أعتقد أن علينا أن نفرق بين الحد والتعزير؛ فالحد عقوبة مقدرة بنص من الشارع قطعي الثبوت والدلالة، ولا يجوز الزيادة والنقصان فيها ولا يملك المشرع إسقاطها.. أما التعزير فعقوبة تقديرية يقوم بتحديدها القانون، أو تترك للقاضي ويمكن إسقاطها استثناءً تحقيقاً لمصلحة أو درءاً لمفسدة تعلو إيقاع العقوبة. فعقوبة الخمر عقوبة تعزيرية، وليست حدية فمن الخلفاء من جلد أربعين، ومنهم من جلد ثمانين وقد أسقطها سعد بن أبي وقاص عن أبي محجن يوم القادسية؛ لما رآه من بلائه في المعركة، ولم ينقل أحد اعتراض الصحابة عليه. وكذلك الردة عقوبة تعزيرية، ولذلك يرى الأحناف أنها تسقط عن الأنثى دون الذكر، كما أن عمر كان يرى بحبس المرتد حتى يعود عن ردته، مع التنبيه أن الردة يقصد بها الردة الدينية السياسية، أي الخارج عن سلطان الدين وسلطان الدولة، كما ذكر الحديث: (التارك لدينه المفارق للجماعة) وقد أسقطها النبي عليه الصلاة والسلام عن عبد الله ابن أبي في غزوة بني المصطلق، درءاً للمفسدة التي ذكرها حين قال: (أتريد أن يقول الناس أن محمداً يقتل أصحابه).. أما الزنى فالجلد حد منصوص عليه في القرآن، أما الرجم والتغريب فلم يثبت يقيناً، وربما تكونان عقوبات تعزيرية للحاكم الأخذ بها أو إسقاطها فعمر بن الخطاب كان أحياناً يغرب البكر وأحياناً يسجنه، ولهذا رأى الأحناف التغريب عقوبة تعزيرية، ووفقاً لنهج الأحناف يمكن مساواة الرجم بالتغريب، كما ذكر ذلك الإمام الزرقاء في فتاوى ووافقه القرضاوي في تعليقه على الكتاب وسبقهما إليه الإمام أبو زهرة. أما السرقة فهي حد ثابت بنص القرآن القطعي.. وإن كان هناك سؤال مهم هل لفظ السارق ينطبق على من يسرق مرة واحدة، أم من تتكرر منه السرقة ومثله الزاني والزانية؟.. ولعل ذلك يحتاج إلى بحث عميق من علماء الشريعة.