شاعر أصيل ومرهف أسّس مدرسة شعرية في حجة انبثقت منها مدرستان ذماريةوتعزية، أما بداية شعره فقد بدأ من ذمار في آخر الثلاثينيات وكان يهجو في شعره أهل الشيعة ويقف مع أهل السنة في شعره، إنه الشاعر إبراهيم الحضراني. انتقل الحضراني إلى تعز وأصبح شاعراً مادحاً ومتفكهاً وقد اشتهر في أول أشعاره التي تناول فيها كبش العيد وجعالته فقال: يا ليت لي كبشاً أضُحّي به أركبه إن جئت في الآخرة لا تعجبوا مني ولا تسخروا فربما جئت على طائرة قال في نفسه: إنه تأثر في إبراهيم ناجي أشد تأثراً وبالأخص في نجواه حيث قال: وحبيب كان دنيا أملي حبه الكعبة والمحراب بيته إن شقى يوماً بكأس ظامئاً فأنا من كأس عمري قد سقيته أو شرى يوماً على ورد له فطريقي كان شوكاً ومشيته سجناء حجة كانوا يكثرون من ترديد شعر الحضراني ويتمثلون به إلى حد أن بيتين من شعر الحضراني كانا يهونان على الأحرار ملاقاة السيّاف لقطع رقابهم، فقد كان كل حر يلاقي مصرعه بيد السياف وهو يرد هاتين البيتين للحضراني: كم تعذبتُ في سبيل بلادي وتعرضت للمنون مراراً وأنا اليوم في سبيل بلادي أبذل الروح راضياً مختاراً وأجود شعر للحضراني في مسقط رأسه حجة الأبيات التالية: حنانيك يا سيف المنية فارجعِ و يا ظلة الموت الزؤوم تقشعي ووالله ما خفت المنايا وهذه طلائعها مني بمرأى ومسمعِ ولكن حقاً في فؤادي لأمتي أخاف إذا ما مات من موته معي فهذا الشعر العميق المتدفق يدل على شاعر تكاملت له وسائل الفن وخصائص الفكر وأصالة الحس الوطني.. فالحضراني شاعر أصيل فكرةً وتعبيراً والدليل على أصالته أنه لم يتخلَ عن الشعر في حين سكت عن قول الشعر الكثير تحت وطأة الصدمة الإمامية. كان الحضراني في أنحاء اليمن وطنياً ومادحاً وساخراً وعاطفياً، وفي مسقط رأسه حجة كان شاعراً باكياً ومبكياً ومتفلسفاً، وحماسياً ومحمساً.. وهناك من يقول: إلى أية مدرسة ينتمي الحضراني؟ ينتمي الحضراني إلى ذبذبات الرومانسية والواقعية المباشرة ، إلا أنه يجاري الزبيري في الموضوعات الوطنية وإن كان الزبيري أغزر منه إنتاجاً وأحمس شعراً، بينما شعر الحضراني أهدأ وأشف دلالة كما نلمس في شعر الحضراني الأصالة والتميز.. وفي قصائده العاطفية لذة وحلاوة ومتعة كما نلحظ في قصيدته المُغناة: لا عتب.. لا عتب.. قد هو مقدّر لمن حب.. أن ينال التعب وطول عمره مُعذّب. وفي قصيدته العاطفية أيضاً: ما أحد معه في الحياة غير النصيب والمقدر.. ولا حذر من قدر.. لا تبقِ العمر في دنيا همومك مُحيد ويضيع عمرك هدر.. توفي الحضراني في العام 2000م. أما الشاعر الثاني فهو: لطفي جعفر أمان شاعر يمني ولد بعدن سنة 1928م تخرج من كلية الآداب بالخرطوم ونال الشهادة من جامعة لندن.. تغنى بالوطن واشرأب حبه في قلبه، صدر له عدة دواوين شعرية منها: «الدرب الأخضر، كانت لنا أيام، ، بقايا نغم، ليل إلى متى » توفي عام 1972م. له قصائد وطنية مغناة بصوت عدة فنانين منهم: المرشدي وأهم قصيدة له يناجي فيها الوطن هي التي أنشدها المرشدي بصوته الهادر الذي عصف به إلى رحاب الوجود لوجود أرحب: يا بلادي يا نداءً هادراً يعصف بي يا بلادي يا ثرى إبني وجدّي وأبي يا رحيباً من وجودي لوجودٍ أرحبِ يا كنوزاً لا تساويها كنوز الذهبِ اقفزي من قمة الطود لأعلى الشهب اقفزي فالمجد بسام السنا عن كثب استفاد لطفي جعفر أمان من كل المدارس الشعرية وآثارها وساعدته هذه الاستفادة أصالة وحس متوفر، فلمدرسة «أبولو» أثر، ولمدرسة «الديوان والمهجر والرمزية والواقعية» فيه أثر.. أجاد الهضم، فأضاف جديداً ولشدة هضمه ابتلع المحاسن والعيوب، فتجده شاعراً عمودياً يوقع على موسيقا الخليل توقيعاً منسجماً ففي قصيدة «أمي أنا» يندم ويتحسر كل من فقد أمه عندما يقرأ قصيدة لطفي القائلة: هذي التي انحدرت من الشرق القديم كانت تظل على طفولتي خاطر الظل الرؤوم وأمومة القلب الرحيم وتلم من حولي الرفاق تلقي حكايتها علينا من خيالات رقاق هذا الشعر من معطيات الأرض الخالدة تدفق من خاطر لطفي جعفر أمان كتدفق النهر كفن عمودي متطور والتدفق لا يعدم الحفر والحصى والغثاء، وفي قصيدته«الشرق الجدي» نلحظها في كل مكان يُنادي فيها الإبن بقوله: خمسة أعوام لإبني جهاد خمس شموع في دمي في اتقاد تيجانها الحمراء لا تنطفي منابع النور لديها ارتياد فقد أخذ في هذه القصيدة البحر السريع الذي تعتبر قوافيه مرفأ الأنفاس اللاهثة. واختتم لطفي هذا المقطع ختاماً سيمفونياً يجمع كل أغراض المعزوفة فقال: فتيلها يخفق في أضلعي سيقانها مغروسة في الفؤاد ووصف النقاد أن قصائد لطفي تحمل السعادة كالفيلسوف الصيني«لين يوثاج» والسعادة عند هذا الفيلسوف الصيني «نظرية» أما عند لطفي فهي «شعر» وجمالها في تخيل الشاعر وعند ضفة المستحيل نودع «لطفي» بقصيدة «اليوم الموعود» التي تُنسب إلى المدرسة الواقعية: أخي كبّر الفجر في أرضنا وأجلى الزمان لنا يومنا أخي بشّر الفجر لما التقينا وقد وحّد الحق ما بيننا على الدرب تزحف منا الجموع تدقُ وتلهبُ إصرارنا تشدُ أيادينا عزمةٌ تكاد لها الشمس أن تدعنا أخي كبرياء النهار العتيد تميلُ اختيالاً بأفواجنا على هامة النجم صكّ الكفاح فخاراً وسام انتصاراتنا * توفي لطفي جعفر أمان في عام 1972م.