خلق الله تعالى بني البشر متساوين أحراراً إذ يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء :70)، وميَّز الله تعالى الإنسان خلقاً وخُلقاً بقوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)(التين: 4)، وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار:6-7)، وورد في السنن أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام على صورته، ونفخ فيه من روحه وخلقه بيده، وأمر الملائكة أن تسجد له، ويقال إن الإنسان بنيان الله تعالى ملعون من هدمه، قال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء :93)، فهذا وعد شديد للغاية لمن يقدم على هذا الفعل المادي، وكأنه قد أقدم على قتل الناس جميعاً، ولعل قتل الإنسان معنوياً ونفسياً أن يصيب فاعله كذلك بعقوبة من السماء، فربك لا يظلم أحداً، قال رسول الله: (لا تروّعوا المسلم؛ فإن روع المسلم ظلم عظيم). التميز عن الآخر يكون بالإيمان المقترن بما تقدّمه أنت كإنسان للبشرية من الخير ووسائل السعادة والابتكارات والاختراعات المفيدة للآخرين، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) وفي الحديث الشريف قال رسول الله: (الناس سواسية كأسنان المشط؛ لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى). من الأعمال العظيمة أن ترى المساعدات تقدّم من جميع دول العالم في حال وقوع كوارث طبيعية للدول المنكوبة، ولكن الأعظم من ذلك ألا يُسهم الإنسان في وقوع الضرر والمصائب على أخيه الإنسان، فكرامة الإنسان وحريته وأخلاقه ودينه تُعرف بسلوكه وأفعاله واحترامه لنفسه وللآخرين من حوله، قال الله تعالى: (... لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (النجم :31)، وقال رسول الله: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وقال أيضاً: (طوبى لعبد كان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر)، وقال أيضاً: (أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا) رواه أحمد، فرائع أن تنقذ إنساناً من الغرق، ولكن الأروع من ذلك ألا تسهم في إغراق البشرية بسبب أطماع ورغبات وشهوات، والإيمان لا يتحقّق إلا بمقدار ما تكون عوناً لأخيك الإنسان، وأن تبكي على عذابات الآخرين لا أن تُبكيهم، وأن تكون ودوداً مع من يحبك، ومنصفاً لمن يعاديك، فهذا هو التميُّز، قال رسول الله: (إن لله عباداً اختصهم لقضاء حوائج الناس، حبّبهم للخير وحبّب الخير إليهم، أولئك الناجون من عذاب يوم القيامة). إذا كان المسح على رأس اليتيم صدقة؛ فكيف هو حال من يتسبّب بزيادة عدد الأيتام والفقراء والجوعى، قال الله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل :125) وقال الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء :34) وقال الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34)، أن تفكر بتعميم الخير على الآخرين خير لك من أن تفكّر بنفسك فقط بأنانية، وأن تنظر إلى عيوب نفسك لإصلاحها خير لك من أن تنظر إلى عيوب الآخرين، قال رسول الله: (طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الآخرين)، وقال عمر بن الخطاب: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن لكم). كم نحن بحاجة إلى نظرة إيجابية بنّاءة، نظرة شاملة متوازنة، نظرة منصفة، نظرة ترى نصف الكوب الممتلئ لكل شيء في وظائفنا وأعمالنا وحياتنا، يُروى أن المسيح عليه السلام مرّ مع الحواريين على كلب أسود فسألهم: كيف ترونه؟ قالوا: كلب أسود. قال: لا، انظروا إلى بياض أسنانه!! هذه النظرة الإيجابية للحيوان، فكيف هي النظرة للإنسان!؟ ومرّت جنازة ليهودي فوقف لها النبي، فقال له أصحابه مستنكرين: إنه يهودي..؟! فقال لهم: أليست بنفس..!! هذا فعل الرحمة المهداة للعالمين، نظرة إيجابية، واحترام لإنسانية الإنسان، واحترام لخلق الله تعالى، فما هي حجة من يفعل غير ذلك..؟!. أن تكون إنساناً فهذا معناه أن يكون تفكيرك وفعلك مليئاً بالعواطف والمشاعر والأحاسيس، أن تراقب قولك وفعلك، وتأثيرك الإيجابي أو السلبي فيمن حولك، ألا تنسى أنك صفحات تسجّل فيها كل حركاتك وسكناتك، فهنيئاً لمن كان جسراً للسلام والمحبة، وعوناً لأخيه الإنسان على قضاء حوائجه ومصائبه، قال رسول الله: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) فإذا لم تجد ما تقدّمه إلى الآخرين، فلتجعل الابتسامة طريقاً إلى الجنّة ووسيلة لإزالة حاجز القسوة. رسالة الإسلام سلام ومحبة للعالمين، والإنسان المؤمن فيها كالنخلة ثابت بدينه، مرتفع بأخلاقه وقيمه، مثمر بعطائه وجوده للآخرين، عمره وحياته مفيدة في كل محطاته، يحمل الخير أينما حلّ، ويعمر دنياه وآخرته حتى اللحظات الأخيرة، قال النبي رسول الله: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل) وهو يؤمن بالتنوّع والتعدد فهي سنّة إلهية، وتنسجم مع قناعات الإنسان ومعتقداته، وهذا ما أكده النبي بقوله: (اتركوهم وما يدينون، لهم مالنا وعليهم ما علينا)، وأوصى أبوبكر – رضي الله عنه –جيش أسامة بن زيد حين خرج لقتال الروم بقوله: (لا تخونوا؛ ولا تغدروا؛ ولا تغلوا؛ ولا تمثّلوا؛ وسوف تمرّون بأقوام قد فرَغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغَوا أنفسهم له) فأين هذه الرسالة والأمر والوصية مما نراه اليوم..؟!. دكتوراه الفلسفة في التدريب والتنمية الإنسانية. [email protected]