يحظى يوم 14أكتوبر 1963م بأهمية خاصة في تاريخ نضال اليمنيين ضد الاستعمار البريطاني الغاصب للجزء الجنوبي من اليمن، كما تحظى منطقة ردفان بنفس الأهمية لأنه في ذلك اليوم، ومن جبال ردفان الشماء تفجرت الشرارة الأولى لثورة الرابع عشر من أكتوبر التي توج مسار كفاحها المسلح بالانتصار على معسكر الاستعمار وأعوانه وإعلان الاستقلال في 30نوفمبر 1967م لتدخل الثورة في مرحلة جديدة تستكمل بها تحررها الوطني الديمقراطي. الثورة التي نقشتها الشمس على صفحات التحول الدائم، وبدأت من جبال ردفان لم تكن شرارتها الأولى حدثاً طارئاً فلردفان سلسلة تمردات قبلية ضد الاحتلال البريطاني في أعوام 1918م و1938و48، 57.. كما أن هذه الانتفاضات لم تكن الوحيدة على أرض الجنوب المحتل . الأسباب الحقيقية وكانت الأسباب الحقيقية لثورة أبناء ردفان في يوم 14 اكتوبر 1963 هي استمرار أوضاع الاستغلال والطغيان الاستعماري السلاطيني ، أما السبب المباشر فهو ضغط السلطات الاستعمارية على أبناء ردفان لتسليم سلاحهم عند عودتهم من معارك الدفاع عن ثورة 26سبتمبر 62وحماية النظام الجمهوري في الجزء الشمالي، وكذا ضم ردفان إلى سلطة أمير الضالع المتعاون مع الاستعمار. تدريب على السلاح وكان العديد من أبناء المناطق الجنوبية قد تقاطروا باتجاه صنعاءوتعز ومنهم أبناء ردفان بعد قيام ثورة 26سبتمبر وحسب ما ذكره المناضل أحمد قحطان الجنيد فقد انضم هو ومن توافد إلى صنعاءوتعز إلى الحرس الوطني وتدربوا على السلاح، وتم تسليحهم وكان الحرس هو العمود الفقري لجيش الثورة اليمنية ومنه تشكلت أربعة ألوية هي لواء النصر، ولواء العروبة، والوحدة، ولواء الثورة، وتوجه المدافعون عن ثورة سبتمبر إلى مواقعهم في المناطق والوديان والجبال، وكان الشهيد راجح بن غالب لبوزة ومن معه من أبناء ردفان مع قوات النظام الجمهوري في منطقة المحابشة بمحافظة حجة، وبعد أن توقف إطلاق النار الأول عاد لبوزة ومن معه إلى ردفان بسلاحهم متشبعين بروح الثورة، وكان بانتظارهم قوانين وأوامر من سلطات الإنجليز بتسليم سلاحهم الذي عادوا به من الشمال، وكان أول صدام عنيف في 14أكتوبر 63وأول شرارة في مسار الكفاح المسلح. ليلة انطلاق الثورة بدأت المعركة في ردفان ليلة 13أكتوبر وصبيحة 14أكتوبر 63، وذلك عقب عودة بعض المقاتلين الذين شاركوا في معارك الدفاع عن ثورة 26سبتمبر وأبرز هؤلاء الشهيد راجح غالب لبوزة، وقد حاول المستعمر أن يطبق الذي فرضه بشأن أولئك الذين شاركوا، فيما كان يعتبره جيشاً أجنبياً، ويقضي بدفع غرامة قدرها عشرة آلاف شلن وسجن ثلاث سنوات، ورفض راجح غالب لبوزة وجماعته الخضوع لهذا القانون وأوامر سلطة الاحتلال وأعوانها وكان الصدام. في 14 أكتوبر 63م سجلت انطلاقة الثورة من قمم جبال ردفان وقد استخدمت بريطانيا كل أشكال قواتها