تستطيع المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل أن تعلم الرئيس الأميركي، باراك أوباما أمراً أو أمرين حول كيفية إجراء حوار مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كأن يستفيد مثلاً من القانون الدستوري الذي درسه، ويلقي محاضرة على مجموعة النخبة الرسمية في الاتحاد الاوروبي في قصر الفنون الجميلة في بروكسل، مثلما فعل الأربعاء الماضي، عن مدى الخطر الذي يشكله بوتين على النظام العالمي الذي تديره الولاياتالمتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. ولكن يبدو أن هذا لن يجدي نفعاً في الوقت الذي انشغل البيروقراطيون الاوروبيون بالتقاط الصور لأنفسهم والابحار عبر ال «تويتر». بوتين نفسه مشغول في الوقت نفسه بلقائه مع الرئيس التنفيذي لمجموعة الهندسة الكهربائية الألمانية «سيمنز»، جو قيصر، في مقر اقامته الرسمي خارج موسكو. وتستثمر «سيمنز» أكثر من 1.1 مليار دولار أميركي في روسيا خلال العامين الماضيين، وهي العلاقة التي يقول عنها قيصر إنها يجب أن تستمر. ومن المفترض أن تكون أنغيلا أخذت هذه الملاحظات مأخذ الجد. لا يمكن لأوباما أن يتصرف بخلاف ذلك. ولكن هذا الخبير في القانون الدستوري لا يعرف شيئاً عن روسيا، حيث أنه خلال حياته السياسية القصيرة لم يكن ليفهم كيف تجري الأمور في روسيا، وربما يخشى روسيا. ولم تسفر لهجته الخطابية في بروكسل عن أي شيء على الاطلاق، بغض النظر عن تهديد بوتين بأنه إذا استمر في «عدوانه » ضد شرق أوكرانيا أو حتى ضد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) فإن رئيس الولاياتالمتحدة سيفرض حزمة عقوبات أشد إيلاماً. وليس هناك جديد في ذلك. أيام عصيبة وهم الاحتواء الأميركي لهجة أوباما الخطابية ضد روسيا أمام قادة الاتحاد الأوروبي لم تسفر عن أي شيء على الإطلاق سوى التهديد بعقوبات. أ.ب تحاول مؤسسات الفكر الاميركية خداع الرأي العام الأميركي لكي يعتقد أن إدارة أوباما ينبغي أن تطبق سياسة «الاحتواء» التي طبقتها أميركا خلال الفترة من 1945إلى 1989 من أجل «الحد من تحول روسيا كقوة مهيمنة». وهذه «الوصفة» تهدف إلى تسليح جميع جيران روسيا من البلطيق إلى أذربيجان، «لاحتواء» روسيا. ولا تزال الحرب الباردة الجديدة مستمرة من وجهة نظر ما يسمى بالنخبة الاميركية ولم تنته حقا. وفي الوقت نفسه ترتفع اسهم غازبروم في البورصات العالمية ولا ينبغي أن تتجاهل أوروبا وأميركا هذه الحقيقة. مفاجأة بوتين سيوقع صفقة لتصدير الغاز إلى الصين بقيمة تريليون دولار. أ.ب المفاجأة الكبرى تتمثل في توقيع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين في مايو المقبل صفقة بقيمة تريليون دولار تزود بموجبها شركة «غازبروم» الروسية المؤسسة الوطنية الصينية للنفط بما يصل إلى 3.75 مليار قدم مكعب من الغاز في اليوم ولمدة 30 عاماً، بدءا من العام 2018 . واذا تحدث القادة عن عقوبات اضافية على بوتين فعليهم أن يضعوا في اعتبارهم أن ما لا يقل عن 91% من طاقة بولندا، و86% من طاقة المجر يتم استيرادها من روسيا. بسبب تعرضه للتجريح من قبل آلة الدعاية الغربية المهيمنة ونعتها له بالمعتدي عديم الرحمة لجأ بوتين، مدعوماً من مستشاريه في الكرملين، لممارسة لعبة «صن تزو»، في اشارة إلى الاستراتيجي الصيني العظيم في العصور القديمة، ومما يساعده على ذلك أن من غيروا النظام في كييف مشغولون بالفعل بخلافاتهم الداخلية، إلى حد دفع القائم بأعمال رئيس وزراء أوكرانيا، ارسيني ياتسينيوك، للتنبؤ بأن الأيام المقبلة «ستكون أشد قتامة بالفعل»، مؤكداً أن توقيع الجزء الاقتصادي من اتفاق الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي تأجل، وعليه لن يكون هناك «عواقب سلبية» لشرق أوكرانيا الصناعية. ماذا يقصد ياتسينيوك بذلك؟