"اللغة بين الحياة والثقافة" بقلم سناء سليمان لكل شعب ثقافته التى يتميز بها عن غيره،وينفرد بها كهوية راسخة له،وتنعكس هذه الثقافة على لغة هذا الشعب؛فاللغة فى أى مجتمع هى مرآة ثقافته وهى الوسيلة التى تستخدمها الشعوب للتعبير عن العناصر المختلفة للثقافة فى عاداتها وتقاليدها وقوانينها وفنها وفكرها ورقيها وتطورها ومفاهيمها،ولذا يوجد تكامل بين اللغة والثقافة وكلاهما يكتسب بصورة اجتماعية ؛فالتكامل بين اللغة والثقافة لازما وضروريا وواجبا، ولا يجوز الانفصال بينهما. ولأن الثقافة فى مفهومها تمثل " مجموع القيم والمفاهيم التى تحكم سلوك الأفراد أو المجتمع فى حقبة معينة من التاريخ". ونفهم من خلالها بعضنا البعض، ونتحاورمع بعضنا البعض ونتناقش فى موضوعات وأفكار وقضايا هامة وشائكة من خلال لغة موحدة؛ولأنها وسيط بين البشر؛فلا نستطيع الاستغناء عنها ؛ولذلك ذهب أكثر العلماء إلى تعريف اللغة على أنها:- " لا تقتصر وظيفة اللغة على التفاهم بين الأفراد؛وإنما تتجاوز إلى الأداة التى يتعلم ويفكر بها الإنسان؛فهى تقود عقله وتوجهه وبها تستدل على السلوك القويم مع الآخرين وهى فضلا عن ذلك تحفظ التراث الثقافى للمجتمعات" ولذلك تعد اللغة الوسيلة المنظمة بين العلاقات الاجتماعية ، ووسيلة التعامل والتعاون بين أفراد المجتمع وأهم أدوات الحفاظ على كيانه ويتبع ذلك أنها تعد العامل الأول فى انتشار الثقافة وتدوالها فى المجتمعات المتحضرة وأنها من أهم عوامل الحضارة الإنسانية . ولقد كانت اللغة العربية وثيقة الأواصر بهوية هذه الأمة ووجودها وشخصيتها وخصائصها،ولقد ساهمت فى تكوين العلاقات والارتباطات بين سائر البشر. وواكبت تطورها الثقافى فى العلوم والآداب والفنون والتشريع والفلسفة ، وتعهدت بنقله من جيل إلى جيل عبر العصور؛فهى قلب الأمة النابض وجهازها المحرك ومن العلم أن العربية من اللغات الموغلة منذ القدم ؛فقد كانت فى أوج اكتمالها ونضجها منذ آلاف السنين،إلا أننا أصبحنا اليوم بدلا من الاعتزاز بهويتها والافتخار بعروتنا، نلجأ إلى التحدث باللغات الأخرى من انجليزية وفرنسية وأسبانية ويرها من باقى اللغات المختلفة،وكأن التحدث بها دليل الرقى والثقافة،ولم يصل الحد إلى التحدث بها ،بل أننا أصبحنا نكتب أسماء المحلات والشركات والمطاعم فى الشوارع وعلى وسائل المواصلات؛وكأننا فى حملة دعائية للغات الأجنبية مع العمل على إندثار اللغة العربية. وهذا ما نعاب عليه فى كل مكان وزمان. ولقد ساهمت اللغة فى إلقاء الشعر والخطابة والتجارة وتبادل السلع ،والتعرف على ألفاظ جديدة ومفردات مستجدة من وفود الشعوب الأخرى أو التعامل معهم، ولقد أختار الله (سبحانه وتعالى) اللغة العربية لغة للقرآن الكريم وآيات الذكر الحكيم ،بما بلغته من اكتمال، ومن خصائص فريدة ومتميزة، ومؤهلة للإعجاز الذى أودعه الله ( عز وجل) فى بة الكريم وقوله الكريم "بسم الله الرحمن الرحيم " إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون"صدق الله العظيم سورة يوسف ، وهكذا كان نزول آيات القرآن الكريم باللغة العربية من أقوى الدعائم فى إقرار منزلتها الرفيعة بين لغات سائر الأمم، والقرآن الكريم خير دليل على قدسية اللغة ولا سيما العربية، وهو حافظها. ولذلك ظلت اللغة العربية سائدة وقوية، ومهما حاولت يد السوء والعبث والفساد من النيل منها أو إضعافها فلا تستطيع النيل منها ولها ارتباط وثيق بحياة الأمة وتجاربها ،وكان هذا مما مهد لها سبل الاعتناء ،ووفر لها أسباب النمو والحفاظ عليها. ولقد تناول العلماء والباحثين تعريف اللغة على أنها :" اللغة هى اشتقاق من لغوت أى تكلمت،وأصلها لُغوة:وقيل أصلها لغى أو لُغو، وجمعها لُغى ولغات"؛بينما يوجد لها تعريف آخر" إنها الكلام المصطلح عليه بين كل قبيلة "،وأول من عرف اللغة هو العالم الكبير"أبو الفتح عثمان بن جنى" فى كتابه " الخصائص" على أنها " إن اللغة هى مجموعة من الأصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" وتتميز كل لغة عن غيرها من اللغات بصفات جوهرية تباعد بينها وبين غيرها ؛فإذا كانت الفروق بسيطة لا تمنع التفاهم ولم تؤد إلى فصل اللغات عن بعضها،ولقد عرفها بعض اللغويين بأنها " مجموعة من الرموز اللفظية وغير اللفظية ويعبر بها كل قوم عن أغراضهم" ؛ بينما كان التعريف الآخر "مجموعة من الرموز والمصطلحات المتفق عليها بين أبناء الوطن الواحد أو بين أبناء المجتمع الواحد ،لتكون وسيلة لتبادل المعرفة فيما بينهم" وتعرف فى الاصطلاح على أنها " اللغة عبارة عن نظام صوتى يمتلك سياقا اجتماعا وثقافيا له دلالاته ورموزه ، وهو قابل للنمو والتطور ، ويخضع فى ذلك للظروف التاريخية والحضارية التى يمر بها المجتمع". وبالطبع اللغة تراث ثقافى نفيس وفكر جامع لديوان الحضارة ، ونحن نتعلم اللغة بكل تفاصيلها، ونلتزم بقيم رائعة،ونتشرب أنماطها فى التفكير والرؤية،وأى تخلف فى اللغة هو تخلف فى الموروث الثقافى؛فالحفاظ على اللغة كالحفاظ على الحياة والهوية، والتحدث بها كالتمسك بالوطنية والاعتزاز بالعروبة.