ظلت القبيلة طيلة الفترات الماضية من عمر الثورة اليمنية تشكل عائقاً كبيراً في سبيل الوصول إلى الدولة المدنية الحديثة التي من أجلها وفي سبيلها ضحّى الثوار الأحرار بحياتهم إلا أنها عكست نظرة متطورة لمستوى من الوعي وصلت إليه فيما يعد مؤشراً لإمكانية مساهمتها في قيام الدولة المدنية، حينما وقفت إلى جانب الشباب في الثورة الشبابية السلمية، وساندتهم في إنجاحها، رغم أن النظام السابق كان يعول عليها كثيراً في وأدها، وهو أمر يبعث على التفاؤل في ظهور كيان الدولة المدنية التي يأمل في تحقيقها اليمنيون. الدكتور محمد ثابت العسلي – عضو مجلس النواب - يقول: الحقيقة أن القبيلة كان لها دوران أساسيان في ثورة ال26سبتمبر؛ دور إيجابي ودور سلبي؛ والدور الإيجابي تمثل في بعض القضايا التي ساندت الثورة، وكان على رأس هذه القبائل المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، والدور السلبي تمثل في دور القبائل التي وقفت ضد الثورة وجعلت من صعدة والمناطق الشمالية الشرقية في الجمهورية العربية اليمنية حينها قاعدة انطلاق لمحاربة الثورة حتى كادت أن تعصف بها في حصار صنعاء لولا بسالة المدافعين عنها وإيمانهم بثورتهم لكانت انتصرت القبيلة على الثوار. فيما في الثورة الشبابية الشعبية كان للقبيلة دور كبير؛ كون معظم القبائل التي كان يعول عليها علي عبدالله صالح في وأد الثورة الشبابية وقفت إلى جانبها وأعطت صورة متميزة للدور الحقيقي الذي ينبغي على القبيلة القيام به، وعملت عكس ما كان يريده منها الحاكم في أن يعصف بالثورة وأهدافها. ولدي تفاؤل بأن القبيلة سيكون لها دور إيجابي في المستقبل، فالثورة الشبابية الشعبية لم تنتهِ بعد وإنما مازالت في بداية خطواتها الأولى، وهذا التفاؤل بنيته من خلال دور القبيلة البارز ووقوفها إلى جانب الثورة الشبابية ومساندتها لها العام الماضي. ولهذا أعتقد أن وعي القبيلة أصبح كبيراً جداً، بعكس ما كان عليه في ستينيات القرن الماضي؛ كون الكثير من أبنائها لديهم مصالح في إطار جهاز الدولة، فمنهم التاجر والسياسي وصانع القرار والمستثمر الذي أصبحت لديه رغبة جامحة في وجود دولة مدنية حديثة يتوفر فيها الأمن والاستقرار؛ كي يستطيع استثمار أمواله داخل البلاد؛ لأنه في ظل عدم وجود الاستقرار والبيئة المناسبة للاستثمار فلن يستطيع أبناء هذه القبائل بمجموعهم استثمار أموالهم ولن يعيشوا بسلام. ولاشك أن المجتمع تتنازعه سلطتان؛ إما سلطة الدولة أو سلطة القبيلة، وحينما تكون سلطة الدولة قوية تغيب سلطة القبيلة، وعكس ذلك عندما تبرز سلطة القبيلة فإنها تسيطر على القرار السياسي وتقود البلاد إلى المهالك، واليمن غابت عنها ولسنوات طوال سلطة الدولة، وبرزت فيها سلطة القبيلة، فيما نلحظ ظهور سلطة الدولة قوية بقرارها ونفوذها اللامحدود في فترة حكم الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي، بينما من عام 77م وحتى تسلم الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي دفة سفينة البلاد بداية العام الماضي 2012م غابت سلطة الدولة وظهرت القبيلة وغاب العدل والمساواة وفق القانون وانتهكت الحقوق والحريات، وبالتالي ما أحوجنا إلى إعادة هيبة الدولة من خلال بنائها بناءً مؤسسياً وفق أطر ومرجعيات علمية حديثة تنصهر فيها القبيلة وتغيب عاداتها السيئة ويتساوى الناس كلهم تحت ظلها في الحقوق والواجبات. عنصر أساسي في المجتمع الشيخ الدكتور حسن مقبول الأهدل عضو هيئة علماء اليمن ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة صنعاء - أوضح بقوله: لاشك أن القبيلة تشكل عنصراً أساسياً في المجتمع اليمني، وكلنا قبائل، ولكن ينبغي أن تكون القبيلة مسؤولة، وبما لا يختلف مع مصالح البلاد والأمة، وأن تتكيف مع آمال وطموحات الشباب الذين ثاروا على الظلم والفساد وأهدافهم في إيجاد دولة مدنية حديثة يسودها النظام والقانون، والقبيلة تستطيع أن تسهم إسهاماً كبيراً في ذلك من خلال أبنائها ومكانتها المرموقة في المجتمع اليمني، ولها دور كبير في عملية حفظ النظام والأمن والاستقرار والقرار السياسي وتكوينات المجالس المحلية ومجلس النواب والحكومة، ولهذا مشايخ اليمن مازال لهم دور فعال ومن أبنائهم الضابط والطيار والجندي، وبالتالي دور القبيلة مهم ويجب أن تعرف مسؤوليتها، غير ما كانت عليه من الممارسات الخاطئة في السابق، وعليها أن تجدد الوضع حتى نسير جميعاً - مثقف وإعلامي وسياسي وعالم وعسكري - في سفينة واحدة وركب واحد إلى تصحيح الوضع وإخراج البلد من وضعه المأساوي الراهن. لقد كان للقبيلة في الثورة الشبابية أكبر مما كنا نتوقعه، حيث التزمت - رغم السلاح الموجود معها - بالنظام ولم تطلق الرصاص، وضربت بذلك أروع مثل في المجتمع العربي وخاصة في اليمن، وعليه فالقبيلة بإمكانها أن تلتزم النظام وتؤدي دورها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، ولذلك مازالت القبيلة في اليمن تحتل الصدارة، ولها تأثير في القرار السياسي، ولها تأثير في كل مكامن الحياة العامة في البلاد، وهي تعي هذا الأمر. تعارض القبيلة وفكرة الدولة الدكتورة أروى عون الأستاذ المساعد بكلية الطب جامعة صنعاء - تحدثت بقولها: في حقيقة الأمر رموز القبيلة تواجدوا في الخندقين (الجمهورية والملكية) ولم يكن وجودهم في صف الثورة؛ يعني أن المؤسسة التقليدية القبلية انتقلت أو تأهلت فجأة لتمارس دوراً حداثياً في بناء الدولة المدنية (الجمهورية) إن فكرة القبيلة أو مضمونها كمؤسسة تقليدية تتعارض كلياً مع فكرة الدولة ومضمونها, ولهذا سهل استخدامها في كل الانقلابات والمحطات التي مرت بها اليمن، وبالتأكيد للقبيلة دور في تجميد أهداف الثورة. ومن هنا نقول: إن أبناء القبائل شيء والقبيلة كمؤسسة شيء آخر تماماً؛ كونه من الطبيعي جداً أن ينضم شباب منتسبون لهذه القبيلة أو تلك للثورة وفق رؤية سياسية عصرية, بينما القبيلة كمؤسسة تقليدية لا يمكنها إطلاقاً أن تنسجم مع قيم الثورة وأهدافها المدنية. ومن هذا المنطلق استخدمتها السلطة خلال الثلاثة العقود الماضية لتعزيز هيمنة نظامها الفردي على مقاليد الحكم هو الأمر الذي ساعد بالأساس على تعزيز دورها, بل وعلى إحياء دور القبيلة في المناطق التي ضعف أو تلاشى فيها. هناك موجتان رفدت فيهما الثورة من قبل القبيلة, الموجة الأولى التي بدأت في فبراير، وتهافت فيها شباب القبائل من كل حدب وصوب برؤاهم وخلفياتهم السياسية غير الموجهة من قبل الرموز التقليدية القبلية, وهذه الموجة لعبت دوراً إيجابياً في تعزيز وترسيخ صف الثورة, أما الموجة الثانية والتي بدأت في شهر مارس - وبالذات بعد جمعة الكرامة في 18 مارس 2011, فهي موجة أضرت بالثورة أكثر من أن تنفعها, والسبب أنها جاءت بمجاميع منقادة لتمارس دوراً يهيمن عليه ويوجهه رموز القبيلة التقليدية، وكان هذا الانخراط للثورة انخراطاً ممولاً وليس طوعياً، حيث أصبح مصدر التمويل هو المتحكم بدور هؤلاء في الثورة وليس بإرادتهم وقناعتهم الشخصية. إسهام فاعل في الثورة والجمهورية - الزميل عبدالعزيز الهياجم إعلامي ومحلل سياسي - أوضح بقوله: الحقيقة أن القبيلة بمفهومها القائم على القيم الحميدة الموروثة دينياً وإنسانياً ومن صفاتها الشهامة والمواقف الأصيلة عند الشدائد ونجدة الملهوف والكرم وغير ذلك هي تمثل غالبية النسيج الذي يتشكل منه المجتمع اليمني، وبالتالي كان لها إسهام فاعل في الثورة والجمهورية. أما بمعناها الذي يدل على التكتلات القبلية النافذة والتي تعتمد على الرجال الأشداء المسنودين بقوة السلاح فهي أيضاً دورها لا يمكن أن يغمط أو يجحد، مع فارق أن هناك مناطق جغرافية معينة عززت فيها القبيلة من دورها الوطني في دعم الجمهورية والثورة، بحيث واكبت التحولات وانخرطت في مسار التعليم والتمدن والتطلع نحو إقامة دولة مدنية قائمة على المواطنة المتساوية ويسودها النظام والقانون, وهناك مناطق جغرافية أخرى لم تواكب تلك التحولات ولم تحدث أثراً إيجابياً لصالح الثورة والجمهورية وإنما قدمت مردوداً سلبياً عبر محاولاتها واستماتتها في السيطرة على السلطة والثروة والنفوذ، وهو ما جعل ثورتنا منقوصة وجمهوريتنا مولوداً مشوهاً. كما أشرت سابقاً هناك مناطق جغرافية معروفة تحولت فيها مشاركة القبيلة في الثورة والجمهورية إلى عبء على النظام الجمهوري في الفترات اللاحقة، بحيث إنها ظلت تقبض ثمن مشاركتها تلك عبر تعزيز حضورها في السلطة والحصول على حصة معلومة وليست بالقليلة من الثروة، وأصبحت تشكل دولة داخل الدولة بفضل نفوذها المتزايد وثرواتها المتنامية وسلاحها الذي أضافت إليه ولم تتخلّ عنه, الأمر الذي جعلنا نعيش على مدى خمسين عاماً مضت ما يسمى ب “شبه دولة” حيث القانون والنظام لا يطبق على الجميع، وهو ما انعكس على استمرار التخلف والفقر والفوضى. إن القبيلة بتشكيلاتها النافذة وأبرزها شيوخ حاشد وتحديداً عائلة الأحمر إضافة الى آخرين هؤلاء أعلنوا انضمامهم إلى الثورة الشبابية الشعبية السلمية، وبرغم أن هناك من يشكك في نواياهم، ويعتبر ذلك هروباً إلى الأمام وتصفية حسابات مع حليف كانوا شركاءه لعقود وساهموا معه في الفساد والإثراء غير المشروع وتعطيل مشروع دولة المؤسسات والنظام والقانون, إلا أنهم تعهدوا بأن لا يسرقوا ثورة الشباب، وبأنهم مع التغيير نحو الأفضل ومع الدولة المدنية. والمستقبل هو من سيثبت ما إذا كانوا فعلاً صادقين في تعهداتهم او أن الأمر لا يعد عن كونه استمراراً لدور مارسوه طويلاً في إسقاط أنظمة والإتيان بأخرى يشاركونها السلطة والثروة والنفوذ ويديرون لها صحن المجن إذا ما شعروا أنها تريد الانقلاب عليهم وتقزيم حجمهم ودورهم ونفوذهم ومصالحهم. صراع بالوكالة وأضاف الهياجم: الحقيقة أن الذي ساهم في نمو دور القبيلة المسلحة والنافذة وتعزيز سيطرتها على مكامن صنع القرار هو: أولاً: إن الثورة والجمهورية قامت على أكتاف أحرار مدنيين وضباط أحرار عسكريين، إضافة إلى شيوخ قبائل، وعندما تم إزاحة النظام الإمامي لم يكن الأمر سهلاً وسريعاً، ولم تكن الثورة والجمهورية شأناً يمنياً صرفاً، وإنما أصبح الصراع يجري بالوكالة وتديره أطراف إقليمية ودولية تمكنت من تحويل الثورة إلى أزمة، ومن ثم لم يتوقف الصراع سوى بتسوية سياسية ومصالحة وطنية تم من خلالها إجهاض المشروع الثوري الجمهوري الحداثي المدني وإقصاء رموزه ليصبح الدور الفاعل للقوى النافذة في مجتمع قبلي متخلف تحول ولاء أفراده من سيدي الإمام الى سيدي الشيخ وشاركهم الملكيون أيضاً في الحصول على حصة كبيرة من جمهورية ما بعد التسوية..