تعالت الأصوات في الفترة الأخيرة من أجل التصدي لظاهرة التهريب لما لها من انعكاسات خطيرة على الإقتصاد التونسي، خاصة وأنّ المواد المهربة لم تقتصر على المواد الغذائية والمحروقات بل تعدتها إلى تهريب الأسلحة والمخدرات، وهو ما أثار اهتمام البنك الدولي. محمد بن رجب من تونس: أعلنت وزارة الداخلية التونسية يوم أمس أنّ وحدات الحرس الوطني تمكنت خلال شهر يناير 2014 وفي مجال التصدي لظاهرة التهريب من حجز ما قيمته 9 مليارات و228 ألف دينار (6.150 ملايين دولار) من السلع المهرّبة. وكشفت دراسة حديثة للبنك الدولي أنّ حجم التهريب في تونس يتراوح بين 1.8 مليار دينار (1.2 مليار دولار) و2.2 مليار دينار، وهو ما يتسبب في خسارة مالية تتكبدها تونس تصل إلى 1.2 مليار دينار (800 مليون دولار) منها 500 مليون دينار خسارة في الرسوم الجمركية إلى جانب ما تسببه من خسائر للتجارة المنظمة. وقد غصت الأسواق التونسية الموازية بأنواع عديدة من السجائر التي تشهد رواجاً كبيراً إلى جانب بضائع أخرى، لعل في طليعتها البنزين والغاز المهربين من الجزائر وليبيا، وكذلك الحديد ذات النوعية الرديئة وأنواع السلع الأخرى من ملابس وتجهيزات إلكترونية وغلال وفواكه وغيرها من مواد غذائية. تقييم تقريبي وشدد الخبير الإقتصادي سامي الزواوي على أن ظاهرة التهريب مخرّبة للإقتصاد الوطني وتكبده خسائر سنوية كبيرة يكون لها التأثير الكبير على ارتفاع الأسعار وتقليص فرص العمل من خلال غلق العديد من المؤسسات بعد إفلاسها. وأبرز ل"إيلاف" أنّه يتم تهريب منتوجات تونسية كانت معدّة إلى الأسواق الداخلية إلى الخارج وخصوصاً إلى الجزائر وليبيا، وكذلك تهريب منتوجات أجنبية إلى تونس، وهي لا تخضع للمراقبة عبر المعابر الحدودية البرية، وفي الحالتين فالمضرة تلحق بالإقتصاد التونسي. وأشار الزواوي إلى أنّ ظاهرة التهريب وإن تمت محاصرتها بالعديد من القوانين كان آخرها بعد تنقيح مجلة الديوانة عام 2008 فإنها ازدهرت من جديد خاصة بعد ثورة 14 يناير. واعتبر المستشار بالبنك الدولي لطفي العيادي هذه الدراسة "تقريبية لقيمة المواد المهربة من تونس أو إليها" على مستوى الحدود البرية، مشيراً إلى أنّ أبرز المواد التي يتم تهريبها تتمثل في المحروقات والملابس الجاهزة والأجهزة المنزلية. وأكد العيادي أنّ تهريب المحروقات لا يتسبب في خسائر للدولة، بينما يمتد ضرره إلى التجّار الذين يشرفون على محطات بيع الوقود ويحترمون القواعد العامة للتجارة". وشدد على أنّ ارتفاع الرسوم الضريبية، والتي تصل إلى نسب مرتفعة جداً، ساهم في تفاقم ظاهرة التهريب في تونس وخاصة بعد الثورة. وقال العيادي خلال اليوم المفتوح للتجارة والتهريب الذي نظمه الإتحاد الوطني للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) إن نحو 3 آلاف شاحنة تعمل على التهريب بين تونسوالجزائر، 60 في المئة منها تعمل في مجال تهريب المحروقات وخصوصاً البنزين الذي يبلغ ثمن اللتر الواحد منه في تونس 1.57 دينار، بينما لا يتجاوز في ليبيا 0.19 دينار و0.23 دينار في الجزائر. التصدي للتهريب وكشفت دراسة اهتمت بكيفية التصدي لظاهرة التهريب أنّ الوحدات التابعة لإدارة الحرس الديواني (الجمارك) قد استطاعت خلال العام الماضي 2013 أن تنجح في حجز كميات كبيرة من البضائع المهربة منها تهريب العملة