- الى زمن غير بعيد كان بإمكان الطفل أو الشاب ممارسة كرة القدم بسهولة ويسر، ولأجل ذلك ما عليه إلا الذهاب إلى أقرب مساحة مع زملائه للعب، المساحات كانت كثيرة والمناشط أكثر، وحتى الأدوات من كرات وأحذية كانت في متناول فئات غالبة من المجتمع،أما من كانت تستهويه المشاهدة فإن الأمر بسيط وغير معقد مثل الآن، القنوات كلها مفتوحة تأتيك بالمتعة إلى حيث أنت وما عليك إلا أن تنقل ناظريك بين الملاعب بكبسة زر، ولهذا فقد كانت كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى. - نعم كانت اللعبة الشعبية الأولى، ليس على صعيد الممارسة أو المشاهدة المتلفزة بل على مستوى الحضور المباشر في الملاعب، كان بإمكان المتابع – لاسيما اليمني – الذهاب إلى أقرب ملعب وهو غالباً الملعب الوحيد في قلب المدينة مثل الحبيشي في عدن، والظرافي في صنعاء، والكبسي في اب، والشهداء في تعز، وبارادم في المكلا، والشهداء في أبين، ومن دون حاجة إلى وسيلة مواصلات ومقابل انتقال إن وجد فهو قليل يتناسب مع الدخل، وكان الواحد يغادر بيته إلى الملعب وهو موعود بالمتعة في أجواء من البهجة الجماهيرية والشعبية. - أما اليوم فإن الحال قد تغير، فلم يعد بالإمكان ممارسة اللعبة بسهولة كما كان الأمر من سابق بعد أن شغلت الساحات بالمباني الخرسانية، وصودرت الملاعب، وتحولت ساحات المدارس إلى صفوف دراسية، وأصبح مفروضاً على كل من يريد اللعب أن يدفع إيجار لملاعب استثمارية أو صالات رياضية تستثمر بمقابل حتى يلعب في وقت محدد ولزمن محدود، أما أسعار المعدات الرياضية فحدث ولا حرج، الجيد منها غالي وصعب المنال، والرخيص يتقطع قبل صافرة البداية. - ولهذا فقد تخلفت كرة القدم في بلادنا بغياب المواهب، وضعف الاقبال الجماهيري الناتج عن تباعد الملاعب وضعف المستوى، وكمل كل ذلك عدم اهتمام الإعلام الرسمي بالرياضة عامة وكرة القدم على وجه الخصوص وهذا ساهم في تراجع الاقبال الجماهيري، لأن الناس الآن أصبحت تهتم بالعالمي على حساب المحلي وهذا خلق نوع من القطيعة بين اللاعب المحلي ومشاهده. هذا على المستوى اليمني، أما على المستوى العالمي فإن التطور المذهل لكرة القدم لم يتم إلا لأنها أصبحت لعبة رأسمالية، تمتص عرق الفقراء بالمشاهدة التلفزيونية أو بصنع النجوم لإبهارهم بالإعلان، اما المشاهدة ميدانياً أو من خلف زجاج التلفزيون فإنها لم تعد متاحة إلا للأغنياء والقادرين فقط. - لعبة كرة القدم، لم تعد مجرد ممارسة رياضية للترويح عن النفس، فقد أصبحت اقتصاد بحد ذاته يجني منه الأغنياء المزيد من الأرباح، حتى وإن كان على حساب الفقراء كما يحدث اليوم في البرازيل التي تعيش أياماً مونديالية شديدة التناقض بين فقر مدقع وغناء فاحش تجسد في أبشع مظاهره من خلال صورة نقلتها إحدى الوكالات العالمية لفتاة برازيلية وهي تأكل من برميل القمامة على مدخل أحد الملاعب التي لا يقدر على دخولها إلا اغنياء العالم.