غزة: بطولة تفرز العدو والصديقليست هذه أوّل معارك غزة، ولا آخرها. ليست بطولتها التي تبهر العالم هذه الأيام بطولة نادرة في تاريخها القديم، أوالحديث. غزة شكّلت منذ بدء الصراع مع العصابات الصهيونية (عقدة) لقادة الصهاينة، أعادوها إلى تاريخ قديم (انتحلوه)، واقنعوا أنفسهم به، ولذا تمنى أولئك القادة لو يستيقظون ليجدوا أن غزة ابتلعها البحر! غزة تُذكر الصهاينة وقادتهم بأن فلسطين لا يمكن تبديل اسمها، وحقيقتها، وعنوانها، ومقاومتها، وهويتها، وانتمائها للأمة العربية. دائما بطش الصهاينة بغزة، واقترفوا المذابح محاولين أن يكسروا شوكة أهلها، ويطفئوا شعلة فلسطين التي تتوهج هناك في الخاصرة مذكرة بأن فلسطين لن تكون (إسرائيل)، وأن الحرب لم تنته بعد، وأن الصهاينة لن يرتاحوا ويطمئنوا مهما امتلكوا من أسلحة. لم يبدأ العدوان الصهيوني على قطاع غزة يوم الأربعاء الماضي، باغتيال البطل المجاهد أحمد الجعبري (الخليلي) انتهبوا جيدا لهذه المعلومة الذي أقلق الصهاينة، وأوجعهم، والذي كان يجاهد لتحرير كل فلسطين، ولكن العدوان بدأ وتواصل منذ أعلن الكيان الصهيوني عام 48. من غزة انطلق الفدائيون عام 1955 بتوجيه وقيادة مصرية، في مواجهة اعتداءات عصابات الاحتلال على القطاع، واقتراف الجرائم بأهلنا اللاجئين، بهدف إحباط الغزيين، وإفقادهم الثقة بمصر ثورة 23 يوليو الناصرية، تلك العدوانات التي دفعت جمال عبد الناصر للتوجه شرقا، وعقد صفقة الأسلحة التشيكية برعاية (سوفييتية). غزة ليست مكانا معزولاً عن فلسطين، إنها عنوان لفلسطيني بمقاومتها، وتأبيها على التوطين في سيناء، وحملها الدائم لراية فلسطين. وها هي غزة من جديد تعود، وتعيد الحضور والحيوية لفلسطين القضية والشعب المقاوم العنيد، الذي أبرز صفة من صفاته الكثيرة أنه: الشعب الذي لم ينهزم، ولن ينهزم، رغم كل ما أنزله العدو به من ضربات، وبالرغم من كل المؤامرات التي أسهم فيها حكام عرب، وأنظمة حكم عربية قامت بأداء أدوار تآمرية، وتواطأت مع الصهاينة. لعل نتينياهو وباراك والمأفون ليبرمان اتخذوا قرار اغتيال البطل الجعبري لجني نتائج حاسمة في انتخابات الكنيست القادمة، فدائما كان الدم الفلسطيني يوظف لمكاسب للقتلة الصهاينة في بورصة (أمجادهم) السياسية، بمباركة أمريكية أوربية عنصرية حقيرة، دون رادع مما يسمى (بالمجتمع) الدولي، لا من مجلس الأمن، ولا من الأممالمتحدة، ولا من محكمة الجنايات الدولية، ولا من إعلام الديمقراطيات الغربية المنحاز للكيان الصهيوني دائما. غزة في هذه الأيام المجيدة، من جديد، تفتح العيون، والعقول، وتوقظ الضمائر على حقائق الصراع العربي _ الصهيوني، فمعسكر الأعداء منحاز للكيان الصهيوني، ولعدوانه على فلسطين والعرب، منذ أنشى وحتى اليوم، وتصريحات قادته، من أوباما الانتهازي الذي لا يملك إلاّ أن يكون مع الكيان الصهيوني أسوة بغيره من رؤساء أمريكا، بل وأن يباهي ،مزاودا، بأنه من بين كل رؤساء أميركا، أكثر من قدم للكيان (لإسرائيل) ، إلى فابيوس الصهيوني، إلى ساسة بريطانيا أصل نكبتنا ومصائبنا، إلى ألمانيا أسيرة عقدة قتل اليهود أيام النازي، والتي تعوضهم بالسلاح، والمال، والمواقف الدبلوماسية، على حساب وطننا فلسطين،ولحمنا ودمنا، وعلى حساب أمتنا العربية جمعاء! غزة في هذه الأيام تفرز عربا عن عرب، فغزة تقاتل بصواريخ تدك تل أبيب، وأورشليم، وما بعدهما هيرتسليا اسمها تكريم لهرتزل المبشّر بالدولة اليهودية_ فبارك الله بمن زود غزة بهذه الصواريخ، ومن أوصلها، ومن درّب عليها، وهؤلاء ليسوا وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في (الجامعة)، والذي قالوا في اجتماعهم كلاما كبيرا في تشخيص ما يجري، ومن