يراود مخيلتي حلم البحر عند كل رعشة صمت .......فتخرسُ بأعماقي آلاف الكلمات الحمقاء ....لحظتها أغمض عيني برهة وأسرح ببصري بعيداً حيث استقر بأمواجه الدافئة الحنون.....طقوس روحية أمارسها مع ذاتي حين تتلبس خطيئة الحرف أصابعي , وأنا القروية القادمة من أعماق الجبال .......حيث لا بحر ولا شاطئ، وحين تقود خطواتي يد الأقدار إلى الشاطئ .....أجلسُ قبالته، أخلع عني طقوس الخيال التي تشبثتُ بسرابها .....وهناك على شاطئ ميدي ابتهلت الروح بشفافية أغنية زرقاء....وكشفت جنيّة البحر عن ساقيها .. فكان الوعد مع دهشةِ الاكتشاف لبقعةٍ ترقب الزمن بصمتٍ مطبق هي مديرية ميدي وشاطئها الفريد.....والتي تقع على الشريط الساحلي للبحر الأحمر ......وتتبع إداريا محافظة حجة ....فإلى هناك عزيزي القارئ أشعل قناديل خيالك مع سطور هذا الاستطلاع وعش لحظاته بروحك التواقة صوب مواطن الجمال المدهش .....وتلذذ بمذاقه الممزوج بنكهة الاكتشاف ....ونبيذ الإطلالة الأولى.... بائعو ....العسل...!! و أنت قادم إلى ميدي وشاطئها الساحر.....لا بد أن تمر ببعض المناطق التهامية كسوق(الأمان) إن كنت قادماً من مدينة حجة الذي يمر به المسافرون ذهاباً وإياباً مروراً بمنطقة(الطور) الجميلة...ثم يمضي بك اللسان الأسفلتي من مديرية (بني قيس) على مرورك عبرها تشاهد بائعو العسل البلدي .....أو ما يطلق عليه بعسل (العرج) أو عسل (السلام) ....فأغلبية لمسافرين حين مرورهم بالمكان يتوقفون شراءه بغالي الأثمان ليقدمونه هدية لأصدقائهم أو يتذوقونه عند عودتهم إلى مناطقهم .....وفي وجهتنا تذوقناه عبر زجاج(نافذة الباص) عملاً بمقولة القناعة كنز لا يفنى....بينما آذاننا كانت تصغي لملك الطرب اليمني (أيوب) وصوته الذي رافقنا رحلتنا الخرافية .....وهو يشدو هيمان : هيمان حتى لو سكنت السحاب لأصبحت قيعان فيها سراب مازال ذلك اللسان الأسفلتي يمضي بك على عدّة مديريات....مروراً بمنطقتي (الخشم والمعرّص) اللتين يمر بهما أطول أودية تهامة الذي يصب في البحر الأحمر ....وتتدفق إليه المياه من المناطق الجبلية من ضمنها سلسلة (جبال الشرفين)...وهنا عزيزنا القارئ نمر في هذه اللحظات منطقة على دربنا تسمى (خميس الواعظات)...لندع سر التسمية ونمضي إلى وجهتنا حيث باص رحلتنا يمر الآن بمدينة (شَفرْ) مركز مديرية (عبس) وهي مركز تجاري هام يشهد ملحوظا ....لكن مهلا ....هنا حدث شيء هام استوقفنا دهشتنا....... تجهيز العروس بالطريقة (العبسية)....!! قارئنا العزيز شريكنا في اكتشاف الدهشة....اكتشفنا أننا نجهل الكثير من عاداتنا وتقاليدنا الجميلة على مستوى المحافظة الواحدة.....أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من (شاطئ ميدي) واللهفة تسبقنا....وإذا بموكبِ عروسٍ من مديرية عبس متوجه صوب مديرية (حرض).... الوقت هنا ....العصرية قبل ساعاتِ الزوال تماما...