بداية أبارك للجميع بحلول شهر رمضان المبارك، وفقنا الله جميعًا لصيامه وقيامه، وبين يدي هذا الشهر أتحدّث عن الشهر وتأثير الصوم على المسلم. فالمتأمل لهذا الشهر الفضيل يجد أنه يخلق في نفس الإنسان الصبر، إذ مَن صبر على الجوع والعطش وغير ذلك طوال ساعات النهار، وهو في يقظة وحركة يهون عليه الصبر على الأمور الأخرى، والحقيقة أن هناك فوائد متنوعة للصيام، وقد ذكرت بعض الدراسات النفسية أن الصوم من أهم السبل لتقوية الإرادة، فالإنسان يترك طعامه وهو في أشد الحاجة إليه، ويبتعد عن الماء وهو بأمسّ الحاجة إلى قطرة منه، وهو يوحي بالثقة وينمي عزيمته، ويقوي إرادته، كما أن الصوم يحرر الإنسان من سلطان العادة، إذ في الصوم يغيّر الإنسان عاداته كلها تغييرًا شاملاً، وكلّما قوي الإنسان على نفسه وتحرر منها، وجّه إلى مراده بسلام. جدوى اقتصادية كما أن الصيام يحقق جدوى اقتصادية يستفيد منها، حيث ذكرت بعض الدراسات أنه لو فرض أن الإنسان سيتبع في شهر رمضان ما يتبعه في غيره من الأشهر بالنسبة لكماليات الطعام في كل وجبة، فلا بد أن يكون ذلك أقل ممّا يتناوله في غيره من الأشهر الأخرى، كما يوصي بذلك الشرع والطب، فنجد أن الإنسان بدلاً من تناول ثلاث وجبات في اليوم والليلة يقتصر في شهر رمضان على وجبة ونصف؛ باعتبار أن السحور أو الفطور عند بعض الناس يقل، فهو يكون قد اقتصد نصف ما يتكلفه في غيره، إضافة إلى امتناعه عن كثير من المرطبات والفواكه، ونحو ذلك، ومهما تناول منها بعد الإفطار فلا تزيد على نصف ما كان يتناوله في غيره، وبذلك يكون الإنسان قد اقتصد في رمضان نصف نفقته تمامًا، هذا إذا لم تتحكم في نفسه تلك العادات الدخيلة على رمضان، وهي الإسراف في إحضار كم كبير من الأطعمة والحلويات وتركها، فيكون مصروفه في رمضان أكثر من غيره من سائر الشهور. كما أثبتت الدراسات الاجتماعية أن الصوم وسيلة ايجابية فعّالة لإعلان المساواة بين الناس، فالإمساك عن الأكل والشرب في مجتمع ما إنما في لحظة واحدة للجميع، والإفطار كذلك، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، ورئيسهم ومرؤوسهم، كما أنه يشير إلى حقيقة الوحدة بين الشعوب الإسلامية والشعور الواحد الذي يحققه الصوم بينهم ويربطهم برباط واحد، وللصوم تأثير فعّال على أخلاق الصائم التي يجب أن يحلّي بها نفسه، وتجعله ينشر المحبة والألفة بين أسرته ومجتمعه. وللصوم فوائد أخرى في جمع شمل الأسر بعضها مع بعض، فالأسرة بكاملها تجتمع عند الإفطار، وعند السحور، غالبًا تجتمع اجتماعًا تكسوه الألفة والمحبة. وفي الوقت نفسه يجتمع أهل الحي مع بعض في معظم أوقات الصلوات فيتعارفون، ويتلاقون بشكل أكبر من غيره من الأشهر الأخرى، ولا شك أن تجارب أفراد المجتمع بعضهم مع بعض، وتآلفهم وتعاطفهم، وبذل الغني للفقير ومساعده المحتاج، كل ذلك أمر ملحوظ وله إيجابيات كبيرة، كل ذلك يحصل بسبب الصيام. ومازال العلم يجتهد ويظهر مزيدًا من حكم الصوم وأسراره، ولا شك أن ذلك يزيد من فرح المسلم، والمسلم الحقيقي يكفيه من الصيام الثواب الذي يناله من الله تعالى في الدار الآخرة ''الصوم لي وأنا أجزي به''، وما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ''مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه''.