158 جمود المشهد السياسي وصلابة موقف شعب الجنوب "1" كتب / أديب السيد (قد لا أبالغ هنا إذا ما قلت أن المشهد السياسي اليمني جامداً رغم تعدد الصور التي تتوالى فيه ، خاصة وانه مع كل صورة تظهر القضية الجنوبية بحجمها الكبير وعمقها السياسي في مقدمة المشهد مما يجعل كل صور المشهد السياسي واحدة ، ولنا هنا ان نتخيل مدى تعدد وسائل أعداء القضية الجنوبية التي يضربون بها القضية دون ان تؤثر في صورتها العامة ، إلا انه كلما أستخدمت الوسائل لإستهداف القضية الجنوبية كلما زاد غضب شعب الجنوب وزادت صلابة مواقفه . ومع الموقف الواحد للسياسيين والغير سياسيين في صنعاء من القضية الجنوبية والذي لم يتغير ابداً لا قبل ما تسمى الثورة ولا بعدها ، يبقى شعب الجنوب هو الأكثر أحقيه بالإستمرار بمواقفه ونهجه ومطالبة المشروعة والمتمثلة بالتحرير واستعادة دولته . ) مدخل : إن لصلابة المواقف الثابتة التي يظهر بها الشعب الجنوبي من خلال ثورة الحراك الجنوبي السلمي آثاراً قد يعدها بعض المزايدين سلبية وقد تنال سخطهم على مستوى الفرد والحزب والنظام دون معرفتهم أن الحق الذي يملكه شعب الجنوب يخول له ان يعض بالنواجذ على أهدافه وتطلعاته وما تلك الصلابة في الموقف الجنوبي إلا دليلاً عن مدى الوعي الراسخ والحق الذي يمتلكه الجنوبيون في التمسك بحقهم المشروع المتمثل في إستعادة وضع دولة الجنوب المستقل على كامل السيادة الوطنية ، ومع إشتداد الموقف السياسي لشعب الجنوب صلابة تظهر بوادر جلية ومتفهمه لحق التمسك الذي يبديه شعب الجنوب تجاه قضيته الجنوبية السياسية العادلة ، رغم انه في البداية لابد من ظهور مواقف معاكسة او معادية للحق العادل الذي يمتلكه الجنوبيون ولكناه ضعيفة ومخزية وذلك مثلما يجري حالياً . وبما ان جميع السياسيين والمتابعين اليوم ينتظرون بفارق الصبر إنقشاع الغيوم الملبدة بالعتمة على المشهد السياسي اليمني وحلحلة الجمود الطاغي بكثافة على سماء الأوضاع التي يحق لنا ان نشبهها بالمثل القائل " إنني أسمع جعجعة ولا أرى طحينا" ، وذلك لرتابة المشهد وتكرار سيناريوهاته المملة الغير قابلة للتغيير بتاتاً نتيجة لعدم الإعتراف السياسي بالمشاكل التي طغت بحجمها وضخامتها على المشهد السياسي ومحاولة كل اللاعبين السياسيين في صنعاء التحاذق الغير مجدي لنصب الكمائن والخدع السياسية ضد الجنوب والتكسب السياسي من وراء ذلك رغم عدم أحقيتهم بتاتاً بتلك الممارسة التي جعلت المشهد رتيباً إلى حد البشاعة والاستنكار ، وهو ما دأبت على ممارسته قوى صنعاء منذ الوحدة اليمنية وأدخلت المشهد السياسي في طور العبث الثيوقراطي المستمد من القرون الوسطى وذلك فيما يخص الوضع اليمني العام وكذلك الخاص بالقضية الجنوبية أيضاً التي تتصدر المشهد السياسي بقوة . ومع ذلك لم تعد اليوم مسألة حلحلة الموقف الجاد والصلب للإرادة الشعبية في الجنوب أمراً سهلاً كما يتخيله كثير من مسوقي السياسية الدولية ومروجي حلول الأزمات والخلافات السياسية ، وذلك لكون القضية الجنوبية قد تجاوزت مسألة الخلاف السياسي او الأزمة السياسية وبات توصيف الحالة