في اللحظة التي كان فيها عبدالسلام محمد يسدد قيمة مشترياته في أحد محلات قطع الغيار لم يكن يعلم أن هناك من يتلصصون النظر إليه ويراقبونه من خارج المحل، وقد أغرتهم رزمة النقود ذات فئة الألف التي أخرجها وأعادها إلى جيبه. ما إن غادر المحل حتى اصطدم به رجلٌ متعمداً ومتظاهراً بالحديث بتلفونه الجوال.. أظهر الرجل غضباً غير مبرر واندفع ممسكاً بتلابيب صاحبنا يريد العراك معه؛ لكن رجل آخر دخل على الفور بينهما ومثل دور المصلح و(المفارع).. وبعد احتكاك والتصاق قصير من قبل الرجلين بصاحبنا، سرعان ما انفصلا عنه وقالا له خلاص روح لك حصل خير.. ولم تمض سوى لحظات قليلة حتى اكتشف صاحبنا أن رزمة نقوده اختفت من جيبه؛ فأدرك أن الرجلين ليسا سوى نشالين قاما بسرقته ونشلا عليه أربعة وستين ألف ريال، التفت يميناً ويساراً ماسحاً بنظره الشارع بحثاً عنهما لكن النشالين كانا قد اختفيا سريعاً وكأنهما فص ملح وذاب، وكان الوقت لحظتها قد فاته. احتكاك مفتعل ما تعرض له عبدالسلام من نشل وسرقة في الشارع العام يتعرض له العديد من الأشخاص يومياً إذ تعد جريمة النشل من أكثر جرائم السرقة انتشاراً، ومن أكثر الجرائم التي لا يتم إبلاغ الجهات الأمنية بها إلا بنسبة ضئيلة.. إذ يسكت كثير من الضحايا ولا يلجئون إلى تقديم بلاغ بما وقع عليهم.. وفي الحالة السابقة لم يفكر صاحبنا المذكور باللجوء إلى الشرطة وحين اتصل بي يخبرني بالحادث أقنعته بصعوبة بضرورة تقديم بلاغ بما تعرض له ففعل رغم تردده لأنه لم يكن مقتنعاً بأن بلاغه سيكون ذا جدوى أو سيعيد له حقه المسلوب.. تردد!! وبحسب إفادة الملازم محمد الفقيه رئيس قسم البحث الجنائي في قسم شرطة 45 فإن عزوف أغلب الضحايا عن إبلاغ الشرطة قد يعود إلى عدم معرفتهم بالجناة ولاعتقادهم أن بلاغاتهم لن تغير من الأمر شيئاً.. مضيفاً أن عدداً قليلاً من الضحاياً يلجئون إلى الشرطة لتقييد الواقعة وخاصة إذا ما كان المبلغ المسروق كبيراً أو كانت ضمن المسروقات وثائق أو بطائق تهمهم.. وتشير الإحصاءات الأمنية إلى أن جرائم النشل المقيدة والمبلغ عنها لا تتعدى ال500 جريمة سنوياً وهو رقم لا يمثل حتى 5 % من جرائم النشل التي تقع فعلاً وفقاً للتقديرات؛ إذ بلغ عدد جرائم النشل المبلغ عنها في بلادنا في العام 2012م حوالي (382) جريمة مقارنة ب (443) جريمة نشل في عام 2011م تم تقييدها لدى إدارات وأقسام الأمن حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في تقاريره السنوية. تحريات لم يكن الأخ عبدالسلام يتوقع أن البلاغ الذي قدمه إلى الشرطة والمحضر الذي قيد فيه أقواله حول الواقعة كان مفيداً، إلى جانب بلاغات أخرى قدمها ضحايا آخرون، ساعدت الشرطة في إلقاء القبض على عدد من العصابات المتخصصة في النشل وسرقة المارة.. فبعد نحو شهر مما وقع له اتصل بي صاحبنا المذكور الذي دفعته إلى الإبلاغ دفعاً, اتصل يخبرني أن الشرطة استدعته للتعرف عما إذا كان نشالوه ضمن من تم القبض عليهم من أفراد عصابات النشل، وفي قسم الشرطة الذي ذهبت معه إليه قام فعلاً بالتعرف على الشخصين اللذين نشلاه وحددهما من بين عشرات المساجين الذين عُرضوا عليه دفعة واحدة للتأكد من صحة بلاغه.. وهناك صرح إلينا