حتى الآن لا توجد إحصائية بعدد النازحين السوريين في بلادنا , أما من وصلوا واستقروا في مدينة تعز , فقد تطوعت جماعة طلابية من جامعة تعز تدعى ( جماعة شباب كالبنيان ) بحصر 15 أسرة في تعز وبين 20 30- من النازحين الموزعين خارج الإطار الأسري, وبعد أسبوعين من اللقاء المفتوح الذي نظمته تلك الجماعة الطلابية في كلية الآداب لدعم الأسر السورية لم تتمخض تلك الفعالية عن منح النازحين أيسر ما كانوا يأملونه حسب الوعود الرسمية في المحافظة من توفير مساكن تأويهم. خيبة أمل الطالب هيثم أبو راس رئيس جماعة شباب كالبنيان قال بأن الوعود الرسمية بتعز أطلقت لاحتواء الأسر ال 15 في مساكن كحل إسعافي ريثما تتكثف الجهود لدعمهم ويبدأ أرباب تلك الأسر الوقوف على أقدامهم في الحصول على فرص عمل. ويضيف هيثم : لكن للأسف لم يُصرف المبلغ المقرر لاستئجار تلك العمارة حتى الآن , وهذا ما أصابنا بالإحراج وخيبة الأمل , فقررت جماعتنا الاستعانة بالصحافة لإيصال أوجاع وعوز تلك الأسر النازحة. سكن فندقي تعيس بمعية أحد أعضاء تلك الجماعة الطلابية من جامعة تعز وصلنا منتصف شارع التحرير الأسفل , فوجدنا تلك الأسر ال 15 موزعة على فندقين متواضعين للغاية أحدهما مكتوب على مدخله مجازاً فندق النجوم .. وطوابق الفندقين لا تزيد عن ال 3 طوابق , وفي كل طابق شقة فقط وفيها غرفتان ومطبخ وحمام , كل غرفة تأوي أسرة بأكملها. وأغرب ما في تلك الفنادق وفي سابقة هي الأولى في العالم انقطاع الماء في فندق لأكثر من ثلاثة أيام , أما أرضية الغرف العارية من مشمع ( أو ( موكيت) فقد غدت لدى الأشقاء(المجعجعين) مجرد ترف, محاولين عدم مقارنة ماصاروا إليه بماضي مساكنهم الفسيحة المكسية بالضوء وعبير الياسمين الشامي .. عموماً لم أحاول تكريس التذمر لديهم من ذلك المسكن أو الفندق رغم عيوبه, عندما علمت أن المالك زهد بالإيجار الشهري واقتنع فقط ب 15 ألف ريال للشقة المكونة من غرفتين وسط المدينة ! نزوح وإعاقة وبطالة كان الوقت قبيل المغرب بساعة عندما ولجنا أولى تلك الشقق السكنية أو الفندقية إن جاز لنا وصفها استقبلنا خضر محمد سرحان في غرفته كما في الصورة المرفقة وبدأ يلقي علينا همومه : أنا أب لثلاثة أطفال هؤلاء الجالسون معنا في الغرفة , بنت وولدان , الكبير في ال 13 من عمره والوسطى هذه الطفلة الصغير والأخير هذا الرضيع الذي خُلق في تعز فور نزوحنا من سوريا ثم إلى لبنان جواً ثم إلى اليمن , والطفل كما ترون ويفيد تقرير المستشفى اليمني السويدي مصاب بضمور في المخ وثقب في القلب , فعمره سنة وسبعة أشهر ولايزال عاجزاً الكلام والجلوس , وطوال ساعات يقظته لا يستكين من التأرجح على ظهره , وما لا أتمناه هو أن يستمر مرضه في ما يسمى التخلف العقلي والإعاقة الحركية , لكن أملي كبير في الله تعالى ثم في أهل الخير الأرق قلوباً وألين أفئدة , فوالله ما قصدنا هذا البلد