نحن بحاجة لأن نقدم للعالم تاريخ الآثار وحكاية التراث في متاحفنا اليمنية بوسائل العصر، بمشاريع الصوت والضوء، وليس بالترجمان الذي عفا عليه الزمان!! يربط كثير من المهتمين بين مدى تقدم وتطور أي شعب من الشعوب وبين انتشار المراكز الثقافية ومن هذه المراكز المتاحف بمختلف أنواعها وتخصصاتها, إذ تعد المتاحف مؤسسات ثقافية حضارية هامة من شأنها نشر وتعميق الثقافة المجتمعية لأي مجتمع حول تاريخه وهويته الحضارية وتراثه الفكري والمادي. وتُعنى المتاحف بشكل خاص بالتراث ذي الطابع المحسوس وتسعى جاهدة للحفاظ عليه وصيانته, حيث تخطت الكثير من المتاحف العالمية الحديثة دورها التقليدي من دور عرض للهواة والزائرين إلى مؤسسات تمتلك برامج ذات أبعاد أكثر عمقاً وغنىً. إن المتاحف هي أهم الوسائل والطرق التي نحافظ من خلالها على ماضينا وحاضرنا, وهي النافذة التي يطل من خلالها أبناء الحضارة المعاصرة والأجيال القادمة على ما أنجزه الآباء والأجداد من أعمال. إن الاهتمام بإنشاء مثل هذه المتاحف ينبع من إحساسنا بالهوية الوطنية والحاجة إلى تقدير التراث الوطني بجميع أشكاله وحمايته, لكونها تساعدنا في الحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية وفي الحفاظ على تراثنا الثقافي والحضاري, ولأنها المكان الذي يحفظ سجل حياة مجتمعنا القديم وعلاقاته الداخلية والخارجية وإبداعاته المتفردة. واليمن البلد «السعيد» بتعبير العديد من الجغرافيين والمؤرخين حباه الله بتكوينات جيولوجية ومظاهر بيئية شكلت منه متحفاً طبيعياً, ناهيك عن أن هذه البيئة كانت مسرحاً لنشاط بشري جاء متناغماً معها يعكس نمط حضاري ذو خصوصية قلما نجد له مثيلاً في المنطقة ليجسد أجمل صور الإبداع والعبقرية. ولقد كان للدراسات الأثرية الانثروبولوجية والاثنوجرافية دوراً مشهوداً في الكشف عن تلك المعطيات المادية والفكرية وهي اليوم بمثابة كنوز تزخر بها العديد من المتاحف الوطنية والعالمية. وإذا كانت متاحفنا ما زالت مجرد مبان تاريخية ومخازن لحفظ الآثار والتراث وتزدحم قاعاتها بالمعروضات, في الوقت الذي أصبحت فيه المتاحف اليوم مراكز ثقافية وبحثية ومدارس تربوية بل من ضروريات الحياة والتنمية, فإن هذا يعود إلى حداثة اهتمامنا بإنشاء المتاحف إذا ما قورن بتاريخ إنشاء المتاحف الأوروبية على الرغم من عراقة حضارتنا وقدمها, فقد بدأ الاهتمام بإنشاء المتاحف في اليمن في سبعينات القرن الماضي ولو أن القليل منها قد ظهر قبل هذا التاريخ وخصوصا متاحف الآثار أما المتاحف الفلكلورية الشعبية فلم تبدأ إلا في فترات لاحقة , نتيجة الخلط الذي كان سائداً بين الآثار والتراث في مفاهيمنا وفي مقتنيات متاحفنا. مما يدل على الأهمية الكبيرة للمتاحف أن هناك علماً خاصاً بها, سُمي علم المتاحف والحفائر Museography لأن المقتنيات التي تودع فيها غالباً ما تكون من نتاج الحفريات الأثرية, وعلم المتاحف والحفائر هو العلم الذي يُعنى بشئون المتاحف وتطويرها. ولا تكمن أهمية هذه المتاحف في الحفاظ على التراث الوطني الإنساني فحسب, بل في الدور الذي تلعبه في توعية المجتمع وترسيخ مفهوم الهوية الثقافية, وهذا هو الأمر الذي دفع الأمم المتحضرة إلى تطوير وتأهيل متاحفها بحيث تصبح وجهة المجتمع وعنوانه الحضاري. كما تبرز أهميتها نتيجة للأهمية التي حظيت بها الممتلكات الثقافية وحمايتها في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم والتي تصدرت اهتمامات الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية والجمعيات الأهلية والأكاديميين العاملين في قطاع الآثار والمتاحف, والمهتمين بقضايا الثقافة والتراث, ونقصد هنا بالممتلكات الثقافية كل المصنوعات الأثرية والتاريخية والتراثية, التي تمثل العناصر المادية, المعبرة عن ثقافات الشعوب في الماضي والحاضر. ولا تتوقف الإشارة إلى هذه المصنوعات الفنية فقط, وإنما تشمل المواقع الأثرية, والمستوطنات التاريخية, والمحيط البيئي الذي وجدت فيه. مزيداً من التفاصيل... الصفحات اكروبات