الرائد هادي جبران عصلان مدير قسم الشرطة بشارع 45 (مركز الشهيد ذي يزن) قائلاً: إنه بعد ورود عدد من البلاغات تم التنسيق مع إدارة أمن المنطقة وتشكيل فرق تحر أمنية وخلال شهر واحد تم الإيقاع بثلاث عصابات نشل وإلقاء القبض على أفرادها وهم متلبسون بارتكاب الجريمة.. موضحاً بأن كل عصابة مكونة من فردين إلى ثلاثة أفراد.. مشيراً إلى أن أغلب النشالين يمارسون النشل قرب محلات الصرافة وقرب المحلات التجارية وفي مواقف باصات النقل الجماعي وفي أسواق القات وفي باصات النقل داخل المدينة. خفة ومهارة وتتميز جرائم النشل عن غيرها من صور السرقة بسمات وخصائص بعضها يتعلق بالشخص المرتكب لها(النشال)، وأخرى تتعلق بالجريمة ذاتها، إذ يتميز النشال بأنه شخص يتلقى فنون النشل ويتدرب عليها من الوسط المحيط به، وينبغ فيه تبعًا لذكائه، ومدى استعداده الشخصي، ويكتسب خبرات مبكرة ويتعلم كيف يتكيف ويتعايش مع الآخرين حتى يستطيع ارتكاب مثل هذه الجريمة. ولذا فإن المقومات الأساسية لشخصية النشال هي الخبرة والمهارة والتخصص والعمل العصابي. وتعتبر سرعة البديهة والحركة سمة مميزة لمرتكبي جريمة النشل, فالنشال يقوم على استخدام أشكال من المهارة والخفة ليجرد المجني عليه من ماله الذي يحمله في جيبه، أو بين طيات ملابسه على غفلة منه دون شعور منه أو من الغير بذلك, وهذا يتطلب أن يكون الجاني على قسط وافر من التدريب وخاصة على مواجهة المجني عليه، وعدم الخوف أو الارتباك منه أثناء ارتكاب الجريمة.. كما حصل لصاحبنا المذكور من قبل نشاليه. وغالبًا ما يلجأ النشال في ارتكاب حوادث النشل إلى إحدى طريقتين: إما باستخدام أصابع اليد، أو باستخدام المشرط والموس. والطريقة الأولى هي الطريقة الأكثر شيوعًا، والمعروفة حاليًا والمتبعة بكثرة في حوادث النشل. أما الطريقة الثانية وهي أن يستولي النشال على المال بواسطة المشرط أو الموس فهذه الطريقة كانت من الطرق الشائعة إلى عهد قريب لارتكاب حوادث النشل إلا أنها لم تعد مستخدمة بصورة شائعة بين النشالين الآن نظرًا لما تحتاجه من دقة ومهارة فائقة أثناء استعمالها. مظاهر خادعة كان النشالان اللذان سرقا صاحبنا المذكور آنفاً في كامل أناقتهما بملابسهما الشعبية المهندمة؛ ولا تبدو عليهما سمة الإجرام؛ بل وكان أحدهما ملتحياً وعلى رأسه عمامة بدا فيها وكأنه قاض أو عالم ولذا لم يتوقع الضحية أن يكون الرجلان نشالين، وهو ما يشير إلى أن من المستلزمات الأساسية لهذه الجريمة، أن تكون لدى النشال مقدرة على التكيف والتعايش مع الآخرين، والتي تعتمد على المعرفة الواسعة والمهارة العالية، والروابط المتبادلة، والتأثير، والظهور بالملابس الأنيقة، والتصرفات الحكيمة.. فضلاً عن القدرة على اختيار الضحية المناسبة، والقدرة على معرفة مكان النقود في شخص الضحية من خلال تحسس جيوبه، والأسلوب المناسب في ارتكاب الجريمة، ومن ذلك يتضح أن تلك الجريمة تتطلب أن يزاولها مرتكبها منذ حداثة سنة ليكتسب المهارة والبراعة المطلوبة لها كما تتطلب تدريب ذلك الشخص حتى يصل إلى درجة من المهارة والخبرة تؤهله لمزاولة نشاطه الإجرامي. تخصص غالبًا ما يعتاد النشال على استخدام أسلوب معين لممارسة نشاطه، فيتخصص به، لأنه يكون على دراية بضحاياه وكيفية نخدعهم وسلبهم أموالهم، لذلك نجد بعض النشالين يتخصصون بالنشل في المواصلات العامة أو في الأماكن المزدحمة، ولكل مكان طريقة خاصة في ارتكاب الجريمة. ومن أمثلة النشل في المواصلات العامة أن يتعمد النشال أثناء سير حافلة النقل بسرعة أن يرمي بنفسه على المجني عليه، فيرتبك حينئذ ويحاول مساعدته على النهوض، فيقوم النشال أثناء ذلك بنشله، أو أن يقف احد الجناة على سلم وسيلة النقل فتتم عملية النشل أثناء دخول المجني عليه لوسيلة النقل حيث يعوق أحد الجناة دخوله ليسهل الأمر على الشريك الآخر في ارتكاب الجريمة. ومن أمثلة النشل في الأماكن العامة النشل عن طريق احتضان الضحية بدعوى معرفته السابقة ثم الاعتذار عن اللبس الذي وقع به، أو عن طريق انتحال صفة شرطي وإيهام المجني عليه بارتكاب مخالفة قانونية وتفتيشه والاستيلاء على ما معه من نقود، أو عن طريق افتعال مشاجرة أو تعنيف طفل بهدف جذب الشخص للتدخل وفض النزاع والوقوع في الشرك الذي نصب له.. وقد يتخصص البعض بالنشل في المناسبات عن طريق النشالات اللاتي يقحمن أنفسهن كمدعوات في حفلات الزواج، أو اللاتي يؤدين واجب العزاء في المأتم, وهناك نشالون تخصصوا في سرقة السائحين، ولذلك فإن اغلبهم يتكلمون اللغة الأجنبية. عمل عصابي تبين الدراسات بأن هناك نسبة هامة من النشالين يرتكبون جرائمهم بمفردهم دون الاستعانة بأحد، كما أن هناك نسبة من النشالين يستعينون بأفراد عرضيين لمباشرة نشاطهم، على أن كبار النشالين يقومون بتكوين مجموعات على شكل عصابات حال مزاولتهم لنشاطهم الإجرامي لتسهل لهم ارتكابها وتحقق لهم قدر من الأمان. على أن هذه التشكيلات الإجرامية للنشالين ليس لها صفة التنظيم الإجرامي، فغالبا ما تتكون هذه التشكيلات من شخصين أو ثلاثة أشخاص، كما أن رئيس التشكيل العصابي أمر غير وارد. فمن يزاول النشاط الإجرامي مع زميله يكون على قدم المساواة معه فليس فيهم الرئيس والمرؤوس، فلا يوجد لأفراد التشكيل مهام محددة، بحيث يقوم كل منهم بارتكاب جريمة النشل بمفرده، والشخص الذي يتمكن من سرقة المحفظة النقدية يقوم بإعطائها لزميله الآخر ويلوذون بالفرار، ويتولى كل منهم حماية نفسه في حال ضبطه. صعوبة بالرغم من أن جريمة النشل من أبسط أنواع جرائم السرقة إلا أن ضبطها ومنعها يعتبر من أصعب الأمور، وذلك لأنها تتم في ثوان معدودة ولا تكتشف إلا بعد أن يكون المجرم قد غادر مكان ارتكاب الجريمة فيصبح من الصعب تعقبه. كما أن معظم المسروقات فيها تكون في الغالب عبارة عن مبلغ نقدي، ويترتب على ذلك أنها لا تعد دليلاً كافيًا على المتهم إذ ينكر ارتكاب الحادث ويدعي ملكيته للمبلغ النقدي المضبوط، كما أن تعرف المجني عليه على المتهم في تلك الجريمة لا يعد دليلاً كافيًا على المتهم ما لم يؤيده دليل مادي ملموس أو شهود رؤية. وأخيرًا فإن ضآلة قيمة الأشياء المسروقة ربما تجعل أصحابها يتغاضون عن متابعتها والتبليغ عنها، ولذلك فإن ما تظهره الإحصائيات في هذا الخصوص لا يمكن الوثوق به ويجب إن ينظر إليه على أنها أرقام تقريبية.. غير أن التبليغ بكل حادثة نشل يساعد الشرطة فعلاً في متابعة الجناة وضبطهم وبالتالي التخفيف من انتشار هذه الجريمة.