والموكب يمر أمام أعيننا وكان معنا على الحافلة إحدى الزميلات من مديرية (عبس) حيثُ أوضحت لنا أن من عاداتهم في الأعراس العروس تجمع أثاثها منذُ طفولتها ....الموكب عبارة عن سيارتين من نوع (هيلوكس) كان على متنها مجموعة من الصبايا بملابسهن التهامية المميزة ووجوههن السمراء، ففي المناطق الجبلية يندر أن تشاهد الناقلات المفتوحة أو مايسمى ب (البودي) شعبيا.....فالسيارة الأولى كانت مزّينة بأدوات (مطبخ العروس) بطريقة ملفتة للانتباه....كانت مرصوصة بحبلٍ طويل بشكلٍ دائري....والسيارة الأخرى كانت تحمل على متنها الصبايا مبتهجات وهن يتبعن أثاث العروس القادم مكن بيت والدها......!! وبالمصادفة مرّت سيارة ثالثة وكان على متنها (أبقار وأغنام) فقلت مازحة لتلك الزميلة : وهذه هل اشترتها العروس .......؟؟ فردت باللهجة التهامية اللطيفة : ( حرام أليك تشتيها ترأأ من أول يوم )!! ترجمة ذلك حرام عليك تريدينها ترعى من أول يوم ؟ وحقيقة أن تلك العادة الغريبة والجميلة لم نسمع بها إلا خلال رحلتنا صوب ميدي.....وهذا دليل قصور في وسائلنا الإعلامية وعدم نشر عادات وتقاليد مجتمعنا المتنوع الثراء.....والتعريف بما تمتلك كل محافظة من تنوع في أسلوب حياتها اليومي.....وذكرتني تلك العادة ببعض الدول العربية خصوصا(سوريا) أن العروس هي من تجهز أثاث بيت (الزوجية)...!! ما للأقاحيةِ السمراء ؟؟ ما تزال دهشة الاكتشاف مستمرة عزيزي القارئ...... الآن تجاوز بنا (باص رحلتنا) وجهتنا مدينة (عبس) والآن نمرُ بمنطقةٍ تسمى (ربوع مطولة) يليها (بني حسن) في تلك الأماكن كنا على مقربةٍ من مقصدنا (شاطئ ميدي) ويفصلنا عنها أماكن غاية في الوداعة .....كانت عيوننا تتأمل السمراوات على جانبي الطريق ....و(بائعات الفل) التهامي .....وتلك السمرة سببها الطقس الحار كما هو معروف.....وفي تلك اللحظة استوقفني الأخطل الصغير في رائعته الجميلة....... ماللأقاحيةِ السمراء قد صرفت عنّا هواها؟ أرق الحسنُ ما سمحا لو كنتِ تدرين ما ألقاه من شجنٍ لكنتِ أرفق من آسى ومن صفحا هنا ....أكواخ المنفلوطي.....!! أنتَ الآن (حيراااااااااااااان) لأنك في مديرية(حيران) هكذا هو أسمها ...المكان هنا جعلني أغوصُ أكثر في أعماقي واستعيدُ ذاكرتي القرائية وأقارنها بمشاهداتي في مدينةِ (حيران) التي تفتقر إلى الكثير من البنيةِ التحتية والفوقية.....وأغمضتُ عينيّ بعد أن ارتسمت ملامحها حين مررنا على جانبيّ الطريق ونحنُ نشاهدُ أكواخ متقنة التصميم كأنها حبات اللؤلؤ تُزين جيد غانية غنجاء....فحضر الأديب العربي الكبير/ مصطفى لطفي المنفلوطي من خلال سطور كتابيه الذائعي الصيت ( النظرات والعبرات) في تلك اللحظات.....ونحن نشاهد أكواخ حيران كأنما يقصدها هي بعينها ....أكواخ متناثرة تضم بداخلها قلوب البسطاء الذين هم يسكنوها....وفي تهامة تسمى( العُشش) فرمقتُ بإعجابٍ تحدي ساكنيها لمتغيرات المناخ وتأقلمهم مع الطبيعةِ الصماء وترويضها لصالحِ عيشهم اليومي..... ابتسم.......