تشتهر الألعاب البدنية والرياضات المختلفة وتتنافس منتخبات الدول على الفوز بلقب البطولة فيها، لما لهذه الألعاب من أبعاد وانعكاسات إيجابية.. سياسية واقتصادية، إضافة إلى ما تحققه من متعة متناهية جراء التحدي للفوز، ولعل أشهر رياضة بدنية تاريخياً وعلى مستوى العالم هي كرة القدم، وقد ظلت هذه الرياضة لعقود عديدة حكراً على الرجال، قبل أن تشترك المرأة في هذه الرياضة وتدخل ميادين التدريب والتأهيل للمنافسات العالمية، إلا إن أشهر لاعبي هذه الرياضة العالمية هم من الرجال. ولعل اللاعب البرازيلي بيليه الملقب بالجوهرة السوداء الأشهر والأبرز في هذا الميدان، وهو الذي اختاره الاتحاد الدولي لكرة القدم كأعظم لاعب في القرن العشرين. وكما حازت لعبة كرة القدم على انتشار وشهرة عالمية وتاريخية بلا منافس عن باقي الرياضات البدنية الأخرى، فإن الشهرة أيضاً كانت من حظ ثلاث ألعاب مسلية منها التاريخي والحديث، وجميعها من ألعاب العقل، وهي الطاولة والشطرنج والكلمات المتقاطعة. ونسب إلى البابليين تسلية الشطرنج، وعرف السومريون تسلية الطاولة، وعرف الفراعنة تسلية الكلمات المتقاطعة. وإن عرفت الشطرنج بكونها لعبة الملوك والنخب، فإن الكلمات المتقاطعة هي لعبة الجميع.. الشعبية وبامتياز. ابتكارات المآزق ويعود الفضل لابتكار الكلمات المتقاطعة وهي اللعبة المسلية والمحرضة العقل على التفكير والتركيز هو آرثر أوين رئيس تحرير جريدة نيويورك وورلد، حين وجد نفسه في مأزق إثر اقتراب موعد طباعة الجريدة التي كانت تصدر يوم الأحد، ولا يزال أمامه فراغ على إحدى صفحاتها عليه أن يملأه بأي مادة ممكنة، وكان ذلك في العام 1913. وفي لحظة ارتباكه أمسك بقلم وأخذ يكتب مجموعة من الكلمات المبعثرة من دون عناية بترتيبها، بحثاً عن فكرة لمادة صحافية. ومن ثم راح يكتب كلمة واحدة ويختار الحرف الذي تنتهي به ليكتب كلمة أخرى تبدأ بهذا الحرف. وسرعان ما وجد قصاصة الورق أمامه تتزاحم بالكلمات.. بعضها مكتوب بشكل أفقي والآخر رأسي.. وكل كلمة تتصل بأخرى من خلال حرف مشترك معها. فكر أوين بهذه الكلمات وأوضاعها، ورأى أنها قد تشكل مادة مسلية، أو لعبة جديدة تكون الكلمات وكتابتها بشكل صحيح مادتها، الأمر الذي لا يخلو أيضاً من الفائدة، فقام بمحو بعض الكلمات، وترك أماكن حروفها خالية. تحرض العقل والتفكير وكتب حلاً يتضمن معاني تلك الكلمات، بحيث يكون المطلوب من القراء تخمين ماهية الكلمات الناقصة استناداً إلى معانيها وعدد الفراغات المساوية لعدد الحروف الناقصة. ويسهل ذلك على القارئ تقاطع الكلمات مع بعضها البعض وتوافر بعض حروفها، وأطلق أوين على هذه الأحجية «لعبة الكلمات المتقاطعة». في بداية الأمر قلل البعض وخاصة من مسؤولي الصحف الجادة والشهيرة من أهمية الكلمات المتقاطعة، واعتبروها غير ثقافية، ولترفيه غير المتعلمين، ورفضوا نشرها، ولكن بعد بضعة عقود، غيروا موقفهم تجاهها، وعينوا محررين لوضع شبكة كلمات متقاطعة خاصة بها. وأصبحت الكلمات المتقاطعة هم كل الناس، رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، في كل مكان وكل زمان، حتى في المطاعم وفي القطارات والطائرات. وفي وقت لاحق أُجريت منافسات لحل الكلمات المتقاطعة، وثبت أن حب الكلمات المتقاطعة لا يقتصر على الأقل تعليماً. بل أحبها ومارسها أساتذة أكاديميون وجامعيون، حيث أكدوا أنها تساعدهم على ترويض عقولهم، وتحديد معالم شخصياتهم، فهي لعبة إبداعية توفر الوقت والصبر وتحقق المعرفة والمتعة، حيث تظل المعرفة مهمة للإجابة عن أسئلة الكلمات المتقاطعة، وخاصة المعرفة العامة. وأصبح وضع الكلمات المتقاطعة وحلها خليطاً من أدب وعلوم ورياضيات وتكنولوجيا، وبعد أن اكتسحت الانترنت، وظهرت قواميس ومراجع خاصة لحل الأسئلة. ويبقى من الأهمية بمكان أن تتبادل الحضارات اختراعات الترفيه كما تتبادل الاختراعات الجادة. ترفيه فرعوني يُذكر أن في آخر مؤتمر سنوي لهذه اللعبة، قدم مؤرخ بحثاً عن تاريخ الترفيه، قال فيه إن نوعاً بدائياً من الكلمات المتقاطعة وجد محفوراً على جدران مقبرة فرعونية، وأن الكهنة خلال العصور المظلمة في أوروبا كانوا يتسلون بأنواع مختصرة منها.