جاء توقيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما الجمعة الماضي، قانونًا يمنع فعليًا دبلوماسيًا إيرانيًا من شغل منصبه كسفير لبلاده في الأممالمتحدة، للاشتباه في أنه شارك في أزمة احتجاز الرهائن بالسفارة الأمريكية في طهران بين عامي 1979 و1981. بالتزامن مع إعلان واشنطن الإفراج عن دفعة جديدة بقيمة 450 مليون دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة بعد أن نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا يؤكد احترام إيران لتعهداتها النووية!!. فيما تثبت أفعال واشنطن تجاه إيران أنها تتعامل معها بسياسية غير متوازنة وهذا ما تدل عليه أفعالها، فتوقيع أوباما قانونًا أقره الكونجرس الأمريكي يمنع أي أحد يتبين أنه كان ضالعًا في أنشطة تجسس أو إرهاب ضد الولاياتالمتحدة من دخول البلاد أو إذا كان الشخص يشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، ربما لم تجده طهران غير موفق أو لم تأبه به، بعد أن أصرت على توسيع دائرة المعركة إلى أن تفصل المنظمة الدولية نفسها في تلك الإشكالية. وتكمن أهمية الأزمة التي اندلعت فجأة بين إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية، على خلفية رفض الأخيرة منح تأشيرة دخول للسفير الإيراني أبوطالبي، الذي رشحته طهران لتولي منصب المندوب الإيراني الدائم في الأممالمتحدة، في أنها تكشف عن عمق المشكلات التي تعوق مجرد تحسن العلاقات الإيرانية - الأمريكية، بعد أكثر من 3 عقود على قطعها، رغم التطورات العديدة التي طرأت على الساحة في الفترة الأخيرة، وعلى رأسها المفاوضات المستمرة بين إيران ومجموعة «5+1» للوصول إلى اتفاق نهائي وشامل لأزمة الملف النووي الإيراني، قبل انتهاء المهلة التي حددها اتفاق جنيف المرحلي في 20 يوليو المقبل. ولفترة زمنية غير قصيرة ساد انطباع بأن مشكلة عودة العلاقات الإيرانية - الأمريكية المقطوعة منذ أكثر من 3 عقود، تكمن في رفض إيران لذلك رغم الإلحاح الأمريكي المتكرر الذي تصاعد مع بداية الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي وجه رسائل عديدة إلى إيران لإجراء حوارٍ بين الطرفين. لكن تطورات عديدة تشير إلى أن المشكلة ربما تكون أمريكية بقدر ما هي إيرانية، وهو ما يعود إلى بعض الأحداث التي مثلت علامات فارقة في الولاياتالمتحدة، وكانت إيران رقمًا مهمًّا فيها، على غرار اقتحام السفارة الأمريكية في طهران، واحتجاز 52 رهينة لمدة 444 يومًا، بدءًا من 4 نوفمبر 1979، وحتى 20 يناير 1981، وتفجير ثكنة قوات المارينز الأمريكية في بيروت عام 1983. وذلك لا ينفي إمكانية عودة العلاقات بين الطرفين في مرحلة ما، رغم الصعوبات العديدة التي تحول دون ذلك، لكنه يعني أن ثمة قضايا، وربما بمعنى أدق خلافات، لا بد من تسويتها في البداية قبل الولوج في الاتفاق على عودة فتح السفارات في واشنطنوطهران، خاصة أنها تحظى باهتمام ملحوظ على مستوى الشارع إلى درجةٍ تحولت معها إلى قضايا رأي عام. تصاعد حدة الجدل حول العلاقات الإيرانية - الأمريكية ربما ليس جديدًا في إيران، حيث يتعمد المحافظون الأصوليون المتشددون، خاصة بعد وصول الرئيس روحاني إلى السلطة، استغلال أية مناسبة لتأكيد رفض السياسة الأمريكية إزاء إيران، لكن الجديد في هذا السياق، هو أن هذا الجدل انتقل إلى العاصمة الأمريكية، بعد ترشيح إيران للدبلوماسي حميد أبو طالبي مندوبًا لها في الأممالمتحدة، وهو حسب تقارير عديدة، أحد الطلبة المشاركين في اقتحام السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، وهو ما دفع واشنطن إلى إبلاغ طهران بأن اختيارها أبو طالبي ليكون سفيرًا لها في الأممالمتحدة «غير قابل للتنفيذ». هذا القرار الأمريكي يمكن تفسيره في حرص إدارة أوباما على تجنب التعرض لمزيد من الضغوط