لعامين متواليين ظلت الطفلة إميلي وايتهيد، التي تبلغ من العمر 6 أعوام، تقاوم مرض اللوكيميا بشجاعة . ولكن في إبريل/نيسان الماضي، وبعد تعرضها لإغماءتين خلال جلسات العلاج الكيماوي وصلت أسرتها إلى مرحلة من اليأس كادت تفقد فيها الأمل في شفائها تماماً . إميلي لم تتمكن من البقاء في حالة تعافٍ فترة طويلة تسمح للأطباء بإجراء عملية زرع نخاع "أو نقي" عظم لها . وبعد استنفاد كل وسائل العلاج التقليدية الممكنة قرر والداها اليائسان توم وكاري البحث عن خيارات علاجية أكثر جرأة . ولذلك تحولوا لمركز السرطان في مستشفى فيلادلفيا للأطفال، الذي يشارك في اختبار علاج جديد وثوري . اقترح الأطباء إشراك إميلي في تجربة إكلينيكية يستخدم فيها شكل مثبط "أو مُقعد" من فيروس نقص المناعة المكتسب "فيروس الأيدز" لنقل جينات مقاومة السرطان لخلايا مقاومة المرض" . وكان الأطباء يأملون أن تؤدي هذه العملية لإعادة برمجة نظامها المناعي بحيث يتمكن من ملاحظة ورصد الخلايا السرطانية ومن ثم يعمل على إماتتها . وقال الأطباء إن عدة مرضى بالغين سبقوا إميلي في المشاركة في تجربة بحثية مماثلة في مستشفى جامعة بنسلفانيا واستجابوا لهذه التقنية العلاجية بشكل جيد، ولأنها تعد تجربة علاجية حديثة للغاية، قال الأطباء أنها لا تخلو من المخاطر . لكنها تعتبر حتمية لإميلي لأنها كانت تصارع الموت والانتظار لم يكن في مصلحتها . وقال والد إميلي: "قال لنا الأطباء إن أمامنا 48 ساعة لكي نتخذ فيها قراراً ونحسم أمرنا أو سنجعلها عرضة لفشل الأعضاء" . واضاف: فكرنا ان العلاج إذا لم يجدِ مع إميلي فعلى الأقل سيوفر للأطباء معلومات طبية مفيدة تسهم في معالجة وإنقاذ أطفال آخرين . وهكذا وفي 17 أبريل/نيسان الماضي باتت إميلي أول طفل يتلقى هذا العلاج الذي يعرف ب CTL019 . وقد حذر الأطباء أسرة إميلي من إمكانية إصابتها بأعراض شبيهة بنزلة البرد بعد بضعة أيام من حقنها بخلاياها الخاصة بمقاومة المرض والتي ستعاد هندستها وتحقن بها مرة أخرى . بيد أن الأعراض التي كانت تعاني منها كانت أشد خطورة مما كان الأطباء يتوقعون . وفي تلك الفترة أصبح وضعها الصحي حرجاً ونقلت لقسم العناية المكثفة في مستشفى الأطفال . وفي 24 أبريل/نيسان، قال الأطباء لوالديها أن فرص بقائها حية في تلك الليلة لا تتجاوز واحد على ألف . وقد أدرك رئيس الفريق الذي كان يشرف على تنفيذ هذه التجربة العلاجية، الدكتور ستيفان غروب وفريقه المعاون أن مستوى بروتين معين أصبح مرتفعاً للغاية بسبب نمو خلايا مقاومة المرض "خلايا T" في جسمها . ويسهم هذا البروتين في الإصابة بالالتهاب المفصل الروماتويدي، وثمة عقار لهذا المرض يوقف إفرازه . وبالفعل منح الأطباء هذا العقار لإميلي، وفي ليلة واحدة حقق نتائج باهرة، إذ تحسن تنفسها، وانخفضت درجة حرارتها وعاد ضغط دمها لوضعه الطبيعي . وقالت والدتها إن ابنتها تتحمل المرض بشجاعة نادرة، وإنهم استلهموا منها المقدرة على التكيف لأنها تكون دائماً مرحة ولا تتذمر أو تشكو من مرضها . وقال والدها إنها منذ بداية مرضها أخبرتهم بأنها ستقاوم وستستمر في النضال حتى تتعافى من هذا المرض . وبعد عدة أسابيع من إدخال خلية T في جسمها، تمكن الأطباء من إجراء اختبار نقي عظم لمعرفة ما إذا كان العلاج قد حقق النتائج المرجوة . وقال الدكتور غروب: "بعد 3 أسابيع من خضوعها