الإخواني أمجد خالد وعصابته.. 7 عمليات إرهابية تقود إلى الإعدام    وهن "المجلس" هو المعضلة    سفير مصري: حزب الله يستعد للحرب الشاملة مع إسرائيل هذه الأيام    جماهير الهلال في عيد... فريقها يُحقق إنجازًا تاريخيًا جديدًا!    انقلاب وشيك على الشرعية والرئاسي.. المجلس الانتقالي الجنوبي يتوعد بطرد الحكومة من عدن وإعلان الحكم الذاتي!    نقابة الصحفيين تستنكر الحكم الجائر بحق الصحفي أحمد ماهر وتطالب بإلغائه    في اليوم 235 لحرب الإبادة على غزة.. 36096 شهيدا و 81136 جريحا وعدة مجازر في رفح خلال 48 ساعة    "طوفان زارة"....جماعة إرهابية جديدة تثير الرعب جنوب اليمن و الأجهزة الأمنية تتدخل    فعلها في العام 2019...ناشطون بالانتقالي يدعون الزبيدي "لإعلان عودة الإدارة الذاتية"    انفجار عنيف يهز محافظة تعز والكشف عن سببه    سانشيز افضل مدرب في الليغا موسم 2023-2024    غوندوغان سيتولى شارة قيادة المانيا بلون العلم الوطني    لامين يامال افضل لاعب شاب في الليغا    دموع أم فتاة عدنية تجف بعد عامين: القبض على قاتل ابنتها!    برعاية السلطة المحلية.. ندوة نقاشية في تعز غدًا لمراجعة تاريخ الوحدة اليمنية واستشراف مستقبلها    منتدى حواري في مأرب يناقش غياب دور المرأة في العملية السياسية    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    غوتيريش يدين بشدة هجوم إسرائيل على مخيم للنازحين في رفح    بالإجماع... الموافقة على إقامة دورة الألعاب الأولمبية لفئة الشباب لدول غرب آسيا في العراق    ضربة معلم تكسر عظم جماعة الحوثي وتجعلها تصرخ وتستغيث بالسعودية    استمرار النشاط الإيصالي التكاملي الثاني ونزول فريق إشرافي لأبين لتفقد سير العمل للفرق الميدانية    خبر صادم: خروج ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة في العاصمة عدن    الرئيس الزُبيدي: تدهور الأوضاع يحتّم على الانتقالي مراجعة قراراته    استشهاد طفل وإصابة والده بقصف حوثي شمالي الضالع    الهلال السعودي ينهي الموسم دون هزيمة وهبوط أبها والطائي بجانب الحزم    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم واجتماع أوبك+    تدشين مشروع توزيع "19"ماكينة خياطة على الأرامل في ردفان    مجلس الوزراء السعودي يجدد رفضه القاطع لمواصلة انتهاكات الاحتلال للقرارات الدولية    الحكومة اليمنية تبحث مع سويسرا استرداد عرشين أثريين    فلكي يمني يحدد موعد أول أيام عيد الأضحى المبارك وبداية أيام العشر    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    الزُبيدي يؤكد على أهمية المخيمات الصيفية لخلق جيل مناهض للفكر الحوثي    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    العكفة.. زنوج المنزل    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شبه جزيرة القرم.. والتحريض الروسي على الانفصال
نشر في الجنوب ميديا يوم 15 - 03 - 2014

يتوجه اليوم حوالى 1.8 مليون ناخب في شبه جزيرة القرم، إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في استفتاء أطلق عليه البعض «التاريخي» أو استفتاء تحديد المصير» حول ما إذا كانت شبه الجزيرة الواقعة على البحر الأسود ستبقى جمهورية تتمتع بحكم ذاتي داخل أوكرانيا، أو أنها ستتوحّد مع روسيا.
