يأتون من كل حدب وصوب.. ألوانهم مختلفة.. أماكن تجمعاتهم متعددة.. يسيرون فرادى وجماعات.. يفترشون الطرقات ويجوبون الحارات وضحاياهم بالعشرات.. هم قطعان الكلاب الضالة التي تسرح وتمرح دون أن يُعرف لها صاحب وحبلها متروك على الغارب والناس حولها إما مصاب أو هارب. علاقة خاصة سأبدأ من حيث ابتدأت العلاقة بين الإنسان والكلب حيث كان كل منهما محتاج ذات يوم إلى الآخر فاستدعى ذلك أن يكون الكلب وفياً لصاحبه حتى صار مضرب المثل في الوفاء، كما كان الإنسان رحيماً بالكلب موفراً له كافة متطلبات حياته من مأكل ومشرب ومسكن، كانت الكلاب تقوم بدور إيجابي في الحراسة والصيد والمساعدة في رعي الماشية ما جعلها جزءاً لا يتجزّأ من واقع الحياة اليومية وإيقاعاتها المتعددة.. اليوم تغير واقع الحال صار الإنسان يعيش في مدن وتجمعات كبرى منخرطاً في نظام معقد اقتصادياً واجتماعياً، كما احتلت الآلات والماكينات والأجهزة الحديثة مواقع الحيوانات الأليفة صارت الآلة هي رفيقة الإنسان وانسحبت الحيوانات من مشهد الحياة العصرية ليقتصر دورها على الأرياف والمناطق النائية.. لم تعد الجمال والحمير والبغال هي سيدة الطرقات ووسيلة النقل والمواصلات المثلى، صارت الدرّاجات والسيارات والقطارات هي صاحبة الخطوة والحضور.. التحدي الأبرز تمثّل بكيفية إبقاء الإنسان لعلاقته بالحيوانات التي ألفها وألفته لآلاف السنين، لم تكن حدائق الحيوان باعتقادي غير محاولة من الإنسان لإجبار هذه الحيوانات وغيرها على الإقامة الجبرية في أماكن مغلقة حتى لا تُفسد عليه حياته الجديدة ومساكنه الحديثة وشوارعه النظيفة ووسائل مواصلاته المتطورة.. الإبل.. الخيول.. الأبقار.. الأغنام.. الماعز.. الدجاج.. شملتها خطط وبرامج حكومية وشعبية ولها نشاطات واستثمارات خاصة بها، بالمقابل الحمير، الكلاب، القطط حيوانات يعتبرها الكثير من الأشخاص حيوانات غير مرحّب بها، ويُنظر إليها على أنها لا تشكل أية ثروة تُذكر فلم نسمع حتى الآن بمزارع لتربية الحمير على غرار مزارع الخيول أو رعاة حمير على غرار رعاة الإبل، كما لم تعد هناك حاجة إلى تربية القطط والإبقاء عليها في المنازل بعد أن وجدت المصايد والسموم القاتلة للفترات، الأمر ذاته ينسحب أيضاً على الكلاب فبوجود رجال الشرطة وأجهزة الانذار الحديثة والمتطورة وتطور نظام المعيشة لم تعد ثمة حاجة لوجود الكلام، ما يعني ضرورة إخراج الكلاب من مناطق التجمعات السكنية إلى مناطق نائية ملائمة لها لأن وجودها في شوارع المدن الرئيسية ليس له أية فائدة تُذكر. ارتباط بالإرث الشعبي يخيّل إلىّ أحياناً أن ثمة ارتباطاً بين أشكال وصور الحياة في أية مدينة أو محلة وبين الأساطير والإرث الشعبي المرتبط، فعلى سبيل المثال يعتبر وجود الغربان في مدينة عدن انعكاساً طبيعياً لقصة قابيل وهابيل التي تؤكد الذاكرة الشعبية أن إحداها وقعت في عدن حين قدم إليها قابيل حاملاً أخاه القتيل هابيل وفيها حصلت عملية الدفن لجسد القتيل من وحي مشهد الغرابين ومن يومها والغربان متواجدة وبكثرة في هذه المنطقة.. ناهيك عن قرب مدينة عدن من جزيرة سقطرى حيث شجرة دم الأخوين