يحمل الكتاب عنوان “الحوثيون دراسة منهجية شاملة.. طبيعة النشأة والتكوين – عوامل الظهور وجدلية العلاقة بالخارج – مشاهد المستقبل” لمؤلفه محمد أحمد الدغشي، الذي يقرّ بصعوبة الكتابة عن قضية الحوثيين، بوصفها قضية معقدة، يختلط فيها الفكر بالسياسة، والتاريخ بالحاضر، والأيديولوجيا بالمنفع. الأمر الذي يدعو إلى التريّث ومجاهدة الذات، لذلك يسعى كما يقول إلى تقريب الظاهرة الحوثية إلى ذهن المتلقي، وخاصة خارج اليمن.. وجاء الكتاب في أربعة مباحث، فضلًا عن مقدمة وخلاصة تناولت النتائج والتوصيات وقائمة بالمراجع. الحوثية وخطابها الفكري يرجع المؤلف عوامل ظهور الحوثية وبلوغها درجة كبيرة من التأثير والانعكاس على الوضع العام في اليمن إلى عاملين، ذاتي داخلي، وخارجي طارئ، مع ملاحظته بتعذّر الفصل بين العاملين، وأنه لا يمكن لأية فكرة قادمة من الخارج أن تجد لها قبولًا أو ترحيبًا ما لم يكن ثمة استعداد ذاتي داخلي عند أهلها، وقابلية لاحتضانها ورعايتها. ويبيّن المؤلف انقسام تنظيم الشباب المؤمن، الذي كان قد تأسس سنة 1990 كمنتدى لتدريس العقيدة الشيعية الزيدية في منطقة صعدة بعد أن انشق عن حزب الحق، إلى قسمين الأول معتدل ومثّله الأمين العام السابق محمد يحيى عزان، الذي كان له نشاط فكري تنويري ملحوظ. والثاني ظهر مع عودة حسين الحوثي من دراسته في السودان عام 1999، حيث دعا أتباعه إلى التعاضد تحت شعار مشابه لشعار الثورة الإسلامية في إيران، وهو الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام. وأفضى الاهتمام بهذا الشعار وترديده في المساجد وفي مختلف الأماكن العامة إلى اندلاع المواجهة العسكرية مع سلطات النظام في اليمن في العام 2004، وقتل خلالها قائد الحركة حسين الحوثي. ويعتبر المؤلف تبني الشعار، إضافة إلى الاحتفال بيوم الغدير، من المؤثرات الخارجية على حركة الحوثيين، بالرغم من إرجاعه الاحتفال بيوم الغدير إلى تقليد يمني قديم بسمة وهدف مختلفين.. أما الخطاب الفكري لحسين الحوثي، قائد الحركة، فيصفه المؤلف بأنه ذو روح انتقائية ثورية متمرّدة، تبدأ من نقد الآخر المذهبي كأهل السنة عامة ونقد المذهب الزيدي، الأمر الذي أثار بعض أتباع المذهبين، لكن تكوين حسين الحوثي الفكري والتربوي والسياسي نابع في الأساس من الفكر التربوي السياسي الزيدي، الذي يعدّ الأصل الخامس عنده هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مستلزمات الإيمان به الرفض والتمرد والعصيان، بل المحاربة والثأر على كل حاكم يُعتقد فسقُه وفساده. أمّا شخصيته كما يرى المؤلف فقد تميّزت بحضور لافت بالنظر إلى أسباب مختلفة، لعلّ في مقدمتها تلك النزعة الثورية المتمردة، في واقع اجتماعي بائس، وامتلاكه خطابًا جذّابًا في أسلوبه، غير معهود عادة في الأوساط التقليدية، وفي مثل بيئته بوجه خاص؛ مما قدّمه كشخصية (كاريزمية) خارقة للعادة. التوصيات قال الدغشي في توصياته :على السلطة السياسية التعامل مع الظاهرة الحوثية بوصفها ظاهرة مذهبية قديمة وإن تجلت اليوم بصورة مختلفة نسبيًّا.. لكن ذلك لا يحيلها إلى كيان غاز فاقد للشرعية من الأساس، إذ هي في حقيقة الأمر امتداد للمدرسة الزيدية (الجارودية) وهي قائمة باليمن منذ قرون متطاولة، هذا بغض النظر عن قناعتي، أو قناعة هذا الطرف أو ذاك بفكرها وأطروحاتها.. وأشادت الدراسة بالمبادرات الجريئة التي تبناها بعض علماء الزيدية في محاولتهم السعي نحو التفاعل الإيجابي مع نصوص القانون والدستور الساري في البلاد حول معيار الأهلية للحكم.. كما دعت الدراسة الاتجاه الحوثي والسلطة معاً إلى الاحتكام الفعلي إلى مؤسسات الدولة ودستور البلاد وقوانينها فيما يتصل بأي مطالب مشروعة للاتجاه الحوثي وعدم اللجوء إلى العنف أو استعمال السلاح لحل أي نزاع واعتماد منهج الحوار أساسًا في ذلك.. مع تأكيد حق كل مواطن في ممارسة حرية الرأي والتعبير وعد ذلك أمرًا مكفولًا في الإطار الدستوري والقانوني.. وختم المؤلف دراسته بالقول: لا مناص من النظر إلى المشكلة من زواياها وأبعادها المختلفة، وفي مقدمة ذلك الزاوية التربوية والتعليمية والفكرية وأبعادها المنعكسة على الجوانب الأخرى للمشكلة. وهنا تعالج المشكلة المذهبية من زاويتها التربوية في ضوء الاتفاق على استبعاد خيار المصادرة والإلغاء لأي مكون اجتماعي من زاوية حقه في التعليم، وفق مذهبه الخاص على أن يظل ذلك في إطار ثوابت المجتمع وقيمه الكلية.