وبعد الأزمة التي عصفت بها خلال الشهرين الماضيين تواجه أوكرانيا مخاطر التفكك بعدما صوّت برلمان القرم المحلي لصالح الانضمام إلى روسيا وأعلن عن تنظيم استفتاء حول هذا القرار بعد أسابيع، في تصعيد خطير لأسوأ أزمة بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة، وفيما كان يشكل إرث الاتحاد السوفيتي عبئًا على الدول التي كانت جزءًا من هذا الاتحاد، حيث ظهر هذا الأمرُ في الحالة الجورجية 2008، وهو الأمر القابل للتكرار في النموذج الأوكراني، فقد دخلت الأزمة الأوكرانية مؤخرًا مرحلةً معقدةً عقب تبني موسكو موقفًا تصعيديًّا، خاصةً مع تواتر تقارير عن سيطرة القوات الروسية على مواقع حيوية داخل منطقة شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا، ومن جانبها استدعت الحكومة الأوكرانية قوات الاحتياط؛ حيث اعتبرت أن التحركات الروسية بمثابة إعلان للحرب عليها، وطلبت تدخل الدول الغربية في الأزمة الراهنة، فيما كانت تلك الدول تسعى إلى تحذير روسيا من مغبة التدخل العسكري في أوكرانيا، واعتبر الأمين العام للناتو «أندرس فوغ راسموسن» أن تصرفات روسيا العسكرية في أوكرانيا تهدد الأمن والسلم في أوروبا.
تكلمنا في السابق على نفس تلك الصفحات تحديدًا عن حروب الجيل الرابع وكيفية التعامل معها، وما هي خيارات أوكرانيا (المُرّة) وحصادها من تلك الحروب وكيف سيتعامل بوتين مع تلك النوعية من الحروب، فيما جاء الرد الروسي سريعًا، فبعد أن اختار الغرب تلك النوعية الحديثة من الحروب التي تعتمد على إلهاء الخصم بمشكلات نفسه حتى يتفتت، واجه الروس تلك الحروب بالنوعية المتعارف عليها، وهي ما يسمى بحروب الجيل الأول، وهي التي تعتمد على العدة والعتاد العسكري والآليات، حيث استعرضت روسيا كثيرًا خلال الأزمة بقواتها العسكرية، وأطلقت أيضًا صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات، في تجربة قال عنها بعض المحللين الغربيين: إنها تجربة استفزازية يجب الرد عليها «فورًا» إلا أنه حتى الآن لم نر ردًا غربيًا إلا فرض عقوبات اقتصادية فقط على موسكو، التي توعدت هي الأخرى بأن تواجه تلك العقوبات بأسلوبها الخاص!!.
تفتيت أوكرانيا.. ووحدة سوريا!!
للمرة الرابعة ينوي بوتين تكرار تجاربه السابقة، فبعد أن ساعد في انفصال ترانسنيستريا وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، يحاول على نفس السيناريو الآن في شبه جزيرة القرم، وأينما تكون هناك مناطق عرقية روسية واقعة ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ليست على استعداد للانصياع لروسيا، سوف تكون هناك حركات انفصالية قد تنفصل بذاتها كما هو الحال في مولدوفا وجورجيا والآن أوكرانيا - وسوف تقدم روسيا الدعم اللازم لها.
ولا يهم وجود اتفاق دولي ملزم -في هذه الحالة «مذكرة بودابست»- الذي أصبحت بموجبه روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوكرانيا أطرافًا فيها، وبموجب تلك المذكرة تعهدت روسيا باحترام وحدة أراضي أوكرانيا، كان ذلك في عام 1994 عندما كانت روسيا حينها، في نظر بوتين، ضعيفة، أما الآن فالعام هو 2014، ولم تعد روسيا ضعيفة، وبمقدورها فرض إرادتها دون الاكتراث كثيرًا بالعواقب.
ومن المفارقة أو كما يطلق عليها البعض «أوكرانيا أند سوريا دونت ميكس» أن بوتين، الذي يحرص كل الحرص على وحدة أراضي سوريا وينتقد التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، سرعان ما أغفل هذا الحرص عندما رأى أن مصالح روسيا غدت طرفًا في اللعبة، ويبدو أن مبادئه تتغيّر بتغير الظروف والأوضاع، وحينما تتوافر لديه القوة اللازمة لفرض إرادته فلن يتردد للحظة.