العسكرية من طيران وقوات مشاة ومدفعية، ولكنها لم تتمكن من القضاء على الانتفاضة بعد ذلك. انتفاضات سابقة حسين أحمد ناصر الردفاني “أحد المناضلين” في ثورة 14أكتوبر رأى من الضرورة التطرق إلى معطيات تتعلق بمنطقة ردفان قائلاً: معروف أن قبائل ردفان ظلت تقاوم الوجود البريطاني حتى قبل دخوله إلى المنطقة، وبناء قاعدته العسكرية في الحبيلين، ثم بناء مركز في منطقة حمراء لتأمين الإمدادات إلى محمية الضالع في عام 1940م، واعترضت القبائل، وفي ليلة من ليالي أكتوبر 1948م، هاجمت مجموعة من أبناء ردفان ذلك المركز وقتل قائده، وهرب جنوده إلى منطقة الملاج، والعند وأقدم الاستعمار على قصف ردفان. مجاميع مقاتلين إلى صنعاء وعندما قامت ثورة 26سبتمبر عام 62م تحركت قوافل المقاتلين من ردفان إلى صنعاءوتعز وكانت المجاميع بقيادة سيف مقبل القطيبي محمد عبدالله الحوشبي محمد صالح ومجموعة بقيادة راجح بن غالب لبوزة.. هذه المجاميع عددها أكثر من 400مقاتل شاركت في الدفاع عن ثورة سبتمبر، وحماية نظامها الجمهوري توجه البعض منهم من تعزوصنعاء إلى مواقع القتال في بنى حشيش وصرواح في مأرب والسخنة، وتوجه لبوزة إلى المحابشة في حجة بعد أن تدربوا وتسلحوا في تعز وإب وصنعاء. رحلة العودة وفي أغسطس 63م قرر راجح لبوزة العودة إلى ردفان بعد انتصار ثورة سبتمبر، وتوقف القتال “الأول” هو ومن شاركوا معه. تعهد بالمقاومة وقال الردفاني: لبوزة ومن عادوا معه تعهدوا بالعودة لمقاومة الاستعمار وهذا التعهد مكتوب وموجود لدى أبناء سيف مقبل وفيه: عهد بأنهم سيفجرونها ثورة إذا اعترضت بريطانيا طريقهم، هذا التعهد تم بحضور قحطان الشعبي الذي كان حينها في صنعاء، وعادوا بأسلحتهم إلى مناطقهم الجبلية في نهاية أغسطس 63م وأعترضهم الإنجليز بأوامرهم بالخضوع وتسليم السلاح وقبول القانون الذي حاولت سلطات الاحتلال فرضه على من يشارك في الحرب إلى جانب الثورة في الشمال، وطالب بوضع رهائن وغرامات 500شلن على المخالف. رفض وفي 26سبتمبر 63م كان العائدون يحتفلون بالذكرى الأولى لقيام ثورة 26سبتمبر، وبشأن مسقط رأس راجح لبوزة وصل الضابط السياسي البريطاني يطالب بتسليم الأسلحة مهدداً بأنه سيلاحقهم، وتوجه الثوار إلى قرية وحدة القريبة من قرية عقيبة، وهناك اجتمعوا وتشاوروا واتفقوا على موقف إرادة لبوزة بأن يقاوموا، وبعد التشاور اتفقوا على تحرير رسالة إلى الضابط السياسي البريطاني في قاعدة الحبيلين نصت على:«نخن عدنا إلى أرضنا وبلدنا، وأنتم محتلون لا نعترف بكم ولا بحكومة الاتحاد الفيدرالي المزيف، وإنما حكومتنا هي حكومة الجمهورية العربية اليمنية، وإذا تقدمتم نقطة الجبهة «منطقة» سنطلق النار». وتقع نقطة الجبهة أسفل وادي المصراح، وفعلاً قام قاسم شائف بنقل الرسالة إلى الإنجليز فاستشاط الضابط السياسي غضباً وقرر