إذا كانت الأرض تشكّل المحور الأساس للمشروع الصهيوني ، فإن الوقائع أثبتت كم كان مستوى الوعي الوطني لدى الشعب الفلسطيني حين أدرك بشكلٍ مبكّر خطورة ما يقوم به كيان الإحتلال تجاه الإنسان والأرض الفلسطينية من مصادرة وتهويد وتطهير عرقي وتمييز عنصري وبالتالي لم يكن يوم الأرض الفلسطيني مجرد مناسبة سنوية عابرة يحتفي بها الشعب الفلسطيني أينما تواجد كي يستحضر فيها شهداء يوم الأرض الستة الذين ضحّوا بأرواحهم الطاهرة بتاريخ الثلاثين من أذار عام 1976 م ، من قرى المثلث سخنين وعرابة ، وكفر كنّا ونور شمس ، وهم يواجهون بصدورهم العارية وحشية الألة العسكرية الإحتلالية حسب ، إنما هي قضية وجود وصمود بعد مصادرة مايقارب مليون دونم منذ عام1948 ولغاية عام1972م وبداية تحرك الربيع الفلسطيني حيث أضحى أيقونة كل الأيام الفلسطينية الكفاحية التي تعبّر عن مركزية الصراع ووحدة الشعب في مواجهة المخططات الرامية إلى ابتلاع الأرض واقتلاع أصحابها الشرعيين بدأت بالتزامن مع النكبة المشؤومة وإحلال المُستجلبين الغرباء من كافة أصقاع الأرض مكانهم ولا زالت مستمرة حتى يومنا هذا ، ذلك الخطر السرطاني الداهم الذي أجّج المشاعر الإنسانية والوطنية ما جعل الجماهير الفلسطينية تهبّ للمرة الأولى على قلب رجل واحد دون تخطيط مسبق دفاعاً عن أرض الآباء والأجداد وعن تاريخهم الضارب جذوره على هذه الأرض منذ الأزل ، مناسبة عظيمة يتجدّد فيها التمسك بالحقوق والمساواة ويوم وطني يشّل فيه الإضراب العام مختلف مناحي الحياة لتأكيد البقاء والتصدي لكل المحاولات التي من شأنها طمس الهوية الفلسطينية. بعد ثمانٍ وثلاثين عاما على صرخة يوم الأرض لازالت حكومات الإحتلال المتعاقبة على مختلف انتماءاتها الحزبية تنتهج طريق التوسع الإستعماري والسطو على الأرض ونهب الممتلكات الفلسطينية بشتى الوسائل المزيفّة وشق الطرق الإلتفافية من الجليل إلى النقب المستهدف من بحرها إلى نهرها ، بما في ذلك الأراضي المحتلة بالضفة الفلسطينية مؤمنّة الحماية والرعاية والغطاء الدولي اللازم وجعلها غير خاضعة للمسائلة باعتبارها دولة مارقة فوق القوانين وقرارات الشرعية الدولية من خلال تحالفها الإستراتيجي الذي لاينفصم عراه مع الولاياتالمتحدةالأمريكية الشريكة لها بالعدوان على حقوق الشعب الفلسطيني ، كما يرى العالم المسكون بالإزدواجية المقيتة والذي لايحركّه ساكناً سوى مصالحه الحيوية ويخوض الحروب ويدّمر كيانات ودول سعياً وراء رائحة النفط وثروات الشعوب المغلوب على أمرها وأسواق تصريف الأسلحة كيف تبنى الجدران العازلة وتقطّع أوصال الأرض وتقام الكانتونات ويستعاد نظام الأبارتهايد العنصري في القرن الحادي والعشرين وتستباح المقدسات ويحاصر الشعب الأعزل وتضيقُ به الأرض أمام حواجز الذل والمهانة وكأن الذي يحدث في كوكبٍ أخر أو أن الذين يتعرضون لكل هذا الظلم الجائر ليسوا في الحسبان الإنساني فأيِ عدالةٍ وحريةٍ وكرامةٍ إنسانية وقانون دولي تلك التي يتحدثون عنها في المحافل الدولية ومنابر الخطابة وتكون في كثير من الأحيان سبباً مباشراً للحروب والغزو عند تعلق الأمر بمصالحها وحساباتها الخاصة . اليوم تواجه الأراضي الفلسطينية هجمة استيطانية استعمارية بوتائر غير مسبوقة أعلنت عنها حكومة الإحتلال بإطلاق ألاف الوحدات السكنية كما تستهدف مدينة القدسالمحتلة وفصلها عن محيطها الجغرافي والديمغرافي ليس أخرها مخطط بناء كنيس يهودي يبعد مائتي متر فقط عن المسجد الأقصى أسمته "جوهرة إسرائيل" يأتي ذلك تحت ستار "عملية السلام "المزعوم ، إذ انتهزت فرصة المفاوضات العقيمة التي لا طائل منها سوى كسب الوقت من أجل فرض الوقائع على الأرض بما يعزّز احتلالها الدائم في ظل التراخي الدولي والحماية من المسائلة القانونية التي ترعاها الإدارات الأمريكية ، فضلاً عن التحولات الجارية في المنطقة العربية التي انحسر دورها القومي باتجاه معالجات أوضاعها الداخلية وتفاقم الخلافات بينها وتكتفي في أحسن الأحوال القبول بما يقبله الطرف الفلسطيني أزاء عملية التسوية السياسية ، ما يعني استفراد كيان الإحتلال بالشعب الفلسطيني وطرح مقاربات سياسية يرفع لوائها وزير الخارجية الأمريكي من منظور اسرائيلي لايمكن لعاقل القبول بها مهما ترتبت عليها من نتائج ، لعلّ تنكر حكومة الإحتلال لإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى ماقبل اتفاق أوسلو يشكّل مناسبة تستدعي وقف المفاوضات مع الجانب الأمريكي الذي جاء يبرر سلوك الإحتلال ويخشى انفراط عقد حكومة الإئتلاف العنصري في حال تم إطلاق سراح أسرى الداخل الفلسطيني ويطالب بالمقايضة لتمديد المفاوضات لمدة تسع أشهر جديدة مقابل الإفراج عنهم. لقد حان الوقت لأن يدرك الجميع أن إمكانية الوصول إلى حلٍ عادل يعيد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ويعيد لاجئيه إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها مع كيان الإحتلال ما هو إلا ضرباً من الخيال ويجافي منطق الأشياء فإسرائيل تريد سلطة أو دولة أو إمبراطورية حتى لا مشكلة لديها بالمسميات طالما تؤدي الغرض المطلوب والهدوء المنشود تكون بمثابة وكيل للإحتلال يعفيها من الخدمات الأمنية والبلدية وهذه الوظيفة لا تليق بنضالات الشعب الفلسطيني حتماً الذي أبهر لعالم بمدى إصراره على انتزاع حقوقه المشروعة مهما كانت التضحيات ، وبالتالي لابد من تصويب المسار الوطني وترتيب البيت الداخلي على أسس جديدة تستند إلى عناصر استنهاض الطاقات الكامنة لدى شعبنا بما يعيد ألقها الكفاحي الذي أظهرته في يوم الأرض وهبّة الدفاع عن الأقصى والإنتفاضات الفلسطينية العارمة وثقافة البناء والإعمار والوحدة الوطنية والإبداع من أجل مستقبل أفضل. [email protected]