للعلاج، كانت إميلي تتعافى، وقد استجابت تماماً لعلاج خلية T . لقد راجعنا حالة نخاعها العظمي" بعد 3 أشهر وبعد 6 أشهر من العلاج، ولم نجد أية آثار للمرض . خلايا T المقاومة للسرطان لا تزال موجودة في جسمها . وقال الأطباء أن تعافي إميلي ينبغي أن يستمر لعامين، يبدأون بعدها في التفكير في اكتمال شفائها من عدمه . ولكن بعد قضائها سنوات في العلاج، ذهبت إميلي للمنزل في يونيو/حزيران وهي تستمتع حالياً بالذهاب للمدرسة، ولعب كرة القدم والتنزه مع كلبها . ويقول والدها: "العلاج بخلية T كان الخيار الوحيد المتاح لإميلي، ونحن أدخلناها في التجربة كان يحدونا الأمل، ومنذ البدايات الأولى انتابنا إحساس جيد حيالها . وطوال فترة العلاج كنا متفائلين بنجاح التجربة، وبالفعل نجحت" . وقال العلماء أن النتائج تعتبر واعدة ومبشرة، ولكن لا بد من إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات للتحقق من مأمونية العلاج ومقدرته على وطول مداه الزمني ومقدرته على السيطرة على سرطانات معينة تصيب الأطفال والبالغين . وقال كين كامبل مسؤول الإعلام في هيئة أبحاث اللوكيميا والليمفوما في المملكة المتحدة، إن نتائج الدراسة تعتبر مشجعة للأطفال والبالغين الذين شخصت إصابتهم بمرض اللوكيميا . وأوضح ان العلاجات التي تعدل آلية عمل الجهاز المناعي لكي يحارب اللوكيميا، أظهرت نتائج واعدة في الأعوام الأخيرة . والأمر المهم المتعلق بهذا العلاج يتمثل في تقليله للآثار الجانبية الشديدة حينما يعمل مؤتلفاً مع أدوية وعقاقير أخرى . جدير بالذكر أن الباحثين في جامعة بنسلفانيا ومستشفى فيلادلفيا للأطفال عرضوا نتائج تجاربهم وأبحاثهم الأخيرة في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لأبحاث الدم الذي انعقد في ولاية أتلانتا . وقال الباحثون إن 9 من أصل 12 مريضاً شاركوا في التجربة، التي شملت إميلي وطفلاً آخر، استجابوا للعلاج . وفي العام المقبل يفترض أن يعالجوا دفعة أخرى من المرضى قوامها 12 مريضاً أيضاً . العلاج الرائد الذي يعيد منظومة تركيب الجهاز المناعي لمحاربة السرطان في مايو 2010 شخصت إصابة إميلي بأشد أنواع سرطانات الطفولة شيوعاً، وهو مرض- ليمفوبلاستيك لوكيميا- الحاد الذي يعرف اختصاراً بالإنجليزية ب "ALL" . ولسوء الحظ كانت حالتها من النوعية المقاومة للعلاج التقليدي . وكما أسلفنا خضعت إميلي لعلاج تجريبي يسمى CTL019 . وفي حالات سرطان معينة، تشمل نوع ALL الذي كانت إميلي تقاومه، تتحول مجموعة جزئية من الخلايا في الجهاز المناعي للوكيميا . وهذه يطلق عليها خلايا بي . وهنالك مجموعة خلايا أخرى في الجهاز المناعي، تسمى خلايا تي "T"، وهي تلحظ وتهاجم المرض الغازي . ولكن في حالة السرطان مثل ALL ، تتسلل خلايا اللوكيميا المتطرفة بعيداً عن رادار خلايا تي "T" التي يفترض أن ترصده وتميتها . ولتنفيذ هذه المهمة استخدم الأطباء فيروس أيدز "HIV" تالف "يسمى لينتيفيروس" لنقل مستقبلات خاصة لخلايا تي "T" . ويقول الأطباء إنه لا يوجد خطر من الإصابة بالأيدز من لينتيفيروس . وحينما تعاد الخلايا التي خضعت لعملية إعادة هندسة، تتبعثر وتنتشر في الجسم لكي تجد خلايا بي المسرطنة وتميتها . وتلقت إميلي عقاراً إضافياً يستخدم لمعالجة إلتهاب المفصل الروماتويدي للتخلص من آثار جانبية للعلاج وظلت في مرحلة تعافي فترة 7 أشهر .