أكد علي البخيتي، القيادي السابق لدى أنصار الله بأن البلد يمر بمرحلة صعبة وحساسة قد تعصف به إلى المجهول، لذلك يحب أن تقدّم جميع الأطراف السياسة تنازلات مهمة وحقيقية من أجل الشعب اليمني. وأضاف في حواره مع «الجمهورية» بأنه مطلوب من الرئيس هادي شخصياً أن يقدم تنازلات مهمة، لأن الواقع السياسي تغيّر، خاصة أن أنصار الله أثبتوا أنهم رقم سياسي صعب، ويسيطرون حالياً على مناطق مهمة بما فيها العاصمة صنعاء، كما أن تجاهلهم منذ مؤتمر الحوار الوطني حتى الآن هو الخطأ الأبرز، لأن تجاهلاً لمكون رئيسي بهذا الحجم أدى إلى هذا الوضع الحالي. وقال أيضاً: على أنصار الله أن يتراجعوا عن إعلانهم الدستوري إذا وجدوا هناك نية حقيقية من الرئيس هادي ومن بقية الأطراف السياسية لإنتاج معادلة جديدة يكون أنصار الله جزءاً رئيسياً منها لإنجاز اتفاق جديد يمزج بين الشرعيتين الدستورية والثورية. البخيتي تحدث عن عديد قضايا وعن علاقته بأنصار الله وكذلك توقيع اتفاقية مع الطيران الإيراني وغيرها من القضايا خلال الأسطر القادمة.. فإلى الحوار .. بداية أستاذ علي.. ما هي قراءتك للمشهد العام في اليمن؟ أولاً ..أشكر صحيفة الجمهورية على إتاحة هذه الفرصة لي، وبالنسبة للسؤال هناك انقسام على مستوى البلد، هناك السلطة الرسمية التي يقودها الرئيس هادي من مدينة عدن وتعتمد على الشرعية التوافقية والمبادرة الخليجية، وسلطة أمر واقع يقودها أنصار الله من العاصمة صنعاء تعتمد على الشرعية الثورية، تسيطر السلطة التي في صنعاء على حوالي خمس محافظات.. وبالتالي تمارس صلاحياتها على حوالي 25 % من البلد، بينما السلطة في عدن تعترف بها باقي محافظات الجمهورية وتمارس صلاحياتها على حوالي 75 % من البلد، لهذا نحن أمام إشكالية حقيقية، وأعتقد أن المشهد العام مرشح لمزيد من المشاكل، بسبب أن دول الخليج نقلت عمل سفاراتها إلى مدينة عدن ويمكن هناك سفارات أخرى ستعمل كذلك، مما يعني أن عدن ستكون عاصمة إلى جانب العاصمة الموجودة، وستعمل هذه الدول بدعم إقليمي ودولي على محاصرة المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله إذا لم يكن هناك حوار جدي وتقديم تنازلات من مختلف الأطراف الموجودة، لهذا أتمنى من أنصار الله ألا يتمسكوا بالإعلان الدستوري، فهو خيار أحادي لطرف سياسي وليس قرآناً منزلاً، ولا شرعية الرئيس هادي حديث متواتر، فهي شرعية غير مكتملة، لأنها ناتجة عن توافق بين طرفين سياسيين هما المشترك والمؤتمر، وبالتالي فأنصار الله ينظرون إلى شرعية هادي على أنها ستستمر في إقصائهم، كما كان المشهد عليه قبل 21 سبتمبر 2014م، يجب أن تتوصل جميع الأطراف إلى معادلة جديدة بدلاً عن الشرعية التوافقية والشرعية الثورية لإنتاج معادلة جديدة تكون شرعية وطنية في المقام الأول ناتجة عن توافق أوسع. لو تحدثنا عن سبب وصول الوضع إلى هذه المرحلة المعقدة خاصة بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة؟ السبب في البداية هو تعنّت السلطة التي يقودها الرئيس هادي وبعض الأحزاب السياسية وعلى رأسها الإخوان المسلمون، حيث رفضوا إشراك أنصار الله في أي مستوى من مستويات مؤسسات الدولة، رفضوا دمجهم في هذه المؤسسات، رفضوا تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار منذ حوالي عام، هذا الأمر دفع أنصار الله إلى فرض خياراتهم ووجودهم بالقوة، وقد قلت سابقاً إنه إذا تم منع أنصار الله من الدخول من باب المؤسسات الرسمية فإنهم سيدخلونها من النافذة، والدخول من النافذة له تكاليف، هذا بالنسبة للمرحلة السابقة، لكن بعد أن سيطر أنصار الله على العاصمة صنعاء هم من يتحمل المسؤولية الأكبر، فمن يمسك بالسلطة – حتى وإن كانت سلطة أمر واقع- يتحمل المسؤولية أكثر من غيره، حالياً لم يعد مجدياً البحث عن السبب وإنما علينا أن ننسى المرحلة الماضية وننطلق من الإشكالات التي حدثت في السابق وأن نضع حلاً جذرياً لكل هذه الإشكالات من خلال تنفيذ وثيقة مخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها وكذلك اتفاقية السلم والشراكة، وبالتالي لا نحتاج إلى المزيد من الحوارات فقط عمل برنامج عملي مزمّن لتطبيق الوثيقة والاتفاق، لأنه لا فائدة من توقيع اتفاقات جديدة. لاحظنا جميعاً أن الرئيس هادي في البيان الذي أذيع من الجزيرة بعد وصوله عدن أكد على المبادرة الخليجية وتنفيذ مخرجات الحوار ولم يذكر اتفاق السلم والشراكة نهائيا..