ظهرت موجة الوجودية الحديثة - العبثية التي كان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر رمزاً من رموزها الفكرية الكبرى ، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية التي شهدت مقتل ما يربو على خمسين مليون إنسان . ورغم إسهامات جان بول سارتر في الأدب ، إلا أنه سرعان ما ظهر تيار أدبي كاسح قدم قالباً أدبياً جديداً عرف بالعبثية ، لكننا يمكن أن نطلق عليه أيضاً : الوجودية العبثية ، أو إن شئت : العبثية الوجودية . وقد كان من رموز هذا التيار فرانز كافكا وسمويل بيكيت ويوجين يونيسكو ، إضافة إلى ألبير كامو الذي أعتقد بأنه كان أكثرهم موهبة وعمقاً ووعياً بطبيعة مأزق الإنسان المعاصر . موجة العبثية في الأدب لم تكن مجرد نتاج لمآسي الحرب العالمية الثانية وإحساس الإنسان الأوروبي بضآلة قيمة الحياة وعبثية مضمونها وسطوة الموت عليها . العبث هو موجة من موجات الفكر الوجودي ، وهو في حقيقته صرخة استغاثة من طغيان الطابع المادي المحض على مجتمعات الغرب ، وليس انعكاسا فقط للتشوهات النفسية التي تسببت في وجودها أحداث الحرب العالمية الثانية . فقدان الباعث للحياة ناتج في المقام الأول حسب مدرسة أو تيار العبث ، عن فقدان المعنى أو الجدوى . وهو شعور مرتبط بشكل عضوي بالإحساس العميق لدى الفرد بالغربة ، أو ما يعرف في علم النفس تحت مسمى : الاغتراب .. حيث يتحول الأفراد إلى جزر معزولة ويفقد المجتمع لحمته ويتوقف عن كونه مصدرا للانتماء ، وبالتالي مصدراً للألفة والحميمية والأمن والحماية ، وباقي الخصائص الإيجابية التي يحصل عليها الفرد من خلال انتمائه لمجتمع ما . الاغتراب إذن هو السر ، والاغتراب هنا ناتج عن التغيير الجذري الذي حل بتركيبة المجتمع وبالتالي بوظائفه . الوجودية العبثية لم تقدم حلولا ، فتقديم الحلول ليس من مهام الأدب أو الفن . العبثية كانت صرخة تنبيه لانسحاق الإنسان ككيان فردي أولا ، تحت عجلة الانتاج الذي تحول من كونه وسيلة إلى غاية نهائية . في مسرحية كاليغولا كان الإمبراطور كاليغولا ، بطل كامو ، يحلم بالحصول على القمر ، أو المستحيل ، ليمنح حياته معنى قادرا على إنهاء حالة الضجر الوجودي التي كان يحس بها . وفي رواية الطاعون كان كامو يستنجد بمخزون المغامرة لدى الفرد للهرب من موت المجتمعات المستسلمة للوباء . وفي رواية الغريب كان كامو يحذر من الاغتراب الذي قد يحول الشعور بالضجر أو فقدان الغاية أو الجدوى ، إلى دافع سلوكي لارتكاب جريمة قتل دون وجود دافع فعلي لارتكاب الجريمة ! بمجرد أن تحول المجتمع البشري إلى سوق استهلاكي ، فقد البشر فرديتهم لتحل محلها الأنا . الفرد الذي ينظر إلى الرفاهية كغاية عظمى ، هو مخلوق ما ، لكنني أتحفظ على وصفه بالإنسان . [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain