قفز زعيم "الحوثيين" الى الساحات للتخندق وراء الشارع الغاضب من اقرار الجرعة التي أثقلت كاهله.. ورفع الحوثيون شعار إسقاط الجرعة وحكومة الوفاق وتنفيذ مخرجات الحوار، ودعى الحوثي أنصاره وجميع فئات الشعب للخروج إلى الساحات في كل محافظات الجمهورية لاستكمال أهداف الثورة التي يدعيها. إلى هنا تتضح صوابية كبيرة في خطاب وممارسات الحوثيين، لكن ما لم يستطع أحد تفسيره هو مضي السيد لتطويق صنعاء بالمسلحين.. ليعكس بهذا السلوك توجهاً مغايراً لتوظيف المطالب الشعبية التي تبناها ليتستر خلفها بأجندات خاصة أفقدته حتى شعبية المتعاطفين معه على امتداد جغرافيا اليمن، كما وضع زعيم الحوثيين نفسه وأنصاره في زاوية ضيقة وبلا منفذ في مواجهة الدولة والمرحلة الانتقالية وكل القوى السياسي والمجتمع الدولي وهذا ما قطع الخيارات الأخرى المتاحة بيد الحوثي كالتصعيد السلمي المتسلسل من الاحتجاج إلى التظاهرات إلى الاعتصامات المتواصلة في الساحات إلى العصيان الجزئي إلى الشامل لتحقيق مطالب الشعب التي تبناها. الخطاب الحاد والمشحون بالتهديد والخيارات المفتوحة والبرنامج الزمني المغلق يحتم على زعيم الحوثيين خيار المواجهة المسلحة ودخول صنعاء، لكن هذا الخيار كمن يمشي على حقل ملغوم أو يقفز وهو مكبلاً من سطح مبنى شاهق. ويبدو ان زعيم الحوثيين وحضوره في دعم مطالب الشارع اليمني بإسقاط الجرعة وبخطاباته الحادة أوصل رسالة مشوشة لرئيس الجمهورية منحت خصوم الحوثي فرصة العمر لتأليب الرئاسة وقادة القوى السياسية وسفراء الدول العشر ضده. ورغم ذلك إلا أن الرئيس هادي تعاطى مع المشكلة في اتجاهين: استمرار مفاوضة زعيم الحوثيين والتحرك على الأرض بالاجتماع بالمجلس العسكري الأعلى والاستعداد برفع الجاهزية تجنباً لأي خطوة متهورة للحوثيين لاقتحام العاصمة أو استعداداً لما بعد الجمعة التي أعلنها زعيم الحوثيين الموعد النهائي لتنفيذ مطالب الشعب أو البدء بالخيارات المفتوحة.. الزعيم الحوثي صنفه بعض المراقبين بالبطل في الزمن الخطأ، إذ رأوا قفزه لتبني مطالب الشارع الاحتجاجية ضد الجرعة توظيفاً سياسياً أثارت حفيظة المجتمع وتنطبق عليها مقولة "كلمة حق يراد بها باطل" هذا لأن زعيم الحوثيين مع تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي تنص إحدى مخرجات الحوار بإجراء اصلاحات اقتصادية لإعادة الروح للاقتصاد الوطني الذي يقع على هاوية الانهيار الكلي، وهذا ما يلزم مكون أنصار الله بالتعاطي مع الجرعة تعاطياً عقلانياً ينطلق من مبدأ (فقه الضرورات) أو تقديم خيار بديل وعملي وقابل للتنفيذ حتى لا يجد نفسه في خصومة المرحلة الانتقالية وفي مواجهة شعبية قد ملت من التظاهرات التي أسفرت عن تعطل الحياة العامة طيلة السنوات الماضية ويحلم بانتقال إلى وضع أفضل معيشياً وأمنياً. المواطن العادي صار أسير شبح الحرب إذا ما قامر السيد والرئيس، لكنه مع نهج الحوار ويدرك ان تفجير الوضع ليس لصالح أحد.. والمواطن قبل غيره من سيدفع فاتورة باهظة، كما ان البديل للجرعة ليس جاهزاً ولا مأموناً إذا ما علمنا أن الاقتصاد مهدد بانخفاض حاد في سعر العملة اليمنية، وهو احتمال قائم وخطره أكبر من خطر الجرعة.. وحصاد الحرب الخراب لذا لا خيار للمواطنين إلا بتوقف التصعيد من الطرفين وتحكيم العقل بما يجنب البلد الانفجار الكارثي، مع التأكيد على ضرورة الإسراع بمعالجات موازية للأوضاع المعيشية وتلافي الاخفاق بسرعة تشكيل حكومة كفاءات. ومعلوماً أن هذا الخيار الشعبي يغلق الأبواب أمام تدخل أي طرف ثالث ينزع لتفجير الوضع لاغراق الحوثي والرئيس هادي في حرب عبثية ستجعلهم لقمة سائغة لخصومهم كما سيدفع بالبلد إلى الهاوية. وليس خافياً تخوف الناس من كيد طرف ثالث معلوم للجميع "تنظيم الإخوان" الذي قد يدفع بعناصره إلى وسط الاحتجاجات لتدشين مرحلة العنف ضد أفراد الجيش والأمن بهدف اشعال الصراع بين أنصار الحوثي والجيش.. أو قد يستغل هذا الطرف الثالث حضوره في مفاصل الجيش والأمن فيدفع بمواليه باستخدام العنف ضد المحتجين من المواطنين وأنصار الحوثي ليفجر مواجهات كارثية على الوطن والشعب.