الراهنة للوضع في الجنوب أبلغ بكثير من تلك المسائل السياسية التي تجري هنا وهناك ، فالمعادلة بالنسبة للقضية الجنوبية مختلفة جداً ويمكن لنا هنا توصيفها بما يشبه حالة مرضية مزمنة " chronic" لا يمكن ان ينفع معها أي من المهدئات او المخدرات الموضعية المخففة للألم ، ويجب إنقاذها بالتدخل الجراحي الفوري ، حيث وكل تأخير في معالجتها يزيد من حالة السوء والتدهور . وبما ان الإرادة السياسية التي يتحلى بها شعب الجنوب والمطالبة بإنهاء شراكة الدولة الجنوبية فيما يسمى " الوحدة اليمنية" وإستعادة دولة الجنوب كاملة السيادة باتت اليوم تفرض نفسها على المجتمع الدولي كونها حالة سياسية مزمنة غير قابلة لأي من المهدئات أو التلاعب السياسي الغير مجدي بتاتاً ، فسيكون من الواجب الأخلاقي أولاً والسياسي ثانياً ان يتم معالجة الحالة بحسب ما تحتاجه من الحلول المجدية والعلاجات الناجعة حتى لا يؤدي أي علاج وهمي أو غير مناسب إلى إظهار أزمات آخرى . ولأنه بات من الواجب الحتمي علينا متابعة مجريات المشهد السياسي الخاص بالقضية الجنوبية كونها المفتاح الوحيد لحل مشاكل اليمن وحلحلة الوضع اليمني من مكانه فإننا سنقف بجدية لقراءة ما يخص الجنوب فيما يحدث من جعجعة سياسية تتصدرها القضية الجنوبية والتي تتغابى قوى صنعاء المكابرة عن الإعتراف بها او بكونها المفتاح الوحيد لفتح الأبواب والدخول في مشاهد سياسية جديدة تنتقل معها اليمن من واقعها المزري إلى وضع أكثر واقعية وتجديد ، وهذا ما ترفضه القوى التقليدية لما لها من مكانه ولما يدر عليها من أموال الثروات التي تذهب إلى خزائنهم ، وهذا ما يجعلهم يحافظون على رتابة المشهد السياسي ويحاولون عدم الإنتقال به إلى الجديد كونهم سيفقدوا الكثير مادياً ومعنوياً وسياسياً ، بل أنهم باتوا اليوم يسخرون أموال طائلة من تلك التي يسيطرون عليها ظلماً وعدوانا لتجنيد قوى وأطراف ووسائل إعلامية من أجل ذلك في سيناريو جديد قديم يدل على العقلية الجامدة والتفكير العقيم . القضية الجنوبية في المشهد السياسي اليمني لا شك أن القضية الجنوبية هي المتصدرة للمشهد السياسي اليمني منذ عدة أعوام مضت وهذا ما لا ينكره جاحد ، ولان رتابة المشهد السياسي على المستوى اليمني العام قد كانت هي الممارسة التي إتخذها النظام اليمني السابق برئاسة المخلوع صالح "أحد زعماء القوى التقليدية " وزعيم التجديد الأوتقراطي للحكومة اليمنية العقيمة فقد أدى ذلك إلى حقيقة واقعية بجمود المشهد السياسي على كل المستويات الداخلية والخارجية وحتى على مستوى الاحزاب اليمنية ذاتها سواء الحاكمة او المعارضة ، لكن تلك الرتابة جعلت القضية الجنوبية تشق طريقها بقوة للوصول إلى قمة المشهد اليمني وساعدها في ذلك الكثير من الممارسات السياسية العنصرية ضد الجنوبيين والعسكرية والقمعية ضد حراكهم السياسي السلمي الذي نتج عن القضية الجنوبية السياسية التي بدأت فصولها منذ ما بعد الوحدة اليمنية عام 1990م وتجسدت ملامحها وركائزها بعد إجتياح القوات الشمالية للجنوب عام 1994م وتفجرت ثورتها عام 2007م . ونتيجة لإستمرار رتابة المشهد