والأسلحة والمتفجرات والذخيرة والمخدرات وتم بالتالي تسجيل نحو 4 آلاف قضية في إطار مكافحة ظاهرة التهريب. واقترحت الإدارة تدعيم إدارة الحرس الجمركي باللوجستيك العملياتي والمتمثل في الوسائل البشرية والمادية إلى جانب زيادة عدد دوريات المراقبة المشتركة بين قوات الجيش والجمارك والحرس الوطني وتكثيف تبادل المعلومات بين جميع هذه الهياكل وإحداث هيئة وطنية للإستعلامات مهمتها جمع المعلومات ودراسة مخاطرها والعمل على تدعيم المعابر الحدودية البرية. وتمثل قيمة التجارة الموازية أكثر من نصف المبادلات التجارية الشرعية بين تونس وليبيا وأكثر من قيمة التجارة القانونية بين تونسوالجزائر، وهو ما يؤكد أهمية التجارة غير الشرعية. اتفاقية شراكة وأوضحت رئيسة الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) وداد بوشماوي، ما تمثله ظاهرة التهريب من أخطار وآثار سلبية على الإقتصاد التونسي من خلال الإضرار بالعديد من المؤسسات والقطاعات، وأكدت في مؤتمر حول ظاهرة التهريب والتجارة الموازية ضرورة إعلام المواطن التونسي بحقيقة خطورة التهريب على الإقتصاد، وبالتالي التقليص من فرص العمل للشباب العاطل عن العمل. وأشارت بوشماوي أنّ التهريب يؤثر سلباً على المواطن ويكون سبباً مباشراً في ارتفاع الأسعار من خلال تهريب مواد وبضائع كانت مخصصة للسوق الداخلية، مشددة على أهمية الكشف عن الأطراف التي تقف وراء هذه الظاهرة وتستفيد منها دون التفكير في المصلحة العليا للبلاد. ونبّهت إلى ضرورة تكثيف المراقبة الجدية مع التشديد عند تطبيق القانون لأنّ المهرّبين لا يتوقفون عن التهريب في الليل والنهار مبرزة أنّه تم خلال شهر يوليو الماضي التوقيع على اتفاقية شراكة مع البلدان المغاربية تهتم أساساً بظاهرة التهريب والتجارة الموازية وسيتم خلال المنتدى المغاربي لرجال الأعمال بمراكش بالمغرب يوم الإثنين القادم 17 فبراير 2014 دراسة ملف التهريب واتخاذ القرارات الضرورية للتصدي لهذه الظاهرة. مكافحة ظاهرة التهريب وشدد الخبير الإقتصادي عبدالجليل البدوي ل"إيلاف"على ضرورة تطوير المنظومة القانونية لعمل المؤسسة الجمركية والضرب على أيدي المهربين إلى جانب دعم المناطق الحدودية مع الجزائر وليبيا تنموياً وبعث المشاريع التي توفر فرص العمل للشباب العاطل عن العمل، والذي لا يجد غير التهريب مصدراً للرزق إلى جانب دعم المراقبة وتكثيفها الدوريات الأمنية على طول الحدود التونسيةالجزائرية والليبية والضرب بقوة على أيدي المهربين الذين يهددون الإقتصاد التونسي. من ناحيته، أكد الزواوي على ضرورة التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة على اقتصاد البلاد بتوفير الدعم المادي والبشري واللوجستي لأنّ إيقاف نزيف التهريب يمكن أن يساهم في الرفع من قيمة الأداءات الجمركية لتغطي ثلث موارد الدولة. ودعت الإدارة العامة للجمارك إلى تشكيل لجنة وطنية تهتم بمكافحة التهريب تتمتع باستقلالية اتخاذ القرار وتعمل على وضع الإستراتيجيات العملية لإيقاف نزيف التهريب من خلال التنسيق مع الوزارات ذات العلاقة بظاهرة التهريب. وأوصت دراسة البنك الدولي بدعم المراقبة من أجل الحدّ من ظاهرة التهريب وانعكاسات التجارة الموازية بين تونسوالجزائر وليبيا، فقيمة التجارة الموازية تقارب 5% من جملة الواردات الشرعية. ايلاف