الهجوم. أحداث 13أكتوبر في 13أكتوبر تحركت سيارة لاندروفر بريطانية إلى منطقة السمري القريبة من وادي المصراح وكان أحد الثوار العائدين وهو مقبل عبدالله يعمل في أرضه وسلاحه معلق على شجرة سدر وقبض عليه الإنجليز، وكان يوجد ثلاثة أفراد لم يستطيعوا أن يخلصوه وقتل شخص أسمه مثنى قاسم وعادت السيارة ومعها المقبوض عليه، وفجر يوم 14أكتوبر نفذ الثوار قرار المواجهة وقسموا أنفسهم إلى 4مجموعات الأولى بقيادة لبوزة في قمة جبل بدوي، الثانية أسفل الجبل، الثالثة في الاتجاه الجنوبي، الرابعة في الجهة الشمالية لحماية المجموعة التي في أسفل الجبل. القوات البريطانية تحركت معززة بالعربات المصفحة، الدبابات والمدفعية ووصلت وادي المصراح وشعب زيدة بجانب المدرسة أسفل الشعب، وتوجهت عربات إلى السايلة “مجرى السيل” المعركة دارت واستمرت من الصباح إلى الثانية ظهراً، ولم تكن معركة متكافئة فليس لدى الثوار سوى السلاح الخفيف ومدفع بلاستيد واحد وهو محمول يشبه بي عشرة في شكله وحجمه في هذه الأثناء كان راجح بن غالب لبوزة في موقعه الجبلي العالي والوعر أقرب إلى القمة وأمامه تلة تشكل تحصيناً، وكان معه أحد الثوار هو الأقرب مكاناً إليه، والقصف بالمدفعية والرشاشات والطيران يسقط قذائفه التي تهز الأرض والجبل وبين الساعة 12 1ظهراً من يوم 14أكتوبر وقعت قذيفة مدفع بريطاني في مكان أعلى من موقع لبوزة، وأصيب ولأن المكان صعب ولا مجال للإسعاف استشهد راجح بن غالب لبوزة، بعد أن ظل ينزف حتى الساعة الثانية بعد الظهر، ولم يكن لزملائه إمكانيات اسعافية عندما تجمعوا حوله. دماء الإنجليز وقال: المناضل حسين أحمد ناصر: في أسفل الجبل وفي قنوات الري حيث تمركزت قوات الاستعمار شوهد الدم المسفوك من جنود الغاصبين وعلى حوافي المزارع ووجدت أجزاء من العربات التي أصيبت، وأنسحب جنود الاحتلال المهاجمون، ولم تعلن قواتهم مدى خسائرها. الثوار أخذوا لبوزة الشهيد البطل من قمة الجبل إلى وادي وحدة ودفن في ذني بعقيبة دفن جثمانه الطاهر. نبأ استشهاد لبوزة عندما وصلت أخبار استشهاد لبوزة وتقهقر القوات البريطانية اشتد غضب أبناء ردفان وكان لا بد أن تنطلق من شرارة الثوار حمم براكين الغضب إلى كل مكان. بداية ثورة حافظ قاسم القطيبي باحث اكاديمي تحدث في الموضوع قائلاً: يوم 14أكتوبر بدأ زمناً وحدثاً مساء يوم 13أكتوبر 63م واستمرت المعركة ليلاً وفجراً وتواصلت إلى العصر عندما دوت صرخة من الجبل بأن الشيخ راجح بن غالب لبوزة استشهد في عصر هذا اليوم المجيد 14أكتوبر 63م فكان يوماً مميزاً وأحد الأيام التاريخية في تاريخ ثورة 14أكتوبر والتاريخ اليمني عموماً. نحو 24ساعة مثل بداية الثورة على الاحتلال البريطاني الغاصب فمن شرارة ردفان امتدت النار إلى أنحاء الجنوب اليمني المحتل لتحرق الاستعمار