ينبغي أن تكون تداعيات هذا التدخل على الولايات المتحدة وأوروبا واضحة للعيان، يجب أن نجد هناك ثمنًا ما، فلن يقدم أحد على شنّ حرب بشأن شبه جزيرة القرم، بما في ذلك أوكرانيا، لكن يتعيّن أن يكون هناك ثمن سياسي واقتصادي، ولن يؤثر على بوتين عدم مشاركة «رؤساء دول آخرين» في اجتماع «مجموعة الثماني» في سوتشي، فسيقول: إنه يقوم بحماية الروس العرقيين، وإذا قرر الرئيس أوباما والقادة الأوروبيون مقاطعة قمة «مجموعة الثماني» فسيكون بوتين متحديًا، وفي غضون ذلك من المرجح أن يحظى بالكثير من الدعم المحلي، ولكن لماذا لا نقول بأنه إذا بقيت روسيا في شبه جزيرة القرم أو تحركت لدمجها، فسوف تفقد روسيا عضويتها في قمة «مجموعة الثماني»؟! وماذا عن مقاطعة جميع الاجتماعات المالية والتجارية مع الروس؟.
البعض قد يذهب أبعد من ذلك وفرض عقوبات مستهدفة على الروس، وقد ينتاب القلق البعض من أنه إذا ما أقدمت الولايات المتحدة والدول الأوروبية على فرض عقوبات اقتصادية على الروس، فسوف يردون على ذلك بحجب إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأوكرانيا أو وقف تعاونهم كجزء من مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» بشأن الملف الإيراني، إن ردود الفعل هذه ممكنة بكل تأكيد، فيما يحتاج بوتين أيضًا إلى النظر في عواقب هذه التحركات في الوقت الذي تحقق فيه بلاده نموًا ضئيلًا لا يكاد يُذكر، ولا تستطيع تحمل خسارة العوائد التي تجنيها من إمدادات الغاز، بالإضافة إلى مواجهتها خطر خسارة أسواق الغاز الطبيعي الهامة في الوقت الذي تتزايد فيه بشدة أهمية الموردين الآخرين، بمن فيهم الولايات المتحدة.
ويكمن بيت القصيد في عدم افتقار واشنطن للنفوذ لفرض العواقب، بالإضافة إلى ذلك، بعد أن صرح أوباما بأنه سيكون هناك ثمن لذلك، ويحمل هذا الأمر أهمية خاصة لمنطقة الشرق الأوسط، حيث إن ما يحدث في أوكرانيا وتحديدًا القرم هو مثال آخر «خاصة أن هناك مشكلة سوريا والتي تعتبر موسكو أهم وأقوى حلفاء الأسد» على استعداد روسيا لتحدي الأعراف الدولية والعمل على خدمة سلطتها.
حلم العودة
وتتعاطى روسيا مع دول الاتحاد السوفيتي السابق على أنها فضاء خاص بها أو أتباع لها لا يمكن السماح لأطراف أخرى بالوجود فيه، ومن ثم دخلت روسيا إلى الأزمة الأوكرانية وهي محملة بهذه الرؤية الذاتية، لتضفي على الأزمة المزيد من التشابكات، فمع بداية التظاهرات المعارضة للرئيس الأوكراني السابق أو حسب ما يحلو للبعض تسميته بالمعزول يانكوفيتش اتخذت موسكو موقفًا مؤيدًا له، وبعد عزله من السلطة أعلنت روسيا أنها لا تعترف بشرعية السلطة الجديدة، واستضافت يانكوفيتش داخل أراضيها.