إضافة إلى أن قوى إقليمية نافذة دعمت هذه القوى القبلية بالمال والسلاح والامتيازات التي عززت من قبضتهم على السلطة والثروة والتجارة أيضاً، وكان هدف هذه القوى الإقليمية هو صناعة حلفاء أقوياء تضمن بهم التصدي للمد القومي واليساري الذي كان يشكل بعبعاً مخيفاً لهذه القوى الإقليمية الرأسمالية وفي مواجهة أي مشاريع مذهبية معادية يمكنها التغلغل في الساحة اليمنية. هذه القوى القبلية انحازت للثورة الشبابية ودعمتها بقوتها وأيضاً بمالها الوفير، لكنها في المقابل خلقت أعداء آخرين للثورة الشبابية انحازوا لصف النظام السابق، انطلاقاً من عداوات وتنافس قديم ومتجدد وأيضاً انطلاقاً من مبرر أن الثورة لا يمكن أن تقوم على أكتاف قوى مسلحة كانت حليفة للنظام السابق وشريكة له في مساوئه وفساده وأخطائه وخطاياه. دور سلبي لضمان المصالح الأستاذ أحمد محمد نعمان - محامٍ وكاتب - يقول: الحقيقة للقبيلة دور فعال في الثورة والجمهورية، فمنذ قيام الثورة والجمهورية في الستينيات من القرن الماضي برز هدف رئيس هام تمثل في ضرورة التكامل بين القبيلة والدولة على توظيف الأولى بشكل إيجابي، وبما يقوي من قدرات وقوة الدولة ويجعل القبيلة قادرة على حفظ دورها السياسي والاجتماعي، ولكن في إطار المنظومة الوطنية، بَيْدَ أن النظام الاستبدادي اتجه إلى تكريس دولة القبيلة بدلاً من قبيلة الدولة وأوجد فجوة واسعة ليس بين الدولة والقبيلة، بل بين المجتمع والدولة واتجهت عقلية الحاكم إلى الموروث القبلي السيئ مثل: تكريس عقلية القبيلة في إطار دولة الفرد والعائلة, كما وقف إلى جانب قبائل ضد أخرى ضمن لعبة المصالح (فرق تسد) وسياسة كسب الولاءات الفردية وتقوية الضعيف وإضعاف القوي، هذا بالإضافة إلى إثارة الصراعات والحروب بين القبائل ذاتها وبين المناطق، مما أضعف ثقة القبيلة والمجتمع معاً في الدولة وحاكمها وكانت نتيجته لزوم تغيير النظام وانتقال السلطة إلى رئيس جديد وحكومة وفاق جديدة عبر الوسائل السلمية التي قادتها الثورة الشبابية. في الواقع إن القبيلة وإلى جانبها النظام السياسي السابق وما طرأ بينهما من تحالفات أدى إلى إضعاف دور القبيلة والدولة، الأمر الذي أوجد عداء بين الدولة والمجتمع المدني، كما أنه أدى إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي، وعزز من الصراعات السياسية، وذلك بهدف استمرار النخبة في الحكم، وهو ما أدى إلى تجميد أهداف الثورة السبتمبرية وانهيار الدولة التي ضحى من أجلها الأحرار كالزبيري والموشكي والنعمان... وغيرهم، وأصبحت الأهداف عبارة عن شكل وديكور تتناقله وسائل الإعلام، ولكنه خالٍ من المضمون؛ حيث إن النظام السياسي برئاسة الرئيس السابق (علي عبدالله صالح) قد انشغل كثيراً بل وأولى جل اهتمامه وجهده في كيفية توريث الحكم للأولاد والأقارب والعائلة وتحويل مؤسسات الدولة إلى ما يشبه القطاع الخاص به وبالعائلة، وبالتالي جرد أهداف الثورة من معانيها الحقيقية الهادفة إن لم يكن عطلها نهائياً. وسيلة لتحقيق الدولة المدنية وعن دور القبيلة في الثورة الشبابية يقول المحامي النعمان: الملاحظ بأن القبيلة أصبحت وسيلة مساعدة لتحقيق الدولة المدنية الحديثة التي خرج من أجلها الشباب اليمني؛ فالقبيلة تعتبر عبر التاريخ الحديث وما قبله ذات أهمية سياسية كبيرة في بناء الدولة المدنية وتشكل مكوناً من مكوناتها وسلطتها، كما أنها تلعب دوراً بارزاً في صياغة القرار السياسي، ومع ذلك فهي تملك قدرة على معارضة أو وقف أي قرار يتعارض مع مصالحها، وقد ساءت علاقتها مع النظام السابق، وهو ما أدى إلى وقوفها مع ثورة الشباب السلمية. ويُنْظَر إلى القبيلة في اليمن على أنها كيان وطني؛ فهي أحد مكونات الشعب اليمني، وعندما