السياسي الذي خلقه النظام السياسي اليمني تسارعت التطورات السياسية نحو الإنهيار في إطار الفروع والممارسة دون ان يطغى أي تغيير على المشهد السياسي العام غير إنعكاس او استمرار التدهور العام لمستوى اليمن ونتج عن ذلك إزدياد ضخامة القضية الجنوبية السياسية التي يمثلها الحراك الجنوبي السلمي في ثورة سلمية عارمة أدت إلى تحطيم او تجميد العمل الإداري الهيكلي والتنظيمي على مستوى الدولة وفروعها بالكامل ، ففشلت كل العمليات السياسية والإنتخابية والإدارية ، ونتيجة للجمود السياسي لدى القوى التقليدية الحاكمة تم ترحيل الفشل السياسي مقابل عجز كلي لمواجهة عدالة القضية الجنوبية وحاملها السياسي الحراك الجنوبي السلمي وثورته الشعبية العارمة التي إتسعت رقعتها في الجنوب كالنار في الهشيم ، ففشلت كل العمليات الإنتخابية سواء لمجلس النواب وهو المجلس التشريعي للدولة وكذلك الإنتخابات المحلية وهي المجالس التنفيذية للدولة وأدى ذلك إلى تعطيل القانون وأجهزة الأداء الحكومي وخاصة جهاز الأمن مما زاد من سوء الأوضاع وتدهورها ، وبالمقابل زاد من تمسك الجنوبيين بثورتهم السلمية ومطالبهم بإستعادة دولتهم الجنوبية ذات القانون والنظام الذي بات منعدماً تماماً في ضل حكومة "الجمهورية اليمنية " الموحدة . كل ذلك نتج بسبب قوة الحق التي ترتكز عليها القضية الجنوبية وكذلك إستمرار الممارسات القمعية العسكرية والسياسية الناتجة عن الغباء السياسي الذي يعشعش في أفكار القوى التقليدية الشمالية التي استطاعت غزو الجنوب والسيطرة عليه بالقوة العسكرية عام 94م . حيث بات اليوم من الصعب جداً ان يتم الإستنقاص من اهمية وحجم القضية الجنوبية السياسية رغم كل المكائد والخدع والممارسات التي تفتعلها قوى الشمال في الجنوب ، حيث تحاول إثارة الفتن تارة ، والإستطقاب تارة آخرى ، وإلصاق التهم السياسية وإستخدام الاوراق أحياناً آخرى ، ففشلت كل تلك الاوراق بما فيها ورقة زرع القاعدة في الجنوب وإتهام الجنوبيين بها . بل ان ذلك أدى إلى ازدياد قوة القضية الجنوبية سياسياً مقابل كل إخفاق وفشل تحققه قوى صنعاء في الجنوب ، ومع إحتراق الاوراق التي تستخدما صنعاء فعلياً في الجنوب يزداد الجنوبيين تمسكاً بالحق المرتبط بالقضية الجنوبية السياسية العادلة . القضية الجنوبية في المشهد السياسي الدولي إن الموقف الحقيقي للمجتمع الدولي تجاه القضية الجنوبية وثورة شعب الجنوب ليس هو الموقف المتجسد في الإعلام اليوم او ما يمارسه المبعوث الأممي جمال بن عمر ، فالسياسة لا تظهر من كواليسها إلا اليسير فيما خلف الكواليس تختفي الحقائق الأكثر تجسيداً للتعامل مع القضايا الهامة والعادلة وخاصة حينما تجسدها إرادة الشعوب مثلما يحصل اليوم مع الشعب الجنوبي الصامد بإرادته الفولاذية للتمسك بقضيته السياسية العادلة المتمثلة في شكل الدولة الجنوبية وهويتها ومكانتها وسيادة أراضيها ،وهي القضية التي رغم عدالتها فإنها ليست سهلة إلى الحد الذي يتصوره الكثيرون ، وذلك كون القضية الجنوبية ومسألة إستعادة دولة الجنوب لن تعمل على تأثر المواقف السياسية لبعض الدول