واتساقًا مع هذا الموقف، صعَّدت موسكو من موقفها تجاه كييف، حيث وافق البرلمان الروسي على طلب الرئيس بوتين بإرسال قوات عسكرية إلى شبه جزيرة القرم بهدف حماية المواطنين المنحدرين من أصول روسية هناك، بالتزامن مع تحرك قوات روسية داخل شبه جزيرة القرم، لا سيما أنه توجد قاعدة عسكرية روسية «هي مقر الأسطول الروسي في البحر الأسود» بمدينة سيفاستوبول بمنطقة القرم، فضلًا عن تواتر أنباء عن محاصرة أسطول البحر الأسود الروسي لسفن تابعة للأسطول الأوكراني، ويفترض الرئيس بوتين أن موسكو تحتفظ بالحق في حماية مصالحها، وهكذا يتم الاستناد إلى فكرة المصلحة في تبرير الموقف الروسي من القضية الأوكرانية، وبوجه عام يستدعي الدور الروسي في هذا الصدد عددًا من الدلالات من الجائز اختزالها في بعض النقاط:
* حلم عودة الاتحاد السوفيتي مرة أخرى
وهذا ما أوضحه بوتين نفسه غير مرة حينما عبّر كثيرًا عن تطلعه في أن تعود جمهوريات الاتحاد السوفيتي لما كانت في السابق، لكن مع احتفاظ كل جمهورية بحكمها الذاتي، أملًا في أن يقيم اتحاد مجابه للاتحاد الأوروبي.
* دعم الأنظمة الموالية
حيث طمحت موسكو خلال السنوات الماضية إلى تشكيل شبكة من التحالفات الموالية لها، والتي يمكن أن تحافظ على مصالحها، ومن هذا المنطلق دعمت الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانكوفيتش الذي كان بدوره يمثل حاجز الصد للمد الأوروبي الأمريكي داخل أوكرانيا، وهو ما تجلى في إحجامه عن التوقيع على اتفاقية للشراكة مع الاتحاد الأوروربي، مفضلا التقارب مع الجانب الروسي.
* عقلية الحرب الباردة
يستدعي الموقف الروسي في أوكرانيا مصطلحات من قبيل مناطق النفوذ، والفِناء الخلفي، في محاولة أقرب ما تكون لاستحضار أفكار الحرب الباردة، ومحاولات استرجاع مجد الاتحاد السوفيتى التليد، إذ إن النظام الحاكم في روسيا لديه قناعة بأن موسكو لديها الإمكانات الكافية للقيام بدور قيادي على الساحة العالمية، ومن ثم فإنها دولة كبيرة لديها مصالحها، ومناطق نفوذها التي كانت بحكم التجربة التاريخية تخضع لسيطرتها هو ما يجعل التدخل العسكري مقبولا طالما أنه يحقق المصالح الروسية.
* مدخل الانتماءات الأولية
إحدى الإشكاليات الرئيسة في الأزمة الأوكرانية الراهنة التركيبة السكانية لمنطقة شبه جزيرة القرم، فبالرغم من أن المنطقة تابعة لأوكرانيا فإن هناك نسبة من المواطنين القاطنين بالمنطقة (يقدرهم البعض ب60% من إجمالي السكان) يرون أنفسهم روسيين، ويحتفظون بمشاعر موالية لموسكو، وهكذا توظف روسيا مدخل الانتماءات الأولية في تدعيم موقفها من الأزمة الأوكرانية.
* المصالح الاقتصادية
تمتلك روسيا العديد من المصالح الاقتصادية مع أوكرانيا والتي تحاول الحفاظ عليها قدر الإمكان، لذلك فإنها رأت في محاولات التقارب الأوروبي مع كييف مساعيَ لفرض نفوذ اقتصادي يمثل خصمًا من المصالح الاقتصادية الروسية، وقد صرحت الحكومة الروسية أكثر من مرة بأن عقد أوكرانيا اتفاقية للشراكة الانتسابية مع الاتحاد الأوروبي يمثل تهديدًا للاقتصاد الروسي.
