الضوضاء: هي إحدى إفرازات المدنية المعاصرة وضريبة باهظة يؤديها الناس من صحة أجسامهم وعقولهم والضوضاء سمة مميزة للمدن المزدحمة وعنصر مستحدث من العناصر الملوثة للبيئة، والتلوث الضوضائي هو الصخب الذي يملأ المكان ويقتحم آذان الناس بالرغم عنهم كما أن الضوضاء متعددة المصادر وتوجد في كل مكان في المدينة ولكن بدرجات مختلفة وبتركز كبير في التجمعات السكنية والتي تزدحم بها المباني ويكتظ بها السكان وتكثر فيها حركة السير.. لقد أثبتت الدراسات بأن حركة السير هي الأكثر إنتاجا للضوضاء حيث حركة النقل المعقدة ووسائط النقل المتنوعة حيث تزيد شدة الضوضاء الصادرة عن السيارات عن 80 ديسبل وتصل إلى 100 ديسبل في الدراجات النارية ولا يسهل السيطرة عليها نتيجة لحركتها المستمرة في كل شوارع وأزقة وحارات المدينة فتأثيرها يصل إلينا في المكاتب وفي المنازل وفي المدارس وحتى في غرف النوم، لكنه ينقطع أثرها بمجرد توقفها ، وتعتبر الأصوات الصادرة عن السيارات والشاحنات والدراجات النارية من أهم مصادر الضوضاء السائدة في المدينة وتزداد شدة الضوضاء بالنسبة للسكان الذين يعيشون وسط المدينة كالتحرير وشارع 26 وشارع جمال وتطل منازلهم على الشوارع الرئيسية أو السكان الذين يعيشون بجوار الأسواق والتي تنتشر في معظم أرجاء المدينة ويتركز معظمها في الأحياء السكنية كما تلعب حالة السيارة وكيفية قيادتها دوراً مهماً في تحديد حجم الضوضاء الصادر عن السيارة فكلما كانت السيارة حديثة وفي حالة جيدة وكانت قيادتها بطريقة سليمة كان الصوت المنبعث منها عند سيرها منخفضاً والعكس من ذلك السيارات القديمة والتي تمتلئ بها شوارع المدينة ناهيك عن الدراجات النارية والتي تأتي في مقدمة الضوضاء في المدينة والتي تنبعث منها أصوات مزعجة تصل إلى 100 ديسبل والتي تعتبر قريبة من شدة الصوت الذي تحدثه طائرة نفاثة وتعتبر الضوضاء الأعلى من 60 ديسبل من المستويات المؤثرة على صحة الإنسان وخاصة اذا ارتفع مقياس الضجيج عن 120 ديسبل. إن التعرض المستمر للضوضاء يؤثر تأثيراً كبيراً على أجهزة الجسم ووظائفه المختلفة سواء كانت عضوية أو عصبية أو نفسية، حيث تتسبب في استثارة الجهاز العصبي وتصيب الإنسان بالكآبة كما تصيب الأطفال بالصمم كما يقل تحصيل الطلاب في المناطق الملوثة والتي تزيد فيها شدة الضوضاء عن 70 ديسبل وقد بينت بعض الدراسات الميدانية على تلاميذ المدارس الأساسية في المدينة ( دراسة محمد توفيق ، رشاد الكامل) على ان الضوضاء تقلل من درجة تقبل هؤلاء التلاميذ لما يتلقونه من الدروس من حيث التركيز والفهم وقلة الاستيعاب وعدم القدرة على حل ابسط العمليات الحسابية كما تكثر الأخطاء الإملائية عند ترك النوافذ مفتوحة وتنخفض بإغلاق نوافذ الفصول بالإضافة إلى الإرهاق العصبي والدوار والشعور بالتعب ، كما ينعكس تأثير الضوضاء على سلوك التلاميذ فالغالبية منهم يتسم سلوكهم بالعنف والاندفاع والقلق وعدم التركيز وأصبح رد فعلهم عنيفا لكل شيء. يجب ان لا نندهش عندما نجد أن أطفال الريف أكثر ذكاء من أطفال المدن لأن السبب واضح في تأثير الضوضاء على مستوى التحصيل العلمي لدى الطلاب ، ويصاب كثير من الناس بالإجهاد الذهني والتوتر العصبي والاكتئاب النفسي وحساسية مفرطة في السلوك الاندفاعي وفقد السيطرة على التوازن كما تسبب الضوضاء الشديدة حوادث عنف بين الناس ويؤكد ذلك مناظر المشاجرات اليومية والتي تقع بين سائقي السيارات وخصوصا في الشوارع المزدحمة للمدينة وقد تكون لأسباب تافهة وغير مقبولة.، ولمدى معرفة آثار التلوث الضوضائي على سكان مدينة تعز يمكن الاستشهاد بدراسة (الغريري – الصالحي) حيث أكدت دراستهم إلى أن للتلوث الضوضائي آثار سلبية على سكان مدينة تعز فقد أجاب 99 % من المبحوثين بأن التلوث له آثاراً مؤقتة على الحالة النفسية والعصبية، وأجاب 80 %بميولهم نحو العنف والعدوان أثناء تعرضهم للضوضاء كما ان 20 % أكدوا ميلهم للانتحار بسبب التأثير الضوضائي وأكد 50% بتأثير الضوضاء على الشذوذ الجنسي وفقدان الخصوبة، وان 90 % أكدت على قلة النوم وعدم الاستقرار، وان 100 % تؤكد على إصابة الإنسان بتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم بسبب التأثير الضوضائي. والتلوث الضوضائي في مدينة تعز يعود إلى طبوغرافية المدينة المتضرس ذات الشكل المقعر مع عدم استواء شوارعها وشدة انحدارها