انخفض دعمها للنظام ضَعُفَت قبضة الرئيس السابق على السلطة والحكم، فعلى الرغم من تقربه إليهم بالأموال تارة وإنشاء الفتنة بينهم تارة أخرى، فقد تخلى معظمهم عنه وصار أبناء القبائل المتشاجرة والشيوخ يجلسون معاً داخل الخيام وفي ميادين التغيير جنباً إلى جنب مع الثوار والشباب في العاصمة صنعاء وفي ميادين التغيير في بقية المحافظات اليمنية. النظام السابق وأضاف المحامي نعمان: رأيي الشخصي أن الذي ساعد على نمو دور القبيلة وإحكام قبضتها وسيطرتها على صنع القرار هو النظام السابق المتمثل في حزب المؤتمر الشعبي الذي فقد أي استراتيجية يمكن الحديث عنها، وأصبحت القبيلة هي المبرر الوحيد لوجوده، فتهيأ الجو لدى مشايخ القبائل ولمن يرغب منهم في المشاركة بالنظام؛ حيث أصبح باستطاعة المؤتمر توظيف أتباع مشايخ القبائل وبقدرته إقامة المشاريع والخدمات في مديريات أعضاء المؤتمر، مما أدى إلى تمكن القبيلة من مصدر القرار وظن الشعب أنه لا حقوق له ولا مواطنة محترمة إلا لمن ينضوي تحت شيخ القبيلة وإنه هو الطريق الأهم إن لم يكن الأوحد في سبيل الحصول على الخدمات الأساسية وحاجيات المواطنين. وقام المؤتمر بدعم مصالح القبائل والمشايخ الموالين له في عدة أوجه منها المباشرة عن طريق الدعم في الموازنة العامة للدولة، وهو أحد أشكال الفساد في اليمن، أضف إلى ذلك المرتبات والأجور والمكافآت التي تسلمها السلطة لموظفي الأمن التابعين للقبائل وشيوخها عبر وزارة الإدارة المحلية، وهناك عوامل خارجية سلكت نفس الاتجاه؛ حيث كانت دول الجوار وخصوصاً السعودية تقدم المساعدات والتشجيع المستمر للقبائل اليمنية ودعمهم بالمال والسلاح وبالأخص القبائل الحدودية بل وتمنحهم الجنسية السعودية حتى يتمكنوا من التنقل بين اليمن والسعودية بحرية، وبالمقابل لا تستفيد الدولة اليمنية أي شيء وإنما يستفيد المؤتمر الشعبي الذي تقوده رموز كلها نشأت وترعرعت في حضن القبيلة، أما الشعب والدولة فلم يستفيدوا إلا المشاكل التي سببتها القبيلة والنظام السابق، ومنها اختطاف الأجانب، وتفجير أعمدة محطات الكهرباء، وقطع الطريق والاعتداء على أنابيب النفط. لقد حرصت القبيلة على أن يكون لها أسبقية نموذجية في مناصرة الثورة الشبابية السلمية الشعبية؛ حيث لعبت الدور الأبرز في بناء مستقبل اليمن الجديد، وثبت لها ذلك من خلال تواجدها في ساحات وميادين الثورة بل وكانت من أوائل القوى التي بادرت إلى حماية الشباب ولبت مطالب الثوار وكانت أصواتها أول الأصوات المطالبة بالدولة المدنية الحديثة. ويظهر ذلك من خلال ترك رجال القبائل أسلحتهم في بيوتهم وتوجههم إلى ساحات الحرية وميادين التغيير والاعتصام، وواجهوا رصاص النظام السابق بصدورهم العارية، مع قدرتهم على حمل السلاح، ومن هذا المنطلق اتضح أن النظام السابق هو من رسم الصورة السيئة للقبيلة؛ حيث لجأ إلى تحريض القبائل بعضها على بعض كوسيلة للحفاظ على ولائها له، الأمر الذي جعل بعضاً من القبائل تقف موقفاً سلبياً من خلال اتباعها للنظام السابق وتفضيل مصالحها على مصالح الشعب والوطن والثورة والوقوف ضد حركة التغيير، غير أنها لم توفق في ذلك كما لم يوفق النظام السابق. الواقع الاجتماعي الكاتب والصحفي محمد الخامري - ناشر ورئيس تحرير صحيفة إيلاف - يقول: أعتقد بأن الواقع الاجتماعي الذي كان يحكم اليمن مطلع ستينيات القرن الماضي كان له علاقة وثيقة بالقبيلة وتحركاتها وإقحامها في العمل السياسي والثوري، وبما أن غالبية الأحرار اليمنيين من العسكريين والسياسيين الذين كانوا يتحركون