عصر الثلاثاء الماضي فوجئ الكثير من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي بالهزة الأرضية التي نتجت عن الزلزال الذي ضرب ضواحي مدينة بو شهر، الواقعة على الضفة الأخرى من الخليج العربي، والتي تبعد 400 كلم عن الدوحة، وبمسافات متفاوتة عن سائر المدن الأخرى لدول مجلس التعاون، حيث مفاعل بوشهر النووي، وبذات القدر أثار الزلزال هزة مماثلة من التساؤلات بشأن الخطر المحدق بدول الخليج العربي من أية انحرافات لهذا المفاعل، ما جعل التساؤلات تدور حول موقعه، ومدى قدرته على الصمود أمام الزلازل والكوارث، ولعل التساؤل الأهم والأكثر دراماتيكية هو: ماذا سيحل بنا في حال حدث تسرب إشعاعي من المفاعل؟ وهل بمقدورنا التعامل مع أية كارثة إشعاعية متوقعة على غرار ما حدث بتشرنوبل؟! واقع الحال، مركز الزلزال لم يكن يبعد كثيراً عن موقع المفاعل، وحساسية الموقع ترجع إلى كونه مطلاً على الخليج العربي، وعلى نقطة التقاء ثلاث صفائح تكتونية جيولوجياً، ولا أحد غير طهران يعلم عن سر إنشاء المفاعل في هذا الموقع، غير أن ثمة محللين يقولون إن مقترح الموقع يرجع إلى عام 1972م من دراسة قدمها الأميركيون للشاه آنذاك لأربع مفاعلات في بوشهر، إلا أن المفاعل لم يرَ النور إلا منذ عامين وعلى أيدٍ روسية. وعلى الرغم من أن طهران تؤكد أن المفاعل تم إنشاؤه بتقنية عالية، وأنه خاضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأنه يستطيع الصمود أمام زلازل تزيد قوتها عن (8) درجات بمقياس ريختر، إلا أن المشاهد المأساوية التي خلفتها كوارث مشابهة لما يمكن أن يحدث في بوشهر -لا سمح الله- وأعني بها زلزال اليابان في 2011، والذي أدى إلى كارثة بيئية سببها تسرب مفاعل يوكوشيما النووي، يشكك في قدرة دولة من العالم الثالث كإيران على احتواء أية كارثة نووية قد يسببها هذا المفاعل الذي لا يبدو من المُطمئن أنه حُصِّن بضمانات أكثر دقة من نظيره الياباني. وبغض النظر عن البعد السياسي للموضوع، وبعيداً عن رفض إيران الانضمام لاتفاقية السلامة النووية، وإصرارها على بناء مفاعلات أكثر في نفس الموقع وغيره، وبعيداً عن تأخر مجلس التعاون الخليجي في الإعلان عن نية إنشاء مركز لرصد الإشعاعات النووية.. دعونا نتصور أسوأ سيناريو يمكن وقوعه: فإن أية حادثة في المفاعل المذكور، طبيعية كانت أو مفتعلة، ستكون لها آثار مدمرة، على دول المنطقة، وفي مقدمتها قطر التي لا يمكن أن تكون بمعزل عن النتائج السلبية لذلك، حيث إن اتجاه الريح سيساعد في نقل الغبار الذري باتجاهنا في ساعات قليلة، عندها ستتلوث مياه البحر بالإشعاعات، وستتأثر عملية تحلية مياه البحر التي تعتمد عليها البلاد لتوفير المياه العذبة، كما ستتأثر الثروة السمكية، وسيتعين إخلاء السكان إلى المناطق الخالية من الإشعاعات، وسيكون ذلك صعباً في دولة تحدها المياه من ثلاث جهات، وإذا نظرنا إلى البعد الاقتصادي فسيتأثر اقتصادنا إذا ما تأثرت الملاحة في الخليج الذي يصدر الغاز وربع إنتاج العالم من النفط! إن إمكانية حدوث تسربات نووية ليست سيناريوهات افتراضية لأفلام خيال علمي، والتاريخ الحديث يحكي لنا أمثلة حية في تشيرنوبل واليابان، وحدوثها في الخليج ليس مستبعداً، خاصة مع ازدياد النشاط النووي في المنطقة؛ فدول الخليج تعتزم إنشاء عدة مفاعلات لأغراض سلمية في العقود القادمة. وعلى المستوى المحلي فنحن في قطر أحوج ما نكون إلى وقفة من صناع القرار لاتخاذ حلَين، أحدهما دبلوماسي بمحاولة إقناع الإيرانيين ومساعدتهم على نقل المفاعل من مكانه من بوشهر إلى أماكن أخرى أقل خطورة على المنطقة، غير أنه من المستبعد موافقتهم على ذلك، والحل الآخر إجرائي بوضع خطة وطنية لمواجهة الكوارث النووية في قطر عبر التفاهم مع دول مجلس التعاون، بحيث تتعاون جميع الأطراف الأمنية والصحية والدفاعية لمواجهة أي كوارث نووية محتملة، لا سيما إذا علمنا أن مسافة الأمان للسلامة من التلوث الإشعاعي قد تفوق مساحة بعض دول المجلس، وهو ما يجعل حتمية العمل لتحقيق الوقاية فيما لو حدث شيء من ذلك مدروسة سلفاً، ومفعلة عبر التدريب عليها، وقابلة للتنفيذ في أي وقت تدعو الحاجة إليها.