فضلا عن شوارعها الضيقة والتي لم تعد لها القدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المركبات بكافة أنواعها ناهيك عدم قدرتها على الاستيعاب لأعداد إضافية من السكان ومن السيارات والتي تزداد بشكل متواتر. إن مشكلة الضوضاء تزداد كثافة مع زيادة سكان المدينة وزيادة أعداد وسائل النقل وخصوصاً الاستخدام الكبير والغير عقلاني للدراجات النارية والتي تسير في كل الأماكن وفي كل الأوقات ولصغر حجمها تصل إلى كل مكان في المدينة ونتيجة لنزع كاتم الصوت من قبل مالكيها تصل شدتها إلى 100 ديسبل دون أي رقابة من الجهات المعنية مما يجعل الحياة غير محتملة بسبب الضجيج المرعب الذي تحدثها الدراجات النارية وللتأكيد على مستوى الضجيج الذي يعاني منه سكان المدينة وخصوصاً في مركز المدينة وشوارعها الضيقة أثناء انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة فيقوم أصحاب المحلات التجارية بتشغيل المولدات الكهربائية والتي تتواجد بأحجام مختلفة أمام كل محل من تلك المحلات كل على حدة ، ولنا ان نتخيل حجم الكارثة الكبيرة والضوضاء الشديد والتلوث الكبير التي تحدثه تلك المولدات على امتداد الشارع والمكتظ أصلا بحركة السيارات والمشاة والدراجات النارية مما يسبب ضوضاء مروعة وانبعاث غازات تكاد تحجب الرؤية وتقطع الأنفاس. لقد تجسد هذا الموقف أمامي في شارع 26، والذي وصل التلوث الهوائي والضوضائي فيه الى مرحلة حرجة للغاية وذلك لكثافة الغازات الناجمة عن المولدات الكهربائية والمركبات بمختلف أنواعها المختلفة في شارع يتسم بالضيق والازدحام الشديد وتحيط به المباني من كل الاتجاهات وهذا يسبب سكون الهواء وعدم تحركه مما يزيد من كثافة الملوثات في شارع لا توجد فيه أشجار تعمل على تنقية الهواء وامتصاص موجات الضوضاء ولا شك بأن الفاتورة الصحية ستكون باهظة التكاليف كما لوحظ كثرة استخدام المنبه من قبل السائقين في كل الأوقات سواء في الصباح الباكر أو في الساعات المتأخرة من الليل وفي معظم الأماكن بالقرب من المستشفيات أو المدارس أو الأحياء السكنية مع العلم أن شدة صوت منبه السيارة يصل إلى 100 ديسبل(1) دون مراعاة لمريض يحتاج الى النوم أو طالب علم يحتاج الى الدراسة والمذاكرة ويأتي هذا التصرف غير المبرر من رغبة بعض السائقين بإثبات وجودهم أو إزعاج الآخرين أو عقدة نقص يعانون منها أو بسبب الانتظار نتيجة لضيق الشوارع ولكثافة حركة السير فقد تم رصد عدد المرات التي يتم فيه استخدام المنبه من جولة القصر إلى شارع جمال جولة المسبح فتم استعمال المنبه 89 مرة من قبل سائق السيارة مما يجعلنا ندرك حجم مشكلة الضوضاء والتي يعاني منها سكان المدينة وخصوصا في الفترات الأخيرة والسماح باستخدام الدراجات النارية بالعمل داخل المدينة على مدار الساعة والتي وصل عددها إلى 10800 دراجة نارية تم ترقيمها في إدارة المرور وأكثر من هذا العدد يعمل بدون ترخيص ومن خلال الدراسة الميدانية تبين استخدام الدراجات النارية بشكل كبير كوسيلة رخيصة من وسائل النقل فقد تم رصد 187 دراجة نارية خلال نصف ساعة فقط في جولة حوض الأشراف بحيث تلتقي أكثر من دراجة نارية في نفس التقاطع ولنا أن نتخيل حجم الكارثة من خلال ما تحدثه من ضوضاء وشدة صوت تفوق شدة السيارة بأربعين مرة وتقل عن شدة طائرة نفاثة بثلاثين مرة فقط ، فكيف لو تحركت عشر دراجات نارية في نفس الوقت وفي نفس الشارع مما يجعلنا ندرك حجم مشكلة الضوضاء في المدينة. ويمكن الحد من مشكلة التلوث الضوضائي من خلال إصدار التشريعات الخاصة بالتلوث الضوضائي وتطبيقها بحزم وشدة خصوصا فيما يتعلق بالدراجات النارية وإخراج كافة المصانع والورش والمناشير إلى خارج المدينة ، والإكثار من زراعة الأشجار على جوانب الطرقات وفي المناطق الملوثة ضوضائيا ومنع استخدامات آلة التنبيه لوسائل النقل المختلفة في المدينة وتنظيم استخدامات الدراجات النارية وإلزام مالكيها بالتقيد بلوائح وأنظمة السير وعدم السماح للدراجات النارية بالعمل والتي تم نزع كاتم الصوت منها بالإضافة إلى وضع خطط مرورية شاملة تؤمن تدفق المرور وحركة السير بقدر الإمكان وتجنب الاختناقات والتي تعد من أهم أسباب التلوث الضوضائي وفوق ذلك كله التأكيد على أهمية نشر الوعي في المجتمع والتوعية بأخطار الضوضاء على الصحة العامة للفرد والمجتمع. *جمعية أصدقاء البيئة وتنمية المجتمع – تعز