«الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة» مقولة صدق فيها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وإن اختلف الزمن و اختلف مفهوم الغربة، و لكن تبقى الغربة والبحث عن مستقبل أفضل أو حياة آمنة هي الرابط بين كل الأزمنة.. استفحل الفساد وقوت شوكته وكان من نتائجه الفقر و المرض و تدمير البنية التعليمية و الاقتصادية لليمن، اضطر معها أصحاب الشهادات والخبرات للهجرة والبحث عن أوضاع أفضل، ولكل مغترب حكاية وغاية يسعى لتحقيقها في الغربة، فمنهم من يحلم بتحسين مستواه المعيشي والاقتصادي ليكون أسرة, ومنهم من يسعى لأن يوفر حياة كريمة لأطفاله ويضمن لهم مستقبلاً أفضل, ومنهم من يسعى لطلب العلم, ولا يهم ما سيواجه في غربته وما هو المصير المجهول الذي ينتظره.. إحصائيات لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المغتربين والمهاجرين اليمنيين خارج اليمن، وكل ما يتوفر تقديرات تختلف من مصدر إلى آخر، ولكن يرجح أن يكونوا قرابة ال 6 ملايين. و رغم هذا العدد الضخم سنجد أوضاع اليمنيين في الخارج أوضاع صعبة يعيشها الغالبية العظمى من المغتربين وسط تجاهل من القنصليات و السفارات اليمنية في الخارج إلا ما رحم ربي. فقر وبطالة الغربة تحمل بين طياتها الكثير من المشاكل و الصعوبات التي تواجه اليمني في الخارج في ظل قوانين جائرة واستغلال من أصحاب العمل (الكفيل) فكثير من اليمنين يعملون في دول الخليج تحت بطش قوانين الكفالة, و كثيراً ما سمعنا عن تعديلات في هذه القوانين ولكن لم نر إلى الآن أي تغيير يذكر ويبقى الوضع كما هو عليه. وكم هناك مآسٍ و مهازل تحدث في سجون الإبعاد في الدول العربية دون مراعاة لأي مبادئ أو حقوق، و دون أدنى اهتمام من السفارات و المسؤولين اليمنيين!! . ورغم أننا نسمع كل يوم عن أن الحكومة تعتزم بناء مشاريع كبيرة وعن مستثمرين يقومون بمشاريع تهدف إلى انعاش الاقتصاد وتوفير فرص عمل تساعد على حل مشاكل البطالة بين الشباب، إلا أن الوضع يزداد سوءاً عاماً بعد آخر، فلا الاقتصاد ينهض ولا البطالة، انتهت . الثروة الحقيقية نسمع منذ سنوات أن المواطن هو الثروة الحقيقية وتحسين ظروفه المعيشية بالنسبة للحكومة الهاجس الأول ولكن على أرض والواقع لا شيء مما يقال، ويبدو ذلك جليا من خلال شكاوى الناس وتذمرهم، وعدم قدرتهم على شراء حتى المواد الأساسية، وركود السوق، ونحن نعلم أن الحكومة إذا أرادت أن تحسن المستوى المعيشي فهي تستطيع بدليل ما نراه من مشروعات ضخمة تقام في البلد وتكلف الدولة أضعاف ما ستضعه لتحسين المستوى المعيشي للناس. حينما يأتي الدور على المواطن وهو أساس هذه الثروة لا نسمع عن خطط لمكافحة الفقر أو البطالة أو نحوها، وان سمعناها وهذا نادر تكون عبارة عن محاضرات وشعارات رنانة، وأقوال لا ترقى إلى أن تصبح أفعالاً. الغربة والحلم المسلوب تبدأ رحله المعاناة مع المغترب اليمني مبكراً من أرض الوطن، عندما يلجأ الشاب إلى شراء الفيزا بمبالغ كبيره، بعد أن يبيع كل ما يملك، ولا يسأل كثيراً عن التفاصيل لأن ذلك غير مخولا له، وقليل من يسأل عن الكفيل لأن الكثير همهم هو الخروج والبحث عن مصدر دخل ولا يفكر بالعواقب إلا عندما يصطدم بالواقع المرير هناك. أكثر من حكاية تكشف أكثر من مأساة، بل إن حكايات المغترب اليمني مع كفيله تتجاوز حدود الممكن من الابتزاز. لا أكرر تلك المعاناة فالكل لديه قريب أو صديق فلا تخفى على أحد، وهناك شباب فقدوا عقولهم وحياتهم خلف العناوين المأساوية، ومنهم من أصيب بحالة نفسية ومنهم من انتحر ومنهم من باع كل ما يملك وعاد إلى أرض الوطن بعد سنوات من الاغتراب، وعند سؤاله ماذا كسبت من الغربة ؟؟ يقول “كنت أشقى على الكفيل”!!. هكذا بدأ الحال مع «فهمي مقبل» بعد سنوات من الاغتراب امتدت لأكثر من أحد عشر عاماً وجد نفسه فجأة على قائمة الترحيل بعد أن استولى كفيله على حقوقه البالغة 190ألف ريال سعودي وقيامه بإلصاق تهم وهمية عليه بغرض التخلص منه وترحيله إلى اليمن الذي عاد إليها فارغ الوفاض. يقول فهمي: كان كفيلي دائماً ما يعترض على إعطائي راتبي كاملاً ويعطيني جزءاً يسيراً منه ويقنعني انه يقوم بتشغيله لي، ومع عدم ترحيبي بالفكرة إلا أنه كان يهددني بطريقة غير مباشرة بإلغاء كفالتي في حال إصراري على أخذ مستحقاتي لديه، ومن عام إلى عام ضل الوضع هكذا حتى طالبت بأموالي كاملة بحجة أنني أريد العودة إلى اليمن والزواج, عندها ألصق بي تهمة السرقة وبلغ عني وتم ترحيلي وعندما طالبته بأموالي التي عنده انكر أن لي عنده ريالاً واحداً!!. حلم يراود كثيرين سألني في ذات يوم أحد أصدقائي من عرب أفريقيا والذي تعرفت عليه عبر “الشبكة العنكبوتية” من أين أنا؟ قلت له أنا من أرض العرب العاربة, أنا من البلد التي تعتبر أصل العرب, فقال لي صديقي أكيد تقصد اليمن. هكذا بدأ عبدالرحمن علي حديثه أن أغلب عرب أفريقيا يظنون أن اليمن دولة منتجة للنفط وللوهلة الأولى يعتقدون أن الشعب ثري، ولكن للأسف يصطدمون بأننا نعاني من تفشي ظاهرة البطالة بين اغلب الشباب وحملة الشهادات العليا، ناهيك عن الفساد المالي والإداري المتفشي، وضعف الأجهزة الرقابية، وعدم استقلالية وحيادية القضاء. يقول عبدالرحمن ذو ال 29 ربيعاً: كان حلمي الهجرة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لكي أكون ثروة تمكني من العودة مرة أخرى إلى أرض الوطن واستثمار ما جمعته في خدمة وطني وناسي، كنت اعتقد أن إجراءات الهجرة لن تستغرق طويلا لأن أمي مقيمة في ولاية نيوجرسي ومعها الجنسية الأمريكية، ولكن لعدة أسباب منها تعقيدات الطلبات والإجراءات من فحوصات لي ولأمي وضياع الملف في السفارة ومن ثم العثور عليه وسوء تقيم الطلب المقدم والروتين، كل هذه الأسباب مجتمعه أدت إلى تأخر الموافقة على طلبي، ولكن أخيراً تم منحي الموافقة بداية هذا العام وأنا الآن مسافر بعد يومين”. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل سيحقق عبد الرحمن ما طمح إليه بعد الوصول إلى الأراضي الأمريكية.. وهل ستفتح له ذراعيها لتحقيق حلمه؟!. أشواق عاصفة يتطلع الكثير من الشباب اليمني للحصول على فرصة مناسبة للهجرة إلى الخارج، من أجل تحسين مستوى الدخل اليومي، والهروب من الأوضاع الأمنية، والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. يرى الشاب رجائي فيصل أنّ أغلب الشباب اليمني يحلم بالهجرة، من أجل تحسين مستواه المعيشي، والحصول على فرصة للعيش الكريم، وقال إنّ الدول الأوروبية تعد من الأماكن المفضلة للهجرة في أوساط الشباب اليمني، حيث يحصل المهاجر على كامل حقوقه، ويصل الأمر إلى حصوله على الجنسية وفق قوانين ميسرة. وبعكس عبدالرحمن التي كانت الهجرة حلمه.. يقول رجائي: “لم تكن الهجرة إحدى طموحاتي ولكن بعد أن أكملت من دراسة دبلوم الحاسب الآلي دبلوم برمجه وبدأت رحلة البحث عن عمل وفوجئت بالأوضاع وشحة الوظائف التي إذا وجدت يجب أن تقترن بتوفر فيتامين “و” - يقصد بها الواسطة - فقررت أن أكمل دراستي الجامعية وأدرس شيئاً آخر افضل من أن أكون عاطلاً عن العمل أو أن أقبل بعمل لا يلبي طموحاتي، لذلك واصلت دراستي الجامعية تخصص تربية إنجليزي وتخرجت في العام 2011م. بعدها بدأت الأوضاع في اليمن تتدهور ومن سيئ إلى أسوأ ولم أجد فرصة عمل تلبي طموحي الذي أسعى إليه، وبالمقابل وجدت فرصة الهجرة إلى الدنمارك تمسكت بها رغم صعوبة المعاملات التي أخذت مني أكثر من سنتين، وعلى الرغم من أنني توفقت في عمل وأدرس أيضاً اللغة الدنماركية وبمردود مالي جيد جداً، وعلى الرغم من أن المستقبل ابتسم لي إلا أن في القلب غصة من اشتياقي لبلدي ومدينتي الحبيبة عدن وأهلي وأصدقائي, وقبل هذا كله أمي الحبيبة..