، يقصد أن اتفاق الشراكة سيكون بمثابة قبلة الموت للصناعة الأوكرانية، والأهم من ذلك هو إعادة الهيكلة التي سيفرضها صندوق النقد الدولي المرتبط بالاتحاد الأوروبي لإنقاذ أوكرانيا المفلسة. تغيير قواعد اللعبة أوردت النسخة الالكترونية من صحيفة «آسيا تايمز»، أن « هناك شبحاً يطارد أوروبا، وهو شبح التحالف الروسي الصيني الذي تأسس على حساب أوروبا». وهذا التحالف قائم بالفعل، وتجلى بشكل واضح في اجتماع «مجموعة العشرين»، ومجموعة «البريكس» التي تضم كلا من البرازيلوروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وفي منظمة شنغهاي للتعاون. كما أن هناك تعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية (نظام الدفاع الجوي إس - 500 فائق التطور)، والذي ستكشف عنه موسكو، والذي تتوق بكين للحصول عليه. ولمعرفة المفاجأة الكبرى علينا أن ننتظر بضعة أسابيع عندما يزور بوتين بكين في مايو المقبل، ليوقع صفقة بقيمة تريليون دولار تزود بموجبها شركة «غازبروم الروسية»، المؤسسة الوطنية الصينية للنفط بما يصل إلى 3.75 مليار قدم مكعب من الغاز في اليوم ولمدة 30 عاماً، بدءاً من عام 2018 (احتياجات الصين من الغاز في الوقت الراهن تصل إلى 16 مليار قدم مكعب في اليوم). وتحصل «غازبروم» على معظم ارباحها في الوقت الجاري من أوروبا، إلا أن آسيا هي مستقبلها الزاهر. وعلى الجبهة المنافسة فإن «ثورة الزيت الصخري» في أميركا هي أقرب إلى الأسطورة، وإن هناك شك في الادعاء بأن هذه الثورة ستجعل الولاياتالمتحدة تزيد فجأة صادرتها للغاز لبقية انحاء العالم في وقت قريب. وسوف تستخدم «غازبروم» العائد من هذه الصفقة الضخمة لتعزيز استثمارها في شرق سيبيريا، والتي عاجلاً وليس آجلاً ستصبح مركزاً متميزاً لشحنات الغاز إلى كل من اليابان وكوريا الجنوبية. وهذا هو أهم سبب في عدم لجوء أسيا إلى عزل روسيا. ولا ننسى أن روسياوالصين ستوقعان صفقة «غازبروم» باليوان الصيني أو والروبل الروسي، وسيكون هذا إيذانا ببزوغ فجر جديد من سلة من العملات تعتبر كعملة احتياطية دولية جديدة، وهذا سيحقق بالفعل الهدف الرئيسي والنهائي لدول «البريكس»، المتمثل في إرساء دعائم اقتصادية جديدة وحقيقة على أرض الواقع. حيرة أوروبية بسبب تضاؤل مركزيتها بالمقارنة مع آسيا فإن أوروبا، بطبيعة الحال، ليست «منطقة استهلاكية» بالنسبة لروسيا، وكانت هناك مشادات في بروكسل من قبل بعض دول (الناتو) ضد مقترح إلغاء خط انابيب «ساوث ستريم»، والذي يضخ الغاز الروسي تحت البحر الاسود (متجاوزا أوكرانيا) وصولا إلى بلغاريا والمجر وسلوفينيا وصربيا وكرواتيا واليونان وإيطاليا والنمسا. ويدعو وزير الاقتصاد والطاقة البلغاري، دراغومير ستوينيف بعدم إلغائه بأي حال من الأحوال، والشيء نفسه بالنسبة لدولة التشيك، لأنهما في حاجة ماسة إلى الاستثمار الروسي، وأيضا المجر، التي وقعت أخيراً اتفاقية للطاقة النووية مع موسكو. الاحتمال الآخر والأخير بالنسبة للاتحاد الأوروبي للتزود بالغاز هو مشروع غاز بحر قزوين، من أذربيجان لأوروبا عبر خط (جيهان – باكو - تبليسي)، كبديل عن الخط الروسي الممتد عبر أوكرانيا، وفق رؤية مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، زبيغنيو بريجنسكي، حيث أن هذا الخط تم تخطيطه ليتجاوز كل من روسيا وإيران. ويتم التخطيط لهذا الخط كما لو أن الاتحاد الاوروبي يتمتع بالإرادة ويتصف بالسرعة ولديه الاستعداد لينفق مليارات الدولارات لبناء خط أنابيب آخر تقريباً في وقت قريب جداً، وعلى افتراض أن أذربيجان لديها طاقة كافية من امدادات الغاز جاهزة للتصدير (ليس لديها في الحقيقة ما يكفي من الغاز للتصدير، أما اللاعبين المقتدرين الآخرين مثل كازاخستان أو تركمانستان لا يمكن الاعتماد عليها لأنها تفضل بيع غازها إلى الصين). حسناً، لا أحد يريد أن يراهن على بيروقراطيي بروكسل (مسؤولي دول الناتو) الحائرين ليخسر أمواله، إذ إن مشروع «ساوث ستريم» ومشاريع الطاقة الأخرى سوف تخلق الكثير من فرص العمل والاستثمار في العديد من دول الاتحاد الأوروبي الأكثر اضطرابا. وإذا تحدث القادة عن عقوبات إضافية على بوتين فعليهم أن يضعوا في اعتبارهم أن ما لا يقل عن 91% من طاقة بولندا، و86% من طاقة المجر يتم استيرادها من روسيا. وإن 20% من القروض الأجنبية التي تمنحها بنوك فرنسية تستدينها شركات روسية، أيضا هناك ما لا يقل عن 68 شركة روسية يتم تداول أسهمها في بورصة لندن. وبالنسبة للشركة السياحية الفرنسية العالمية، «كلوب ميد»، التي تمتد فروعها في كثير من أنحاء العالم، فإن السياحة الروسية تعتبر الآن شريان الحياة لهذه الشركة (مليون سائح روسي في إيطاليا استقطبتهم هذه الشركة العام الماضي، على سبيل المثال). بيبي اسكوبار - صحافي برازيلي متخصص بالصحافة الاستقصائية الامارات اليوم