دور الغرب
تداخلت في معادلة الأزمة الأوكرانية عدة أطراف، وفي مقدمتها أوروبا والولايات المتحدة، إذ أن تلك الأطراف وجدت في الموقف الروسي إشكالية حقيقية، لا سيما أن القضية تتجاوز أوكرانيا في حد ذاتها، فهي في الواقع مسألة نفوذ ومصالح كإحدى حلقات المنافسة على قيادة النظام العالمي، وقد انطوت المواقف الغربية في هذا السياق على نموذجين رئيسيين:
الأول: هو استدعاء المؤسسات الدولية، وإدخالها في خط الأزمة، واتضح ذلك في عقد جلسة مجلس الأمن في الثاني من مارس الجاري، وانتهت إلى التأكيد على سيادة أوكرانيا، واستقلالها، ووحدة أراضيها، واستمرارًا لهذا النهج عقد حلف شمال الأطلنطي اجتماعا لمناقشة الأزمة الأوكرانية، استهله رئيس الحلف بالتأكيد على أن روسيا تهدد الأمن والسلم في أوروبا بموقفها التصعيدي في أوكرانيا.
والثاني: خطاب تصعيدي يتضمن تهديدات موجهة من الغرب لروسيا، حيث إن استقراء التصريحات الصادرة من الدول الغربية بخصوص الأزمة يوضح أن هناك عددًا من المصطلحات تم الارتكان إليها، منها على سبيل المثال توصيف ما تقوم به روسيا بأنه عدوان لن يمر بدون عواقب «وفقًا لما ذهب إليه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري»، والتلويح بالعزلة الدولية، واستخدام ورقة الضغط الاقتصادي على موسكو، وإنهاء عضويتها في مجموعة الثماني، فضلا عن إعلان عدد من الدول عدم حضورها قمة مجموعة الثماني التي تستضيفها روسيا هذا العام.
مستقبل الأزمة
تتسم الأزمة الأوكرانية بدرجةٍ كبيرةٍ من السيولة، وتداخل أطراف عدة، وتسابق وتيرة الأحداث بصورة كبيرة تنعكس على مستقبل الأزمة، وإجمالا يمكن القول إن مستقبل الأزمة سيكون مرتهنًا بسيناريوهين: الأول، وهو الأكثر ترجيحًا، هو التحكم في الصراع، وتجنّب التصعيد للحيلولة دون الوصول إلى حرب شاملة، وهو ما يعني حصول روسيا على عدد من المكاسب «خاصةً أنها تحظى بوضع عسكري أقوى على الأرض» أهمها إعاقة الارتباط الأوكراني بالاتحاد الأوروبي، والحفاظ على الوضع القائم فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية الروسية في كييف، فضلا عن إمكانية فرض رؤيتها فيما يتعلق بالوضع السياسي الداخلي في أوكرانيا عقب الإطاحة بالرئيس السابق يانكوفيتش.
أما السيناريو الآخر فهو الانخراط في حرب ممتدة داخل شبه جزيرة القرم، لا تقتصر على موسكو وكييف، ولكنها قد تشهد تدخل أطراف أخرى بصورة تهدد استقرار المنطقة في المجمل، وتكمن الإشكالية الحقيقية في هذا السيناريو أن تكاليف الحرب سوف تكون باهظة على كل الأطراف، بما في ذلك الاقتصاد الروسي، فضلا عن أن التحركات الروسية أدت الغرض منها، وأوصلت رسائل للغرب ليعيد التفكير في محاولاته تمديد النفوذ في الفضاء الروسي.
ما هي شبه جزيرة القرم وما أهميتها؟
أصبحت شبه جزيرة القرم في أوكرانيا مركز أسوأ مواجهة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، فتاريخيًا ضُمت شبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود أواخر القرن ال18 في عهد الإمبراطورة كاثرين إلى الإمبراطورية الروسية مع بقية أراضي أوكرانيا، وسرعان ما تأسست القاعدة البحرية الروسية في البحر الأسود في سيفاستوبول في أعقاب ذلك، وسقط أكثر من نصف مليون قتيل في حرب القرم بين عامي 1853 و1856 بين روسيا والإمبراطورية العثمانية التي كانت تحظى بتأييد بريطانيا وفرنسا، وتلك هي الحرب التي شارك فيها الجيش المصري، وفقدت فيها مصر حوالى 2500 قتيل دفاعًا عنها، وذلك حسبما ذكر الأمير طوسون في كتابه «الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم 1853-1855».