رغم علمنا بأزمته الاقتصادية إلا توسماً في أهله الطيبين كوصف أقاربنا الذين عملوا هنا في مجال التدريس أواخر الثمانينيات, بأن اليمنيين شعب مضياف وودود , فعزمنا على اختيار الجار قبل الدار. رحلة الهروب من الحرب إلى البرد بتنهيدة عميقة يضيف خضر محمد سرحان : لاسامح الله الذي شردنا من ديارنا , فقد كان لي دار جميلة في ريف دمشق وحياتنا كانت مستورة وهنيئة , وبعد أن حملنا متاعنا الخفيف وغادرنا ريف دمشق هرباً من آلة الموت والدمار صادفنا عدواً أفتك خلال رحلة النزوح وأثناء مكوثنا في مخيمات النزوح في لبنان هذا العدو هو السقيع الشديد الذي لا يرحم أحداً , حينها تذكرنا وصف أصحابنا لمناخ اليمن وقلوبه الطيبة فبعنا ما تبقى من مقتنيانا واشترينا تذاكر طيران من بيروت إلى صنعاء. يضيف خضر : إضافة لأبنائي وزوجتي , فأنا أعول أيضاً أمي وشقيقتي التي تخلى عنها زوجها ومضى بأولادها إلى السعودية , ونحن كما ترى جميعنا ننام في غرفة واحدة وفيها نطبخ ويلهو الصغار, أما تدريس الأبناء فهو أمر مؤجل , إلا إذا تيسرت أحوالنا العام القادم ووجدنا حلولاً من الأخ مدير عام مكتب التربية والتعليم في تعز لاستيعاب أبنائنا في المدارس بإخضاعهم لاختبارات تحديد مستوى أو أي إجراء متاح , كحل استثنائي لتدارك مستقبل أبنائنا التعليمي خاصة وأن معظم وثائق وشهائد أبنائنا إما تركت أو فُقدت عقب اشتعال الحرب في سوريا . مناشدة المحافظ ولمعرفة مصادر المعيشة لدى ال 17 أسرة سورية في شارع التحرير الأسفل يقول خضر : معظمنا ننحدر من مناطق متجاورة في ريف دمشق , وقد تجمعنا هنا في تعز وفي هذين الفندقين المتلاصقين بدافع ذاتي دون أن يساعدنا أحد في هذا الشأن أو يتحمل الإيجار, ورغم قسوة معيشتنا وحاجتنا للمساعدة فلا أخفيك بأننا السوريون وخاصة أبناء الريف لم نتعودعلى طلب المساعدة من أحد فنحن قوم أعزاء وكرامتنا رأس مالنا , لكن الحال الذي وصلنا إليه بعد عامين من التشرد خارج ديارنا وتجرعنا العوز والمرض وضيق المعيشة , اضطررنا الى الترحيب بالمبادرة الطلابية من جامعة تعز التي تكللت بزيارتكم الصحفية إلى مساكننا , آملين تلقي يد العون الرسمي أو الشعبي في هذه المدينة الطيب أهلها من خلال توفير مساكن مؤقتة ريثما تنجلي كربتنا ونعود إلى بلادنا , وإن كان الملتقى الطلابي في كلية الآداب بتعز الذي أقيم لدعمنا قد خرج بتوصيات لحث السلطة المحلية في تعز لتأمين مساكن إسعافية لأسرنا , فنأمل أن يتحقق الوعد. عمالة ماهرة ولكن ..! المعروف على المستوى العربي والإقليمي أن الشعب السوري يمتلك قدرات بشرية ماهرة ومتميزة في جميع المجالات, وخلال التقائي بعدد من أرباب الأسر السورية في تعز تحسرت عليهم, وأصابتنا خيبة أمل حيالهم, فما الجدوى من تنوع مهارتهم في سوق يؤمن باستيعاب المعرفة والوساطة قبل المهارة والمقدرة , وهو ما يتعين على كل قارئ لهذه السطور ممن