أسباب عديدة جعلت المغرب يصرخ في وجه فرنسا حليفته الأساسية وبشدة، دفاعًا عن مدير مخابراته الملاحق. وربما من أهم تلك الأسباب التغيير الجذري الذي تشهده السياسة الخارجية للمملكة التي لم تعد تسمح للقوى الكبرى بإبتزازها على خلفية قضية الصحراء. أيمن بن التهامي من الرباط: يبدو أنّ المغرب لم يعد يتساهل مع أي قرار يمس بسيادته، حتى لو تعلق الأمر بالقوى الكبرى في العالم. فبعد الموقف الذي اتخذته الرباط، قبل أشهر، ردًا على موقف واشنطن الذي كان يتجه نحو توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء، والصرامة في التعامل مع تحرشات الجزائر، جاء الدور على فرنسا، التي "احتجت" عليها المملكة بشدة، إثر استدعاء القضاء الفرنسي مدير الاستخبارات المغربية في قضية تعذيب، فهل لهذا التحول علاقة بتحرر الرباط من "هيمنة" ملف الصحراء؟ حادث غير مسبوق استدعت الرباط السفير الفرنسي لديها احتجاجًا على الاستدعاء الذي وُجه لرئيس الاستخبارات المغربية، عبد اللطيف حموشي، أثناء تواجده في باريس للاستماع إليه في قضية تعذيب. وأوضحت السفارة المغربية بالعاصمة الفرنسية أن سبعة شرطيين فرنسيين زاروا، الخميس الماضي، مقر إقامة السفير المغربي "لإبلاغه باستدعاء من قاضي التحقيق" للمدير العام لجهاز مكافحة التجسس. وأكد بيان لوزارة الخارجية المغربية أن "هذا الحادث الخطير وغير المسبوق من شأنه أن يسيء إلى مناخ الثقة والاحترام المتبادل القائم" بين البلدين. علاقات متينة رغم وصول الأمر إلى حد استدعاء الرباط السفير الفرنسي، إلا أن متانة العلاقة بين البلدين لن تتأثر بهذه السحابة العابرة. ويلمس هذا من خلال بيان وزارة الخارجية المغربية، الذي رغم شدة لهجته، إلا أنه لم يغفل ذكر عبارة "المغرب الحليف المقرب من فرنسا". وفي هذا الإطار، قال إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية في كلية الحقوق، جامعة القاضي عياض بمراكش: "ينبغي أن لا ننسى أن فرنسا هي شريك حيوي بالنسبة للمغرب، والعلاقات بين البلدين متينة وتطال مختلف المجالات، هذا الأمر يجب النظر إليه كعامل محصّن لهذه العلاقة إزاء أي ارتباك يمكن أن يحدث. ولعل الموقف الفرنسي الرسمي خلال تصريح وزارة الخارجية يؤكد أن هناك سعيًا من الطرفين لاحتواء المشكل حتى لا يؤثر على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين". مفاتيح لفهم ما يحدث البحث في خلفيات الاستدعاء القضائي يستوجب استيعاب عدد النقاط التي تعد بمثابة المفاتيح التي تمكن من فهم ما يحدث. ففرنسا، يوضح إدريس لكريني، في تصريح ل"إيلاف"، "دولة ديمقراطية، وتحرك المؤسسات القضائية هو دائماً لا يسير في اتجاه المواقف الرسمية أو مواقف الحكومات، وهذا أمر معروف، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا حقوق الإنسان". أما النقطة الثانية التي يجب استيعابها جيدًا، فتتمثل في كون أن تحريك هذه الاجراءات، يشرح الخبير المغربي، "تقف وراءه جهات غير رسمية مرتبطة بفعاليات مدنية، والأمر الذي ينبغي أن نستحضره هو أنها قد تكون جاءت كرد على التحرك الناجح للعاهل المغربي في أفريقيا". المدخل الحقوقي المغرب لن يتساهل مع أي محاولة للمس بسيادته ولو كان ذلك حتى تحت غطاء حقوق الإنسان، هذا مضمون الرسالة التي تفهم من الردود الصارمة للرباط، في الفترة الأخيرة. فلعب ورقة حقوق الإنسان وجعلها مدخلاً للمس بسيادة المملكة لم يعد أمرًا مسموحًا به حتى بالنسبة لواشنطن. وهذا الاتجاه هو الذي اعتمده إدريس لكريني كمدخل لشرح مضامين النقطة الثالثة، إذ قال: "ما يمكن قوله هو أن هذا المشكل ينم عن تخوف وقلق وحذر مغربي إزاء المداخل الحقوقية في السيادة المغربية. فلا يجب أن ننسى أنه قبل أشهر كان للمغرب رد فعل صارم تجاه التحول في الموقف الأميركي في اتجاه توسيع صلاحيات المينورسو. وهذا يعكس تخوف المغرب من إمكانية استثمار المدخل الحقوقي للمس بسيادة الدولة المغربية". تحرر السياسة الخارجية أرجع أستاذ الحياة السياسية والعلاقات الدولية في كلية الحقوق السبب في تحول خطاب الرباط إلى "تحرر" السياسة الخارجية المغربية، في الآونة الأخيرة، من هيمنة ملف قضية الصحراء عليها، مشيرًا إلى أن "المحدد الأساسي في السلوك الخارجي المغربي كان في السابق هو قضية الصحراء. ويبدو أن المغرب، في الآونة الأخيرة، بدأ يبلور سياسة خارجية واضحة". وأضاف: "رأينا ذلك في الجهود المغربية في النزاع في مالي، وفي الملف السوري، وقطع العلاقات مع إيران، والسعي الحثيث لتطوير العلاقات المغربية الأفريقية"، وزاد مفسراً "يبدو أن المغرب بهذا السلوك يعطي إشارات بأن السياسة الخارجية المغربية باتجاه بلورة مواقف أكثر وضوحًا وأكثر صرامة". وكانت جمعية "العمل المسيحي من أجل إلغاء التعذيب" طالبت، الخميس الماضي، من السلطات الفرنسية اغتنام فرصة وجود عبد اللطيف حموشي، رئيس الاستخبارات المغربية، في فرنسا للاستماع إليه بشأن شكاوى رفعت في باريس تتعلق بوقائع تعذيب مفترضة في مركز احتجاز مغربي في تمارة يتبع الإدارة العامة المغربية لمراقبة التراب الوطني. وتعلقت إحدى الدعاوى بمغربي فرنسي يدعى عادل لمتلسي (33 عامًا)، الذي فتح بشأنه تحقيق عدلي بباريس نهاية 2013، بحسب مصدر قريب من الملف. ايلاف