التنمية الإنسانية مفهوم يجمع بين البعدين النظري والتطبيقي، وبين الجانبين المادي والروحي للإنسان، وتعود جذوره وتطبيقاته الفكرية والميدانية إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة واجتهادات وإبداعات المسلمين، والتي شملت مختلف جوانب الإنسان الظاهرة والباطنة، وانعكست إيجاباً على إبداعات الحضارة الإسلامية. وفي دراسة حديثة هي الأولى من نوعها على المستوى المحلي والإقليمي للتعرف على واقع التنمية الإنسانية في مؤسسات التدريب المستهدفة في كل من صنعاء وعدن وتعز بالجمهورية اليمنية، أظهرت النتائج أن لدى هذه المؤسسات صعوبات عدة تحول دون تطبيقها للتنمية الإنسانية بفلسفتها وأهدافها ومجالاتها الشاملة في إطار الفكر التربوي الإسلامي، والذي يمثل أساساً مرجعياً للفرد والمجتمع حسب مقتضيات وتطورات العصر، وهو ما استدعى تقديم رؤية مقترحة لتطبيق التنمية الإنسانية في تلك المؤسسات، بحيث تشكل خطوطاً عريضة للتطوير الحالي والمستقبلي لها، وفق مرجعية علمية؛ ومنهجية عمل واضحة، تبدأ أولاً بالتركيز على فلسفة عملها؛ والتي تمثل الرؤية الفكرية والتطويرية لها، وتستند إليها أهدافها ومجالات نشاطها التطبيقي، وينبغي أن تقوم على عقيدة الأمة وتراثها الإسلامي؛ وثقافة المجتمع وقيمه، ودستوره الوطني، لتنمية جميع جوانب الإنسان الروحية والعقلية والخلقية والجسمية، باعتباره عماد المجتمع والدولة. وبما يتفق مع متطلبات العصر وتطوراته؛ ويحقق له الحرية والعدالة والمساواة، ويلبي حاجاته المختلفة في تناسق وتناغم؛ وبما يحفظ دينه ونفسه ونسله وماله وعقله، وفق منهج الله تعالى في الاستخلاف وعمارة الأرض، وبذلك فإن فلسفة العمل تمثل الإطار الذي يبرز الفكر والممارسة، وتعرف برؤية ورسالة وقيم المؤسسة التدريبية، ويتحدد في ضوئها أهداف ومجالات تخصصها. وبينت الدراسة أن كل مؤسسات التدريب تعمل في إطار التنمية البشرية، وهي لا تدرك أن هذا العنوان أقل نظرة للإنسان من التنمية الإنسانية “مفهوماً وممارسة”، فهو ينظر للإنسان من جانب مادي بحت دون النظر لمكوناته الشاملة للجوانب الروحية والمادية؛ وهذا بدوره انعكس سلباً على نشاط هذه المؤسسات ، فهي لا تقوم بكل متطلبات التنمية الإنسانية إما لغياب فلسفة واضحة لديها أو لقلة إمكاناتها الإنسانية، أو لقلة إمكاناتها المادية، مع الإشارة إلى أن مجالات التنمية الإنسانية عديدة، وتشمل الجوانب: الروحية والأخلاقية والفكرية، والمهارية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسة، والتشريعية، والتقنية، والبيئية، والوطنية ونظراً لهذا التنوع والتعدد في مجالات التنمية الإنسانية. ولتحقيق التنمية بصورتها المتكاملة والمتوازنة، وتخطيط مسار مؤسسات التدريب في الجمهورية اليمنية، يقدم الباحث رؤيته المقترحة لتجاوز سلبيات الواقع، إلى مسئولي هذه المؤسسات وصناع القرار لتطوير بيئة التنمية الإنسانية في الجمهورية اليمنية، ومنها التأكيد على أهمية تفعيل التعاون الثنائي بين مؤسسات التدريب، لتقديم نشاطات متميزة، والابتعاد عن الطابع التقليدي الذي تتكرر فيه الأعمال وتتداخل ويصعب فيه التطوير أو القيام بكل متطلبات التنمية الإنسانية. مع ضرورة إعادة النظر في تعدد الجهات الرسمية المشرفة على مؤسسات التدريب، والاكتفاء بجهة واحدة فقط؛ تكون هي المسئولة عن متابعة سير عملها؛ وتطويرها، ويمكن أن تكون وزارة الشئون الاجتماعية والعمل وذلك على اعتبار أن هذه المؤسسات تشكل حلقة اتصال من ناحية بين الجامعات التي تشرف عليها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؛ والمعاهد التقنية والفنية والتي تشرف عليه وزارة التعليم الفني والتدريب المهني، والمدارس التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، ومن ناحية أخرى بين مؤسسات سوق العمل ؛ حيث تعمل مؤسسات التدريب على إعداد وتأهيل وتنمية معارف ومهارات واتجاهات الفرد قبل التحاقه بالعمل أو انتقاله من مستوى وظيفي إلى مستوى آخر. كما تحتاج مؤسسات التدريب لإعادة بناء جهازها الإداري والتدريبي بحيث يكون قادراً على تحديد فلسفة عملها؛ وأهدافها؛ ومجالات عملها؛ ووضع الخطط التنفيذية المناسبة لاحتياجات الفرد والمجتمع، والتواصل مع المؤسسات المماثلة الخاصة والرسمية، وتنويع وتطوير برامجها التنموية لتكون متوافقة مع متطلبات التنمية الإنسانية واحتياجات سوق العمل، واستثمار طاقات الشباب في أعمال إبداعية وتكوين اتحاد أو تنظيم يجمع كل مؤسسات التدريب؛ بصورة تعاونية وتكاملية ، وتحت إشراف ومتابعة وزارة الشئون الاجتماعية والعمل ، بحيث تقوم نشاطاتها وخدماتها بشكل دوري؛ ووفق دليل عمل إجرائي، وخطة سنوية تهدف لتحديد مواطن القوة؛ ومواطن الضعف فيها، وتقديم مقترحات للتطوير، وإصدار دليل سنوي للتنمية الإنسانية في الجمهورية اليمنية يتضمن عرض شامل لجميع مؤسسات التدريب من حيث نشاطها وفعالياتها وبرامجها وإسهاماتها المختلفة على مستوى الريف والحضر، وعلاقاتها بمؤسسات سوق العمل، ووفقاً لمعايير قياس وتقويم واضحة ومحددة، ومستمدة من الفكر التنموي الإسلامي، مع عرض للأنظمة والقوانين والمعلومات والدراسات الجديدة في مجال التنمية الإنسانية، والحرص على تبادل الخبرات والمعلومات بين مؤسسات التدريب، ومؤسسات المجتمع الرسمية والخاصة؛ وذلك لسد فجوة الاحتياج التنموي بين الواقع والمأمول. * دكتوراه الفلسفة في التدريب والتنمية الإنسانية