يحتاجون لتلك العمالة السورية المضيعة الاتصال على جوال الأخ هيثم أبو راس- رئيس الملتقى الطلابي شباب كالبنيان ( 700606052) الذي تطوع مع زملائه للتنسيق مع الجهات الداعمة لتلك الأسر بتوفير فرص عمل أفضل من معونتهم المادية والغذائية , انطلاقاً من : لا تعطني سمكة كل يوم بل علمني الصيد , ورغم أنهم صيادون ماهرون لكنهم لا يملكون سنارة الصيد ! وعلى سبيل المثال يمتلك خضر محمد سرحان مهنة رائعة في النحت اليدوي على الخشب وتطعيم أنواع منه وأشكال بالقطع الصلبة الملونة لتزيين الموبيليا وصناديق المجوهرات وغير ذلك من التحف وأنماط هذا الفن الذي تفردت به سوريا , ولأن أحداً من أرباب الموبيليا في تعز لم يحظى حتى اليوم بأنامل خضر الذهبية فلا إمكانات أو معدات لديه لممارسة مهنته , لكنه كما يبدو في الصورة يجلب المسابح الخشبية المصنعة بأنامل أحد السوريين في صنعاء ليبيعها متجولاً في شوارع تعز .. وهكذا فمن بين أرباب تلك الأسر المهندس والمعلم والكهربائي وصانع الحلويات والحلاق ووو... إنهم فقط يطمحون بتمكين أياديهم للعمل لا للسؤال ! فهم والله كرام قوم حاولوا الاعتذار عن الظهور في الصحيفة لولا إلحاحنا الشديد على خضر الذي باح لنا بلسانهم عن همه وهموم زمرته, فكان قرباناً شامخاً. إرحبي يا جنازة! لا أستبعد أن يتساءل بعض من يقرأ هذا الاستطلاع : هل نحن ناقصون في هذا البلد بطالة مستوردة فوق البطالة المحلية , فعدد اللاجئين الأفارقة في بلادنا شارف المليونين والعشرات من فلذات أكبادنا يقتلون في الحدود بعد هروبهم من ذويهم ومدارسهم وأسواقنا المحبطة .. وارحبي ياجنازة لا فوق الاموات ! .. سنقول لهم : أولاً هؤلاء النازحون لم تتبنهم أية منظمة عربية أو أجنبية كما هو شأن النازحين الأفارقة , ثانياً : لا بأس .. سنفتح أحضاننا كما تعودنا للمستجير من الرمضاء بالنار , لكننا قادرون على إحالة النار إلى برد وسلام بدافع الدين والقيم التي نعتنا بها الحبيب المصطفى : الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية , ولأنه (ص) ربط بين شامنا ويمننا , كما وأن هناك بعداً آخر لدعم إخواننا السوريين لا في تعز فحسب بل في جميع المحافظات وهو البعد الثوري المحتم على كل مستنشق للربيع العربي أن يساهم بدفع الثمن , وإلا سيغدو الربيع خريفاً إن لم نثُُرعلى ذواتنا وأنانيتنا أولاً. الختام: والعجيب أن مساكن تلك الأسر السورية يقع في أوساط الأحياء المساندة للثورة الشبابية التحرير الأسفل لكن أحداً من الجمعيات الخيرية البارزة المساندة للثورة لم تعرهم أي اهتمام , وحتى لا نتوغل في السياسة و(اللتت) نختتم بالتذكير بأن للأشقاء حق علينا ( معلوم ) فقد تركوا ديارهم ونفذوا بجلوهم (يد وراء ويد قُدام), ولم يأتونا متأهبين ومستعدين للاغتراب في بلادنا, ولأن حقائبهم المهترئة خالية من بلح الشام ! فلا ينبغي حرمانهم من عنب اليمن!.