تستحق الكتابة أن نفنى بها ولها لأنها مخلصة أكثر من صديق .. تلتصق بقلبك فلا تضيق ذرعاً بألمه .. تحمله عنك وتمضي ..إنها تتطهر بنا كما نتطهر بها .. لكن كل هذا الفناء لا نطيقه نحن ..قارئ يقول لي ذلك ..فأقول إذن لن أكتب هذا المساء لأنني لا أكتب إلا كي أفنى وأفني .. إنني أفنى في هذه الحروف الفاتنة.. وأفني مواجيدي ولحظات عمري التي لا تعود.. أكتبك وتكتبني ..تفهم نفسك بي وأفهم نفسي بك أفاجئك وتفاجئني..هذه روعة الكتابة ..وهذا جمال القراءة إننا لسنا منفردين ..بل نحن جزء من عوالم تتكلم .. لقد كتبني أناس كثيرون من قبل وكنت أسأل كيف عرفوني ومن أين اطلعوا على أسراري..حتى ظننت أنني مخترقة .. غير أني اكتشفت السر وأنا أغيب ذات مساء فأكتبكم ..وأفهمكم وأغيب في مكنونات أنفسكم ..أفنى بكم وتفنون بي فلا نعد ندرك من منا كتب الآخر .. وفيما نغادر الوجود إلى العدم.. نتوحد في الكائنات التي حولنا فنغدو النهر والشجر..الظلال والأحجار ..السماء والوديان .. لذا نعشق الأشياء من حولنا ..لأننا كناها ذات يوم ..نفهم أحزانها كما تعي آلامنا.. فقد كانتنا ذات حياة .. أيها الواقفون بيننا وبيننا .. اجلبوا الفرحة لا تجلبوا الحزن.. ستتوحدون بنا ذات عدم ..وتندمون على الحطام الذي خلفتموه في قلوبنا ..ورثتموه لقلوبكم وغابت أمنياتكم الكبيرة في الدخان المتصاعد من حرائقنا ..حرائقكم .