وأعادت هذه الحرب تشكيل أوروبا ومهدت الطريق للحرب العالمية الأولى.
وفي عام 1921 أصبحت شبه الجزيرة جزءًا من الاتحاد السوفيتي وكان أغلب سكانها في ذلك الوقت من التتار المسلمين، وقام الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين في نهاية الحرب العالمية الثانية بترحيل التتار بأعداد كبيرة بدعوى تعاونهم مع النازي، وأصبحت القرم جزءًا من روسيا داخل الاتحاد السوفيتي حتى عام 1954 عندما تنازل عنها نيكيتا خروشوف الأوكراني خليفة ستالين لاوكرانيا إحدى الجمهوريات السوفيتية، ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 حدثت بعض المشاحنات السياسية بين موسكو وكييف حول وضع القرم.
الأهمية العسكرية
تمنح قاعدة البحر الأسود في سيفاستوبول موسكو منفذًا على البحر المتوسط كما أن المنطقة قاعدة للأسطول الأوكراني الذي تألف من بعض وحدات الأسطول السوفيتي مثل أسطول روسيا، وتستأجر روسيا القاعدة في سيفاستوبول من أوكرانيا وتم عام 2010 إبرام اتفاق جديد يهدف لاستمرار الوضع الحالي حتى عام 2042 وذلك مقابل تخفيضات في إمدادات الغاز الروسية.
وفرضت الحكومة الأوكرانية قيودًا في إطار الاتفاق ومنذ ذلك الحين عززت روسيا ميناء نوفوروسيسك المطل أيضا على البحر الأسود ليستوعب سفنًا حربية.
الجغرافيا
تتصل شبه الجزيرة الجبلية ببقية أوكرانيا عن طريق شريط ضيق من الأرض في شمال القرم، وإلى الشرق يفصلها عن روسيا مضيق كيرش، وتنوي روسيا بناء جسر عبر المضيق، وتبلغ مساحة القرم 27 ألف كيلومتر مربع وتقل قليلا عن مساحة بلجيكا، والقرم هي المنطقة الوحيدة في أوكرانيا التي تتمتع رسميا بالحكم الذاتي وعاصمتها سيمفروبول. ولسيفاستوبول وضع خاص في أوكرانيا.
السكان
حوالى 2 مليون نسمة، وقد أظهر إحصاء سكاني عام 2001 أن نحو 58 % من السكان من أصول روسية و24 % من أصل أوكراني و12 % من التتار الذين يؤيدون الحكومة الجديدة المؤيدة للغرب في كييف.
الاقتصاد
يجعل المناخ المعتدل في القرم من شبه الجزيرة مقصدًا سياحيًا محببًا للاوكرانيين والروس وخاصة يالتا حيث التقى السوفيت والأمريكيون والبريطانيون بوصفهم المنتصرين في الحرب العالمية الثانية في 1945 لبحث مستقبل أوروبا، وتساهم شبه الجزيرة بنسبة 3 % في الناتج المحلي الاجمالي لأوكرانيا وتمثل الخدمات 60 % من ناتجها المحلي، وأراضيها الزراعية خصبة وأهم المحاصيل التي تزرع فيها القمح والذرة ودوار الشمس، وتحصل على احتياجاتها الاضافية من المياه عن طريق قناة متفرعة من نهر دنيبر الأوكراني.
وتوجد مصانع للكيماويات كما يستخرج خام الحديد من كيرش، ولاوكرانيا مرفآن لتصدير الحبوب في القرم في كيرش وسيفاستوبول، وتقول مؤسسة أوكرآجروكونسلت: إن المرفأين صدّرا 1.6 مليون طن من الحبوب هذا الموسم أي 6.6 % من إجمالي صادرات أوكرانيا.
المزيد من الصور :
صحيفة المدينة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.