شيء ما ما لا يمكث في الأرض ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 05/12/2013 ما من معرفة عميقة وجادة سوف تتأسس في الثقافة العربية، إذا بقينا نتلقى معارفنا من ذاك النافر على السطح، وأهملنا الغوص في العمق، بحثاً عن الجذور، عن الأصول، عما خلفته العقول والأسماء العملاقة التي أرست قواعد العلم والمعرفة . الأصول هي سقراط وأفلاطون وأرسطو بالنسبة للفلسفة الإغريقية، والأصول هي الفارابي وابن سيناء وابن رشد وابن خلدون بالنسبة للفلسفة الإسلامية، والأصول هي ديكارت وكانط وهيغل ونيتشه بالنسبة للفلسفة الحديثة، والأصول هي المتنبي والمعري وشكسبير وبوشكين وغوته وطاغور بالنسبة للأدب العالمي، ومثل هؤلاء ثمة أسماء عظيمة أخرى، ستأخذنا بحار المعرفة إليها، إن نحن أبحرنا فيها بجسارة . مشكلتنا أن المطبعة العربية تضخ إلى الأسواق ليس الفكر الفلسفي المعمق، وإنما العابر والطارئ والمبسط والسطحي بل وحتى المزيف . ورغم تزايد الدعوات لترشيد حركة الطبع والنشر في البلدان العربية، فإن هذه الحركة تزداد خضوعاً لمنطق السوق وللموجات العابرة ولتلبية الإقبال على الخزعبلات والترهات وصناعة الأوهام . لكن المطبعة ودور النشر ما كانتا ستلقيان النجاح في تقديم العابر والسطحي، لو أن المدرسة العربية، والجامعة العربية بالنتيجة، أسستا الناشئة تأسيساً سليماً، وهيأت أذهانهم لتلقي العميق والصعب من المعرفة التي يزخر بها تراثنا، وتراث المعرفة الإنسانية عامة . قليلة هي المجلات الثقافية والدوريات التي تسعى لأن تكون مختلفة وذات رؤية، فرغم أن طبيعة هذه المجلات بسبب تتابعها أكثر مقدرة على التأثير في وعي الجمهور، إلا أن الكثير منها باتت أشبه بالوعاء أو الكشكول الذي يجمع ما هب ودب من المعالجات السطحية التي تفتقر إلى المنهج والرؤية، والتي تجعل من الدورية فاقدة للناظم المعرفي الذي يضبط وجهتها . يٌذكرنا الدكتور محمد جابر الأنصاري في أحد مؤلفاته بأنه عندما ترجم العرب أفلاطون وأرسطو خرج من بينهم الفارابي وابن سينا وابن خلدون، وعندما ترجم الأوربيون، في مطلع نهضتهم الحديثة، ابن سينا ومعه أرسطو خرج من بينهم ديكارت وكانط وأمثالهما من القمم الفكرية، وعندما ترجم العرب، في مطلع عصرهم الحديث، ديكارت وشيئاً من كانط وهيغل وعادوا إلى ابن سينا وابن خلدون خرج من بينهم محمد عبده وشبلي شميل ولطفي السيد وطه حسين وميخائيل نعيمة . الفكرة كلها تكمن في هضم الأصول وإعادة استيعابها، لا في الجري وراء المنقول والعابر والطارئ الذي سرعان ما يذهب جفاء ولا يمكث في الأرض . [email protected]