غادرت غاضبة تنادي أمها، خرجت أمها في ثوب الغيظ والغضب، وقناع الكره والحقد، وبصوت عال تقول: “وعادك ما تستحي....؟ نهض الزوج وهو مكسور الجناح، لم يعد يدري ماذا يعمل وبقى للعرس ساعات وهبة في حالة يرثى لها، أراد أن يتكلم لكن زوجته سبقته، فقد أطلقت كلماتها وقتلت بها هبة التي كادت أن تفارق الحياة، لقد كشفت السر بقولها: “أنت يا هبة..... مش بنتنا وإحنا ربيناك صدقة واليوم روحي الطريق قدامك ما عاد لك مكان بيننا”، صفعت هبة بصفعة العار؟ حملتها ذنب ليس ذنبها؟ تنهدت هبة وبألفاظ يائسة”من أكون”؟ انهارت قواها، دمعت عيني والدها، سقطت في ذهول عجيب، لكن الطارق لم يدع لهم الوقت لتأنيب هبة على ذنب لم تقترفه، فقد وصل أحمد فجأة، وصرخت أم مها بقولها: “أحمد ابني مها بنتي من نصيبك أما هبة فهي.....؟ لم يدعها تتكلم، قطع حوارها وكأنه قطع أحبال مطامعها، صاح بصوت عال: “أعرف كل شيء، قد كلمنا عمي وقد قبلت زواج هبة، وأعاهدكم بأنني سأرعاها ما دمت حيا”.. ابتسم والدها، وعاتب أم مها، لكنها كانت تتمتم: “لا تتزوج هبة” هبة مش بنتنا هبة....؟ هدأ من روعها، ووعدها بأن هبة لا ذنب لها، وأنه قد قبل زواجها، ولن يتخلى عنها، وأنها ستظل أمهما مثلما كانت، فما كان من أم مها إلا أن استعادت قواها، وابتسمت ابتسامة ثعلب، قائل: “مها سامحيني”، طلبت منها السماح، خرجت هبة مبتسمة سعيدة مثلما كانت حياتها الأولى، فقط صار سؤال يؤرقها تردده كلما حل ظلام عليها وكلما استعادت شريط حياتها مع الأيام “من أكون”؟ نعم “أنا من أكون؟!”. [email protected]