بها فقط ، بل ستؤدي إلى إعادة رسم الخارطة الجيوسياسة والإقتصادية لأغلب دول العالم كون الجنوب هو المكان الأهم في العالم والأكثر حرصاً على التسابق إليه من دول العالم وخاصة الدول العظمى . لكنه وإنطلاقاً من التفصيل والقراءة الواقعية لما ذكرنها في البداية فإن المجتمع الدولي الذي حددت مساره دولاً عربية تريد ان تتربع على عرش الوصاية للدول العربية قد ضل منتظراً أعواماً عديدة حتى يتخلص النظام اليمني في صنعاء من القضية الجنوبية ويتم تصفية الحراك الجنوبي وإنهاءه كي يتم إستراحتهم مما يؤرق دولاً عربية تخشى هواجس ما يمكن ان تعتبره خطراً عليها فيما هي لو تعاملت بجدية لكانت الأقرب تعاوناً مع الجنوب ، ولكن حينما إقتنع الجميع بأن صنعاء باتت عاجزة تماماً امام القضية الجنوبية تم التدخل من اجل تنفيذ المهمة متخذين مما سمي "بثورة شباب التغيير " التي إندلعت في الشمال ذريعة للتخلص من القضية الجنوبية وضرب عدة عصافير بحجر على ان يتم قتل العصفور الأكبر والأخطر وهو القضية الجنوبية ، وبما انهم لم يتمكنوا من ازاحة نظام صالح بالكامل من حكم اليمن نتيجة عقلية الرجل وسيطرته على العقليات القبلية المتخلفة في صنعاء بأنه لا يصلح لحكم اليمن غيره ، فقد تم إزاحته كشخص عن الحكم جزئياً فيما لا تزال منظومته تسيطر على حكم اليمن حتى اليوم ، وحينها بدأت قوى دولية حاقدة بالقيام بالدور لتصفية القضية الجنوبية وانتجت ما يسمى ب"المبادرة الخليجية" التي إستنقصت تماماً وأهملت القضية الجنوبية السياسية العادلة ورسمت سيناريوهات متدرجة لتحقيق ما فشلت سلطات صنعاء على تحقيقه بتصفية القضية الجنوبية وإنهاء الحراك الجنوبي السلمي المطالب بإستعادة دولة الجنوب وفك الإرتباط من الوحدة اليمنية المزعومة. ومن هنا إبتداء المسلسل التراجيدي مع القضية الجنوبية والحراك الجنوبي وبدأت عملية التعتيم الإعلامي والسياسي وبداء إغلاق الستار حول المشهد الخاص بالقضية الجنوبية ليتم التفاوض والترغيب والترهيب من خلف الكواليس التي تنكشف في بعض الأحيان للرأي العام ، حيث بداء تنفيذ ما سمي "الانتخابات المبكرة في 21 فبراير 2012م وعندما فشلت في الجنوب توالى المسلسل فجاء ما يسمى " الحوار الوطني " وهو الأكثر تعنتاً وسماجة مع القضية الجنوبية وممثلها الحراك الجنوبي ، وجاءت معها الكثير من المشاهد النابعة من مطبخ واحد وإتجاه واحد وسياسة واحدة وعاد للواجهة من يسمون "بالسلاطين الجنوبيين " وبدأوا يتحدثون عن مكانتهم ورؤاهم نحو القضية الجنوبية ، وظهر ما سمي " أقليم حضرموت " ، والفيدرالية ، وظهر الهجوم الشرس والمستمر حتى اللحظة على الرئيس الشرعي الوحيد الذي تتفق عليه مكونات الحراك الجنوبي وهو الرئيس علي سالم البيض ، وجاء الترويج للخلافات بين مكونات الحراك ، وقضية القاعدة في أبين وإنشاء مراكز إعلامية لحزب الإصلاح تستهدف الجنوبيين والحراك الجنوبي وتبث الكراهية ضدهم وتسعى لخلق صراع جنوبي شمالي وإراقة دماء المسلمين والأخوة وتغذية الصراعات المناطقية والفئوية من خلال ترويج الإشاعات وتبني إصدار الفتاوى الدينية . يتبع الجزء 2