ثمّ تمخض اجتماعهم عن بيان لا يقدم لغزة شيئا، سوى مديح هي في غنى عنه، لأن امرأة تعلن من غزة أنها وأسرتها مع المقاومة حتى تتحرر فلسطين هي أهم بكثير من وزراء الخارجية في ميزان الفعل والمقاومة الميدانية. هرول الخائفون من حكام العرب المتواطئين على فلسطين، أصدقاء الصهاينة، لا لينقذوا غزة ، ولكن ليوقفوا المعركة قبل أن تأخذ مفاعيلها وتفرز فرزا ينهي الاختلاط والتعمية، وتزيل الغشاوة عن عيون العرب البسطاء الذين شوه وعيهم ببذر بذور الشقاق والحقد بين سني وشيعي، و..أحلال إيران في موقع العدو بدلاً من العدو الصهيوني. غزة المقاومة تخوض معركة كبيرة ومفصلية في مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني، وهي تعيد تعريف العدو والصديق، الأخ الحقيقي في الشدائد، والأخ الغادر البائع السمسار الفاسد والكاذب مهما أسال من دموع التماسيح. معركة غزة بالدم الفلسطيني هي معركة فلسطين كلها، وشعب فلسطين كله، ولذا فهي معركة ملايين العرب الذين تمّ الالتفاف على ثوراتهم، وحراكاتهم، وانتفاضاتهم..لذا فهذه المعركة يمكن، إذا لم يُغدر بها، أن تكون معركة إعادة الوعي بتحديد البوصلة في الاتجاه الصحيح. لا تقاتل غزة واقفة في عين الموت لتحصل على مكاسب صغيرة، يمكن تحقيقها بقرار من مصر (الثورة): فتح معبر رفح بشكل دائم لأهل غزة، وللبضائع، فحدود مصر فلسطين الدولية مسألة تخص سيادة مصر. غزة بالدم تعيد لفلسطين القضية حضورها بعد أن غيّب هذا الحضور، بالتآمر العربي الرسمي، وبالصراع على السلطة. في الميدان يمكن أن تتحقق الوحدة الوطنية، وهذا ما قلناه دائما، فالصراع على (التسوية)، وتحقيق مكاسب هنا، وهناك..يعمق الخلاف، ويمزق صفوف شعبنا. حتى تأخذ المعركة بعدها الذي يحرم المتواطئين الرسميين (العرب) من نجاحهم في التآمر والالتفاف على دمنا، لا بد من فتح المعركة في الضفة الغربية التي جردت مقاومتها من السلاح، وطارد الاحتلال مقاوميها، وتآمرت الأجهزة الأمنية على الكثيرين منهم، وزجتهم في السجون، بما فيهم أبناء فتح. المقاومة في الضفة شعبيا، وبما تيسر من إمكانات، والاشتباك بكل ما يتوفر مع المستوطنين ، وحواجز الاحتلال، ستعني امتداد المعركة واتساعها لتكون معركة شعبنا كله، وليست معركة محصورة في قطاع غزة. هذه معركة لا تخص حماس والجهاد وبقية الفصائل في قطاع غزة، فلهذه الفصائل جميعا امتداد في الضفة رغم ما تلقته من ضربات، وهذه فرصتها لتحقيق الوحدة الوطنية في الميدان أسوة بما تحققه في غزة. هذه المعركة المهيبة أعادت لشعبنا حضوره، والاستعدادات لها من حماس والجهاد بشكل رئيس، وبقية الفصائل التي تشارك بما يتوفر لها من إمكانات صاروخية متواضعة، لا تعني أبدا أن الفصائل ليس لديها ما تفعله على الأرض في المعركة البرية. ونحن نفخر بما يجترحه أبطالنا من منجزات صدمت العدو وقادته، ورغم خسائرنا البشرية، وحتى بالبنية التحتية، فإنني أحذر من (مؤامرة) تطبخها أطراف عربية، بتوجيه أمريكي، لإنهاء المعركة قبل أن تمضي بعيدا، حتى لا تدخل قوى مقاومة إلى الميدان، حزب الله تحديدا، في حال تصاعدها وامتدادها، وهو ما سيعني إفشال مخططات هدفها الجوهري إنهاء الصراع مع الكيان الصهيوني، وتقديم أمريكا كراعية للديمقراطية في بلاد العرب، وتوجيه عداء العرب باتجاه إيران،واستهداف حزب الله، وإغراق سورية في مستنقع الدم المؤدي للانتحار والخراب. كعرب فلسطين: أنا فخور بهذه المعركة، بالداء، بمفاجأة العدو، بصلابة شعبنا المجرب..بروح الوحدة الميدانية، و..قلق أيضا، وآمل أن يتبدد قلقي ومخاوفي بتحقيق إنجازات لقضيتنا وشعبنا، بحيث لا نعود إلى ما قبل معركة غزة، فيهدر الدم والبطولة، ونتوه من جديد ..لا سمح الله!