الداخلية، سواء من جانب الرأي العام، أو من قبل الكونجرس الأمريكي، ليس فقط بسبب الانتقادات القوية التي تواجهها على خلفية سياستها «المرنة» مع طهران، خاصة مع تهديد أوباما باستخدام الفيتو في حالة إصدار الكونجرس قرارات بعقوبات ضد الأخيرة، ولكن أيضًا بسبب الأهمية البالغة التي تحظى بها قضية اقتحام السفارة على مستوى الشارع. واللافت في هذا السياق هو أنه تمت إثارة القضية نفسها في أوائل حكم الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، عندما تصاعد الجدل حول مشاركته في عملية اقتحام السفارة عندما كان طالبًا في جامعة العلوم والتكنولوجيا، وهو ما دفع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش إلى فتح تحقيق في القضية. لكن المفارقة تكمن في أن بعض المقتحمين للسفارة الأمريكية أصبحوا كوادر وقادة بارزين في التيار الإصلاحي في إيران، الذي يدعو إلى الانفتاح على الخارج وبالتحديد الولاياتالمتحدة، مثل عباس عبدي، الذي اتهم للمفارقة، في عام 2003، ب»التجسس وتقديم معلومات إلى أعداء النظام»، كما أن معصومة ابتكار، نائبة الرئيس روحاني لشؤون البيئة، تولت مهام المتحدث الرسمي باسم الطلبة خلال أزمة اقتحام السفارة الأمريكية، هذا التغير الواضح في التوجهات يشير إلى أن ثمة فرزًا مستمرًا داخل أنصار وكوادر النظام، بشكل يدفع البعض إلى تبني توجهات ربما لا تتوافق بشكل كامل مع النظام، أو حتى الخروج من عباءة ولاية الفقيه في بعض الأحيان، وهو ما يبدو جليًّا بعد الأزمة السياسية التي شهدتها إيران عام 2009 بسبب الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية، حيث بدأ البعض في الدعوة إلى فرض قيود على صلاحيات المرشد الأعلى (الولي الفقيه)، ومن بينهم بعض أقطاب الطلبة الذين اقتحموا السفارة الأمريكية في عام 1979. بل إن من يوصفون اليوم في إيران بأنهم قادة «تيار الفتنة» كانوا كوادر مقربة من الخميني نفسه، وقاموا بأدوار رئيسة داخل النظام في فتراته الأولى، على غرار مير حسين موسوي الذي تولى منصب رئيس الوزراء في العقد الأول من الثورة، وقت أن كان علي خامنئي رئيسًا للجمهورية. إن ما سبق في مجمله يطرح دلالتين: أولاهما، أن هناك «جماعات ضغط» متبادلة في طهرانوواشنطن ضد تحسين العلاقات بين الطرفين، ورغم أن ذلك لا ينفي إمكانية السير في هذا الاتجاه في المستقبل، إلا أنه يعني في المقام الأول، أن ثمة «ملفات شائكة» لا يمكن تجاهلها في هذا الإطار، وستبقى حجر عثرة أمام أية جهود تُبذل لتحقيق ذلك ما لم يتم تسويتها. وثانيتهما، أن تدوير المناصب وتغيير الأشخاص داخل النظام الإيراني لا يؤثر كثيرًا في سياساته، إلا في حالة واحدة، هي أن يكون هناك اتجاه عام داخل النظام مؤيد لإجراء تغييرات في تلك السياسات، على غرار ما يحدث حاليًّا في عهد الرئيس روحاني، الذي لم يكن باستطاعته تحقيق اختراق في بعض الملفات، دون أن تكون الظروف داخل النظام مواتية لذلك. خلاصة القول، هي أنه ربما تكون هناك مواءمات أو نقاشات خلف الستار فيما بين البلدين لاسترجاع العلاقة فيما بينهما حتى وإن كانت خفية لبعض الوقت، وهذا ما تثبته لنا الأيام، فحتى قبل أيام عندما شوهدت طائرة صغيرة تحمل العلم الأمريكي في مطار طهران الدولي، وسرعان ما أعلنت إيران بأن الطائرة كانت تحمل وفدًا تابعًا لرئيس غانا، فيما أعلنت مصادر إيرانية (طلبت عدم كشف هويتها) لصحف عالمية أن الطائرة كانت تحمل وفودًا خاصة من البنك المركزي الإيراني لتكملة المفاوضات حول فك تجميد أصول وأموال إيرانية في دول خارجية منها على الأخص أمريكا، ما يثبت ازدواجية واشنطن تجاه إيران فتارة تتعامل معها كأنها أشد أعدائها، وأخرى تحاول تسهيل تسيير أموالها الخارجية، وأحيانًا التساهل في الملف النووي الإيراني. المزيد من الصور : صحيفة المدينة