يحق لنا، أخيراً، أن نأمل بإيجاد حل للأزمة المختلقة حول برنامج إيران النووي السلمي، لأن الموقف تجاه إيران بدأ يتغير. ومن المسلّم به الآن أن العلماء الإيرانيين أتقنوا التكنولوجيا النووية، وأصبح من المتعارف عليه على نطاق واسع أن المعرفة التي حققتها إيران لا يمكن لأي أحد أن يتجاهلها. أيضاً أصبح العالم يدرك بشكل متزايد بأن إيران ليس لديها أي مصلحة في إنتاج أسلحة نووية. صحيح أننا نعيش في حيرة متقلبة، لكننا أوضحنا دائماً بأن السعي لامتلاك أسلحة نووية أو حتى اشتباه البعض عنا خطأً في القيام بذلك من شأنه أن يعرّض أمننا القومي للخطر. وفي رأينا أن الأسلحة النووية هي عبارة عن أدوات عفا عليها الزمن. وظلت الترسانة النووية الإسرائيلية عاجزة عن مساعدتها في حرب لبنان عام 2006، وأثبتت الأحداث المأساوية في أحداث 11 سبتمبر، بما لا يدع مجالاً لأي شك، أن أعتى القوى النووية لم تستطع تحقيق الأمن لنفسها من خلال تعريض أمن الآخرين للخطر، ويبدو أنه لا يوجد بديل للتكامل والمشاركة. أسلحة الدمار الشامل هي عبارة عن أدوات عاجزة عن تحقيق الأمن والردع، وهذا ينطبق على جميع الدول، وعلى وجه الخصوص بالنسبة لإيران، إذ إن إيران بلد قانع بحجمه وجغرافيته وموارده الطبيعية ورأسماله البشري، ولم يخض حرباً واحدة خلال القرون الثلاثة الماضية. إن خيار السلاح النووي يضر بأمننا، ويعرّض للخطر الميزة النسبية التي تتمتع بها قواتنا التقليدية. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن نكون محل ثقة للاعبين الدوليين الذين يشعرون بقلق لا داعي له بشأن القوة الإيرانية. ولا يمكن لأحد أن يتوقع بأن تمتلك إيران رادعاً نووياً ذا أهمية كبيرة، بشكل مباشر أو من خلال وكلاء. وبغضّ النظر عن حسابات التفاضل والتكامل الاستراتيجي الرصينة، فنحن نعارض الأسلحة النووية من حيث المبدأ. وذهب المرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، أبعد من ذلك بإصداره فتوى تحرم استحداث وتخزين واستخدام مثل هذه الأسلحة، ولهذا أصبح التزامنا الضميري على المحك. وعندما قتل (الرئيس العراقي السابق)، صدام حسين، شعبنا بالغاز على نطاق واسع وبشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الأولى، لم نستخدم أسلحة الدمار الشامل حتى للانتقام منه. بينما راودت مثل هذه الأفكار في الماضي بعض الدول الغربية، والآن القليل جداً من الدول تعتقد أن الطريقة الوحيدة للتأكد من أن برنامج إيران للطاقة النووية السلمية هو التوصل معها إلى اتفاق يقبله الطرفان. هذا التحول لم يحدث بين عشية وضحاها، وإنما جاء من صلب الحقيقة بأن الإكراه والضغط والعقوبات لن تؤدي إلا إلى مزيد من أجهزة الطرد المركزي، وتعميق الاستياء وانعدام الثقة. وتعتبر خطة العمل المشتركة التي اتفقت بشأنها مع نظرائي في جنيف، في نوفمبر الماضي، وثيقة تاريخية، إذ ارتكزت على الاعتقاد بأن عدم انتشار الأسلحة النووية لا يمكن ضمانه إلا من خلال برنامج طاقة إيراني شفاف تتم مراقبته جيداً من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويتضمن الاتفاق تخصيب اليورانيوم. إن التوصل إلى هذا الاتفاق المؤقت، وهو الأول منذ 10 سنوات، تطلّب حنكة وشجاعة من كل الأطراف، إلا أن التفاوض على اتفاق دائم لايزال يشكل تحدياً أكبر. فقد عكست جميع الأطراف في المحادثات ميلاً إلى المشاركة، ولكن هذا سيتم اختباره في الأشهر المقبلة. المشاركة الإيرانية ليست وسيلة لتحقيق غاية وإنما أولوية للأمن القومي. ولكي نكون واضحين تماماً فنحن لا نتفاوض من أجل التفاوض، ولا من أجل كسب الوقت، ولكن لنثبت مرة أخرى أننا نلتزم بتعهداتنا. وكما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الآونة الأخيرة، فإننا أوفينا بكل الوعود التي قطعناها، وحان الوقت الآن لنظرائنا للحفاظ على تعهداتهم في تلك الصفقة. وكلما توغلنا في المحادثات بشأن الاتفاق النووي الشامل ينبغي على نظرائنا اتخاذ خيارات صعبة، وعليهم أن يؤكدوا أقوالهم بالعمل. محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني الامارات اليوم