مضت ستة أعوام على رحيل هيثم القامة الوطنية والشعرية التي تركت ذخيرة إبداعية وسجية أخلاقية يذكرها معاصروه وتذكرنا به ما توالت الأيام من بعده ولنا أن نعرف بهذه القامة الشعرية التي لم تأخذ حقها في ما سبق ولا فيما لحق . ولد الشاعر محمد حسين هيثم في نوفمبر من عام 1958م في مدينة الشيخ عثمان عدن ,تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي والجامعي في عدن ليتخرج من قسم الفلسفة كلية التربية العليا جامعة عدن 1983م ودبلوم علم اجتماع جامعة صنعاء ,عمل في الصحافة هناك ,شغل منصب الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي شهد في عهده طبع أكبر عدد من الأعمال الأدبية والنقدية ,وقبل وفاته كان يشغل منصب نائب رئيس مركز الدراسات والبحوث , صدرت له الدواوين الآتية : اكتمالات سين 1983م الحصان 1985م مائدة مثقلة بالنسيان 1992م رجل ذو قبعة ووحيد 2000م رجل كثير 2001م استدراكات الحفلة 2002م الأعمال الكاملة 2004م على بعد ذئب 2007م وهو ديوانه الأخير صدر في أربعينياته الأولى . كان الشاعر متميزاَ بإبداعه وسلوكه ,كتب القصيدة الجديدة بكل أشكالها وتنوعاتها ,وهو المثقف المسؤول الذي تبنى بكل صدق وإخلاص ايجاد حركة ثقافية يمنية متقدمه ,فقد اعطى وقته وجهده لإنعاش الإبداع هكذا نعته الدكتور عبد العزيز المقالح .يعد هيثم أحد الأصوات الأكثر فاعلية في الشعر اليمني الحديث من خلال إيقاعاته الشعرية وخاصة في شعر التفعيلة . إذا كان الموت غيب عنا الشاعر كما هو معتاد يسرق منا النور من عيوننا ويبدد أحلامنا مبعثرة تمحوها علامات الغياب ,ويتركنا بلا حروف ؛إلا أن الشاعر قد خلف وراءه ملاحم صراعاته ولحظات المواجهة مع الموت , عاشها كما لو أنها معاركه الحقيقية , يبدو نص هيثم وخاصة ديوانه الأخير (على بعد ذئب )اللوحة الأخيرة التي حمّلها بمعاني الموت وترسبات الوجود والكينونة وما يقذف به اللاوعي ليصبح معطىً شعريا تظهر دلالاته كإيحاء رمزي كما صوره بهيئة ذئب كما في قوله : تلك منازلٌ خلف كثيب أبيض ناء البدو على الطرقات فرادى أو زمرا لا مرساة لهم لا ميناء لرعدهم القاحل خطوتهم في الأبد وثمة هذا الذئب على التلة عووو000عووو أو من خلال استرجاع ذاكرة الموت واستحضار شخصيات كانت لها فلسفة ما تجاه الموت كالحلاج والمتنبي , وحين يدرك الشاعر الصورة الأخطر للموت يأتي بهولاكو : مر على دجلة هولاكو ورمى في النهر رؤوسا لا عد لها كتباً لا تحصى وتواريخ بلاد فلماذا بعد قرون فلماذا عاد إلى دجلة ثانية هولاكو ؟ هل نسي كتاباً لم يغرقه ؟ هل ضيع خاتمه ؟ فأتى ليبعثر أشلاء أبي نواس !!! ,لكن الصورة الأقرب إلى نفسه والتي تترك مساحة مفرغة في وجدانه حين يقع الشاعر في مجاهرته حيناً وإسدال عليه حيناً آخر ,فخوفه على الآخر دليل على ترقب لفعل الموت حينما يسلبه قريباً أو صديقاً : كلنا عابرٌ حيث لا ظل يبقى كلنا حجرٌ يرتضي أن يكون الفتى أو فتى ليته حجرا كلنا في الصبا آيةٌ جعد هندية كلنا عابر في رصيف سيغدو لم يكن عبور هيثم عرضاً بل ستظل تحفر في ذاكرتنا كل مرارة البعد والأفول ,فلم يعد من الممكن معرفة وجهة الطريق إليهم : وبأي سبيل نسير فيجلوا لنا كل هذا الغياب ليس ثمة ما سيدل على مكثهم ما أقسى البعد والانكسار حين الانتزاع والذهاب : ليتهم أيقظوا أحداً يغلق الباب بعدهم ليتهم لبثوا بعض الحلم ولكنهم خرجوا بغتة !! ليتك أنبأتنا بغياب ظلك ,كنت حلمنا الكبير ما كان بوسعنا ملء المساحة التي أفرغتها في قاعة الإبداع والفن الإنساني ,أدركت خطوات الرحيل وتغفلنا عن قياس حجم المصيبة ما كان المقام إلا على مضض وحتى الغياب يحمل غياب رف الغياب : رحلوا لم يجدوا ما يفي بارتحالاتهم من قبور ما سيكفي لموت كثير كهذا ما سيكفي لموت كثار جلسوا بانتظار الملاك على الأرصفة . ومن أهم اللسعات إيلاماً في حياة هيثم ما تلقاه في سبيل القصيدة والسياسة ,فالسياسة تركها بعد فترة لأن ممارستها في مجتمع يراها حكراً على فئة ما ويحرمها على الأديب ,وأما القصيدة فكانت محطة نضاله عاش لها وبها ومن أجلها ومنها عبر إلى حيث يعبر النور : كلنا عابر في القصيدة لكننا لا نقيم بها ونقيم القيامات فيها نشاور أحجارها أو نساير أشجارها أو نحاورها أو نسير حفاةً على الجمر بين الكنايات نهمس أن كمائن أعشابها قطرة من مجاز وأن السياسة بيت القصيد !!! تعبر ذكراك كيقظة نعيد من وحيها الاقتراب من ثراء ما تركت من إبداع وتنوير وتجربة إنسانية خالدة كما خلدها درويش ,وكلما مرت محنة تمسكنا بصبرنا لنحذو خطاك في التجلد من أجل الإبداع ,ومن المهم أن نعرف أن تجربة هيثم زاخرة وثرية وتستحق البحث والدراسة ولا بد أن ينال هذا المبدع حقه كما يجب ,طُيّب الله ثراك وأُنّس مأواك وعظم ذكراك.