أنتَ في ميدي.....!! هنا ابتهلت شفتاي بما قاله الشاعر..... يا ناسُ أذني لبعضِ الحي عاشقةُ والأُذنُ تعشقُ قبل العينِ أحيانا برغم التعب الذي استنزفته منا المنعطفات التي مررنا بها ...إلا أن الشوق المتوهج بأعماقي لم يطق صبراً عن رؤية ذلك المكان.....ويقال أروع الأماكن تلك التي لم نشاهدها بعد .....ولأنك عزيزنا القارئ بضيافة(ميدي) لا بد أن نمنحك حق الضيافة ونقدم لك كأساً معلوماتياً مملوءاً بخصائص ومميزات المكان .....وما يمتاز به من ثراء سياحي لم يستغل بعد..... من هي ميدي..........؟؟ هي إحدى مديريات محافظة حجة ....تقع في الشمال الغربي (لمركز المحافظة) وبها ميناء قديم يسمى ميناء (الشرجة) ويتبعها (35) جزيرة في البحر الأحمر يحدها من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الجنوب مديريات : عبس حيران حرض ومن الغرب البحر الأحمر......وتبعد ميدي عن عاصمة المحافظة بحوالي 197كم.....تقدر مساحتها ب (6.666) كيلو متر مربع.....وتلك المساحة عبارة عن أرض ساحلية يسودها المناخ الساحلي المتوسط الحرارة على مدار السنة , بنسبة رطوبة عالية وتهطل الأمطار فيها صيفاً ....يبلغ تعداد سكانها حسب النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمسكن والمنشآت لعام 2004م(16876) نسمة ويشتغل سكان المديرية في الصيد والزراعة والتجارة وتتكون ميدي من خمس عزل هي : ( الحواسة , الدواسة, الحراضية, الغرفية, السلام) أشهر آثارها قلعة (الإدريسي) والتي يرجع تاريخ بنائها إلى القرن السادس عشر الميلادي خلال فترة الحكم العثماني الأول وقد شيدها العثمانيون لغرض حماية سواحل البحر ومراقبة المياه الإقليمية, ومن أهم القرى في ميدي : المحرجة حبل القصّار بحيص وقرية المخازن التي أكثر سكانها (آل تنابقة) .....وبعد أن ملأنا كأسك قارئي العزيز بمعلوماتٍ قيمة وهامة تحرينا فيها الدقة....ننقل خيالك الآن إلى صورةِ أخرى عن أهمِ منجزٍ قدمته الدولة للفاتنة (ميدي)..... لسانٌ بحريٌ عملاق......!! هنا للروح مع المكان تسبيحات صلاة يرتلها حنين الوجد ......حين ترمق عيناك شاطئ ميدي يحدثك بهمس الموج الأزرق .....ساعتئذ وصل بنا الباص خرجنا ورفاق الرحلة من أحشائه.....تجلل الوجوه هيبة الصمت في حضرةِ البحر.....كانت الساعة الخامسة مساءً وبضع ثوان .....كل منا يبحث له عن مكان ليضع عليه جسده .....بينما روحه أسلمها تماما وبلا شعورٍ منه إلى البحر...... يا إلهي لماذا كل هذه الهيبة أمام البحر........؟؟!! لسانٌ بحريٌ عملاق يشقُ وسط البحر .....وحسب المعلومات إذا ما استكمل ذلك المشروع سينافس بحار أوربا روعةً وجمالا ويجذب سياح العالم والتجارة العالمية خاصة وان ميدي ترتبط مع الحدود الدولية للملكة السعودية.....والذي نأمل أن يتم ما تبقى من إنجاز ذلك المشروع ليؤتي ثماره على كل أنحاء الوطن.... أحلامُ الحوثيين..........!! نظراً لأهمية موقع ميدي الاستراتيجي الهام.....يخطط الحوثيون للسيطرة عليها......