وأعوانه، ويذهب رماد وجوده الجحيم من جحيم الثورة. ثوار حقيقيون الباحث الأكاديمي بجامعة عدن حافظ قاسم القطيبي يصف المشهد بقوله: بجوار منزلنا في قطيبة جرى اشتباك مع الاحتلال بعد أن تلقى الثوار العائدون من صنعاء أوامر المستشار البريطاني بتسليم أسلحتهم، وكان من الصعب أن يتعامل ثوار حقيقيون مع الرغبة الاستعمارية فتجمعوا في مكان واحد وتدارسوا الأمر وقرروا إرسال رسالة للمستشار رفضوا فيها التسليم، وأكدوا استعدادهم للمقاومة إذا تقدم البريطانيون وتقدمت قوات الاحتلال من الحبيلين إلى منطقة “الجبهة” والتي اعتبرت خطوة توجب المقاومة حسب الرسالة.. وكان المقاتلون الثوار مستعدين وكانت مقاومة باسلة في الجبهة ووادي المصراح، الذي يطل عليه جبل البدوي من جبال ردفان الشماء وكان الثوار قد تفرقوا في جماعات بعضها في الجبال ومعهم راجح لبوزة نتيجة كثافة النار من قبل قوات الاحتلال والتي لم تكن بأي حال متكافئة مع أسلحة الثوار، لكنه الذعر الإنجليزي من ردفان وأهلها، وهو ما عرفه الإنجليز في فترات سابقة من شر أبناء المنطقة ما بالكم وقد تغير الوضع في شمال اليمن وعايش الثوار عنفوانه الثوري. مناوشات وقال القطيبي: صمود المقاتلين جعل المستعمرين يطلقون كماً هائلاً من قذائف المدفعية من قبل قواتهم البرية وسلاح الطيران، ولا تزال قنابل وقذائف ضخمة لم تنفجر في أكثر من مكان، تدل على وحشية قوات الاحتلال. أما لبوزة ومن استشهد معه أو أصيب فقد أشعلوا شرارة الثورة وغذوها بدمائهم في ذلك اليوم إذ بعد استشهاد الشيخ راجح بن غالب تقهقرت القوات البريطانية مجبرة لتبدأ عمليات أصبح الثوار هم المهاجمون فكانت مناوشات ومجاميع تذهب إلى الحبيلين ومواقع قوات الإنجليز تهاجمها، وتقطع الطريق إلى الضالع وتمنع وصول المؤن. الذئاب الحمر الإنجليز وصف المقاتلين في ردفان ب “الذئاب الحمر” وحسب رأي المناضل أحمد قحطان الجنيد فإن قوافل المقاتلين الذي تمرسوا على السلاح في الحرس الوطني في صنعاءوتعز ومختلف جبهات القتال دفاعاً عن ثورة سبتمبر لم تكن ثورتهم في ردفان مجرد فعل طارئ أو رد فعل قبلي بين قبائل المنطقة وسلطات الاحتلال، بل أن حركة ردفان كانت ذات محتوى وطني تحرري هدفت إلى تصفية الاستعمار وتحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب، هذا الوعي تجسد في تأسيس الحرس الوطني بعد أيام من ثورة سبتمبر من المتطوعين عن كل أنحاء اليمن، وكان نواة لجيش وطني خرجت منه أربعة ألوية هي: النصر، الوحدة، الثورة، العروبة. حشود ضخمة لهذا اضطرت بريطانيا أن تحشد مختلف أنواع أسلحتها لإخماد الثورة في ردفان وإخماد شرارة ثورة 14أكتوبر التي انطلقت في منطقة معزولة عن مناطق نفوذ ثورة سبتمبر، ومع ذلك دكت طائراته مساكن أبناء ردفان وأحرقت مزارعهم فكانوا أقوى من أسلحة بريطانيا بإرادتهم.