الرامزة هي الأخرى إلى مثل هكذا علاقة. تعز والكلاب في تعز تتكئ المدينة على قصة أهل الكهف وكيف أنهم قدموا من منطقة الجند هاربين من ملكها الظالم وقومه حتى انتهى بهم المطاف إلى حيث يوجد اليوم ما يُعرف بمسجد أهل الكهف وأصحاب الكهف كما هو معروف ترتبط حكايتهم بأشهر كلب في التاريخ فهل ثمة ارتباط بين كلب أهل الكهف وأعداد الكلاب الغفيرة التي تملأ ساحات وشوارع وحارات تعز.. ربما وربما لا فالأمر يحتاج إلى أكثر من دليل. هلع وخوف حمود شرف 60عاماً يرى أن زيادة أعداد الكلاب في تعز وعدم التخلّص منها بشكل جذري يمثّل مشكلة في غاية الخطورة، فالكلاب الضالة تبث الهلع والخوف في نفوس الناس بمجرد النظر إليها أو المرور قريباً منها، لا سيما الأطفال والنساء وكبار السن، فلا يكاد الواحد يشاهدها أو يمر جوارها حتى تبدأ الأفكار بالدوران واحتمال خروج الموقف عن السيطرة وحدوث مالا يُحمد عقباه، ولأن الكلاب توجد على طول خط السير فإن اللحظات تمر صعبة ومشحونة بالتوتر والانفعال. إشاعات الكلاب المسعورة هي الخطر الداهم الذي يتهدّد الكثيرين وبخاصة أن حوادث العض التي تعرضها لها البعض انعكست سلباً على آخرين فصاروا يتخوّفون من ترك أطفالهم بجوار المنازل أو السماح لهم بالذهاب إلى المدارس بمفردهم بجانب الإشاعات والحكايات التي تمتلئ بها المجالس عن كلاب مسعورة أشبه بالوحوش وأشخاص تحوّلوا بفعل العض إلى مستكلبين فصاروا يعضّون غيرهم وهكذا.. إنها حكاية لا يبدو أنها ستنتهي مالم تتحرك الجهات ذات العلاقة. والمجتمع ككل لإيجاد حل جذري وحقيقي لظاهرة كلاب الشوارع التي لا يستطيع أحد التنبؤ إلى أيّ مدى يمكن أن يستفحل خطرها مستقبلاً. ضحايا بالعشرات ضحايا عض الكلاب كثيرون من مناطق شتى داخل مدينة تعز وخارجها وبالتأكيد ضحايا الخوف أكثر وبحسب إحصائيات 2013م كان عدد الإصابات (1373) حالة أصيبت بداء الكَلَب والأطفال هم أكثر الضحايا وبحسب وحدة مكافحة داء الكلب في المستشفى اليمني السويدي بتعز فإن ما بين (60 70) حالة تصل إلى الوحدة شهرياً وقد ترتفع إلى (100) حالة، المؤسف هو أن اللقاحات الواجب توفرها لمكافحة هذا الداء تشهد تناقصاً وباستمرار فمن (300) حقنة كانت تصل إلى الوحدة نقص العدد إلى (100) حقنة وهو أمر لا يتناسب وعدد الحالات الوافدة ما يخلّف مشاكل و احتياجات جمة ما يعني أن ظاهرة انتشار الكلاب المسعورة مشكلة مزدوجة، فمن ناحية هناك كلاب متوفرة وبكثرة ومن ناحية أخرى لا توجد علاجات ولقاحات إنها مسألة تدعو إلى التساؤل والحيرة معاً. تلوّث ضوضائي يحاو ل البعض تناول الموضوع بطريقة ساخرة لكنها لا تخلو من حقيقة حيث يصف عمار ..طالب جامعي نباح الكلاب بأنه تلوث ضوضائي يقلق الأطفال ويحرم الكثيرين النوم ويرى أنه لا فرق بين التلوث الضوضائي الذي تصدره الدراجات النارية وبين نباح الكلاب فكلاهما يسرق النوم من عيون أبناء المدينة ويحرمها التنعّم بلحظات الراحة ولاسترخاء. ليس لها هوية الكلاب الضالة ليس لها هوية فمن ناحية لا يعرف لها أسماء تُعرف بها كما لا تعرف لها أصول أو أعراف إضافة إلى كونها ليست ذات صلة بأسر أو أشخاص يمكن الرجوع إليهم في حال أقدمت على فعل شيء أو احتاجت لشيء منا إنها لا تحظى بأيّ اهتمام أو رعاية أو متابعة صحية إنه وجود عدمي عبثي لآلاف الكلاب التي لا يتلاءم وجودها وأشكال الحياة العصرية وحقوق الإنسان والحيوان معاً. من المسئول؟ براميل القمامة وأماكن تجمعها هو ما يسمح للكلاب بالبقاء على قيد الحياة ويمدها بالغذاء والطاقة وكلما تراخت الجهات عن القيام بدورها في هذا الإطار وتكدّست أكوام القمامة كلما وجدت الكلاب بيئة خصبة ومحيطاً داعماً كما أن انقطاع الكهرباء لساعات طويلة خلال ساعات الليل هو الآخر يمنح الكلاب فرصة ذهبية لممارسة هوايتها في إخافة الناس وبث الرعب في الاتجاهات والأنحاء لسبب أو لغير سبب. أين تذهب؟ يتساءل البعض: أين يمكن أن تذهب هذه الكلاب إذا ما تم إخراجها من المدن وما هو البديل الأنسب لها؟ ومع أن البعض يدعم وبقوة فكرة قتل الكلاب والتخلّص منها نهائياً يرى آخرون أن المناطق الريفية أو النائية هي المكان الملائم في حين يذهب غيرهم إلى القول بإمكانية توزيع هذه الكلاب على الأسر الميسورة بحيث تقوم هذه الأسر بتوفير المساكن الخاصة بها وتوفر لها العناية والاهتمام الكامل على نحو ما يوجد في الدول الأوروبية وبخاصة أن تخصيص مسكن للكلاب بجوار أو داخل منازل الأثرياء الواسعة لن يؤثر عليهم في شيء. والملائكة!! عكس النقيض مما سبق ثمة من يؤكد وبقوة أن المسألة لا تتعلق باستيعاب الكلاب داخل المنازل حتى يتم حل مشكلة قائمة بل يتعدى ذلك إلى اعتقاد ديني راسخ لدى كثيرين بأن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه كلب أو صورة فما بالك بشوارع تعز نفسها التي قد لا تسير فيها الملائكة لأنها ممتلئة بالكلاب. اشحنوهم إلى كوريا أوساط إسلامية وشعبية لا تنفك عن التأكيد في كل مرة يتم فيها مناقشة أو التطرق إلى ظاهرة كلاب الشوارع بأن العالم اليوم يستفيد من كل شيء له سوقه وله قيمته وإذا كانت الكلاب عندنا ليست لها قيمة فالكوريون يبحثون عنها ب«السراج» وتصديرها إلى كوريا يمكن أن يحل المشكلة ويعود بالنفع على الو طن والمواطن وبدل أن يكثر الكلام حول الدينات المحملة بالكلاب التي يدور اللغط حولها ما إذا كانت تخرج من تعز أم تدخل إلى تعز أو إذا أصحاب محلات بيع اللحوم يبيعون للناس لحوم كلاب أم لا يمكن أن يحل تصدير الكلاب المشكلة هذا طبعاً في حال كانت الجهات ذات العلاقة عاجزة عن حل المشكلة. جهود مبذولة لا أحد يستطيع القول إن مشروع النظافة بمحافظة تعز لم يقم بأي دور يذكر لكن ثمة من يرى أن هذا الدور أقل من اللازم ولم يقدم حتى الآن حلاً شافياً لهذه الظاهرة مشيرين إلى أن توزيع اللحوم السامة على الكلاب في الحواري وتركها حتى تموت ثم ترحيلها بعد ذلك إلى مقلب حذران هي خطوة إيجابية لكنها غير مستمرة، فبمجرد تنفيذ حملة من هذا النوع وترك الأمور بعد ذلك يؤدي إلى زيادة أعداد الكلاب وعودتها من جديد وبأعداد أكبر ما يعني ضرورة بذل أقصى الجهود والقيام بحملات مركّزة وطويلة المدى تقضي على الظاهرة وتريح المدينة من مشكلة الكلاب الضالة التي لا يتناسب وجودها وكون تعز عاصمة ثقافية.