ً هل هو هروب من هذا الاتفاق أم تكتيك تفاوضي أم ماذا؟ أعتقد أن هذا خطأ كبير من قبل الرئيس هادي، وأعتقد أن عدم اعترافه باتفاقية السلم والشراكة يبرر لأنصار الله عدم اعترافهم ببقية الاتفاقات، لأنه إذا كان الرئيس هادي قد انقلب على اتفاق السلم والشراكة وهو اتفاق دولي وبرعاية أممية وتم التأكيد عليه في قرارات مجلس الأمن لأكثر من مرة فهذا يتيح لأنصار الله أن ينقلبوا على بقية الاتفاقات، فإذا كانت السلطة الرسمية انقلبت على هذا الاتفاق فمن حق أي مجموعة مسلحة أن تنقلب على بقية الاتفاقات، وبالتالي حتى لو كانت مناورة سياسية من الرئيس هادي فهي مناورة خاطئة، لأن مثل هذه المناورات قد تصدر من أي حزب سياسي وليس من رئيس الدولة. ما هو المطلوب تحديداً أن يعمله الرئيس هادي وأيضاً أنصار الله لتجاوز هذه المرحلة؟ المطلوب هو التنازلات من الجميع، أن لا يظل الرئيس هادي متمسكاً بشرعيته الرسمية، وبالتالي يفرض كل خياراته على أنصار الله، لأن الواقع السياسي تغير، خاصة أن أنصار الله اثبتوا أنهم رقم سياسي صعب ويسيطرون حالياً على مناطق مهمة بما فيها العاصمة صنعاء، وتجاهلهم منذ مؤتمر الحوار حتى الآن هو الخطأ الأبرز الذي ارتكبه الرئيس هادي، لأن تجاهل مكون رئيسي بهذا الحجم أدى إلى هذا الوضع، وبالتالي انهيار العملية السياسية، كذلك أنصار الله عليهم أن يتراجعوا عن إعلانهم الدستوري إذا وجدوا نية حقيقية من الرئيس هادي ومن بقية الأطراف السياسية لبناء دولة شراكة يكون أنصار الله جزءاً رئيسياً منها.. والمشهد اليوم قريب مما حدث في 2011م، حيث تمسك علي عبدالله صالح بالشرعية الدستورية وتمسك المشترك والقوى الأخرى بالشرعية الثورية.. وبالتالي توصلوا إلى اتفاق مزج بين الشرعيتين، وحالياً هذا هو المطلوب اتفاق جديد يمزج بين الشرعيتين، الدستورية التوافقية من ناحية، وبين الشرعية الثورية -أياً كان خلافنا حولها- من ناحية أخرى. يرى الكثير أن المعادلة ترجّح كفة أنصار الله خاصة أن الجيش أصبح بأيديهم أكثر من المؤسسة الرئاسية، وأنهم سيضغطون على الرئيس هادي من خلال هذا الأمر؟ لا شك أن ميزان القوة على الأرض هو لصالح أنصار الله ليس فقط على مستوى الجيش، بل أيضاً عبر لجانهم الأمنية الخاصة، لهذا أنا قلت كثيراً لا فائدة من استمرار المفاوضات داخل العاصمة صنعاء تحت فوهات البنادق، لأن أي اتفاق تحت هذا التواجد الأمني لأنصار الله سيطعن بشرعيته لاحقاً، وبالتالي أنا شخصياً مع نقل الحوار ليس إلى مدينة عدن، لأنها مدينة مسيطر عليها كذلك من اللجان الأمنية التابعة للرئيس هادي، بل مع نقله إلى مدينة تعز، خاصة أنها المدينة التي لا زالت تحظى فيها مؤسسات الدولة باحترام كبير ولا توجد فيها لجان شعبية لأي طرف، وأعتقد أن حكمة المحافظ شوقي هائل لعبت دوراً كبيراً في هذا الجانب، لأنه لم ينحاز إلى أي طرف من الأطراف وعمل جاهد من خلال المؤسسات الرسمية على توفير الأمن للجميع، وبالتالي أعتقد أن مدينة تعز هي المكان المناسب لاستضافة الحوار الذي يرعاه حالياً المبعوث الأممي جمال بنعمر. على ماذا يراهن أنصار الله؟ أنصار الله يراهنون على تمكنهم من تمرير خيارهم الثوري، وأنا قد تحدثت سابقاً بأنه فعلاً حصلت ثورة في 21سبتمر 2014م، فقد كنا فعلاً أمام ثورة شعبية وخرج الناس بالملايين في أغلب المحافظاتالشمالية، لكني أقول: إن هذه الثورة فاعليتها الرئيسية في منطقة محددة وليس في مختلف المحافظات كما هو الحال في المحافظات الجنوبية، أو حتى بعض المحافظاتالشمالية كمحافظة مأرب، كما أن فاعليتها بسيطة في محافظة تعز، وبالتالي لا يمكن لأي ثورة قامت بشكل رئيسي في منطقة محددة أن تعمم خياراتها على مختلف المحافظات، خاصة أن الطرف الذي قام بها ينطلق من أيديولوجية دينية، فالأطراف السياسية الأخرى لا تنظر إلى أنصار الله كتيار سياسي وطني يحمل فكراً إنسانياً يسارياً أو قومياً، وإنما تنظر إليه كتيار جاء من منطقة معينة وينتمي معظم أنصاره إلى مذهب معين، بغض النظر عن نظرة أنصار الله لأنفسهم، لكن عليهم أن يعرفوا كيف ينظر إليهم الآخرون، وبالتالي لن تقبل بقية المناطق في اليمن الاعتراف بنتائج هذه الثورة حتى لو كانت نتائجها وشعاراتها رائعة وقادتها جيدين ويريدون فعلاً صالح البلد، لأنهم ينظرون من منظور آخر لهذه الثورة ، مثلاً أبناء الجنوب ينظرون أن هذه سلطة دينية جاءت من الشمال لتخلف السلطة القبلية التي تحكمت في البلد منذ حرب صيف 94م، أيضاً بقية المحافظات والمناطق لديها حساسيات كثيرة، مناطقية ومذهبية، لهذا أتمنى أن يراعي أنصار الله هذه الحساسيات. هل تتوقع من الرئيس هادي أن يتراجع قليلاً إلى الخلف؟ الرئيس هادي بصراحة لديه فرصة تاريخية أهم بكثير من الفرصة التي حصل عليها بعد المبادرة الخليجية، كانت الكثير من الدول الإقليمية تراهن على بعض مراكز القوى في اليمن للحفاظ على تواجدها ومصالحها، البعض راهن على حميد الأحمر وآخرون علي محسن الأحمر وغيرهم على الإخوان المسلمين والبعض على الرئيس السابق علي عبدالله صالح، اليوم تقريباً لم تعد معظم هذه القوى لديها فاعلية كما كان في السابق، ولم يبق في مسرح القوة في اليمن سوى أنصار الله والرئيس هادي بشكل أساسي – على الأقل في الظاهر- ولا أتحدث هنا عن مسرح السياسة، بل عن إمكانية استخدام القوة، هذه الدول تراهن حالياً على الرئيس هادي، وبالتالي ستعمل على دعمه ودعم مركزه في عدن وتقويته، وعلى الرئيس هادي أن يستغل هذا الدعم الدولي ويجيّره لمصلحة اليمن بشكل عام، فهذه هي الفرصة الأخيرة له، وهو أمام خيارين، إما أن يفتح صفحة جديدة مع أنصار الله ويدفع باتجاه حوار سياسي جاد هو وبقية الأحزاب في مدينة تعز، مثلاً للوصول إلى شراكة وطنية حقيقية تمنع انزلاق البلد نحو الهاوية، وإما أن يكون الرئيس هادي أداة بيد القوى الدولية التي قد تدفعه لمواجهة أنصار الله عسكرياً، وأنصح الرئيس هادي بأن أي مواجهة عسكرية مع أنصار الله لن تجدي وقد يخسرها، لأن من يعتمد على الخارج بشكل كامل في مواجهة الداخل سيكون مصيره الهزيمة، ولا شك عندي في ذلك، وأعتقد أن تجربة علي محسن الأحمر والإخوان المسلمين شاهدة على ذلك، فكلما قدم الرئيس هادي نفسه كرئيس لكل اليمنيين استطاع مواجهة أنصار الله أو غيرهم، لكن لو قدم نفسه خصماً لهم ومنفذاً لسياسات قوى خارجية أعتقد أنه سيتعرض لمشكلات كبيرة أكبر مما تعرض له عندما كان في صنعاء، فالمسرح في الجنوب ملغم بمشكلات أكبر وأعمق، وهناك أطراف سياسية جنوبية قوية تستشعر بالخطر على مصالحها من وجود الرئيس هادي وقد يستغلها أنصار الله والرئيس السابق صالح وينسجون تحالفات معها لإسقاط الرئيس في الجنوب وتقاسم السلطة مع أنصار الله وصالح. أيضاً الأحزاب السياسية خاصة اللقاء المشترك هل تراهن على موقف وثبات الرئيس هادي في مواجهة أنصار الله؟ اللقاء المشترك وغيره من الأحزاب غير المتحالفة مع أنصار الله يراهنون على الخارج، والرهان على الخارج بشكل كامل يؤدي إلى الفشل، وكما نلاحظ أن الأشخاص الذين راهنوا على الخارج ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح اليوم هم في الخارج وهو في الداخل، لأن علي عبدالله صالح راهن على أنصاره وقواعده في المؤتمر الشعبي العام، وكان يفترض أن يقدم المشترك نموذجاً مشرفاً عندما وصل للسلطة في 2011م، على مستوى الكفاءة والنزاهة في وزرائه، لكن للأسف مارس وزراء اللقاء المشترك الفساد أكثر من الفساد الذي كان يمارسه وزراء المؤتمر الشعبي العام، وأرسلوا رسالة سيئة للمواطن اليمني بأن شعاراتهم في 2011م كانت فقط وسيلة للوصول للسلطة، وما إن وصلوا لها تناسوا شعاراتهم، لذا أسقطهم الشعب بعد ثلاث سنوات فقط. البعض في أنصار الله يقلل من مغادرة بعض السفارات العربية والأجنبية للعاصمة صنعاء.. كيف ترى أنت تأثير ذلك؟ أعتقد أن هناك ارتجالية وبساطة بل وسطحية عند مقاربة أنصار الله للسياسة وممارستها على أرض الواقع، ولا يفرقون بينها وبين المعارك المسلحة وهذا خطأ كبير، لأن فضاء ممارسة السياسة عام، ومتعلق بالبلد بأكمله وبالمحيط الإقليمي والدولي، بينما المعارك العسكرية تكون محصورة في منطقة معينة وحساباتها متعلقة بتلك المنطقة، وبالتالي أنصح أنصار الله أن يراجعوا ممارساتهم السياسية لأنهم سيخسرون الكثير، عندما ينظرون إلى مغادرة السفارات باستخفاف فإننا سنكون أمام كارثة كبيرة، فمغادرتها رسالة واضحة للمنظمات الدولية وللبنوك وللجهات المانحة ولكل المؤسسات الدولية الخارجية التي تتعامل مع اليمن بأن البلد غير آمن وأنه مسيطر عليه من مجموعة مسلحة غير شرعية ولا تحترم الاتفاقات والمعاهدات الدولية، هذا الأمر قد يوقف كل المساعدات الاقتصادية وقد يوقف حركة التبادل التجاري بين اليمن والعالم، لأنها تعتمد على الضمانات والاعتمادات البنكية التي تصدر من بنوك يمنية إلى البنوك، وعدم وجود سلطة شرعية يعني توقف كل ذلك، وللأسف أنصار الله لا يستشعرون الخطر في هذه اللحظة، لكن الخطر سيظهر خلال الأسابيع والأشهر القادمة عبر أزمات اقتصادية خانقة وارتفاع في أسعار صرف العملة الصعبة.. وبالتالي ارتفاع جنوني للأسعار بشكل عام، وعند حدوث ذلك لا سمح الله سيوجه المواطن البسيط سهام غضبه لأنصار الله حتى لو علم هذا المواطن أن هناك دولاً تتعمد إفشال أنصار الله وتعمل على محاصرتهم، لكنه في النهاية سيحمل أنصار الله المسؤولية بسبب سياستهم، وبالتالي سينقلب عليهم، ولهذا أقول لأنصار الله إذا كانت أحزاب المشترك وعلى رأسها الإخوان المسلمون –إضافة إلى المؤتمر الشعبي- بكل علاقاتهم الإقليمية والدولية وخبرتهم والدعم السعودي الذي تلقته حكومة الوفاق والذي يصل تقريباً إلى حوالي عشرة مليارات دولار خلال ثلاث سنوات من السعودية وحدها ومع ذلك فشلوا بالرغم من الدعم الكبير المقدم لهم، فكيف سيكون بتيار أنصار الله الذي يتواجد في مناطق محددة وعلاقته الإقليمية والدولية ضعيفة جداً، بل إن هناك مخاوف كبيرة منه، محلياً وإقليمياً ودولياً، أعتقد أن الوضع سيكون صعباً جداً والفشل محتم إذا تصدروا للسلطة بمفردهم. هذا يقودنا إلى السؤال حول من هم مستشارو السيد عبدالملك؟ السيد عبدالملك له ظروف أمينة خاصة، لهذا هو بعيد عن التواجد في صنعاء، وما يدور في صنعاء وقد نصحت أنصار الله بالعمل على أن يكون قائدهم عبدالملك الحوثي قريباً من مسرح الأحداث في صنعاء، ليلتقي بمختلف الأطراف السياسية من خارج أنصار الله، ويلتقي بمستشارين اقتصاديين وأكاديميين من مختلف المجالات، وبالنخب الفكرية والسياسية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من الفعاليات، لأن بقاءه في صعدة يعيق مثل هذه اللقاءات.. وبالتالي ينحصر السيد عبدالملك بلقاء البعض من المنتمين للحركة، ولا ينظر إلى المسرح على الأرض على مستوى اليمن والإقليم والعالم إلا من خلالهم، وهذا خطأ كبير جداً، ولذا من الطبيعي أن تكون خياراته السياسية محدودة ومتأثرة بهده العناصر التي يلتقي بها، وللأسف حتى هذه العناصر التي يلتقي بها لا تتجرأ أن تنقل له كل الحقائق أو أن تبدي رؤى مخالفة لرؤاه بحكم الايديولوجية الدينية التي تنبع منها الحركة وثقافة الاتباع مثلها مثل أي حركة دينية، بالإضافة أن قرار الحركة هو قرار فردي وإن كان السيد عبدالملك يستمع للجميع، لكنه هو من يتخذ القرار ولا يمكن لأحد الاعتراض عليه أو تصويبه كما يحصل في الأحزاب السياسية مثلاً. لكن هناك مكتباً سياسياً؟ نعم هناك مكتب سياسي، لكن من يتخذ القرار في النهاية بصراحة هو الأخ عبدالملك الحوثي والجميع يعلم بهذا الأمر، لا توجد هيئة استشارية من خبراء وأكاديميين تقدم له دراسات ونتائج فورية وسريعة خاصة أن المسرح السياسي متقلب ما بين يوم وآخر، فمثلاً مغادرة الرئيس هادي صنعاء قلبت المعادلة تماماً وظهر ارتباك وسوء تقدير واضح لأهمية الحدث وتداعياته وتصريحات متضاربة لأنصار الله عند التعامل مع الحدث، كما أنهم لم يدركوا أهمية الشرعية إلا بعد وصول هادي إلى عدن. يعني هل كان الشهيدان شرف الدين وجدبان هما المنظّران المحرك لحركة أنصار الله وبغيابهما وجد بعض التخبط ؟ الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين، رحمه الله كان من يقود التنظير فيما يتعلق بالدولة المدنية، وهو من تولى صياغة الرؤية الخاصة لأنصار الله فيما يتعلق ببناء الدولة –بحكم أنه فقيه دستوري- ونحن في مكون أنصار الله في مؤتمر الحوار دعمنا هذه الرؤية كل في الفريق الذي عمل فيه وأرسينا قواعد الدولة المدنية في كل التقارير الصادرة عن مختلف الفرق، حتى فريق قضية صعدة احتوى على الكثير من المواد التي تضمن وجود دولة مدنية وحقوق وحريات سياسية وفكرية ودينية ومذهبية وشخصية، لكن لم يكن للدكتور شرف الدين تأثير على الميدان، والدكتور عبدالكريم جدبان، رحمه الله كان له صوت قوي في مجلس النواب وفي القضايا المتعلقة بمكافحة الفساد، وكان له دوره في الحوار، لكن لا تأثير له على الميدان، وهذا لا يقتصر عليهم فقط، بل على كل أعضاء فريق أنصار الله في الحوار وأنا منهم، فلم يكن لهم تأثير على الأرض، وإن كنا نتزعم الخطاب السياسي للحركة خلال تلك المرحلة، وكنا نتمنى بعد اختتام مؤتمر الحوار أن يتم تطبيق ما تم الاتفاق عليه ليتم جر أنصار الله إلى السياسة وملعبها، لكن للأسف الأطراف السياسية التي سيطرت على السلطة هي من أعاقت هذا الأمر، ودفعت الأوضاع إلى ميدان آخر تماماً، وهو ميدان القوة والغلبة، وهذا ما أضعف الجناح السياسي الوليد لأنصار الله وبل وضربه في مقتل. لو سألنا عن فريق أنصار الله في مؤتمر الحوار وأيضاً عن الشيخ صالح هبرة أين هم.. لماذا غائبون من المشهد العام؟ الجناح السياسي لأنصار الله ضُرب بصراحة، لأنه بعد اختتام مؤتمر الحوار لاحظت القواعد أنه لم يتم إنصافها لم يتم إصدار القرار الخاص بشهداء صعدة واعتماد مرتبات لهم أو تعويضهم كل ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار لم يتم تطبيق الشراكة الوطنية في مؤسسات الدولة، وبالتالي اعتبرت قواعد أنصار الله وحتى القيادات الأمنية والعسكرية أن الجناح السياسي يتحدث وينظّر، لكنه لا يحقق أي نتائج حقيقية على الأرض تعود عليهم بالفائدة، خاصة أنهم تعرضوا لشتى أنواع التنكيل خلال العشر السنوات الماضية، وبالتالي لم يعودوا يعولوا على الجناح السياسي، وهذا ما دفع الجناح الأمني والعسكري لأنصار الله إلى فرض خيارهم بالقوة نتيجة الفشل الناتج عن الأطراف التي كانت في السلطة، لكن بعد 21سبتمبر 2014م وبعد أن أصبح أنصار الله الفاعل الرئيس داخل السلطة، للأسف، ارتكب أنصار الله نفس الأخطاء التي ارتكبتها الأطراف السياسية السابقة التي كانت تقصي أنصار الله، فأنصار الله حالياً هم من يحاولون إقصاء الأطراف ويسعون إلى إلحاقهم في سلطتهم كأتباع وليس كشركاء، وقد تحدثت كثيراً بأن من سيعمل مع أنصار الله في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة في ظل وجودهم الأمني والعسكري المسيطر على مختلف المؤسسات الحكومية سيكون مجرد تابع وأداة، لأنه لن يكون للوزير أو لأي مسؤول فاعلية وستكون الفاعلية للعنصر أو المشرف الأمني التابع لأنصار الله الموجود في الوزارة أو المؤسسة والذي يتلقى توجيهاته من الجماعة. طيب.. أنت التقيت السيد عبدالملك أكثر من مرة، لماذا لا تحدثه عن كل ذلك أنت، وأيضاً الجناح السياسي الذي كان موجوداً في مؤتمر الحوار؟ أنا في الأول والأخير شخص واحد، أطرح له الكثير من السلبيات، وفعلاً قد التقيت به بشكل شخصي عدة لقاءات وكنت أطرح له بكل شفافية وصراحة كل القضايا والمخاوف الموجودة لدى البعض من بعض الممارسات، ولا أدري هل زملائي كانوا يطرحون له هذه القضايا أم يبعثون له برسائل أخرى. بالنسبة لك أنت.. هل كنت تطرح القضايا بكل صراحة؟ أنا كنت أطرح له القضايا بشفافية وحرية تامة، لأني متحلل من الارتباط العقائدي للحركة، وقد ذكرت سابقاً بأني تحالفت مع أنصار الله سياسياً ولم أرتبط بهم عقائدياً منذ البداية وأعلنت هذا في مؤتمر الحوار، وقلت إن العقد الذي بيني وبينهم هو مخرجات مؤتمر الحوار والرؤى التي قدمها أنصار الله في مختلف القضايا التي ناقشها مؤتمر الحوار وليست ملازم المؤسس الشهيد حسين بدر الدين الحوثي التي هي الأساس الفكري العقائدي للحركة، وبالتالي كنت متحللاً أثناء حديثي معه من تلك التبعية الدينية، فكنت أكلمه بمنتهى الصراحة وبلغة السياسة. طيب.. كيف كان رد السيد عبدالملك على ما تطرحه عليه من قضايا؟ الأخ عبدالملك يستمع جيداً لمن يحدثه ويتقبل الرأي والرأي الآخر، بل إن صدره يتسع للنقد أكثر من أتباعه، لكن عندما أبدي رأيي منفرداً أظهر وكأني أغرد خارج السرب، ويمكن أني الوحيد الذي أقول له إن الإقليم والكثير من دول العالم سيقاطعوننا وستكون هناك أزمة اقتصادية وسيدفعون اليمنيين في بعض المناطق لقتالنا وسيحرضون غرائزهم المذهبية والمناطقية ضدنا وما إلى ذلك، ويمكن أنه كان ينظر إلى كلامي بأنه تهويل ومخاوف غير مبررة، لأني الوحيد الذي أحدثه عن تلك السيناريوهات. لكن، هل هو مطّلع على الصحف والمواقع والقنوات الإخبارية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل «الفيس البوك» وما يقوله الناس حول مجمل القضايا أم ماذا؟ بالتأكيد.. هو مطلع على مثل هذه الأمور، لكن ليس كما نحن مطلعون عليها بحكم أننا قريبون من مسرح الأحداث في صنعاء. طيب.. ما هي توقعاتك للمستقبل في ظل كل ما تتحدث به؟ المستقبل مجهول، وهو مرهون بطرفين رئيسيين، مرهون بأنصار الله كطرف أول، وأيضاً بالرئيس هادي والأحزاب السياسية من الطرف الآخر، وعلى الجميع إن أرادوا الخروج من الأزمة التي قد تعصف به تقديم تنازلات حقيقية، وليس عيباً أن يظهر السيد عبدالملك في خطاب يؤكد فيه استعداده التراجع عن الإعلان الدستوري إذا كان الرئيس هادي والأطراف السياسية مستعدين لإشراك أنصار الله بشكل حقيقي وسريع في السلطة وفي كل مؤسسات الدولة وبشكل رسمي وقانوني دون أي مماطلة كما في السابق، إذا أعلن الحوثي هذا الأمر باعتقادي سيرتقي من قائد ديني للجماعة إلى قائد سياسي وطني. لكن هذا التراجع قد يعتبره البعض خوفاً أو انهزاماً؟ هذا ليس صحيح، بل إنه سيزيد من رصيد الحركة وقائدها، ويمكن إعلان هذا التراجع وفقاً لمعادلة تتلخص في أن يتنازل أنصار الله عن إعلانهم الدستوري مقابل تنازل الرئيس عن السلطة والشرعية لرئيس آخر توافقي وفقاً لاتفاق شراكة حقيقية، هذه المعادلة ستحفظ كرامة كل الأطراف وتخرج البلد من الأزمة، وباعتقادي أن الرئيس هادي لن يكون عقبة أمام هكذا تسوية، حيث إنه عبر مراراً عن رغبة في ترك المسؤولية لولا أن البلد بحاجة إلى استمرار الشرعية حتى لا تنزلق إلى المجهول، ومتى ما توافقت الأطراف السياسية على صيغة جديدة للحكم سواء عبر اختيار رئيس توافقي جديد أو مجلس رئاسي فإن الرئيس لن يقف حجر عثرة أمامها، خصوصاً أنه يرغب في أن يرتاح ويسلم البلد إلى الشرعية الجديدة، ولا يريد أن يكون غورباتشوف جديد في اليمن إذا ما تشظى البلد في عهده، حيث سيحمله التاريخ المسؤولية بحكم أنه كان الرئيس بغض النظر عن مدى إسهامه في ذلك، كما أن صحة الرئيس لم تعد تحتمل صراعاً مفتوحاً وأزمات ومغامرات جديدة، خصوصاً أن هناك إشارات تبين أن خصومه بدأوا في نسج تحالفات في الجنوب بهدف قلب الطاولة عليه في عدن، مستغلين الصراعات الجنوبية، فهل يفعلها الرئيس هادي وقائد أنصار الله عبدالملك الحوثي ويقدما هذا التنازل لليمن قبل أن يُحملهما التاريخ مسؤولية تفكك اليمن عبر تحويله إلى ساحة صراع إقليمي ودولي جديدة تنافس الساحة السورية؟ فإعلان أنصار الله الدستوري ليس قرآناً منزلاً وشرعية هادي ليست حديثاً متواتراً. هل نفهم من كلامك أنه إذا لم يتم التراجع عن الإعلان فإن الحرب قائمة لا محالة؟ بالتأكيد.. هناك معركة قد تكون قريبة في مأرب بالإضافة أن أنصار الله سيكونون أمام خيارات صعبة خاصة فيما يتعلق بالجنوب، خاصة أنه مع مرور الوقت قد تظهر مشكلات أخرى تلخصها أسئلة هذه الأسئلة: هل ستستمر الخزينة العامة في صنعاء بتمويل المرتبات للجنوب، وهل سيستمر تدفق النفط من حضرموت ومصافي عدن ومختلف الجهات الإرادية التي في الجنوب إلى الخزينة العامة في صنعاء أم سيذهب إلى خزينة عدن؟ أيضاً الدعم الدولي والإقليمي هل سيصل إلى الخزينة في عدن أم في صنعاء؟، وإذا عجزت خزينة صنعاء عن تسليم المرتبات هل سيتمكن أنصار الله من توفيرها؟ ومن أين؟ وما هو المقابل؟ وغيرها من الإشكالات التي قد تظهر على المدى القريب ، لكن للأسف من يقود خطاب أنصار الله اليوم في صنعاء مجموعة من الثورجيين الذين يعتبرون الثورة مهنة لا مسؤولية، ويطلقون شعارات ثورية ويتناسون أنهم اليوم في السلطة وأنهم أمام استحقاقات حقيقية وأمام وضع مالي صعب وواقع مختلف عن المعارضة التي كانوا فيها وبالتالي هؤلاء الثورجيون الذين يقودون خطاب أنصار الله أعتقد أنهم سيقودونهم إلى التهلكة. هل يراهن أنصار الله على الخارج، على إيران مثلاً لدعم الاقتصاد أو ما إلى ذلك؟ على العكس من ذلك، وجهت لهم نصائح من إيران وأيضاً من حزب الله أن لا يتصدروا للسلطة وقلنا لأنصار الله أن يكرروا تجربة حزب الله في 2007م عندما سيطر على العاصمة بيروت أمنياً وعسكرياً، لكن سرعان ما سلمها للجيش والأمن كسلطة رسمية فأوصل رسالة للأطراف الأخرى بأنه موجود ولا يمكن تجاوزه، وبالتالي فتح المجال للعملية السياسية وتوصلوا إلى معادلة شراكة وطنية في لبنان بين مختلف الأطراف وتم توقيع اتفاق الدوحة، كان يفترض أن يستفيد أنصار الله من هذه التجربة، فعلاً الأطراف السياسية كانت مخطئة إلى ما قبل 21سبتمبر تعنتت ورفضت الشراكة ودخول أنصار الله صنعاء كان مبرراً بسبب الاعتداء على المتظاهرين السلميين أمام رئاسة الوزراء، بعد ذلك كان يفترض على أنصار الله أن يعززوا مؤسسات الدولة حتى لا يتحملوا المسؤولية ويفشلوا كما فشل الإخوان في مصر وفي تونس وأيضاً في اليمن، وباعتقادي أن إيران ستسعى إلى علاقات طبيعية مع كل القوى السياسية في اليمن ولن تظهر وكأنها مع طرف ضد آخر لأنها لا تريد أن ينظر لتواجدها في اليمن من منظار طائفي أو مذهبي، وبالتالي فإي دعم منها سيكون وفقاً لتلك المعادلة. ما سبب انضمامك لأنصار الله؟ دخلت معهم في تحالف قبل مؤتمر الحوار الوطني، حيث كنت متحدثاً باسم الملتقى العام للقوى الثورية وهو أحد الفصائل التي أنشئت في الساحات، وكان هدفنا إسقاط بقية مراكز القوى التقليدية –القبلية والعسكرية والدينية- التي جثمت على صدور اليمنيين خلال العقود الماضية، وطلبت من أنصار الله أن ندخل الحوار باسم «أنصار الله وحلفائهم» مثلاً كالمؤتمر الشعبي العام وحلفائه أو المشترك وشركائه، لكن اللجنة الفنية أعطت الحصة تحت مسمى «أنصار الله» فدخلنا معهم تحت هذا الإطار، ولا أحد يستطيع إنكار أن أنصار الله تمكنوا ضرب الأجنحة التي أدارت اليمن بالحروب والأزمات خلال الثلاثة العقود الماضية، خاصة أن الجميع فشل في إزاحة هذه الأجنحة، وعلى رأسهم علي محسن وبقية الأطراف التي تحالفت مع المنظمات الإرهابية ونفذت عمليات اغتيالات واسعة منذ عام 1993م وحتى اليوم، ولم تتمكن الأحزاب والمكونات المدنية من التعامل مع هذه الأجنحة، فقط أنصار الله هم من استطاعوا إسقاط هذه الأجنحة، ولم أتراجع عن الدفاع عن مواقفي المساندة لأنصار الله حتى 21سبتمبر، لأنهم كانوا حتى ذلك التاريخ حركة مقصية ومظلومة وتؤدي دوراً إيجابياً في التغيير، لكن حالياً أصبحوا طرفاً أساسياً في السلطة لذلك بدأت في انتقادهم، كما أني انتقدهم قبل هذا التاريخ خاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات، لأني ضد الممارسات الخاطئة من أي طرف. ماذا استفدت من أنصار الله وماذا خسرت؟ كانت تجربة سياسية جيدة استفدت منها كثيراً خاصة من خلال مؤتمر الحوار الوطني، وأثبت تحالفنا معهم أن الحركة قادرة على نسج تفاهمات مع شخصيات وجهات مدنية ويسارية وقومية وأتمنى أن تستمر هكذا تحالفات، كما عمل حزب الله في لبنان، حيث إن أبرز حلفائهم في الداخل اللبناني هم المسيحيون، وأعتقد أن هذه التحالفات ستحفظ لليمن وحدته وانسجام نسيجه الاجتماعي، لأنها تنقل الصراع من مربع الطائفية والمذهبية والمناطقية إلى مربع الصراع السياسي، وكلما كان أنصار الله يحظون بغطاء وتحالف سياسي وطني ومن أطراف مختلفة، انحصر الصراع في القضايا السياسية، وكلما تأطر أنصار الله بمنهجهم الديني والعقائدي وحاولوا تطبيق ذلك على بقية الأطراف اندفعوا بصورة أو بأخرى نحو معركة مذهبية أو مناطقية، أما بالنسبة للخسارة لا توجد خسارة سوى أني خسرت بعض شعبيتي، سواء بسبب دفاعي عن الحركة وحالياً بسبب انتقادي لهم. البعض يرى أنك كنت مندساً على أنصار الله خاصة أنك كنت في الأمن المركزي سابقاً؟ نعم.. كنت جندياً في بداية شبابي ولم أحضر سوى فترات قليلة جداً في مدينة إب، بعد ذلك تفرغت للدراسة، وعدد كبير من أعضاء الحركة والمكتب السياسي كانوا في الجيش والأمن وبدون ذكر أسماء، وذلك لا يقدح فيهم، فالانتماء للجيش والأمن اليمني فخر لا ينكره أحد. البعض يرى أن استقالتك من أنصار الله هي استقالة وهمية لتسويق نفسك، خاصة أنك تتحاشى الحديث عن السيد عبدالملك؟ أنا لست معنياً بالرد على من يؤمن بنظرية المؤامرة، كما أنه ليس لي مشكلة شخصية مع السيد عبدالملك حتى أهاجم شخصه، وعلى العكس لا أزال أعول كثيراً عليه، بالإضافة أني أكنّ للرجل كل ودّ واحترم، وأجد منه معاملة حسنة وأراه يتقبل النقد والرأي الآخر، وأنا دائماً أنتقد الأخطاء وليس الأشخاص، وخطاب الأخ عبدالملك على المستوى النظري رائع جداً، خاصة أنه يدعو للشراكة وللوحدة الوطنية ولم الشمل ونصرة المظلوم وما إلى ذلك، مع أن الواقع على الأرض مختلف في كثير من المواضيع، وهو يقول إنه يسعى لتغييره والحد من تلك الأخطاء، والبعض يريد مني أن أتطرف وأفجر في مخاصمة أنصار الله لكي يصدق أني جاد في انتقادهم، وأنا لست معنياً بإقناع مثل هؤلاء، فلدي منهج واضح في المعارضة، كما أن البعض يعيشون نظريات المؤامرة ولا يزالون يؤمنون أن الحروب الست بين صالح والحوثيين كانت تمثيلاً مع أنه قتل فيها أكثر من 12فرداً من أسرة المرحوم بدر الدين الحوثي لوحدهم، وينظرون إلى حرب حزب الله وإسرائيل بأنها تمثيل كذلك مع أن ابن أمين عام حزب الله نفسه استشهد، وهؤلاء بحاجة إلى طبيب نفسي أكثر من حاجتهم إلى محاججة وإقناع. ما رأيك في التطورات الأخيرة وعلى رأسها وصول أول رحلة مباشرة للطيران الإيراني إلى صنعاء والزيارات التي قام بها أنصار الله لروسيا وإيران؟ دول الخليج بما فيها الإمارات تقيم علاقات مع إيران على مختلف المستويات، مع أن الإمارات تقول إن إيران تحتل ثلاث من جزرها، ومع ذلك حجم التبادل التجاري بين البلدين لوحدهما يفوق ال 15 مليار دولار. كما أن الرحلات الجوية من دول الخليج العربية إلى إيران مستمرة وبشكل يومي، وبالتالي فإن تصريحات البعض التي تهوّل من وصول رحلة للطيران الإيراني إلى صنعاء وتحذر دول الخليج العربية من خطورة ذلك غبية، لأن الخليجيين أنفسهم علاقاتهم فوق هذا المستوى وطيرانهم يجوب الأجواء والمدن الإيرانية يومياً وينقل آلاف المسافرين. المشكلة أن السلطة في اليمن كانت ملكية أكثر من الملك، بمعنى أنها كانت تقاطع إيران مجاملة لدول الخليج، بينما دول الخليج نفسها لها علاقات وطيدة مع ايران. يجب أن تكون لليمن علاقات مع كل دول العالم عدا إسرائيل، لا يجب أن نُحسب على أي محور أو دولة، يجب أن نكون «اليمن» لا «اليمن التابع للدولة الفلانية»، بذلك التوازن في علاقتنا سنجعل اليمن مكاناً لاستثمارات ومصالح كل تلك الدول بدلاً من أن نكون ساحة لتصفية صراعاتهم. من الأفضل أن تكون علاقتنا بإيران شفافة وعلنية وتمر عبر الخارجية الإيرانية، أفضل من أن تمر عبر شبكة المخابرات الإيرانية أو الحرس الثوري، العلاقات العلنية التي تمر عبر الأقنية الطبيعية سواء للسلطة الرسمية أو سلطة الأمر الواقع التي يمثلها أنصار الله في صنعاء وبعض المحافظات تجعل تلك العلاقة أكثر شفافية، وبالتالي تنقل العلاقة من مربع الصراع والعمالة –كما يقول البعض- إلى مربع الاستثمار والمصلحة. كتبت مراراً أنه كلما ضيّقت الدول العربية الخناق على الحوثيين فإنهم يدفعونهم أكثر فأكثر إلى توطيد علاقتهم بإيران وروسيا والدول الأخرى، وهذا ليس في صالح دول الخليج، وبالتالي عليهم إعادة تقييم علاقاتهم باليمن. البعض يملك كماً هائلاً من الغباء ليعتقد أن الطائرات الإيرانية المدنية ستكون محملة بأسلحة ومقاتلين بعد انتهاء المعركة العسكرية، أنصار الله ليسوا في حاجة إلى أسلحة بعد سيطرتهم على أغلب المعسكرات والمخازن الرسمية للسلاح، هم بحاجة إلى علاقات اقتصادية واستثمارات ودعم مالي يعوض الحصار المضروب عليهم من دول الإقليم وبعض الدول الغربية.. وأكثر ما أخشاه أن تكون تلك الرحلات والزيارات المكوكية إلى إيران وروسيا مجرد استعراض دون وجود اتفاقات اقتصادية وعقود استثمارية، تلك الدول تعمل وفقاً لأنظمة وقوانين ولوائح وروتين طويل، وبالتالي على أنصار الله المسارعة بالعمل على نقل تلك الزيارات من مربع الاستعراض والصورة إلى مربع المضمون والنتائج الملموسة، قبل أن تتحول تلك الزيارات والآمال العريضة التي رُوّج لها إلى فقاعة سرعان ما سيرتد أثرها على أنصار الله. في ختام هذا الحوار الشيق معك أترك الكلمة الأخيرة لك.. أخيراً أتمنى أن تتجاوز كل الأطراف السياسية خلافاتها وتعرف أن لا وقت للمناكفات.. فاليمن على شفى الهاوية وإذا غرقت السفينة ستغرق بالجميع.