آنذاك للثورة على الإمام أحمد - رحمهم الله جميعاً - كانوا ينتمون إلى قبائل يمنية، وتعود أصولهم إلى القبيلة، وبالتالي كان للقبيلة دور مشهود في ثورة 26 سبتمبر إذا نظرنا إليها من هذه الزاوية، وكان دورها إلى هنا مقبول، ثم تم احتواؤها في بعض المناصب القيادية والوسطية كالمجلس الجمهوري وبعض الوزراء، وبدأ دورها يغيب شيئاً فشيئاً عن الواقع السياسي إلى أن جاء الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتحالف معها تحالفاً استراتيجياً، وبالتالي أعادها إلى الواجهة بل تقاسم معها الحكم طيلة فترة حكمه 33 عاماً و7 أشهر، وهي الفترة التي تمثل للقبيلة أوج مجدها وازدهارها. أما علاقتها بالانقلابات والأحداث التي مرت بها البلاد؛ فقد وصلت القبيلة نهاية حكم الرئيس السلال إلى أن أصبحت قوة لا يستهان بها، وجاء القاضي الإرياني فترك لها المجال لتمارس دورها في العمل السياسي من خلال العديد من الرموز القبلية، وعندما اختلف معها في قضايا هامشية عمدت إلى موافقة ودعم الانقلاب عليه، لكنها اصطدمت بالشهيد إبراهيم الحمدي الذي اتخذ بعض الخطوات الجريئة في فك ارتباطها بالدولة، الأمر الذي جعلها تكشر عن أنيابها وتضع يدها في يد الشيطان للقضاء عليه. تجميد أهداف الثورة وأضاف الخامري: بفعل الجهل والعقلية القبلية ساهمت القبيلة في تجميد أهداف الثورة، لكني أستطيع القول: إن فعلها هذا لم يكن سياسياً أو مخططاً له كاستراتيجية اتخذتها القبيلة في مواجهة الدولة المدنية، بل كانت تتماشى مع الواقع الذي يخدمها وتركب الحصان الذي تجده أمامها، وبفعل السياسيين وتماهيهم مع متطلبات القبيلة تجمدت أهداف الثورة وانهار الحلم بالدولة المدنية التي ضحى الأحرار من أجلها وآخرهم الشهيد الحمدي رحمه الله. إذا اهتمت الدولة بالتعليم وحول متى يمكن أن تصبح القبيلة وسيلة مساعده لتحقيق الدولة المدنية، يقول الخامري: ستصبح القبيلة مساعدة لتحقيق الدولة المدنية إذا اهتمت الدولة بالتعليم وانخرط أبناؤها في العلم والتعلم والوظائف المدنية والعسكرية ومارسوا العمل السياسي والاجتماعي والثقافي، وتخلوا عن العصبية القبلية والسلاح الذي يتم تلقينهم منذ الصغر، إن رزقهم به وقوتهم وهيبتهم بسببه، ولو زرت المناطق القبلية فستجد أن التعليم منعدم والمدارس قليلة والمنتسبين إليها عددهم محدود؛ نظراً لعدم أهمية التعليم في نظرهم.. أما أنها لازالت تسيطر على المشهد السياسي فدعني أختلف معك قليلاً لأن القبيلة حالياً جزء من المشهد السياسي الجديد، لكنها لا تسيطر أو تهيمن عليه، وأعتقد أن هناك خلافاً جوهرياً في داخلها حول الدعوة لدولة مدنية والحفاظ على المكتسبات التي وصلت إليها وتريد الاحتفاظ بها، ومن الظلم أن نحسب كل شيخ أو ابن شيخ مارس الفعل السياسي على أنه القبيلة ومن رموزها، لاسيما وهم يصرحون ليلاً ونهاراً بأنهم مع الدولة المدنية ويسعون لتحقيقها.. ومتى ما وجدت الإرادة لدى النخبة السياسية والقبلية لإيجاد الدولة المدنية فإن الأمر سيختلف جذرياً، ولن تأخذ وقتاً طويلاً، وأعتقد أن هناك شبه اتفاق على ذلك..!! لا يمكن استعداء أي مكون من مكونات الثورة الشبابية السلمية بتقييم دوره اعتماداً على الماضي، وبالتالي فأرى أن القبيلة كانت فاعلة في الثورة الشبابية السلمية، ولازالت تؤكد أنها تسعى إلى اليمن الجديد والدولة المدنية وأنها إذا وجدت المناخ المناسب فإنها ستتخلى عن العادات القبلية غير المرحب بها في الدولة المدنية كالسلاح وغيره، ويجب أن نأخذ هذه التصريحات لرموز القبيلة ومشايخها مأخذ الجد والترحيب