وفي الآونة الأخيرة كشفت معلوماتٍ خطيرة عن مخططهم للبسط عليها , حيثُ وجدوا مجاميع مسلحة تتردد بشكل ملفت على شواطئ وسواحل المدينة وتقوم بتحركات ليلية غريبة .....وأمدوا شهود عيان أن ما يقارب (50) مسلحاً من الحوثيين على متنِ أطقمٍ تابعة للجماعة يترددون ليلاً على مديرية ميدي خلال الأيام الماضية ويظّلون (مخزنين) على شواطئها ومنطقة (الدكة) الواقعة بداخل البحر على بعد 8 كم ويقولون للمواطنين:( انتبهوا هذه المنطقة محضورة هي تابعة لنا) !! وفي الصباح ينصرفوا .....وهكذا طوال الأسابيع المنصرمة ...فأثارت تحركاتهم الرعب في أبناء المديرية .....وحذروا من أي حماقات قد يرتكبونها بحق أبناء المديرية وقاطنيها.....من هنا...نقول : على الدولة أن تكثف من جهودها الأمنية.....وتحمي المنطقة، لأن ميدي ملكاً لكل الوطن وليس لجماعة بعينها.....!! قدسيةُ لحظة .. ورعشة إمبراطورية البحر!! أمام هيبة البحر.....يخط مذكرات طفلة الغيم .....وهي تبتهل إلى الله بصلاةٍ هامسةٍ للبحر...لحظتها لم أدرِ إلا وخطواتي تذهبُ إلى مدى عن من حولي.....كل واحدٍ جلس على شاطئ الصمت المهيب يحاورُ البحر بطريقته الخاصة .....فكان الصمت هو السائد ....هنا تذكرتُ مقطعاً من قصيدة للشاعر الفلسطيني /عبد الناصر صالح... أي براعةٍ ستضيئ جمر الخوفِ والصلواتِ أذكرها تجئُ بثوبها الريفي يغمرُ صدرها ألقُ الأنوثة ....تستفزُ أيائلُ الغاباتِ حين تطيرُ بين ظلالها وتهزُ جذع العمر, تسقطُ صورة لربيعها الأبدي ..... أذكرها تُراقصُ موجةً ...... فتحت ذراعيها .......كعاشقةٍ أمام البحر أذكرها تجففُ دمعها الملكي. لحظاتُ الوداع !! بأي اللغات سأخاطبك يابحر ميدي..... العبارات لم تشف ما بداخلي من فضولٍ لاكتشافك .... حقاً خانتني عبارات ذاكرتي....فآثرت الصمتُ أمام هيبتك وغرقت روحي بلحظةٍ قدسيةٍ بيضاء بعد لحظات الصمت تلك أذنت الشمسُ بالرحيل كأنما هي أيضاً تودعنا بطريقتها....وهبط علينا المساء فجأةً دون سابقِ إنذار، لأننا نسينا تماماً أننا سنعودُ من حيث أتينا ...وما تلك إلا مجرد لحظاتٍ نختلسها من عمر الزمن ويكونُ من الصعب نسيانها لأنها حُفرت في أعماق القلب ....وفي لحظات الوداع الحزينة لشاطئ ميدي.....حضرت بقوة قصيدة البحيرة للشاعر العالمي لامرتين : أهكذا تنقضي دوماً أمانينا نطوي الحياة وليلُ الموتِ يطوينا تجري بنا سفنُ الأعمارِ ماخرةً بحر الوجودِ ولا نلقي مراسينا خذِ الشقي وخذ معه تعاسته وخلنا فهناءُ الحب يكفينا هيهات هيهات أن الدهرَ يسمع لي فالوقتُ يفلتُ والساعاتُ تفنينا وأنقضت تلك السويعات والدقائق سريعاً ...وكالحلمِ مرت فودعنا خلالها شاطئ ميدي بقُبلةٍ أرسلتها أناملنا في فضائه الرحب.....ولم أنسَ أن أودعك عزيزي القارئ ....وأتمنى أنك زرت ميدي من خلال هذه السطور .....ونأمل من الجهاتِ المختصة الترويج لهذه المديرية وإعطائها ماتستحقُ إعلامياً,,,,,,, فهل وصلتِ الرسالة .....؟؟