إلى أن يثبت العكس وحينها سيكون لكل حادث حديث. حضور دائم عباس الضالعي - كاتب وناشط - تحدث بقوله: للقبيلة اليمنية حضور دائم وتسهم في السياسة المحلية وحتى الخارجية، والمعلوم أن اليمن بطبيعته يغلب عليه الطابع القبلي وإلى الآن لا يوجد مدنية أو دولة مدنية كما في بعض البلدان، القبيلة هي الفاعلة في صنع الأحداث، وكان للقبيلة دور بارز وواضح في المساهمة الكبيرة في ثورة سبتمبر عام 1962م، وكانت علاقتها بالدولة علاقة سيطرة إلى حد ما على اعتبار أن كل الشخصيات الفاعلة في الثورة لها ارتباطات قوية بالقبيلة. ومثلما شاركت في الثورة شاركت أيضاً في الانقلابات التي حدثت بعد الثورة وأهمها انقلاب أو حركة (5) نوفمبر الذي كان للقبيلة دور كبير فيه، وقد كانت غرفة العمليات في منزل الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر - رحمه الله. واستطيع القول: إن القبيلة ظلت مساهمة على الدوام طوال فترة الحكم الجمهوري ماعدا الفترة التي حكم فيها الراحل إبراهيم الحمدي الذي حاول أن يجنب القبيلة عن التدخل في شئون الدولة، وكان يحمل مشروع دولة مدنية تحكمها المؤسسات وكان للقبيلة دور رئيس للقضاء عليه وعلى مشروعه في تجميد أهداف الثورة مع غياب الدولة المدنية منذ قيام الثورة ماعدا فترة حكم الرئيس الحمدي، أما الفترة التي سبقتها والفترة التي بعدها فالقبيلة عنصر أساسي في الحكم والسلطة، وللأمانة معظم الثوار كانت توجهاتهم قبلية أو مسنودة بالقبيلة ماعدا أشخاص قليلين هم الذين كانوا لا يستندون على القبيلة. كيان اجتماعي متماسك وأضاف الضالعي: إذا قلنا بضرورة أن تتحول القبيلة إلى أداة مساعدة لتحقيق الدولة المدنية فيعني أنها لازالت مشاركة في السلطة، وتساهم في تحريك الأحداث، والحقيقة لا يستطيع أحد أن يلغي دور القبيلة؛ لأنها كيان اجتماعي متماسك ومهم، ويمكن القول: إن القبيلة سيذوب دورها السياسي تدريجياً في حال وجدت مؤسسات قوية، وهذه المؤسسات هي التي تمارس العمل وفق برامجها ووفق القوانين؛ لأن دور الدولة يعتبر البديل لتلبية الحاجة وسد الفراغ بسبب غياب مؤسسات الدولة. والشباب أنفسهم خلال أيام الثورة الأولى (ثورة الشباب) كانوا يستنجدون بالقبيلة، والقبيلة استجابت لهم ووقفت إلى جانبهم، وهذا دليل على الانسجام والمرونة لدى القبيلة، في الوقت الذي تتواجد مؤسسات الدولة بقوة القبيلة ستنسحب من المشهد طواعية؛ لأن كل من سيقوم على أمر هذه المؤسسات هم من أبناء القبيلة كجزء من الواقع، والقبيلة تسيطر على المشهد حين تغيب الدولة ومؤسساتها كما هو الحال في عامي 2011 و2012م القبيلة كانت تقوم بوظيفة البناء أو الهدم معاً مساهمة مع الطرف الذي انحازت له. الحاجة الملحة لدور القبيلة وعن الأسباب التي أدت إلى نمو دور القبيلة في السابق ومساهمتها في الثورة الشبابية يقول الضالعي: برأيي الشخصي العامل الذي يساعد على نمو دور القبيلة وسيطرتها أو مشاركتها في صنع القرار هو مدى الحاجة الملحة لدور القبيلة؛ فالعامل السياسي دائماً يستند للقبيلة لوجود ضعف في بنية السلطة، وقد برز دور القبيلة بقوة خلال العقدين الأخيرين، حيث كان الرهان دائماً على القبيلة، والعلاقة بين القبيلة والدولة ستظل مادام والحاجة لدور القبيلة. والقبيلة ومساهمتها في ثورة الشباب السلمية كان له دور إيجابي وفعال، وقد تولت القبيلة حماية الشباب وساحاتهم في كل المحافظات، وكانت هي العنصر الذي استجاب سريعاً للثورة وللتغيير، وهذا يمثل كمؤشر طيب لدور القبيلة وفهم طبيعة العلاقة بينها وبين الدولة في حال تحقق مشروع الدولة المدنية، فالقبيلة ستتجاوب معه خاصة إذا برزت عوامل العدالة والمساواة بقوة، فالقبيلة سنراها من أول المؤيدين لمشروع الدولة المدنية، ولا يجب أن ينظر للقبيلة بنوع من الريبة على الإطلاق. تباينت الرؤى الأستاذة آسيا ناصر - صحفية وناشطة سياسية - أوضحت بقولها: بعد ثورة 26سبتمبر1962م, تباينت الرؤى خلال الحرب الأهلية لأسباب تتعلق بالهوية الفكرية، فجناح السلال اعتمد على القوات المصرية التي كانت صاحبة القرار الحقيقي، فيما الزبيري لجأ إلى جمع الزعامات القبلية والدينية والسياسية, بعد اغتيال الزبيري تأكدت الهوية الإسلامية للشعب في شمال اليمن، وتحول إلى صراع مسلح فيما عرف بحرب المناطق الوسطى, ولم يحسم الصراع إلا بعد ضرب القدرات العسكرية للتنظيم اليساري في بداية الثمانينيات، وعرفت الهوية الفكرية او الإيديولوجية الإسلامية في شمال اليمن كعقيدة سياسية مواجهة مع الحزب الاشتراكي في جنوباليمن. والقبائل لديهم تخوف من قيام الدولة المدنية ويفضلون التعايش مع السلطة؛ لأن النظام في جنوباليمن أذاب القبيلة في المجتمع، وهنا في شمال اليمن يخشون ما آلت اليه الأوضاع في الجنوب خشيتهم المد الاشتراكي والشيوعي الذي كان أساس الصراع. بالرغم مما حققته القبيلة بانحيازها وانضمامها إلى ثورة التغيير، إلا أن انصهار القبيلة قد يضر بقوتها، ولكن لنا تجربة في الإماراتالمتحدة الذين مازالوا يتمسكون بعادات القبيلة في الوقت الذي شهدت الإماراتالمتحدة طفرات نحو المدنية تجاوزت الغرب. فالقبيلة تستطيع المساعدة في تحقيق الدولة المدنية، بل أعتقد أن القبيلة حالياً ترغب في الخروج من عباية التبعية مع الاحتفاظ بملامحها وهويتها. وللقبيلة دور إيجابي من خلال الدعم المادي الذي قدمته للثورة الشبابية السلمية وإعلان الانضمام إلى ساحات الحرية وسلبياتها أنها ستكون معيقة في حال ظلت تراوح موقعها, قال مفكر إسلامي يتحدث عن القبيلة في الماضي: لا تجد في القبيلة من يصلي إلا بالنادر، لكن الآن نادر ما تجد في القبيلة من لا يصلي, هذا يعني أنهم يعيشون على فطرتهم وبالإمكان تغيير معتقداتهم بسهولة، ولو لاحظنا إخوان اليمن ركزوا عليهم كثيراً في مختلف المراحل وهذا ذكاء يحسب للإخوان. حجر الزاوية الأديب والروائي محمد الغربي عمران رئيس منتدى القصة الادبي (المقه) - يقول: القبيلة هي حجر الزاوية في كل أحداث اليمن إلى اليوم القبيلة ليست أفراد القبائل.. هي فكر في ثقافتنا تسيرنا دوماً وتؤثر على جميع تصرفاتنا.. وحين يلبس أحدنا كرفتة لا يعني أن عقله تخلص من ثقافة الفيد والقبيلة. ولذلك هي المحرك الأزل وكل حكام اليمن سواء لبسوا عسكر أو عمامة أو بدلة.. إلخ. من تعز أو صعدة أو شبوة أو الضالع وحضرموت والقبيلة وثقافتها أداة تخلف وتدمير مهما غالطنا أنفسنا، والأزمة الأخيرة هي بين فكر القبيلة المتعدد والقبيلة لم يساعدها أحد؛ فهي فينا منذ بلقيس وما تسمى ثورة الشباب إنما هي حركة المشايخ والعسكر والفقهاء ونتائجها كارثية في المستقبل ودور القبيلة في القبح الذي يحصل دور أعمى يقود عمياناً. أما الدولة المدنية فبعيد.. إلا إذا غيرنا الشعب.. فالدولة المدنية ليست وصفة نتجرعها بل هي ثقافة وايمان.. فكيف دولة مدنية وقادة القرار مشايخ قبائل وفقهاء دين وضباط جيش؟. الثورة لم تبدأ بعد.. وحين تبدأ الثورة علينا باختيار أدواتها الصحيحة.. بعيداً عن الشيخ والعسكري والفقيه.. الثورة يجب أن تكون ثورة الجياع والمثقفين والفلاحين والعمال.. لكن علينا أن نعمل أولاً بتجاوز القبح الذي صنعته القبيلة.